تلخيص كتاب قواعد المنهج الإجتماعي لصاحبه إيميل دوركهايم
بقلم: محمد اللذهي
×××××
الموجز في "قواعد المنهج السوسيولوجي" للعالم الإجتماعي إيمل دوركايم
تقديم الكتاب:
"قواعد المنهج في علم الاجتماع" للفيلسوف المعروف ايمل دوركايم، وهو الكتاب التاسع، ترجمه إلى اللغة العربية. د/محمود قاسم/ و.د/ السيد محمد بدوي، سنة 1988. صدر عن دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية، ويضم 296 صفحة، من الحجم الصغير، لكنه كبير في الأهمية والرصيد العلمي والمعرفي باعتباره القاعدة La base لعلم الاجتماع، منه كان الانطلاق، وبه كان التأسيس، ولا يزال المصدر الأول والأساسي في المعرفة السوسيولوجيا.
بين يدي الكتاب:
يبدأ الكتاب بمقدمة للمترجم يؤكد فيها ان المسائل الاجتماعية كانت موضع اهتمام المفكرين منذ زمن، إلا أنها لم تكن إلا محاولات في تاريخ نشأة علم الاجتماع، ولكن هذا العلم لم يهيكل نفسه كعلم إلا أواخر القرن 19، حينما حدد مجال اشتغاله، والطرق العلمية لهكذا اشتغال، قصد الكشف عن القوانين التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية، ومعرفتها تتيح لنا الإصلاح والنهوض بالمجتمعات..
ويؤكد أن إميل دوركايم مؤسس المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع هو الذي حدد مجال بحثه وطرقه العلمية، هذا الفيلسوف أب علم الاجتماع، الذي ولد سنة 1958 من مدينة أبينال وأصبح مدرسا بمدرسة المعلمين، وبعدها مدرسا لعلم الاجتماع بكلية الآداب ببوردو حتى توفي سنة 1917..
وكان دوركايم قد عالج مسألة "تقسيم العمل الاجتماعي" كأول مسألة اجتماعية له، ونال بها درجة الدكتوراه ثم بعدها حدّد "قواعد المنهج السوسيولوجي" في هذا الكتاب الذي وضعه في صدارة الأساتذة الكبار، حيث أصبحت هاته القواعد دستور علماء الاجتماع ومرجع الباحثين. حيث أن دوركايم نفسه يعترف أن هذا الكتاب هو من نتائج دراسته عن "تقسيم العمل الاجتماعي" حيث كان هذا الكتاب سببا في بروز ونشأة المدرسة الاجتماعية.
في هذا السياق ينتقل مترجمو هذا المنجز الدوركايمي العظيم، إلى الإشارة لمنهج دوركايم في تأليف هذا الكتاب، إذ يرى أن علم الاجتماع ليس تكملة لعلم النفس، بل هو علم قائم بذاته، وهو يدرس ظواهر اجتماعية لا يشاركه في دراستها علم آخر، وبطريقة جديدة ومغايرة لتلك المألوفة لدى العامة.. كما يرى أن للظواهر الاجتماعية صفاتها النوعية التي تتميز بها، وهي توجد خارج شعور الفرد وليس باستطاعته أن يغير طبيعتها كما يشاء، لكن لابد له من معرفة القوانين التي تخضع لها، وهكذا يرى أن الظواهر الاجتماعية أشياء خارجية ومستقلة عن الظواهر البيولوجية والنفسية، وأنها توجد قبل وجود الفرد، ولابد من دراستها بشكل موضوعي، وانه لن يكون علما إلا إذا اعتمد الطرق التجريبية، وكما أن علم النفس ليس تكملة لعلم وظائف الأعضاء فان علم الاجتماع ليس تتمة لعلم النفس، وان الظواهر الاجتماعية هي من جنس خاص، ويرى دوركايم أن علم الاجتماع وان لم يكن في حاجة إلى علم النفس فانه سوف يوجه هذا الأخير وجهة جديدة في دراسة الحالة النفسية لدى الفرد، وكانت هذه الفكرة المنطلق نحو تأسيس علم النفس الجمعي.
