باب ما يجرّ به في الاستثناء
باب ما يجرّ به في الاستثناء
إن قال قائل لم أعربت غير إعراب الأسم الواقع بعد إلا دون سوى وسواء قيل لأن غير لما أقيمت ههنا مقام إلا وكان ما بعدها مجرورا بالإضافة ولا بد لها في نفسها من إعراب أعربت إعراب الاسم الواقع بعد إلا ليدل بذلك على ما كان يستحق الاسم الذي بعد إلا من الإعراب ويبقى حكم الاستثناء فأما سوى وسواء فلزمهما النصب لأنهما لا يكونان إلا ظرفين فلم يجز نقل الإعراب إليهما كما جاز في غير لأن ذلك يؤدي إلى تمكنهما وهما لا يكونان متمكنين فلذلك لم يجز أن يعربا إعراب الأسم الواقع بعد إلا.
وأما حاشا فاختلف النحويون فيها فذهب سيبويه ومن تابعه من البصريين إلى أنه حرف جر وليس بفعل والدليل على ذلك أنه لو كان فعلا لجاز ان يدخل عليه ما كما يجوز أن تدخل على الأفعال فيقال ما حاشا زيدا كما يقال ما خلا زيدا فلما لم يقل دل على أنه ليس بفعل فوجب أن يكون حرفا وذهب الكوفيون إلى أنه فعل ووافقهم أبو العباس المبرد من البصريين واستدلوا على ذلك من ثلاثة أوجه الوجه الأول أنه يتصرف والتصرف من خصائص الأفعال قال النابغة - من البسيط -
( ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ) ولا أحاشي من الأقوام من أحد )
فإذا ثبت أنه متصرف وجب أن يكون فعلا والوجه الثاني أنه يدخله الحذف والحذف إنما يكون في الفعل لا في الحرف ألا ترى أنهم قالوا في حاشا لله حاش لله ولهذا قرأ أكثر - القراء حاش لله بإسقاط الألف
والوجه الثالث أن لام الجر تتعلق به في قولهم حاشا لله وحرف الجر إنما يتعلق بالفعل لا بالحرف لأن الحرف لا يتعلق بالحرف.
*حذف*
والصحيح ما ذهب إليه البصريون وأما قول الكوفيين أنه يتصرف بدليل قوله وما احاشي فليس فيه حجة لأن قوله أحاشي مأخوذ من لفظ حاشى وليس متصرفا منه كما يقال بسمل وهلل وحمدل وسبحل وحولق إذا قال بسم الله ولا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وإذاكانت هذه الأشياء لا تتصرف فكذلك ههنا وقولهم أنه يدخله الحذف والحذف لا يدخل الحرف قلنا لا نسلم بل الحذف يدخل الحرف ألا ترى أنهم قالوا في رب رب وقد قرئ بهما قال الله تعالى ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) قرئ بالتشديد والتخفيف وفي رب أربع لغات بضم الراء وتشديد الباء وتخفيفها و بفتح الراء وتشديد الباء وتخفيفها وكذلك حكيتم عن العرب أنهم قالوا في سوف أفعل سو افعل وهو حرف وزعمتم أن الأصل في سأفعل سوف افعل فحذفت الفاء والواو معا فدل على أن الحذف يدخل الحرف وأما قولهم أن لام الجر تتعلق به قلنا لا نسلم فإن اللام في قولهم حاش لله زائدة لا تتعلق بشيء كقوله تعالى ( عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) أي ردفكم وكقوله تعالى ( للذين هم لربهم يرهبون ) وما أشبه ذلك وإنما زيدت اللام مع هذا الحرف تقوية له لما كان يدخله من الحذف فدل على أنه ليس بفعل وأنه حرف.
وأما خلا فإنها تكون فعلا وحرفا، فإذا كانت فعلا كان ما بعدها منصوبا وتتضمن ضمير الفاعل وإذا كانت حرفا كان ما بعدها مجرورا لأنها حرف جر فإن دخل عليها ما كانت فعلا ولم يجز أن تكون حرفا لأنها معما بمنزلة المصدر وإذا كانت فعلا كان ما بعدها منصوبا لا غير قال الشاعر - من الطويل - ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل وسنذكرها في باب ما ينصب به في الاستثناء.
أسرار العربية
أبو البركات الأنباري