صخرة المـلتقى للدكتور إبراهيم ناجي
صخرة المـلتقى
للدكتور إبراهيم ناجي
سألتُك يا صخرةَ الملتقى *** متى يجمع الدهرُ ما فرَّقا
فيا كعبةً شهدت هائمَين *** أفاءا إلى حسنها المنتقَى
إذا الدهــرُ لَـــجَّ بأقــداره *** أخذنا على ظهرِهَا الموثقَا
أرقّ الهوى عندها مجهداً*** وأنَّ النسيمُ بها مرهقَا
رَمى البحرُ نحوكِ أمواجَه*** فعاندتِ تيارَه الأزرقَا
وصدت نواحيــكِ هـدارةً ***كما أغضبت أسداً موثقاً
قرأنا عليكِ كتابَ الحياة *** وفض الهوى سرَّهَا المغلقَا
نرى الشمسَ ذائبةً في المحيط *** وننتظر البدرَ في المرتقَى
إذا نشـــر الغــربُ أثوابَه *** فأطلقَ في النفس ما أطلقَا
نقول هل الشمسُ قد خضبته***وخلَّت به دمَهَا المهرقَا
أم الغربُ كالقلب دامي الجراح*** له طلبةٌ عزَّ أن تلحقَا
فيا مهجةً خلف هذا الغمام ***بكت نضرةً وصباً رَيِّقَا
ويا صورة في نواحي السحاب *** رأينا بها همَّنَا المغرقَا
لنا الله من صورةٍ في الضميرِ *** يراها الفتى كلَّما أطرقَا
يرى صورةَ الجرح طيَّ الفؤا *** دِ ما زال ملتهباً محرقَا
فيأبى الوفاءُ عليه اندمالا *** ويأبى التذكُر أن يشفقَا
ويا صخرةَ العهدِ جاشَ العباب *** ولاقاك محتدماً محنقَا
وجاورك القفر يعي الظنونَ **** إذا الفكر في كنهِه حقَّقَا
أرى في العبابِ كفاحَ الحياة **** وتيارها الجارفَ الأحمقَا
وألمح فيها عراكَ الرجال *** إذا لاحَقَ الزورقُ الزورقَا
وكيف على رُحبِ هذا المجا *** ل ننزلُها منزلاً ضيِّقَا
وقفتُ على اليمِّ أسألُ نفسي *** بعيدَ الهواجسِ مستغرقَا
هل الله من قبلِ خلقِ الحياة *** أراد على الموج أن تخلقَا
ومثَّلَ في القفر لغزَ الحِمام *** لم نكتشف سره الأعمقَا
أرى في ابيضاضِ الرمالِ ال *** مشيب والكفن الشاحب المقلقَا
أرى في السرابِ غرورَ النفو *** سِ والأملَ الخائبَ المخفقَا
وقد جعل الله ذا الصخرَ بي *** ن الحياةِ وبين البلى موبقَا
ومثَّلَ فيه عتوَّ الدهور *** لن تستباح ولن تخلقَا
تريد الحياةُ لقاءَ المماتِ ***ولا يأذن اللهُ بالملتقَى
ويا صخرةَ العهد أُبتُ إليكِ ***وقد مَزَّقَ الشملَ ما مزقَا
أريكِ مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ *** والشيبُ ما كلَّلَ المفرقَا
شكا أسره في حبالِ الهوى *** وودَّ على الله أن يُعتقَا
فلما قضى الحظُّ فكَّ الإِسار *** حنَّ إلى أسره مطلقَا
لمن زيَّنَ الله هذي السماء **** أو جمَّلَ الكونَ أو نسَّقَا
لمن يطلعُ الفجرُ في أفقها *** فيبدو بها ضاحياً مونقَا
لمن مسَّ هذا النسيمُ الغمامَ ****فرقرقَ منه الذي رقرقَا
إذا ذكرتهُ الحمائمُ أنَّ *** وإن ضاحكته الربى صفَّقَا
أللطائرِ المفردِ الروحِ يمضي **** يرودُ المواردَ عن مستقَى
وربّكَ ليس لهذا ولكن ****لروحينِ في أفقٍ حلَّقَا