الأستاذ عبد الله العزوزي يكتب : استثناء مغربي من نوع غريب
قصة ثلاث نساء من دوار عين بوشريك جماعة الوردزاغ
×××××
الأستاذ عبد الله العزوزي
هن ثلاث نساء قرويات اتفق الفقر و الحرمان والإقصاء و التهميش و"الحكرة كما هو متعارف عليها مغربيا" وظلم ذوي القربى ، و شماتة المتربصين ، واستعلاء ذوي النفوذ ، على أن يدخلهن التاريخ من بابه الواسع، باعتبارقصتهن أحد أوجه الإستثناء المغربي ، وليس استثناء محليا أو إقليميا فقط، وسأوضح لماذا لاحقا. ثلاث نساء سيزيد حزن الضمائر الحية عندما تعلم أنهن لسن شتاتا ولا أنباء متفرقة، و إنما هن كالتالي: الأم الأرملة، لالة حبيبة، و يتماها—الطفل عمر الذي توفي منذما يزيد عن عشرين سنة بلسعة عقرب، والبنتين اللتين شارفتا على الأربعين، فاطمة وسعيدة الوراك.
هذه عائلة من أفقر العوائل بدوار عين بوشريك، جماعة الوردزاغ، إقليم تاونات، وأكثرها هشاشة. تعيش من زكاة الفطر و إحسان بعض المحسنين أو القيام بالأشغال الفلاحية عند آخرين إبان الأزمنة الجميلة. وصل غيث الكهرباء إلى دوار عين بوشريك – (وهو بالمناسبة وطأته أقدام السيد عامل الإقليم السابق، السيد محمد فتال، لكونه سهل الولوج عبر مسالكه القروية ، و يتميز بموقع بانورامي رائع وخلاب، ووصلته وفود سياحية من دول غربية ناطقة بالإسبانية و الأنجليزية و الفرنسية )-- سنة 1998 ، هذا المعطى غير الكثير في حياة الناس وارتقى بحياتهم، ولا يسعنا القول هنا إلا " اللهم لا تحرم عبادك من كل مصادر النور: البصر و البصيرة و الكهرباء" .
إلى حود هذه الساعة بالضبط، حيث اختفى "الغاز// الكاز" من الأسواق و الحوانيت ،و اختفت معه باقي "إكسيسواراته" من قناديل و مصابيح و فوانيس ("لامبا" و "الفنار")، ولم يبق إلا الشمع لاستعمالاته المتعددة (بين مقطر له على عدو، ومحتفل به بحبيب) ، ستتفاجئ عزيزي القارئ الحي بأن لالة حبيبة ويتيماتانها وجدن في الطبيعة رحمة، و في البشر قساوة. تهدي لهن الشمس نفسها مع كل طلوع ، وتستخلف عليهن القمر ،بنظام و انتظام،عند كل غروب،فيؤنس وحدتهن في ظلامهن، مقيما حجة أبدية على حضارة تحتضر، تجيز النور، كما الشبع، للذات وتحرمهما على الأخرين. إنهن فعلا استثناء مغربيا بامتياز، لكنه من نوع خاص.
عرف عن لالة حبيبة وبنتيها الخلق الحميد و الحشمة و كف الأذى عن الناس.أكيد لو كان لهن قوة، أو سلطانا ما ، ما كلفتهن قساوة الناس ستة عشرة سنة ،من حياتهن ،ظلاما دامسا، علما أن الظلام يلد أشكالا وأنواعا أخرى من الظلام، لا أقلها ظلمة المطبخ و الإتصال.
وضعية أسرة لالة حبيبة تبقى على عاتق المجلس القروي لجماعة الوردزاغ، من أقصى يمينه إلى أقصى يساره، وكذا على السلطات الممثلة للمملكة الشريفة. الأسرة تحتاج إلى ضمائرمقتنعة بشراء الجنة بعرض من حياة، تحتاج إلى من يزورها و ينصت إليها و يتفهم وضعها. يجب على الكل أن يتحد في سبيل إحداث الفارق. الظلام إسمه يكفيه، و النور وقعه على القلب يعليه.
الوردزاغ،في 12 صفر الخير 1435 الموافق ل 16 دجنبر/كانون الثاني 2013