فضاءات شنهور

شنهور

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1458.41
إعلانات


في رثاء الأندلس


في رثاء الأندلس

لأبي البقاء الرندي


لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ : فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ


هي الأمور كما شاهدتها دُولٌ : مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ


وهذه الدار لا تُبقي على أحد : ولا يدوم على حالٍ لها شان


يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ : إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ


وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ : كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان


أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ : وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟


وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ : وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟


وأين ما حازه قارون من ذهب : وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟


أتى على الكُل أمر لا مَرد له : حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا


وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك : كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ


دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه : وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ


كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ : يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ


فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة : وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ


وللحوادث سُلوان يسهلها : وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ


دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له : هوى له أُحدٌ وانهد ثهلانُ


أصابها العينُ في الإسلام فامتحنتْ: حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ


فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً) : وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)


وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلوم فكم : من عالمٍ قد سما فيها له شانُ


وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ : ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ


قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما : عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ


تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ : كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ


على ديار من الإسلام خالية : قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ


حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما : فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ


حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ : حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ


يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ :إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ


وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ : أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟


تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها : وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ


يا راكبين عتاق الخيلِ ضامرةً : كأنها في مجال السبقِ عقبانُ


وحاملين سيُوفَ الهندِ مرهفةُ : كأنها في ظلام النقع نيرانُ


وراتعين وراء البحر في دعةٍ : لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ


أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ : فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟


كم يستغيث بنا المستضعفون وهم : قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟


ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ : وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟


ألا نفوسٌ أبياتٌ لها هممٌ : أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ


يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ : أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ


بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم : واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ


فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ : عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ


ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ : لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ


يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَ بينهما : كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ


وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت : كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ


يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً : والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ


لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ : إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة