رقــــــــــــان......الإبــــادة
التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر وأثارها:
لم تقتصر الإبادة التي سخرها الجيش الفرنسي على القتل الجماعي بالطرق المعهودة، بل تطور الأمر إلى حد استعمال العلم والتقدم التكنولوجي في خدمة الأغراض الدنيئة، ومن هذه الممارسات نسجل عملية تفجير القنبـلة النوويـة في الصحراء الجزائرية ففي 13 فبراير سنة 1960 على الساعة السابعة وأربع دقائق ودون علم أحد ودون أخذ الحيطة والحذر بإبعاد السكان أو حمايتهم هزّت فرنسا صمت الصحراء بتفجيرها أول قنبلة نووية لها على الأراضي الجزائرية و سمتها "عملية اليربوع الأزرق" بقوة سبعين طن ( أربع مرات قنبلة هيروشيما ) لتتبعها مباشرة بعمليات "اليربوع الأبيض" و"الأحمر" ثم "الأخضر" وكان ذلك بالتحديد في منطقتي "رقان" و"عين إيكر"
×××××
وترجع هذه التسمية إلى قارض صحراوي يسمى "اليربوع" وألوان العلم الفرنسي الأزرق ,الأبيض والأحمر
لقد تعمدت فرنسا آنذاك استعمال سكان المنطقة البالغ عددهم 42 ألف نسمة كفئران تجارب ثم أخذت بعضهم إلى مستشفى رقان العسكري لدراسة آثار القنبلة على البشر لكن الشيء الغريب هو أن فرنسا لم تستخدم السكان الأصليين فقط كفئران تجارب بل استخدمت جنودها أيضا وهذا ما يدفع بعض الفرنسيين لاستنكار التجارب لا شيء آخر
تفجير القنبلة:
في بداية شهر فيفري من سنة 1960 كان كل شيء جاهز في رقان، وأصبح الأمر بيد الأرصاد الجوية التي ستحدد اليوم المواتي للتفجير، ولقد تم ذلك بالفعل في 12 فيفري 1960 وتقرر التفجير في يوم الغد أي 13 من فيفري، وأعطيت التعليمات الأخيرة وفي فجر ذلك اليوم اتجه الجنرال " إليري " إلى حمودية مقر القيادة المتقدم الذي كان يبعد حوالي 15 كلم من النقطة الصفر، وجرت العمليات أوتوماتيكيا لتفادي أي خطأ.
سبقت عملية التفجير عدة صواريخ تعلن عن مدة التفجير التي ستتم بعد 50 ثا، وانفجرت القنبلة وشكلت كرة نارية هائلة انبعث منها ضوء باهر وسمع دويها من بعيد
نجحت فرنسا و إسرائيل في تجاربهما النووية و هما تدركان أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن 4500 سنة من وقع إشعاعات نووية لا تبقي ولا تذر و لا تفرق بين نبات وحيوان و إنسان أو حجر!!. كانت أول قنبلة نووية سطحية قنبلة الينبوع الأزرق . تلتها قنبلة "اليربوع الأبيض"، ثم "اليربوع الأحمر" حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي لتختتم التجارب الاستعمارية النووية بمنطقة حموديا برقان بالقنبلة الرابعة و الأخيرة التي سميت "باليربوع الأخضر"، وهذا في 25 ابريل 1961، لتنفتح شهية النظام الديغولي من أجل التنويع في التجارب النووية في العديد من مناطق الصحراء الجزائرية لتصل قوة تفجيراتها إلى 127 كيلو طن من خلال التجربة الباطنية التي أطلق عليها اسم "مونيك" بمنطقة "إينكر" بالهقار!
برنامج إسرائيلي بغطاء فرنسي
تعتبر تجارب رقان النووية أهم الاتفاقيات التاريخية ببن فرنسا و إسرائيل من خلال الاتفاق السري الذي وقعه الطرفان مع بعضيهما عام 1953، حيث كانت إسرائيل تبحث عن الأرض لإجراء مثل هذه التجارب. في الوقت ذاته، كانت فرنسا تبحث عن الحلقة المفقودة في امتلاك القنبلة النووية بعد أن تخلى عنها حلفاؤها القدماء: أمريكا و بريطانيا، و امتنعتا عن تزويدها بالطرق و المراحل التجريبية الميدانية للتفجير النووي. كما استفادت فرنسا بشكل كبير من رؤوس أموال أغنياء اليهود لضمان القوة النووية للكيان الصهيوني بغية تأمين بقائهم في منطقة الشرق الأوسط. فقد تم انجاز هذا المشروع عام 1957 بسرية تامة. وفي عام 1960 شارك في أول تجربة نووية عدد جد معتبر من الخبراء الإسرائيليين كي يتم نقل الخبرة إلى معهد وايزمان للعلوم الفيزيائية في بلدة رحفوت الإسرائيلية.
