من ذاكرة مدينة الرفاعي .... (شارع الاطباء الحالي )
من ذاكرة مدينة الرفاعي ....(شارع الاطباء الحالي)
شارع الاطباء واسمه الاخر الاقدم (شارع بيت السوز ) هو قلب المدينة النابض وشريانها الحيوي ووسطها الذي يكاد يشطرها الى نصفين شمالي والاخر جنوبي , وهو شارعها التراثي العتيق العابق بذكريات ماضيها الجميل وايامها الغاربه .
كان قديما سوقها الرئيسي الكبير الذي رافق نشوؤها وتطورها منذ بداية تأسيسها عام 1880م عندما كان يعج بحركة البيع والشراء في محلاته ودكاكينه العامرة المكتضة بالمتبضعين قبل ان يتعرض لحريق هائل وذلك في اربعينات القرن الماضي وتشب فيه النار لتأتي على جميع محتوياته وتلتهم كل شيئ فيه وتحولها الى اكوام من ركام ورماد , حينها بادر المرحوم الشيخ موحان الخير الله ليعوض ما لحق بالمدينة من خراب ودمار فأمر ببناء سوق مسقف جديد وحديث في مكان اخر في المدينة فكان سوقا منظما جميلا واسعا وكبيرا يخترق المدينة طولا وعرضا وأصبح في ذلك الزمن من أجمل و أرتب و أكبر جميع اسواق مدن المحافظة الاخرى .
وهو اول شارع داخل مدينة الرفاعي تطاله يد الاعمار وذللك في مطلع الخمسينات بعد الشارع الرئيسي العام الموازي لنهر الغراف والذي كانت تتواجد فيه معظم الدوائر الرسمية الحكومية فشمل هذا الشارع بالتعديل و ( القص ) فدخلته البلدوزرات والحادلات لتساوي فيه الانقاض والتراب , وكنا نحن اطفال هذا الشارع ننظر بدهشة وتعجب الى السيارات التي تحمل التراب وتقلبه ( اللوري القلاب ) ونحن نرى ذلك لاول مرة ويتملكنا نوع من الخوف والفرح وبعد مغادرتها نهرع الى اكوام التراب لنتسلقها ونتدحرج من فوقها نلهو ونلعب ونردد بأعلى اصواتنا وبكل عفوية مع بقية اطفال هذ الشارع ( عمي يبو الكلابه .... ذب التراب وشيل الحطابه ) , ولم تمضي ايام طويلة حتى تم تعبيد هذا الشارع بالاسفلت ورصفت جوانبه وزينت الانوارالكاشفة البيضاء اعمدة الكهرباء في وسطه فزادته جمالا وتنويرا .
ومرت على هذا الشارع ايام بائسة وحزينه في الستينات وبداية السبعينات عندما غادره الكثير من سكانه القدامى وخاصة العوائل التي سبق وان جاءت من بغداد وما جاورها من مدن اخرى ليعمل رجالها في البيع والشراء والتجارة وسكنوا في هذه المدينة الهادئة الوادعه التي كانت تسمى انذاك ( الكرادي ) وتوطنوا فيها وفي هذا الشارع بالذات لعشرات من السنين وكثرت خيراتهم وتوسع رزقهم ثم هاجروا الى العاصمة بغداد للبحث عن فضاءات اوسع للتجارة والعمل وتركوا جيرانا لهم يعتصرهم الحزن والالم لفراقهم لانهم فقدوا جيران و ناس اعزاء عاشوا معهم اعوام طويلة اشبه بالاسرة الواحدة شاركوهم حلاوة العيش ومرارته وهم يستذكرون ايامهم الماضية وماتركوا من طيبة وافعال حميدة وعيونهم شابحة تنظر بمرارة وأسى الى هذا الشارع الخالي من اهله وناسه القدامى وبيوت فارغة تذروها الرياح .
وفي بداية الثمانينات بدأت الحركة تدب في هذا الشارع من جديد عندما فتح بعض الاطباء عيادات لهم وكذلك بعض الصيدليات وتبعهم عدد من المضمدين ثم استمر فتح العيادات والصيدليات ومحلات للسونار والاشعه والمختبرات وفتحت فيه ايضا مجمعات طبية متكاملة , ومع ازدياد نشاط وحركة الناس في هذا الشارع فتحت العديد من المحلات الاخرى المتنوعة فأمتلأ بهم ولم يعد يسع المزيد منها ففتحت بعض الصيدليات في اماكن اخرى قريبة من هذا الشارع , وبرز بعض من اطبائه الاختصاص المتميزين وزادت شهرتهم وكثرت مراجعات الناس لهم وطغى اسمه الجديد ( شارع الاطباء ) على اسمه القديم الاخر المشتق من اسم اقدم وأعرق عائلة سكنت وتوطنت فيه المشهورة بالكرم وحسن الضيافة ( بيت السوز ) .
والان وقد عادت الحياة الى هذا الشارع مرة ثانية اضعاف ماكانت عليه في اوج نشاطاته السابقة وأصبح على الدوام ممتلأ برواده وسالكيه حتى امست مشكلة هذا الشارع الرئيسية التي يعاني منها اليوم هي اكتظاظه بالناس وشدة الازدحام فيه .
( راغب رزيج العقابي _ قضاء الرفاعي _ محافظة ذي قار )
صورة الشارع عام 1973م ويظهر في اليسار جامع الرسول
صورة الشارع عام 2013م (اثناء خلوه من الماره ) من نفس المكان الذي اخذت به الصوره السابقه ويظهر في اليسار جامع الرسول