الطريقة الحمدوشية بالجديدة تنبعث من جديد
تغطيةمحمد زيان
عاش الحي البرتغالي عصر يوم السبت الحدث السعيد بالنسبة للطائفة الحمدوشية، حينما حل بالبوابة الرئيسية للحي موكب طوائف حمادشة مدن الجنوب ( مراكش، تارودانت، الصويرة، آسفي ودمنات ) يترأسهم السيد المصطفى برادي المنسق الجهوي لحمادشة هذه المدن بتكليف من شرفاء الطريقة بالزاوية الأم بمدينة مكناس في خطوة يرومون من خلالها فك طلاسم المشكل الذي أرق المريدين ومعهم الساكنة والمتعاطفين والغيورين على الطريقة، مرددين أذكارا وأمداحا نبوية شريفة قبل أن يطلقوا العنان لآلة النفخ ( الغيطة ) التي غابت عن فضاء الحي سنوات فلكية بفعل هذا الصراع المفتعل الذي كان قائما بين مريدي الزاوية الحمدوشية ومقدمها، نتج عنه تغييب المواسم السنوية التي كانت تنظم كل سنة بمناسبة ذكرى المولد النبوي معلنين قرب انفراج الأزمة التي طال أمدها وكانت موضوع شكايات من طرفي النزاع، وكذا مواد إعلامية لعدة منابر إعلامية. وما ان اقترب الموكب والأمواج البشرية المرافقة له لمقر الزاوية حتى علت زغاريد وتهليلات وبكاء المستقبلين من نسوة ورجال وأطفال حاملين أطباقا من التمر والحليب، مرحبين بقدوم "الفاتحين" في هذا اليوم الأغر من أجل تخليص الزاوية من أبشع صور الاستغلال والحجر والجشع الذي طبعها على مدى سنوات، تقول إحدى النساء المسنات المتشبعة بالطريقة الحمدوشية حتى النخاع التي لم تستسغ يوما أن تقفل أبواب الزاوية، مذكرة بالسنوات الخوالي حين كان مريدو الزاوية الحمدوشية متآلفين فيما بينهم، ينظمون مواسمهم من لا شيء، بل يبادرون بتنظيم اكتتاب بينهم وبين المحيطين بهم، ينهمكون في الإعداد والتحضير بكثير من التفاني ونكران الذات كلما اقترب موعد الموسم السنوي. أما وأن أصبحت المداخيل قارة تستخلص من الوجيبات الكرائية الشهرية للمنزل المجاور الذي يدخل ضمن مرافق الزاوية ويستفيد منها المقدم السابق لوحده دون موجب حق، وهذا ما بطرق أثار حفيظة المريدين الذين لم يتركوا بابا إلا طرقوه ولا مسعى إلا سعوا إليه رغبة منهم في رأب الصدع واستجلاء العتمة التي لحقت بالزاوية وتحرير مواردها المالية التي يجب أن تخصص لحاجيات ومستلزمات مقر الزاوية.
إن يوم السبت 15 مارس من سنة 2014 ميلادية الذي يوافق 13 جمادى الأولى لسنة 1435 هجرية سيبقى راسخا في أذهان كل من يمت بصلة إلى هذه الزاوية الضاربة في أعماق التاريخ، سواء عن طريق الانتماء الروحي أو بحكم الجوار، بعد أن فُتحت الأبواب من جديد وولج المريدون المحليون وأولئك الذين تكبدوا مشاق التنقل من المدن المذكورة آنفا حيث لبوا النداء أمام أعين السلطات الدينية الإقليمية والسلطات الأمنية بمختلف تلاوينها التي راقبت الوضع عن كثب، قبل أن يتسلم في بهو الفضاء الرحب للزاوية المقدم المعين أوراق الاعتماد من يد المنسق الجهوي الذي تلا نص الوثيقة المتضمنة للمهام التي يجب أن يضطلع بهاعلى مسامع الحشود الحاضرة نيابة عن نقيب الشرفاء الذي كان يتتبع "ملحمة عتق الزاوية من براثن الاستغلال" – حسب تعبير المقدم الجديد- عن طريق الهاتف معتذرا عن عدم الحضور في هذا اليوم الذي سماه بالتاريخي، واصفا اللحظة بالفارقة في تاريخ حمادشة الجديدة، وواعدا إياهم بالقدوم قريبا بين ظهرانيهم لتدشين المرحلة المقبلة التي يجب أن تعلن القطيعة مع الممارسات السابقة التي أفرزت صراعات خلفت حنقا وأحقادا صعب معها تقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة، مشيرا إلى أن الطريقة الصوفية الحمدوشية ليست ملكا لأحد، بل هي ملك مشاع لجميع المنتسبين إليها، شريطة التحلي بالأخلاق والتشبع بالطقوس الأصيلة لهذه الطريقة.
وفي أعقاب هذا الحفل أدلى لنا السيد المصطفى برادي المنسق الجهوي لحمادشة مدن الجنوب مؤلف كتاب ومضات من التصوف المغربي الزاوية الحمدوشية نموذجا بالتصريح التالي : لايسعني وأنا أشرف على فتح هذه الزاوية العريقة إلا أن أعبر عن اعتزازي أولا بوجودي بين هؤلاء الأحبة الذين جمعتني بهم المواسم على مدى عقود خلت منذ طفولتي الأولى حين كان يستقدمني والدي رحمة الله عليه معه من مدينة مراكش لأشاركهم احتفالاتهم الدينية وأشاطرهم الطقوس الربانية الطاهرة لهذه الطريقة الصوفية المميزة، ثم من أجل أداء المهمة الرئيسية التي كلفت بها من طرف نقيب الشرفاء وهي تنصيب المقدم الجديد على الزاوية خلفا للمقدم السابق الذي تخلف عن الحضور رغم إشعاره. أما وصيتي لهذا الجيل الجديد من الحمادشة فهي أن يدعوا الخلافات وراء ظهورهم ويؤسسوا لحقبة جديدة عناوينها التسيير المعقلن والحرص على ممارسة الطقوس الحمدوشية في نقائها، وإعادة نشاط الزاوية إلى سالف عهدها كي تلعب دورها الديني، الثقافي، والتربوي، خصوصا في حي يعتبر مهدا للتراث المادي واللامادي بامتياز، ولم يعد أيضا وهذا هو الأساسي منذ اليوم المجال مفتوحا للارتجال ولا متروكا للصدفة.