أزاهير الهجرة النبوية
يتواصل حديثنا عن الهجرة النبوية وأزاهيرها العطرة وقد علمتنا هذه "الهجرة النبوية" بجلالها ومعانيها كثيراً من الدروس والعظات والعبر كما يلي:
* لقد خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الهجرة وهو يريد وجه الله وحده وهاجر وهو حريص علي دينه ودعوته وليس بحريص علي حياته أو نفسه. ولقد أراد أن يبذل من ذات يده ما يستطيع كي تكون هجرته خالصة منه لله حتي روي أنه رفض أن يقبل الناقة التي اشتراها له أبو بكر ليركبها أثناء الهجرة إلا إذا دفع ثمنها من ماله.
* إن الهجرة لم تكن عملاً ارتجالياً ولم تكن الثقة التي لا حد لها في نصر الله حجة بالتواكل والسلبية ولكنها علي العكس كانت باعثاً علي الحظر وأخذ الأمور بمنطق علمي دقيق لا يترك شيئاً للصدفة. ومن هنا رأينا في حالة الهجرة: تنظيماً دقيقاً للتموين والأخبار وعمليات التغطية والاتصال المستمر بمكة وفتح الطريق إلي المدينة واتخاذ طرق نحو الجنوب الشرقي أول الأمر بينما القوم يبحثون شمالاً وغرباً. والانتظار إلي الغار حتي يظن القوم أنه قد أفلح في اختراق الحصار الذي ضربوه. فإذا ما اطمأن في فشلهم في كل ذلك بدأ طريقه إلي الغرب عن طريق الساحل غير سالك ما اعتادوه من دروب ثم يصل إلي منطقة الجبال بعد هذا في طريق وعر قليل سالكوه.
لقد تعاون في الإعداد للهجرة والمشاركة فيها رجال ونساء وشباب وفتيات مسلمون وغير مسلمين. فجاءت الهجرة صورة تطبيقية للإيمان وشرف الكلمة يقولها غير المسلم يلتزم بها وذلك مثل عبدالله ابن أريقط الذي كان الدليل والمرشد للركب من غار ثور إلي المدينة ولم يكن علي دين القوم.
* لقد علمتنا الهجرة أن "المرأة المسلمة" تستطيع أن تقوم بواجبها في المناسبات الملائمة.. فهذه عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما : كانت حين الهجرة فتاة ناشئة ومع ذلك أسهمت بشيء في الهجرة كما أسهمت معها أختها "أسماء".. تقول عائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم وأبيها "وجهزناهما أحب الجهاز وصنعنا لهما صفرة في جراب. فقطعت قطعة من نطاقها فربطت به الجراب وقطعة أخري سيرتها عصاماً لفم القربة فلذلك سميت أسماء ذات النطاقين: ويقول الباحثون تصرفت أسماء تصرفاً يدل علي الذكاء والبراعة والإخلاص قالت: لما خرج الرسول وخرج معه أبو بكر احتمل ماله كله معه. فدخل علينا جدي بو قحافة وقد ذهب بصره فقال: والله إني أراكم قد فجعكم بماله مع نفسه فقلت: طلا يا أبت أنه ترك لنا خيراً كثيراً ثم أخذت أحجاراً ووضعتها في كوة البيت حيث كان أبي يضع فيها ماله ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده فقلت: ضع يا أبت يدك علي هذا المال فوضع يده عليه وقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم فعلاً والله ما ترك لنا شيئاً ولكني أردت أن أسكت الشيخ بذلك".
