باب الحال
باب الحال
إن قال قائل ما الحال قيل هيئة الفاعل أو المفعول ألا ترى أنك إذا قلت جاءني زيد راكبا كان الركوب هيئة زيد عند وقوع المجيء منه وإذا قلت ضربته مشدودا كان الشد هيئته عند وقوع الضرب له
فإن قيل فهل تقع الحال من الفاعل والمفعول معا بلفظ واحد قيل يجوز ذلك والدليل عليه قول الشاعر - من الطويل -
( تعلقت ليلى هي ذات مؤصد ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم )
( صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم )
فنصب صغيرين على الحال من التاء في تعلقت وهي فاعلة ومن ليلى وهي مفعولة وقال الآخر( متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا )فنصب فردين على الحال من ضمير الفاعل والمفعول في تلقنى وهذا كثير في كلامهم فإن قيل فما العامل في الحال النصب قيل ما قبلها من العامل وهو على ضربين فعل ومعنى فعل فإن كان فعلا نحو جاء زيد راكبا جاز أن يتقدم الحال عليه نحو راكبا جاء زيد لأن العامل لما كان متصرفا تصرف عمله فجاز تقديم معموله عليه وإن كان العامل فيه معنى فعل نحو هذا زيد قائما لم يجز تقديم الحال عليه فلو قلت قائما هذا زيد لم يجز لأن معنى الفعل لا يتصرف تصرفه فلم يجز تقديم معموله عليه وذهب الفراء إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على العامل في الحال سواء كان العامل فيه فعلا أو معنى فعل وذلك لأنه يؤدي إلى أن يتقدم المضمر على المظهر فإنه إذا قال راكبا جاء زيد ففي راكب ضمير زيد وقد تقدم عليه وتقدم المضر على المظهر لا يجوز وهذا ليس بشيء لأن راكبا وإن كان مقدما في اللفظ إلا أنه مؤخر في التقدير وإذا كان مؤخرا في التقدير جاز التقديم قال الله تعالى ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) فالهاء في نفسه عائدة إلى موسى إلا أنه لما كان في تقدير التقديم و الهاء في تقدير التأخير جاز التقديم و هذا كثير في كلامهم فكذلك ههنا.
فإن قيل فلم عمل الفعل اللازم في الحال قيل لأن الفاعل لما كان لا يفعل الفعل إلا في حالة كان في الفعل دلالة على الحال فتعدى إليها كما تعدى إلى ظرف الزمان لما كان في الفعل دلالة عليه فإن قيل فلم وجب أن تكون الحال نكرة قيل لأن الحال تجري مجرى الصفة للفعل ولهذا سماها سيبويه نعتا للفعل والمراد بالفعل المصدر الذي يدل الفعل عليه وإن لم يذكر، ألا ترى أن جاء يدل على مجيء وإذا قلت جاء راكبا دل على مجيء موصوف بركوب فإذا كانت الحال تجري مجرى الصفة للفعل وهو نكرة فكذلك وصفه يجب أن يكون نكرة فأما قولهم أرسلها العراك وطلبته جهدك وطاقتك و رجع عوده على بدئه فهي مصادر أقيمت مقام الحال لأن التقدير أرسلها تعترك وطلبته تجتهد و تعترك وتجتهد جملة من الفعل والفاعل في موضع الحال كأنك قلت أرسلها معتركة وطلبته مجتهدا إلا أنه أضمر وجعل المصدر دليلا عليه وهذا كثير في كلامهم.
وذهب بعض النحويين إلى أن قولهم رجع عوده على بدئه منصوب لأنه مفعول رجع لأنه يكون متعديا كما يكون لازما قال الله تعالى ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ) فأعمل رجع في الكاف التي للخطاب فقال رجعك فدل على أنه يكون متعديا ومما يدل على أن الحال لا يجوز أن تكون معرفة أنها لا يجوز أن تقوم مقام الفاعل في ما لم يسم فاعله لأن الفاعل قد يضمر فيكون معرفة فلو جاز أن تكون الحال معرفة لما امتنع ذلك كما لم يمتنع في ظرف الزمان والمكان والجار والمجرور والمصدر على ما بينا فافهمه تصب إن شاء الله تعالى.
أسرار العربية
أبو البركات الأنباري