باب عسى
باب عسى
إن قال قائل ما عسى من الكلم قيل فعل ماض من أفعال المقاربة لا يتصرف
و قد حكى عن ابن السراج أنه حرف وهو قول شاذ لا يعرج عليه والصحيح أنه فعل والدليل على ذلك أنه يتصل به تاء الضمير و ألفه و واوه نحو عسيت وعسيا وعسوا قال الله تعالى ( فهل عسيتم إن توليتم ) فلما دخلت عليه هذه الضمائر كما تدخل على الفعل نحو قمت و قاما و قاموا و قمتم دل على أنه فعل.
وكذلك أيضا تلحقه تاء التأنيث الساكنة التي تختص بالفعل تقول عست المرأة كما تقول قامت وقعدت فدل على أنه فعل فإن قيل فلم لا يتصرفقيل لأنه أشبه الحرف لأنه لما كان فيه معنى الطمع أشبه لعل و لعل حرف لا يتصرف فكذلك ما أشبهه فإن قيل فماذا تعمل عسى قيل ترفع الاسم وتنصب الخبر ك كان إلا أن خبرها لا يكون إلا مع الفعل المستقبل نحو عسى زيد أن يقوم فإن قيل فلم أدخلت في خبره أن قيل لأن عسى وضعت لمقاربة الاستقبال و أن إذا أدخلت على الفعل المضارع أخلصته للاستقبال فلما كانت عسى موضوعة لمقاربة الاستقبال و أن تخلص الفعل للاستقبال ألزموا الفعل الذي وضع لمقاربة الاستقبال أن التي هي علم الاستقبال فإن قيل وما الدليل على أن موضع أن وصلتها النصب قيل لأن معنى عسى زيد أن يقوم قارب زيد القيام والذي يدل على ذلك قولهم عسى الغوير أبؤسا وكان القياس أن يقال عسى الغوير أن يبأس إلا أنهم رجعوا إلى الأصل المتروك فقالوا عسى الغوير أبؤسا فنصبوه ب عسى لأنهم أجروها مجرى قارب فكأنه قيل قارب الغوير أبؤسا وهو جمع بأس أو بؤس فإن قيل فلم حذفوا أن من خبره في بعض أشعارهم قيل إنما يحذفونها في بعض أشعارهم ا لأجل الاضطرار تشبيها لها ب كاد فإن كاد من أفعال المقاربة كما أن عسى من أفعال المقاربة فلهذا الشبه بينهما جاز أن تحمل عليها في حذف أن من خبرها في نحو قوله - من الوافر -
( عسى الغم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب ) و كما أن عسى تشبه ب كاد في حذف أن معها فكذلك كاد تشبه ب عسىفي إثباتها معها قال الشاعر - من الرجز -
( قد كاد من طول البلى أن يمصحا ... )
فأثبت أن مع كاد و إن كان الاختيار حذفها حملا على عسى فدل على وجود المشابهة بينهما فإن قيل ولم كان الاختيار مع كاد حذف أن وهي ك عسى في المقاربة قيل هما و إن اشتركا في الدلالة على المقاربة إلا أن كاد أبلغ في تقريب الشيء من الحال و عسى اذهب في الاستقبال ألا ترى أنك لو قلت كاد زيد يذهب بعد عام لم يجز لأن كاد توجب أن يكون الفعل شديد القرب من الحال ولو قلت عسى الله أن يدخلني الجنة برحمته لكان جائرا و إن لم يكن شديد القرب من الحال فلما كانت كاد أبلع في تقريب الشيء من الحال حذف معهاأن التي هي علم الاستقبال و لما كانت عسى أذهب في الاستقبال أتي معها ب أن التي هي علم الاستقبال فإن قيل فما موضع أن مع صلتها في نحو عسى أن يخرج زيد قيل موضعها مع صلتها الرفع بأنه فاعل كما كان زيد مرفوعا بأنه فاعل في نحو عسى زيد أن يخرج فإن قيل فهل يجوز أن تحذف أن إذا كانت مع صلتها في موضع رفع قيل لا يجوز ذلك لأن من شرط الفاعل أن يكون اسما لفظا ومعنى فإذا قلت عسى يخرج زيد فقد جعلت الفعل فاعلا و الفعل لا يكون فاعلا لأن الفاعل مخبر عنه و الإخبار إنما يكون عن الاسم لا عن الفعل بلى إن جعل زيد في نحو عسى يخرج زيد فاعل عسى وجعل يخرج في موضع الخبر جازت المسالة لأن المفعول لا يبلغ في اقتضاء الاسمية مبلغ الفاعل ألا ترى أنه قد يقوم مقام المفعول ما ليس باسم نحو ظننت زيدا قام أبوه ف قام أبوه جملة فعلية وقد قامت مقام المفعول الثاني ل ظننت وأما الفاعل فلا يجوز أن يقع قط إلا اسما لفظا ومعني لما
بينا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.
أسرار العربية
أبو البركات الأنباري