* وعلمتنا الهجرة أن الشباب إذا نشأوا منذ الصغر علي استسهال الخطر كانوا أجلاء الأثر وسار عنهم جميل الخبر وهذا هو علي بن أبي طالب "كان يبيت في فراش الرسول وعليه المهام التالية: وجوده في فراش الرسول سيجعل القوم يظنون أن الرسول مازال راقداً فيه.. فإذا ما أصبح الصباح أو جاء الفجر وهاجموا البيت فوجوا بهذه الخطة وكان عليه بعد هذا أن يقوم بعمل كريم في مكة في الوقت الذي تحارب فيه الرسول والإسلام.. عليه أن يرد الودائع التي كانت عند الرسول صلي الله عليه وسلم ثم كان عليه بعد هذا أن يلحق بالرسول في المدينة ولم كن عنده من راحلة فقطع هذه الصحاري المحرقة. فما وصل إلي "قباء" علي أطراف المدينة الجنوبية إلا بعد أن تقرحت أقدامه وأرهقه الطريق الطويل.
ولقد علمتنا هذه "الهجرة النبوية" أيضاً كثيراً من الثمرات المباركة بتاريخها القيم والثابت.. ومنها:
* إن أول من فكر في اتخاذ نظام ثابت للتاريخ في الإسلام هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان ذلك جزءاً من تنظيماته العامة للحكومة الإسلامية: ففي السنة الثالثة من خلافته جمع وجوه الصحابة وقال لهم: إن الأموال قد كثرت وما قمنا منها غير محدد بتاريخ ينضبط به: ثم ناقش القوم في الأمر.. وأبي أمير المؤمنين عمر أن يجعل تاريخ الإسلام علي تاريخ أمة الفُرس أو أمة الروم.. ثم أشار الإمام علي رضي الله عنه أن يجعلوه منذ خرج النبي وهاجر من مكة إلي المدينة. فراقت الفكرة لعمر بن الخطاب والمسلمين فتفقوا علي أن يكون مبدأ التاريخ من سنة الهجرة.
* ولما كانت الهجرة حدثت في أواخر شهر صفر أو أوائل ربيع الأول وهو الرأي الراجح فإن الصحابة قد استقروا علي الأخذ برأي عثمان بن عفان بأن يؤرخوا من المحرم أول السنة وهو شهر حرام.. وبذلك رجعوا نحو شهرين وجعلوا التاريخ من أول محرم هذه السنة وكان الزمن بين الهجرة واتخاذها مبدأ للتاريخ سبعة عشر عاماً.
"سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام علي المرسلين. والحمد لله رب العالمين".
تقييم:
0
0
* لقد خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الهجرة وهو يريد وجه الله وحده وهاجر وهو حريص علي دينه ودعوته وليس بحريص علي حياته أو نفسه. ولقد أراد أن يبذل من ذات يده ما يستطيع كي تكون هجرته خالصة منه لله حتي روي أنه رفض أن يقبل الناقة التي اشتراها له أبو بكر ليركبها أثناء الهجرة إلا إذا دفع ثمنها من ماله.
* إن الهجرة لم تكن عملاً ارتجالياً ولم تكن الثقة التي لا حد لها في نصر الله حجة بالتواكل والسلبية ولكنها علي العكس كانت باعثاً علي الحظر وأخذ الأمور بمنطق علمي دقيق لا يترك شيئاً للصدفة. ومن هنا رأينا في حالة الهجرة: تنظيماً دقيقاً للتموين والأخبار وعمليات التغطية والاتصال المستمر بمكة وفتح الطريق إلي المدينة واتخاذ طرق نحو الجنوب الشرقي أول الأمر بينما القوم يبحثون شمالاً وغرباً. والانتظار إلي الغار حتي يظن القوم أنه قد أفلح في اختراق الحصار الذي ضربوه. فإذا ما اطمأن في فشلهم في كل ذلك بدأ طريقه إلي الغرب عن طريق الساحل غير سالك ما اعتادوه من دروب ثم يصل إلي منطقة الجبال بعد هذا في طريق وعر قليل سالكوه.
لقد تعاون في الإعداد للهجرة والمشاركة فيها رجال ونساء وشباب وفتيات مسلمون وغير مسلمين. فجاءت الهجرة صورة تطبيقية للإيمان وشرف الكلمة يقولها غير المسلم يلتزم بها وذلك مثل عبدالله ابن أريقط الذي كان الدليل والمرشد للركب من غار ثور إلي المدينة ولم يكن علي دين القوم.
