من حدائق الأدب العربي
من حدائق الأدب العربي
نحن نحب الشمس لأنها حاضرة غائبة، مقيمة راحلة، مشرقة غاربة، أليفة غريبة، ذلك أن طول المكوث في مكان معلوم يخلق الألفة ولكنه يورث الملل. ولهذا يبلى الشيء إذا طال وقوع البصر عليه وتمجه النفوس ولا يصبو إليه أحد:
وطول مقام المرء في الحي مخلق ****** لديباجته فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة ******* إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
إذا المرء أن يتجدد فما عليه إلا أن يغترب، أن يبدل مقامه، أن يغرب كما تفعل الشمس. على أن غروب الشمس لا يعني ضياعها وانعدامها، إنها تشرق على تشرق على قوم آخرين يسرون بمقدمها عليهم، ثم تعود من جديد إلى الناس التي غربت عنهم. المرء المغترب يتجدد بانتقاله إلى مكان غير مألوف لأنه في هذه الحالة يستعير ثوبا جديدا يجعله يبدو في منظر غير معهود. فالثوب يبلى مع كثرة لبوسه وما على المرء إلا أن يبادر إلى تبديله بثوب آخر، إذ ذاك سترقبه لعيون لأنه سيمر من هيئة مألوفة إلى هيئة غريبة. فليس الثوب وحده من يتجدد بل كذلك من يرتديه.
"الأدب والغرابة" عبد الفتاح كيليطو