الثعلب الماكر والأسد الأشقر الحاقد وملك الغابة العادي...
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آلـه وصحابته أجمعين..
.... السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الثعلب و الأسد الأشقر وملك الغابة
...عندما سافر الأسد لخارج الغابة – في رحلة طويلة – ظنت اللبوة أنها وريثته وأمرت الثعلب ( كاتم سر الأسد ) بتسليمها الختم الرسمي للغابة والأوراق المدروسة وطلبت منه تجديد المكتب الرئاسي بغرض إضفاء لمسة جمالية عليه .
طلب الثعلب منها مهلة للتفكير ، وعلي طول ذهب للنمر وأخبره بحكاية اللبوة وطمعها في الرئاسة مذكراً له بالمادة الأولي من من دستور الغابة التي تنص علي أن الملك للأقوي .
وسمع الفيل من القرد النسناس بأمر اجتماع الثعلب مع النمر ورتب لاجتماع عاجل مع الحيوانات آكلة العشب ، محذراً من أن أكلة اللحوم إذا جلسوا علي كرسي العرش فلن يتركوا أرنباً أو غزالاً يمشي علي قدمين .
حركة الفيل الدؤوبة رصدتها عيون أمن الغابة ، التي رفعت تقريراً عاجلاً للبوة يوصي بالقبض علي الفيل وزعماء التمرد
...والحكاية تبدأ في الغابة...
....أشرقت الشمس على الغابة الساكنة ، وأرسلت أشعتها لتخترق بلطف أوراق أشجارها كأنها سهام مصوبة بدقة ،وهو لا يكاد ينصب أقدامه أرسل الأسد فى طلب الثعلب فورا كى يحضر ليناقش معه حديثه معه بالأمس ، هذا الحديث الذى منع النوم عن عيون الأسد ، نعم ..لم يستطع الأسد أن يدفع عينيه للنعاس ، فقد
أصابه الأرق الشديد واستعصى الهدوء على خاطره ، وظل يخطو رائحا غاديا فى بيته الكائن وسط الغابة ، وسيطرت الأفكار عليه كأنها أمواج عالية عاتية ، وأخذ يردد بينه وبين نفسه ماقاله له هذا الداهية ضئيل الحجم ، الثعلب المكار ، وحاول الأسد الرقاد دون جدوى ، فكلمات الثعلب لازالت تدوى فى أذنيه وتعرقل هدوء فكره ، طوال الليل وهو ويكرر حديث الثعلب بينه وبين نفسه : سيدى الأسد الهمام ملك الغابة ، إن لسانى ليعجز عن أن أصف لك مدى حزنى وقلقى الشديدين ، فالأيام تمر والسنين تعدو ، وأرى بين جنبات رأسك شعيرات بيضاء تزحف رويدا رويدا ، وهاهو العمر يولى ، والغابة لاتجد من يحكم قبضته عليها ، فالأفيال تدهس من تريد وتقلع الأشجار ولا من محاسب لها ، والتماسيح تقضى نهارها على شاطىء النهر تتمتع بأشعة الشمس كما يحلو لها ، وتزدرد فى جوفها من تصل إليه أنيابها دون مسيطر ،ولا أحد ينهيها عن أفعالها ، وطرق الغابة مستباحة من الجميع يلقى فيها مخلفاته وروثه وقمامته دونما ضابط ولارابط ،والأحوال سداح مداح ، ولم تعد زأرتك تخشى أحدا ، وكلما تقدم بك العمر يا سيدى وهن صوتك ، وضعفت سيطرتك ، أنظر .. هل لديك ما تأكله فى غدك ؟ .. ما الذى جمعته لتقتاته حين هرمك وعدم قدرتك على القنص ؟ .. أليس لدى الحق فى التفكير فى مستقبلك وانت سيدى وولى نعمتى ؟ أليس لدى الحق فى التخطيط لأمور الغابة التى هى وطنى
.. وماهى إلا لحظات وأقبل الثعلب مهرولا
- مامعنى ما حكيت لى بالأمس أيها الثعلب ؟
يا سيدى بعدما عمت الفوضى الغابة تحتاج إلى نظام جديد ، نظام يعيد لها انضباطها-
-وكيف يكون ذلك ؟ أفصح فقد بدأت أمل حديثك ..
