أمام الكعبة الغراء
أمام الكعبة الغراء :
للأستاذ : مصطفى قاسم عباس
رَأَيْتُ البَيْتَ، عَايَنْتُ المَقَامَا .... وَأَدَّيْتُ التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَا
أَهِيمُ وَتُسْكَبُ العَبَرَاتُ وَجْدًا .... وَمَا عَرَفَ الفُؤَادُ كَذَا هُيَامَا
تَهُبُّ نَسَائِمُ التَّقْوَى سُحَيْرًا .... فَلا أَدْرِي أَمِسْكًا أَمْ خُزَامَى؟![1]
أَمَامَ البَيْتِ مَا جَفَّتْ دُمُوعِي ... أَظَلُّ أَنَا المُحِبَّ المُسْتَهَامَا
وَمَا فَتَرَ الهَوَى، وَالقَلْبُ يُكْوَى ... بِنَارٍ أَجَّجَتْ فِيَّ الضِّرَامَا[2]
سَرَى حُبٌّ قَدِيمٌ فِي الحَشَايَا .... فَأَلْهَبَ لِي كِيَانِي وَالعِظَامَا
هُنَا عَجَزَ اللِّسَانُ فَلا بَيَانِي ... يُسَاعِدُنِي، أَنُسِّيتُ الكَلامَا؟
إِذَا انْفَطَرَ الفُؤَادُ فَلا تَلُمْنِي ... فَمِثْلِي عِنْدَ زَمْزَمَ لَنْ يُلامَا
أَنَا الصَّبُّ المُتَيَّمُ فِي بِقَاعٍ .... بِهَا المُخْتَارُ قَدْ صَلَّى وَصَامَا
عَلِقْتُ بِحُبِّهَا مُذْ كُنْتُ طِفْلاً ..... وَكَمْ غَرَزَتْ بِخَفَّاقِي سِهَامَا![3]
أَمَا وَطِئَ الحَبِيبُ عَلَى ثَرَاهَا؟ .... لِذَلِكَ حُبُّهَا فِي القَلْبِ دَامَا
وَفِي يَوْمِ اللِّقَاءِ خَشِيتُ بَيْنًا ... أَبَعْدَ الوَصْلِ أَحْتَمِلُ الفِطَامَا؟![4]
وَهَا أَنَا تَحْتَ ظِلِّ البَابِ أَبْكِي .... وَنُورُ الكَعْبَةِ الغَرَّا تَسَامَى
أَرَى الحَجَرَ الكَرِيمَ لُجَيْنَ بَدْرٍ ... وَأَلْتَثِمُ الجَمَالَ بِهِ التِثَامَا[5]
وَأَعْلَمُ أَنَّهُ حَجَرٌ وَلَكِنْ .... رَسُولُ اللَّهِ قَبَّلَهُ اسْتِلامَا
رَأَيْتُ بِمَكَّةَ الأَنْوَارَ فَجْرًا ..... تَحُوطُ الحِجْرَ وَالبَيْتَ الحَرَامَا
أَمَكَّةُ، أَنْتِ يَاقُوتٌ وَدُرٌّ .... وَلِلإِسْلامِ تَبْقَيْنَ السَّنَامَا[6]
شُعُوبُ الأَرْضِ قَدْ جُمِعَتْ بِشَوْقٍ .... وَحَوْلَ البَيْتِ تَزْدَحِمُ ازْدِحَامَا
أَتَوْا مِنْ كُلِّ فَجٍّ كَيْ تَرَاهُمْ .... قُعُودًا - يا إلهي - أَوْ قِيَامَا
أَلا يَا أَرْضَ مَكَّةَ، ذَكِّرِينِي ..... بِنُورِ المُصْطَفَى يَجْلُو الظَّلامَا
أَعِيدِينِي إِلَى المَاضِي رُوَيْدًا ..... لأَمْلأَ قَلْبِيَ المُضْنَى غَرَامَا[7]
لأَنْظُرَ صَحْبَ خَيْرِ الخَلْقِ مَنْ قَدْ ..... أَقَامُوا سُنَّةَ الهَادِي قِيَامَا
وَآلَ البَيْتِ مَنْ حَلُّوا بِقَلْبِي ..... وَأَطْهَارًا وَأَصْهَارًا كِرَامَا
أَعِيدِينِي لِيَوْمِ الفَتْحِ حَتَّى .... أَرَى الأَصْنَامَ قَدْ أَضْحَتْ حُطَامَا
بِكَفِّ المُصْطَفَى حُطِمَتْ فَهَذَا .... رَسُولُ اللَّهِ أَعْلانَا مَقَامَا
يَتِيمًا عَاشَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرًا .... بِحَبْلِ اللَّهِ يَعْتَصِمُ اعْتِصَامَا
أَمَا أَسْرَى الإِلَهُ بِهِ فَصَلَّى ... بِجَمْعِ الرُّسْلِ فِي الأَقْصَى إِمَامَا؟!