هذا المنجز الدوركايمي الذي تم تقديمه يضم مقدمتين وستة فصول كبيرة وخاتمة فماهي قواعد العمل السوسيولوجي في الكتاب:
الفصل 1: فيه يعرف دوركايم الظاهرة الاجتماعية ووضح طبيعتها بكونها ضرب من السلوك يعمّ المجتمع، ويباشر على الفرد قهرا خارجيا وله وجود خاص مستقل عن الصور التي يتشكل بها كل شعور فردي.
الفصل 2: عرض فيه القواعد التي يجب إتباعها في ملاحظة الظواهر الاجتماعية، فذكر أولا أنه يجب أن "نلاحظ على أنها أشياء، ولا يكون ذلك إلا بالإقلاع عن استخدام طريقة تحليل الشعور الفردي، وهي التي عاقت تقدم النفس، وشوهت الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، كي يدرس الباحث هذه الظواهر دراسة علمية صحيحة عليه ان يتحرر من كل فكرة سبق أن كوّنها عنها، ولابد له من تحديد الظواهر وتعريفها بخواصها النوعية ودراستها مجردة عن الصور المشكلة في الحالات الفردية".
الفصل 3: يفرق فيه دوركايم بين نوعين من الظواهر الاجتماعية: سليمة ومعتلة، أما السليمة فهي التي تعم في المجتمع وترتبط في الوقت نفسه بالشروط الاجتماعية الحقيقية فيه, أما المعتلة فهي التي لا ترتبط بالشروط السابقة الذكر ولا تستمر في البقاء إلا بحكم العادة العمياء. ولما طبق دوركايم هاته التفرقة اهتدى لبعض الحقائق التي أثارت اندهاشه ومنها انه يرى أن "الجريمة ليست ظاهرة معتلة أي شاذة، بل ظاهرة سليمة لأنها توجد في جميع الأنواع الاجتماعية مهما اختلفت...".
الفصل 4: يعرض فيه ضرورة تصنيف الأنواع والنماذج الاجتماعية حتى يمكن وصف الظواهر بالسلامة أو الاختلال، أما أساس هذا التصنيف فهو الخواص الجوهرية التي تشترك فيها طائفة من المجتمعات الجزئية، ويطلق اسم المورفولوجية الاجتماعية على ذلك الفرع الخاص الذي يعنى بتصنيف المجتمعات. فالزمرة أبسط أنواع المجتمعات، وتليها العشيرة وثم البسيطة المتعددة الأجزاء، أي التي تتكون من عشائر متجاورة فقط، وبعد ذلك المجتمعات المتعددة الأجزاء المركبة تركيبا بسيطا. وبعد ذلك المجتمعات المتعددة الأجزاء المركبة تركيبا مزدوجا، ويختلف هذا التصنيف عما ذهب إليه آخرون من تحديد للأنواع الاجتماعية على أساس ما وصلت إليه من حضارة.
الفصل 5: خصصه دوركايم لتفسير الظواهر الاجتماعية، ويرى انه لا يمكن تفسير ظاهرة اجتماعية ما، إلا بظواهر من جنسها والسبب أنه كان يفرق بين شعور الجماعة وشعور الفرد، وهكذا انتقد كونت وهوبز وروسوا، كما رأى انه يجب التفرقة ما بين السبب في وجود الظاهرة الاجتماعية والوظيفة التي يمكن أن تؤديها هذه الظاهرة، وانه لا يمكن أن تعد وظيفة الظاهرة سببا في وجودها.