- إن قريبا لى ياسيدى يعيش فى حقول قرية يسكنها البشر .. وقد أفضى لى أن البشر ابتدعوا نظاما يحكمون به قراهم ومدنهم ، إنه نظام بديع ياسيدى ورائع .. إن لديهم بشرا يرتدون ملابس خاصة .. كل همهم حفظ النظام ، ينتظرون حتى يسكن الليل ويأوى العصاة والفوضاويون إلى مضاجعهم ، فيهجمون على بيوتهم ويحملونهم إلى حيث يتخلصون من شرهم ، وقد بنوا لهذا الأمر بناية بعيدة عن العيون ، كبيرة جدا ياسيدى ، يراها صاحبى ليلا سوداء مثل قرون الخروب ، كلها أسوار وأشواك وقضبان ، حدثنى صاحبى أنه مر بجوارها ليلا فسمع هؤلاء العصاة يصرخون ويعلنون توبتهم و رجوعهم عن إغضاب سيدهم ، ما رأيك ياسيدى لواستفدنا من نظام البشر هذا فى غابتنا ؟
- أى نظام تقصد أيها الثعلب ؟
- نظام أمنى متكامل تضمن فيه الخلود فى مملكتك سيدى ، دون أن تبذل مجهودا أو تخشى على نفسك الشيخوخة والهرم ..
- وكيف يكون هذا ؟
- لقد حدثت أولاد عمومتى من الثعالب وابن آوى والذئاب أن نكون نحن شرطة الغابة الذين يأتمرون بأوامرك ياسيدى ويحفظون النظام .
- ثم ماذا ؟
-هناك على حدود الغابة القبلية صحراء واسعة تحفها مزارع شوك ، ، نبنى هناك بناية نضع فيها الذين يخالفون أوامرك سيدى .
- وما اسم هذه البناية ؟
- اسمه سجن .. سجن يامولاى .. .. .. هكذا قال لى صاحبى .. ولكن معلق فوق بوابته تهذيب وإصلاح .. لا أفهم معناهما ..
- وكم يمكثون فى هذا التهذيب أيها الذكى الموهوب
- هذا مايحدده القاضى يا مولاى .
- قاضى ؟! وهل هناك قاض غيرى أيها الوغد ؟
- مهلا سيدى .. لايوجد طبعا قاض غيرك ، ولكن الحكمة تستدعى ألا تكون عرضة للقيل والقال ، وترهق نفسك مع هؤلاء الأوباش من المجرمين ، لقد رتبت لك الامور واتفقت مع القرد العجوز أن يتولى بنفسه هذه المسئولية بعيدا عنك .. فهم يثقون فيه .. وخير من تختار لهذه المهام ، من تثق الرعية فيه ..وتثق أنت أيضا فيه ..
- وكيف أثق فى هذا القرد العجوز الغبى ؟
- سيدى ..إن القرد العجوز يسكن جوارى ، وأنا الذى أهديته كوخا إلى جوار كوخى ، ، و أطعمه ليل نهار ، وأذكره دائما أن كوخه وطعامه من عند مولاى الأسد ،.. فلا يقلقك هذا الأمر ..سأتولاه ..
- إذن ، فلتبدأ فى بناء هذا الإصلاح .. ما اسمه قلت لى ؟ ..
- تهذيب وإصلاح يامولاى .. اسمه تهذيب وإصلاح ..
- لكنك قلت لى إسما آخر ..
- سجن يامولاى ..سجن .. ولكن هذا الإسم كما قال لى صاحبى غير مستحب ..
- ولكن هذه الأمور تحتاج لمؤازرة فريق من سكان الغابة .. علاوة على أنها مكلفة أيها الثعلب فكيف سندبر تكاليفها ؟..
- هذا أمر بسيط سيدى ، المؤازرة موجودة من نمور كثيرة أصبحت تخاف أيضا على مستقبلها فى الغابة ، بعدما كبر سنها وتساقطت ضروسها ، كما أن كثيرا من قطعان الغزال تبحثن عن حقوقهن الضائعة ، وسنقف بجوار قضيتهن خاصة بعد تحرش الثعابين بهن، وسيؤيدننا فى مشروعنا بالطبع ، أما الآخرون كالسحالى والأرانب وغيرها من ضعاف الغابة فسوف يبتهجون حين يعرفوا أننا سندفع عنهم الأذى ونحميهم من جبروت عمالقة أهل الغابة ونقيهم شرورهم ، وسنردد جميعا صباح مساء كلمة : الأذى .. سنكافح الأذى .. سنقتل الأذى .. إبحث عن الأذى .. احترس من الأذى .. حتى يمشون فى الغابة يتلفتون من رعب الأذى يمينا ويسارا وأماما وخلفا ، ويبحثون عنه فى أفواههم ، فى مطعمهم ومشربهم وبين جنباتهم ،وداخل عششهم ، لا تحمل هما سيدى .. سنقوم بهذه الأمور على أكمل وجه ، أما عن التكلفة فليدفعها سكان الغابة ، سنجبرهم على ضريبة مرور فى طرق الغابة التى نخطط لها ، فكل قرد سيدفع ضريبة تسلق وقفز من غصن إلى غصن ، ومن يستظل بشجرة يدفع ضريبة ، ومن يجلس يستمتع بأشعة الشمس يدفع ضريبة .. والنوم فى الأماكن العامة عليه ضريبة ، وبناء مكان خاص حتى ولو كان عش عصفور عليه ضريبة .. لاتقلق سيدى ..
- ولكن النمور لن ترضى بدفع ضرائب
- سنجعلها لهم ضرائب رمزية ، ولاتنسى سيدى أنهم يحمون الغابة ويدافعون عنها ..
- ولكن الأسود الشقراء فى الغابات المجاورة سيقولون عنا أننا نحبس سكان غاباتنا ونعذبهم ، وأنت تعلم مدى بأسهم وسيهددوننا ..
- بالعكس سيدى .. سيدعموننا..
-ولماذا يدعمونا وهم لا يحبوننا ..
- سيدى .. ما من شىء أقرب لقلب الجلاد إلا السوط يرعاه ويحافظ عليه ، ونحن السوط ، وهم يفعلون أكثر مما سنفعله سيدى ..
- إذن أوافقك على مشروعك أيها الثعلب الداهية ..فلنكن نحن أول من أعاد ترتيب الغابة ، ونظم أمورها ، أيها الثعلب الماهر ، أنا بصفتى ملك الغابة ، آمرك أن تبدأ فى تأسيس أول غابة حديثة راقية ، تملك أول نظام أمنى يحقق الأمن والعدل والمساواة ، أول سجن فى تاريخ عالم الغابة ..يالهؤلاء البشر الأذكياء ، الآن أستطيع أن أنام .. نوما هادئا سعيدا ..هاهاها .. هاهاها
اليوم التالى تسلل الثعلب إلى حدود الغابة الكبيرة ، طلب لقاء الأسد الأشقر ، وقف أمامه خاشعا متضرعا : سيدى أسد الأسود ، أشكو إليك ما فعله الأسد بغابتنا السعيدة ، فبعدما كان كل منا يعيش فى سعادة وسلام ، خرق الأسد قانون الغاب ، تصور ياسيدى أنه يريد إفساد الغابة ، ويستولى على قطعة من الصحراء ليجعلها سجنا يعذب فيه خصومه ، أنقذنا يامولانا ، يا أسد الأسود ..
انتفض الأسد الأشقر داعيا رفاقه من كل صوب وحدب ، لاأحد يخرق قانون الغاب ونحن على قيد الحياة ، لسنا من أولاد آدم ليأكل بعضنا بعضا ، أيها الثعلب اذهب إلى الأسد واجمع الفيلة كل الرافضين ، واحملوا هذا الأسد ونموره وضعوهم فى السجن الذى بناه ، وسنلحق بكم إن استعصى عليكم الأمر ، ..
همس الثعلب فى خضوع وذل : ولكن من يحكم الغابة بعده يا كبير الغابات ..
أنت .. أنت الذى ستخلفه .. من الآن أنت حاكم الغابة ..
ولكنى لست أسدا يامولاى
من الآن أنت أسد .. أنت أسد .. وسنطوف الغابات لنقول أن الثعلب صار أسدا .. الثعلب صار أسدا .. سنعلق صورتك على كل شجرة ونكتب تحتها .. يحيا الثعلب الأسد ..
وهل يصدق الجميع ذلك ؟
عندما نقول نحن أن الثعلب أسد ، إذن فالثعلب أسد ، لن يرى أحد صورتك إلا ويشير إليها ، يحيا الثعلب الأسد .. يحيا الثعلب الأسد ....إقرأ واستنتج....!!...