باب ما
باب ما
إن قال قائل لم عملت ما في لغة أهل الحجاز فرفعت الاسم ونصبت الخبر قيل لأن ماأشبهت ليس ووجه الشبه بينهما من وجهين أحدهما أن ما تنفي الحال كما أن ليس تنفي الحال.
والوجه الثاني أن ما تدخل على المبتدأ والخبر كما أن ليس تدخل على المبتدأ و الخبر ويقوي هذه المشابهة بينهما دخول الباء في خبرها كما تدخل في خبر ليس فاذا ثبت أنها أشبهت ليس وجب أن تعمل عملها فترفع الاسم وتنصب الخبر و هي لغة القرآن قال الله تعالى ( ما هذا بشر ) و ذهب الكوفيون إلى أن الخبر منصوب بحذف حرف الجر وهذا فاسد لأن حذف حرف الجر لا يوجب النصب لأنه لو كان حذف حرف الجر يوجب النصب لكان ينبغي أن يكون ذلك في كل موضع ولا خلاف أن كثيرا من الأسماء يحذف منها حرف الجر ولا تنتصب بحذفه كقوله تعالى ( و كفي بالله وليا و كفى بالله نصيرا ) و لو حذف حرف الجر لكان و كفى الله وليا و كفى الله نصيرا بالرفع كقول الشاعر - من الطويل - ( عميرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا )
كذلك قولهم بحسبك زيد و ما جاءني من أحد ولو حذفت حرف الجر لقلت حسبك زيد وما جاءني أحد بالرفع فدل على أن حذف حرف الجر لا يوجب النصب فإن قيل فلم لم تعمل على لغة بني تميم قيل لأن الحرف إنما يعمل إذا كان مختصا بالاسم كحروف الجر أو بالفعل كحروف الجزم وإذا كان يدخل على الاسم والفعل لم يعمل كحروف العطف و ما يدخل على الاسم والفعل ألا ترى أنك تقول ما زيد قائم وما يقوم زيد فتدخل عليهما فلما كانت غير مختصة وجب أن تكون غير عاملة فإن قيل فلم دخلت الباء في خبرها نحو ما زيد بقائم قيل لوجهين أحدهما أنها دخلت توكيدا للنفي والثاني أن يقدر أنها جواب لمن قال أن زيدا لقائم فادخلت الباء في خبرها لتكون بازاء اللام في خبر أن فإن قيل فلم بطل عملها في لغة أهل الحجاز إذا فصلت بين اسمها وخبرها بالا قيل لأن ما إنما عملت لأنها أشبهت ليس من جهة المعنى و هو النفي و إلا تبطل معنى النفي فتزول المشابهة و إذا زالت المشابهة وجب ألا تعمل.
فإن قيل فلماذا بطل عملها أيضا إذا فصلت بينها وبين اسمها وخبرها ب أن الخفيفةا قيل لأن ما ضعيفة في العمل لأنها إنما عملت لأنها أشبهت فعلا لا يتصرف شبها ضعيفا من جهة المعنى فلما كان عملها ضعيفا بطل عملها مع الفصل ولهذا المعنى يبطل عملها أيضا إذا تقدم الخبر على الاسم نحو ما قائم زيد لضعفها في العمل فألزمت طريقة واحدة فأما قول الشاعرا - من البسيط -
( فاصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش و إذ ما مثلهم بشر )
فمن النحويين من قال هو منصوب على الحال لأن التقدير فيه و إذ ما بشر مثلهم فلما قدم مثلهم الذي هو صفة النكرة انتصب على الحال لأن صفة النكرة إذا تقدمت انتصبت على الحال كقول الشاعر - من الوافر
لمية موحشا طلل ... ) والتقدير فيه طلل موحش وكقول الآخر - من البسيط -
( والصالحات عليها مغلقا باب ... )
والتقدير فيه باب مغلق إلا أنه لما قدم صفة النكرة نصبها على الحال ومنهم من قال هو منصوب على الظرف لأن قوله ما مثلهم بشر في معنى فوقهم و منهم من حمله على الغلط فإن هذا البيت للفرزدق وكان تميميا و ليس من لغته إعمال ما سواء تقدم الخبر أو تأخر فلما استعمل لغة غيره غلط فظن أنها تعمل مع تقدم الخبر كما تعمل مع تأخره فلم يكن في ذلك حجة ومنهم من قال أنها لغة لبعض العرب و هي لغة قليلة لا يعتد بها فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.
- أبو البركات الأنباري
أسرار العربية