الفصل 6: قام خلاله بعرض القواعد المتبعة في إقامة البراهين، وبيان لمختلف الطرق الاستقرائية التي تُتّبع في العلوم التجريبية في مرحلة تحقيق الفروض، ويعني بها: طريقة الاتفاق، وطريقة الاختلاف، وطريقة التغيّر النسبي، وطريقة البواقي. كلها تعتمد على المقارنة بين الظواهر لمعرفة العلاقات بينها، ويفضل دوركايم طريقة التغير النسبي.
ويشير المترجم إلى أن ترجمة هذا الكتاب لم تكن بالأمر السهل والهين، بسبب غلبة الطابع العلمي عليه، وكونه مليء بالمصطلحات العلمية والتي يصعب نقلها للعربية.
ونظرا لكون مقدماته الأولى والثانية هي ذات أهمية كبيرة في الكتاب فانه لا بأس من وضع إطلالة على أهم ما جاء فيهما استكمالا لموجز هذا الكتاب الرائع والهام.
مقدمته 1: يرى فيها أن عالم الاجتماع يجب أن لا يخجل أو يتردد في التمسك بالنتائج التي تفضي إليها أبحاثه إذا قام بهذه الأبحاث بطريقة علمية سليمة، وعليه أيضا أن يتخلص من الأفكار الجاهزة وغير الممحصة، كما أن طرق التفكير التي ألفناها إلفا شديد تعود بالضرر على دراسة الظواهر الاجتماعية.ولذلك على الباحث أن يأخذ حذره من خواطره الأولى. ثم يستطرد دوركايم في شرح ظاهرة الجريمة وكيف اعتبرها ظاهرة سليمة وتبقى كذلك سليمة مادام يتحقق فيها شرط أن تبقى ظاهرة بغيضة، كما أن ظاهرة الألم ظاهرة سليمة مادام الألم ممقوتا.
مقدمته 2: ينطلق فيها من أن طبعة الكتاب الأول طرحت الكثير من المجادلات العنيفة، وان منتقديه قاوموه بشدة لدرجة انه لم يعد يقوى على الظهور، وأنهم كالوا له العديد من الاتهامات التي تخلص إلى نتائج من الدراسة غير الممحصة لكتابه، وبدأ يستطرد في الرد عليها، موضحا أن الإنسان لا يستطيع أن يصل بالمنهج إلا إلى نتائج مؤقتة. لان المناهج تتغير كلما تقدم العلم، ورغم ذلك فقد استطاع علم الاجتماع الموضوعي المنهجي القائم بذاته أن يتقدم دون انقطاع خلال السنوات الأخيرة. واستطرد دوركايم في الرد على بعض القضايا التي طرحا وأثارت اعتراضات وأهمها:
- قضية وجوب دراسة الظواهر الاجتماعية على أنها أشياء، وهو الأساس الذي تقوم عليه طريقة دوركايم، ويوضح انه لم يقل أنّ الظواهر الاجتماعية هي أشياء مادية وإنما هي جديرة بان توصف بأنها "أشياء" كالظواهر الطبيعية تماما، ويرى انه يجب على عالم الاجتماع أن يشعر حين يطرق العالم الاجتماعي بأنه يلج عالما مجهولا، ولا مناص له أن يشعر بأنه وجها لوجه مع بعض الظواهر.
- القضية التي تقول أن الظواهر الاجتماعية تنحصر في ضروب من السلوك والتفكير التي يمكن تمييزها عن غيرها وهي أنها تستطيع التأثير في شعور الأفراد تأثيرا قهريا..
بهذا الكتاب "قواعد المنهج السوسيولوجي" يكون ايمل دوركايم قد وضع القواعد الأساس في علم الاجتماع وهي القواعد التي أسست بالفعل لمنهج علمي اجتماعي في البحث السوسيولوجي.. وبالرغم من أن الكتاب أو القواعد قد صدرت منذ مدة ليست باليسيرة فانه لا يزال يحتفظ بمكانته الكبرى داخل حقل السوسيولوجيا.