و لم يتردد خبراء فرنسا و إسرائيل في استعمال سكان المنطقة بأكملهم فئران تجارب. أما المجاهدون، فأكد شاهد عيان أنهم تركوا مكبلين على بعد 200متر من مركز الانفجار.!!
النتائج الأولية لهذه التجارب، كانت مفزعة :
35 حامل أجهضن !!..عدد كبير من سكان القصور فقدوا البصر!!.. أصحاء أصيبوا بأمراض عقلية!!.. نقل الكثير من الأهالي إلى المستشفى العسكري الفرنسي بالقاعدة لمعاينتهم.. وفقط... دون إعطاء علاج!!! هذه هي الأحداث التي عرفتها مدينة رقان ساعات بعد تفجير"اليربوع الأزرق" حسب رواية أحد أطباء مشفى رقان
أثار التجربة النووية:
أصبح أهالي منطقة رقان حينها يستنشقون هواء ملوثا بالإشعاعات، فكان للتجارب النووية انعكاسات خطيرة على الإنسان والبيئة حتى بعد مرور سنوات طويلة على التفجـير.
* على السكــان:
- ظهور بعض الأمراض التي كانت نادرة الحدوث مثل : السرطان خاصة سرطان الجلد، و مرض العيون .
- ظهور حالات العمى خاصة لدى الذين أخذهم الفضول لمشاهدة المخططات الفرنسية .
- الوفيات المتكررة للأطفال عند ولادتهم - بعضهم لديه تشوهات خلقية، مثل عين واحدة على الجبين وأصابع قصيرة جدا
- ظهور حالات العقم التي أصبحت شائعة وكذا التأثيرات الوراثية كضمور الأعضاء التناسلية .
* على البيئــة:
كانت هي أيضا وخيمة جدا حيث قضت الإشعاعات على الخيرات الطبيعية المتنوعة التي كانت تتميز بها رقان، ولقد تجلى الإشعاع الذري في الأضرار التي مست زراعة الحبوب والنخيل التي أصيبت بوباء دخيل هو البيوض الذري
- آثار النفايات النووية من معدات عسكرية في مناطق التفجيرات لازالت تشكل خطرا على البيئة فلا تعد مناطق صالحة للزراعة ولا لأي نشاط آخر، وهذا ما يدخل في خانة تدهور الغطاء النباتي، وانخفاض إنتاج المحاصيل الحقلية وظهور سلالات خضرية ضعيفة الإنتاج والمقاومة اتجاه الأمراض النباتية والحشرات والفطريات والكائنات الدقيقة
- التأثيرات الإشعاعية على المياه وخاصة مياه الشرب منها، فقد تلوثت نتيجة انحلال النويات و اعتبرت مواد مسرطنة
خروف برأس حمار و ماعز بأرجل إضافية
من الظواهر الغريبة التي عرفها سكان المنطقة بعد التجارب النووية مباشرة، الولادات المشوهة!.. حيث يؤكد مربو الحيوانات من عايشوا المرحلة، أن الأغنام و الإبل تراجع عددها كثيرا بقصور رقان بفعل حالات الإجهاض و الولادات المشوهة! مصدر هذا التراجع، تمثل أيضا في ظهور عدد كبير من الأمراض الغريبة عن المنطقة و الحالات المرتفعة من الإبل و الماعز التي ولدت بتشوهات، أدت إلى الوفاة بعد حين!! من بين هذه الحالات، حالة "خروف برأس حمار"، و "ماعز بستة أرجل". أصحاب القصور من المربين و الرعاة، يعتبرون أن الأمراض الناجمة عن الإشعاع النووي ستؤدي إلى انخفاض الثروة الحيوانية و التنوع الإحيائي و اختفاء عدد من السلالات التي تكيفت عبر آلاف السنين مع البيئة الصحراوية.، فقد لوحظ من طرف الأهالي اختفاء عدد من الزواحف مثل الثعابين و الطيور المهاجرة كطائر "الكحيلة"، الذي اختفى نهائيا بعد الانفجار النووي الأول. كما يذكر المزارعون، أن المحاصيل الزراعية التي كانت تزخر بها المنطقة قد تراجعت كثيرا فالتمور مثلا لم تعد أية علاقة تربط منطقة رقان الصحراوية بزراعة النخيل! فقد تعددت الأمراض الطفيلية التي باتت تحصد أشجار النخيل بالمئات كل سنة ،لاسيما مرض " البيوض "
أطفال حديثي الولادة بعين واحدة , بدون مخ و 801 حالة إجهاض في 5 سنوات
