باب التمييز
باب التمييز
إن قال قائل ما التمييز قيل هو النكرة المفسرة للمبهم فإن قيل فما العامل فيه النصب قيل فعل وغير فعل فأما ما كان العامل فيه فعلا فنحوا تصبب زيد عرقا و تفقأ الكبش شحما ف عرقا و شحما كل واحد منهما منصوب بالفعل الذي قبله فإن قيل هل يجوز تقديم هذا النوع على العامل فيه قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه إلى أنه لا يجوز تقديم هذا النوع على عامله وذلك لأن المنصوب ههنا هو الفاعل في المعنى ألا ترى أنك إذا قلت تصبب زيد عرقا كان الفعل للعرق في المعنى لا لزيد فلما كان هو الفاعل في المعنى لم يجز تقديمه كما لو كان فاعلا لفظا وذهب أبو عثمان المازني و أبو العباس المبرد و من وافقهما إلى أنه يجوز تقديمه على العامل فيه فيه و استدلوا على ذلك بقول الشاعر - من الطويل ( أتهجر سلمى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب ) ولأن هذا العامل فعل متصرف فجاز تقديم معموله عليه كما جاز تقديم الحال على العامل فيها نحو راكبا جاء زيد لأنه فعل متصرف فكذلك ههنا والصحيح ما ذهب إليه سيبويه وأما ما استدل به المبرد والمازني من البيت فإن الرواية الصحيحة فيه وما كان ا نفسي بالفراق تطيب وذلك لا حجة فيه ولئن صحت تلك الرواية فنقول نصب نفسا بفعل مقدر كأنه قال أعني نفسا وأما قولهم أنه فعل متصرف فجاز تقديم معموله عليه كالحال قلنا هذا العامل وان كان فعلا متصرفا إلا أن هذا المنصوب هو الفاعل في المعنى فلا يجوز تقديمه على ما بينا وأما تقديم الحال على العامل فيها فإنما جازا لأنك إذا قلت جاء زيد راكبا كان زيد هو الفاعل لفظا ومعنى و إذا استوفى الفعل فاعله تنزل راكبا منزلة المفعول المحض فجاز تقديمه كالمفعول نحو عمرا ضرب زيد بخلاف التمييز فإنك إذا قلت تصبب زيد عرقا لم يكن زيد هو الفاعل في المعنى وكان الفاعل في المعنى هو العرق فلم يكن عرقا في حكم المفعول من هذا الوجه لأن الفعل قد استوفى فاعله لفظا لا معنى فلم يجز تقديمه كما لا يجوز تقديم الفاعل وأما ما كان العامل فيه غير فعل نحو عندي عشرون رجلا و خمسة عشر درهما وما أشبه ذلك فالعامل فيه هو العدد لأنه مشبه بالصفة المشبهة باسم الفاعل نحو حسن و شديد و ما أشبه ذلك.
ووجه المشابهة بينهما أن العدد يوصف به كما يوصف بالصفة المشبهة باسم الفاعل فإذا كان في العدد نون نحو عشرون أو تنوين مقدر نحو خمسة عشر صار النون والتنوين مانعين من الإضافة كالفاعل الذي يمنع المفعول من الرفع فصار التمييز فضلة كالمفعول وكذلك حكم ما كان منصوبا على التمييز مما كان قبله حائل نحو لي مثله غلاما ولله دره رجلا فإن الهاء منعت الاسم بعدها أن ينجر بإضافة ما قبلها إليه كالفاعل الذي يمنع المفعول من الرفع فنصب على التمييز لما ذكرناه فإن قيل فلم وجب أن يكون التمييز نكرة قيل لأنه يبين ما قبله كما أن الحال تبين ما قبلها فلما أشبه الحال وجب أن يكون نكرة كما أن الحال نكرة فأما قول الشاعر - من الخفيف -
( ولقد أغتدي وما صقع الديك ... على أدهم أجش الصهيلا )
وقول الآخر - من الوافر -
( أجب الظهر ليس له سنام ... ) بنصب الصهيل و الظهر فالصحيح أنه منصوب على التشبيه بالمفعول كالضارب الرجل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.
أسرار العربية
لأبي البركات الأنباري