يَجُودُ، فَلا البِحَارُ بِهِ تُجَارَى .... وَنَسْتَسْقِي بِطَلْعَتِهِ الغَمَامَا
يُحَارِبُ كُلَّ خَوَّانٍ أَثِيمٍ .... يُسَالِمُ كُلَّ مَنْ طَلَبَ السَّلامَا
وَيَدْعُو لِلإِلَهِ بِكُلِّ لِينٍ .... وَإِنْ حَمِيَ الوَطِيسُ بَدَا هُمَامَا[8]
يُعِينُ الكَلَّ، يَقْرِي الضَّيْفَ يُوفِي .... بِعَهْدِ اللَّهِ مَا خَفَرَ الذِّمَامَا[9]
يُوَاسِي كُلَّ مَهْمُومٍ بِلُطْفٍ ... وَيَمْسَحُ بَاكِيًا دَمْعَ اليَتَامَى
يُطِلُّ عَلَى الدُّنَى فِي اللَّيْلِ بَدْرًا .... وَيَهْدِي بِابْتِسَامَتِهِ الأَنَامَا
حَمِدْتُ اللَّهَ رَبَّ الكَوْنِ بَدْءًا .... وَأَشْكُرُهُ عَلَى المِنَنِ اخْتِتَامَا[10]
وَأَدْعُوهُ بِأَنْ أَحْيَا تَقِيًّا ..... وَأَجْتَنِبَ المَعَاصِيَ وَالأَثَامَا
وَأَنْ أَسْعَى لِفِعْلِ الخَيْرِ دَوْمًا .... بِعَوْنِ اللَّهِ يَوْمًا لَنْ أُضَامَا
أَعِدْنِي نَحْوَ مَكَّةَ فِي سُرُورٍ .... أَحُجُّ البَيْتَ عَامًا ثُمَّ عَامَا
وَفَرِّجْ كَرْبَ أُمَّتِنَا إِلَهِي ... وَجَنِّبْهَا التَّشَتُّتَ وَالخِصَامَا
وَصَلِّ عَلَى حَبِيبِكَ مَا أُنَاسٌ ..... أَنَاخُوا العِيسَ، أَوْ نَصَبُوا الخِيَام
اللغويات :
[1] - الخُزامى: نباتٌ أزهارُه عاطرةُ الرَّائحة، منه البريُّ، ومنه ما يُزرع للرَّائحة والتزيين.
[2] - الضِّرام: اشتعالُ النار.
[3] - عَلِق بفلان: تمكن حبُّه في قلبه.
[4] - البَيْنُ: الفُرقة.
[5] - ألتثم: أقبِّل.
[6] - السَّنام: حَدَبَةٌ في ظهر البعير، ومن كل شيء أعلاه.
[7] - الضَّنى: السَّقيم الذي طال مرضُه، ورجل ضنًى: هو المُضْنَى من المرض.
[8] - حميَ الوطيس: اشتدَّتِ الحرب، الهُمَام: السيِّد الشجاع السخيُّ، والأسد.
[9] - خَفَرَ الذِّمام: نقض العهدَ.
[10] - المِنَنُ: العطايا.