حكاية قصيدة للمتنبي
لما قدم أبو الطيب على كافور الإخشيدي أخلى له داراً ووكل به وأظهر التهمة له، وطالبه بمدحه فلم يفعل، فخلع عليه وحمل إليه آلافاً من الدراهم. فقال أبو الطيب هذه القصيدة في جمادي الأولى سنة ست وأربعين وثلاثمائة.
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى صَديقاً فَأَعيا أَو عَدُوّاً مُداجِيا
إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا
وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا
حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى وَقَد كانَ غَدّاراً فَكُن أَنتَ وافِيا
وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا
فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا
إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصاً مِنَ الأَذى فَلا الحَمدُ مَكسوباً وَلا المالُ باقِيا
وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا
أَقِلَّ اِشتِياقاً أَيُّها القَلبُ رُبَّما رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا
خُلِقتُ أَلوفاً لَو رَحَلتُ إِلى الصِبا لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا
وَلَكِنَّ بِالفُسطاطِ بَحراً أَزَرتُهُ حَياتي وَنُصحي وَالهَوى وَالقَوافِيا
وَجُرداً مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا فَبِتنَ خِفافاً يَتَّبِعنَ العَوالِيا
تَماشى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا