كلمة الراضي في مجلس المستشارين خلال مناقشة ميزانية 2014
بسم الله الرحمان الرحيم
السيد الرئيس،
السادة الوزراء،
أخواتي إخواني المستشارين،
أيها الحضور الكريم،
وفي إطار تفسير التصويت، أود بداية أن أشير أننا، الآن بالذات، نعيش لحظة تاريخية توثق لنضج الممارسة الديمقراطية والسياسية بالمغرب.
أقول ذلك لأن البعض حاول يائسا أن يحرمنا، داخل مجلس المستشارين، وفي إطار المعارضة الموحدة على وجه التحديد، قلت أن يحرمنا من أداء واجباتنا الدستورية مستحضرا تلك الاعتبارات الواهية التي تحيل على الوضع الدستوري الانتقالي والتي تريد جعل هذه الغرفة في حكم الموت الإكلينيكي إلى حين إنعاشها بانتخابات منتظرة.
هذه المناورات وهذا الاستهداف في الواقع، ما زادنا إلا إصرارا على أداء هامنا البرلمانية على أتم وجه، ونحن داخل المعارضة الديمقراطية لن نرد على خيال لا يمكنه أن يصمد للحظة أمام الدستور وقوة الدستور وما أعطاه من مشروعية لهذا المجلس وأعماله الكاملة إلى حين التجديد.
ونود فقط أن نربط هذه الحملة الفاشلة بتخوف البعض من هذا التكتل المبارك الذي أسس للمعارضة داخل وخارج مجلس المستشارين، لليقين التام أن هذه المعارضة لن تدخر جهدا في المساهمة والدفع بكل ما هو إيجابي والتصدي بقوة لكل ما لا يخدم الصالح العام.
ومن هنا بالذات، أود ربط هذه الخلاصة بقرار التصويت على هذا المشروع، ذلك أن مشروع قانون المالية لسنة 2014 أكد بالملموس عجز الحكومة في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والإشكاليات الاقتصادية، وأن هذه الحكومة اختارت للأسف حلولا ترقيعية متمثلة في استهداف المواطن البسيط وقدرته الشرائية لأجل سد الثقوب المالية الناتجة عن سوء التدبير وغياب الحكامة وانعدام إرادة الإصلاح.
وبالمقابل، جاءت الحكومة في ما يمكن وصفه بإجراء أحادي الجانب لا ينضبط لروح الدستور المؤسس للديمقراطية التشاركية، أقر التضريب على القطاع الفلاحي في قراءة معيبة للتوجهات الملكية التي كانت دائما مع إشراك الطيف الواسع للفاعلين والمعنيين، خير دليل على ذلك المنهجية المعتمدة في صياغة الدستور الجديد.
قلت، أقرت الحكومة التضريب المباشر وغير المباشر عن طريق الضريبة على القيمة المضافة على المعدات، بشكل يستهدف في آخر المطاف شريحة واسعة من المغاربة ويهدد بذلك التناغم المجالي والطبقي، العنوان العريض للسلم الاجتماعي.
كذلك، جاءت الحكومة من خلال هذا المشروع بمقاربة خطيرة للتعامل مع الريع والقطاعات النفعية، ذلك أنها جاءت بمنحة للتخلي عن مأذونيات النقل وكأني بها تطبع مع الريع لا تحاربه، تدعمه وتجازيه لا تحاصره، يحدث ذلك واستهداف المواطن البسيط قد بلغ أشده.
كذلك هذا المشروع جاء بمنطق "عفا الله عن ما سلف" كشكل صريح من أشكال التطبيع مع الفساد المحتمل ومع المال الوسخ المحتمل، وهذه ردة أخلاقية وقانونية خطيرة ترافع من أجلها الحكومة دون خجل وفق منطق عنوانه الغاية تبرر الوسيلة.
هذا المشروع أيضا، سجل أخطر استعمال للفصل 77 منذ أن كان 51 في الدستور السابق بالشكل الذي يكسر كل إرادة لتعاون السلط كما يريدها الدستور.
السيد الرئيس،
السادة الوزراء،
أخواتي إخواني المستشارين،
أيها الحضور الكريم،
سيحاسبنا الوطن وقبله المواطنون إن نحن تآمرنا على مصالحهم وأجهزنا على مبادئهم وتنكرنا لإرادتهم كما يعكسها الدستور الذي اختاروه حكما بينهم، سنحاسب عن ذلك كله، إن نحن صوتنا بنعم على مشروع يفقر الفقير، يضرب الفلاح ويعفي الثروة، ويطبع مع الأموال المجهولة المنشأ ويجازي الريع ويتنكر لحق المعطلين في الشغل ويلبس ثوب الردة على الدستور والقانون.
لقد جاء البرنامج الحكومي خاليا من أي تصور استراتيجي، فكان من الطبيعي ان تأتي قوانين المالية الثلاثة خالية منه، فكان لزاما علينا في البرلمان أن نتعامل مع مجموعة من الاجراءات المتفرقة بل والمتعارضة أحيانا في القوانين المالية الثلاثة للحكومة.
لقد تعاملنا مع أول مشروع قانون مالي بإيجابية نسبية وحاولنا إيجاد مبررات من قبيل قلة خبرة الحكومة. ثم تعاملنا مع المشروع الثاني حيث كنا ننتظر أن تكون الإنطلاقة الحكومية لتجسيد فلسفتها السياسية والاقتصادية على أرض الواقع لكن صمدمتنا كانت قوية حيث جاء المشروع مخيبا للآمال وأضعف من سابقيه. فكان لزاما علينا في هذا المجلس أن نتحمل مسؤوليتنا الدستورية والسياسية والتاريخية من أجل دق ناقوس الخطر وإثارة انتباه الحكومة والرأي العام على ضعف وسوء اختياراتها وفشلها في تدبير الشأن العام.
لأجل ذلك كله نصوت بالرفض على مشروع قانون المالية لسنة 2014.