* لقد علمتنا الهجرة أن "المرأة المسلمة" تستطيع أن تقوم بواجبها في المناسبات الملائمة.. فهذه عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما : كانت حين الهجرة فتاة ناشئة ومع ذلك أسهمت بشيء في الهجرة كما أسهمت معها أختها "أسماء".. تقول عائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم وأبيها "وجهزناهما أحب الجهاز وصنعنا لهما صفرة في جراب. فقطعت قطعة من نطاقها فربطت به الجراب وقطعة أخري سيرتها عصاماً لفم القربة فلذلك سميت أسماء ذات النطاقين: ويقول الباحثون تصرفت أسماء تصرفاً يدل علي الذكاء والبراعة والإخلاص قالت: لما خرج الرسول وخرج معه أبو بكر احتمل ماله كله معه. فدخل علينا جدي بو قحافة وقد ذهب بصره فقال: والله إني أراكم قد فجعكم بماله مع نفسه فقلت: طلا يا أبت أنه ترك لنا خيراً كثيراً ثم أخذت أحجاراً ووضعتها في كوة البيت حيث كان أبي يضع فيها ماله ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده فقلت: ضع يا أبت يدك علي هذا المال فوضع يده عليه وقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم فعلاً والله ما ترك لنا شيئاً ولكني أردت أن أسكت الشيخ بذلك".
* وعلمتنا الهجرة أن الشباب إذا نشأوا منذ الصغر علي استسهال الخطر كانوا أجلاء الأثر وسار عنهم جميل الخبر وهذا هو علي بن أبي طالب "كان يبيت في فراش الرسول وعليه المهام التالية: وجوده في فراش الرسول سيجعل القوم يظنون أن الرسول مازال راقداً فيه.. فإذا ما أصبح الصباح أو جاء الفجر وهاجموا البيت فوجوا بهذه الخطة وكان عليه بعد هذا أن يقوم بعمل كريم في مكة في الوقت الذي تحارب فيه الرسول والإسلام.. عليه أن يرد الودائع التي كانت عند الرسول صلي الله عليه وسلم ثم كان عليه بعد هذا أن يلحق بالرسول في المدينة ولم كن عنده من راحلة فقطع هذه الصحاري المحرقة. فما وصل إلي "قباء" علي أطراف المدينة الجنوبية إلا بعد أن تقرحت أقدامه وأرهقه الطريق الطويل.
ولقد علمتنا هذه "الهجرة النبوية" أيضاً كثيراً من الثمرات المباركة بتاريخها القيم والثابت.. ومنها:
* إن أول من فكر في اتخاذ نظام ثابت للتاريخ في الإسلام هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان ذلك جزءاً من تنظيماته العامة للحكومة الإسلامية: ففي السنة الثالثة من خلافته جمع وجوه الصحابة وقال لهم: إن الأموال قد كثرت وما قمنا منها غير محدد بتاريخ ينضبط به: ثم ناقش القوم في الأمر.. وأبي أمير المؤمنين عمر أن يجعل تاريخ الإسلام علي تاريخ أمة الفُرس أو أمة الروم.. ثم أشار الإمام علي رضي الله عنه أن يجعلوه منذ خرج النبي وهاجر من مكة إلي المدينة. فراقت الفكرة لعمر بن الخطاب والمسلمين فتفقوا علي أن يكون مبدأ التاريخ من سنة الهجرة.
* ولما كانت الهجرة حدثت في أواخر شهر صفر أو أوائل ربيع الأول وهو الرأي الراجح فإن الصحابة قد استقروا علي الأخذ برأي عثمان بن عفان بأن يؤرخوا من المحرم أول السنة وهو شهر حرام.. وبذلك رجعوا نحو شهرين وجعلوا التاريخ من أول محرم هذه السنة وكان الزمن بين الهجرة واتخاذها مبدأ للتاريخ سبعة عشر عاماً.
"سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام علي المرسلين. والحمد لله رب العالمين".
تقييم:
0
0