هذه الحالات التي عرفها مستشفى رقان، لوحظ عدد من الوفيات المتكررة للأطفال عند ولادتهم بعضهم لديه تشوهات خلقية حسب ما ذكره الأطباء الذين شاهدوا حالة طفل حديث الولادة بعين واحدة و أصابع قصيرة جدا، وكذا حالة طفل بأرجل مقوسة في نفس المستشفى. هذا المرض، يمكن ملاحظته حتى عند الكبار. إنه ظاهر وبوضوح بالمنطقة. كما عرف المستشفى حالة مولود برأس كبير مملوء بالماء لم يعش أكثر من يومين.. و أخر بدون مخ توفي عند الولادة. كما تم تسجيل عدة حالات للإجهاض بالمنطقة التي وصل عددها إلى 169 حالة في سنة 2000 فقط، فيما كان عددها حوالي 801 إجهاض بين سنة 1995 و 2000 بمستشفي رقان وحده!.. كما أن حالات العقم التي ظهرت بعد سنوات التجارب النووية مباشرة، و التي أثرت على الجنسين الذكري و الأنثوي، باتت اليوم شائعة
يلفت انتباه أي شخص غريب عن رقان العدد الكبير من المصابين بالصمم و العجز عن الكلام بهذه المنطقة و عن الانتشار المريع لأمراض العيون برقان يرجح كثير من أطباء العيون بالمنطقة ، أنه متعلق بالإشعاعات النووية . فهناك نسبة كبيرة من سكان المنطقة الآن مصابون بعدة أنواع من أمراض العيون منها: الحساسية المفرطة للعين، حيث تصبح العين حساسة جدا لأي شيء , المرض الثاني هو ارتفاع ضغط العين الذي يؤدي إلى خلل في عملية الإفراز حيث يتراكم الماء في العين. كما توجد هنالك العديد من الأمراض الخلقية المنتشرة بصورة كبيرة جدا، أهمها قصر النظر!!.
تفشي كل أنواع السرطان بمنطقة رقان
يعاني سكان منطقة رقان خلال السنوات العشر الأخيرة من ارتفاع عدد الوفيات بسبب السرطان. فقد بات هذا الأمر يثير مخاوف أهالي المنطقة. حيث تفيد دراسة جامعية أجريت بالمنطقة سنة 2000، أن عدد الإصابات بالسرطان في منطقة رقان تنوعت خصوصا عند الأشخاص الذين عايشوا مراحل التجارب النووية. فقد سجل خلال سنة 1997 فقط حوالي 28 حالة سرطان ثدي في رقان أودت بحياة 6 منهن في نفس السنة!.. كما سجل في سنة 2000 إصابة 10 أفراد متوسط عمرهم 70 سنة بسرطان الدم و الكبد. أما الـ 13 شخص الذين أصيبوا بسرطان الرئة و الحنجرة من نفس المنطقة، فتتراوح أعمارهم بين 25 و 60 سنة. و يتناقص عدد المصابين بالسرطان كلما ابتعدنا عن منطقة رقان أي عن منطقة الإشعاع النووي.
كل هذه الأرقام و أنواع الأمراض التي لا يسعنا ذكر كلها، لم يكن يعرف سكان المنطقة عنها شيئا قبل التجارب الفرنسية التي أجريت عليهم كفئران تجارب . زد على ذلك ظهور الأمراض النفسية. عمر الإشعاع النووي لا يتوقف عند 50 سنة فقط، بل يدوم ألاف السنين تدوم معها معاناة أجيال و أجيال من الجزائريين. ذنبهم الوحيد أنهم سكان منطقة رقان
الخــاتمـة:
إن الاستعمالات النووية إذا استغلت للأغراض السلمية وتم تسخيرها لخدمة الإنسان كان فيها من الاستخدامات الكثيرة فقد تستعمل في إنتاج الطاقة وفي مجال المعالجات السرطانية وحفظ الأغذية والبحوث الزراعية والبيولوجية وفي مجال الصناعة ، لكن يبقى الإنسان المتمرد يبحث عن طرق وأساليب تؤدي إلى الهيمنة والتسلط فيلاحظ أن دول العالم الاستعمارية قامت بتسخير الطاقة النووية لإنتاج سلاح نووي يؤدي إلى قتل وتدمير البشرية.
لقد استعرضنا أثر الإشعاع النووي على كافة عناصر الطبيعة من هواء وارض ومياه وما يسببه من أضرار خطيرة وقاتلة على كافة المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات وجماد. فقد لزم الأمر أن تتضافر الجهود سواء على مستوى الفرد والجماعات والدول لدرء هذا الخطر المحدق بنا جميعا فوق كوكبنا الأرض وذلك بالتعاون الوثيق وإتباع كافة السبل في القضاء على كل مسببات التلوث البيئي حتى يتسنى للبشرية جمعاء أن تحيا الحياة الأفضل والآمنة في ظلال قيم الحب والخير والجمال .