باب المفعول فيه
باب المفعول فيه
إن قال قائل ما المفعول فيه قيل هو الظرف و هو كل اسم من أسماء الزمان أو المكان يراد فيه معنى في وذلك نحو صمت اليوم و قمت الليلة و جلست مكانك و التقدير فيه صمت في اليوم و قمت في الليلة و جلست في مكانك و ما أشبه ذلك
فإن قيل فلم سمي ظرفا قيل لأنه لما كان محلا للأفعال سمي ظرفا تشبيها بالأواني التي محل الأشياء فيها و لهذا يسمي الكوفيون الظروف محال لحلول الأفعال فيها فإن قيل فلم لم يبنوا الظروف لتضمنها معنى الحرف قيل لأن الظروف وإن نابت عن الحرف إلا أنها لم تتضمن معناه و الذي يدل على ذلك أنه يجوز إظهاره مع لفظها و لو كانت متضمنة للحرف لم يجز إظهاره ألا ترى أن متي و أين و كيف لما تضمنت معنى همزة الاستفهام لم يجز إظهار الهمزة معها فلما جاز إظهاره ههنا دل على أنها لم تتضمن معناه وإذا لم تتضمن معناه وجب أن تكون معربة على أصلها فإن قيل فلم تعدى الفعل اللازم إلى جميع ظروف الزمان ولم يتعد إلى جميع ظروف المكان قيل لأن الفعل يدل على جميع ظروف الزمان بصيغته كما يدل على جميع ضروب المصادر و كما أن الفعل يتعدى إلى جميع ضروب المصادر فكذلك يتعدى إلى جميع ظروف الزمان وأما ظروف المكان فلم يدل عليها الفعل بصيغته ألا ترى أنك إذا قلت ضرب أو سيضرب لم يدل على مكان دون مكان كما يكون فيه دلالة على زمان دون زمان فلما لم يدل الفعل على ظروف المكان بصيغته صار الفعل اللازم منه بمنزلته من زيد وعمرو وكما أن الفعل اللازم لا يتعدى بنفسه إلى زيد وعمرو فكذلك لا يتعدى إلى ظروف المكان فإن قيل فلم تعدى إلى الجهات الست ونحوها من ظروف المكان قيل لأنها أشبهت ظروف الزمان من وجهين أحدهما أنها مبهمة غير محدودة ألا ترى أنك إذا قلت خلف زيد كان غير محدود و كان هذا اللفظ مشتملا على جميع ما يقابل ظهره إلى أن تنقطع الأرض كما أنك إذا قلت أمام زيد كان أيضا غير محدود وكان هذا اللفظ مشتملا على جميع ما يقابل وجهه إلى أن تنقطع الأرض كما أنك إذا قلت قام دل على كل زمان ماض من أول ما خلق الله تعالى الدنيا إلى وقت حديثك و إذا قلت يقوم دل على كل زمان مستقبل و الوجه الثاني أن هذه الظروف لا تتقرر على وجه واحد لأن فوقا يصير تحتا وتحتا يصير فوقا كما أن الزمان المستقبل يصير حاضرا و الحاضر يصير ماضيا فلما أشبهت ظروف الزمان تعدى الفعل إليها كما يتعدى إلى ظروف الزمان فإن قيل فكيف قالوا زيد مني معقد الإزار ومقعد القابلة و مناط الثريا و هما خطان جنابتي أنفها يعني الخطين اللذين يكتنفان أنف الظبية وهي كلها مخصوصة قيل الأصل فيها كلها أن تستعمل بحرف الجر إلا أنهم حذفوا حرف الجر في هذه المواضع اتساعا كقول الشاعر - من الكامل -
( فلأبغينكم قنا وعوارضا ... و لأقبلن الخيل لابة ضرغد )
وكقول الآخر - من الكامل -
( لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب ) أراد في الطريق و من حقها أن تحفظ و لا يقاس عليها فأما قولهم دخلت البيت فذهب أبو عمر الجرمي إلى أن دخلت فعل متعد تعدى إلى البيت فنصبه كقولك بنيت البيت و ما أشبه ذلك وذهب الأكثرون إلى أن دخلت فعل لازم و كان الأصل فيه أن يستعمل معه حرف الجر إلا أنه حذف حرف الجر اتساعا على ما بينا و هذا هو الصحيح والدليل على أن دخلت فعل لازم من وجهين أحدهما أن مصدره يجيء على فعول وهو من مصادر الأفعال اللازمة ك قعد قعودا و جلس جلوسا و ما أشبه ذلك و الوجه الثاني أن نظيره فعل لازم و هو غرت و نقيضه فعل لازم وهو خرجت فيقتضي أن يكون لازما حملا على نظيره و نقيضه فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.
أسرار العربية
أبو البركات الأنباري