أنا العبد
أنا العبد الذي كسب الذنوبا : وصدّته الأماني أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزيناً : على زلاّته قلقاً كئيبا
أنا العبد الذي سُطرت عليه : صحائف لم يخف فيها الرقيبا
أنا العبد المُسيء عصيت سراً : فمالي الآن لا أبدي النحيبا
أنا العبد المُفرط ضاع عمري : فلم أرعَ الشبيبة والمشيبا
أنا العبد الغريق بلُج بحرٍ : أصيح لربما ألقى مجيبا
أنا العبد السقيم من الخطايا : وقد أقبلت ألتمس الطبيبا
أنا العبد المُخلف عن أناسٍ : حووا من كل معروفٍ نصيبا
أنا العبد الشريد ظلمت نفسي : وقد وافيت بابكم منيبا
أنا العبد الفقير مددت كفي : إليكم فادفعوا عني الخطوبا
أنا الغدار كم عاهدت عهداً : وكُنت على الوفاء به كذوبا
أنا المقطوع فارحمني وصلني : ويسر منك لي فرجاً قريبا
أنا المضطر أرجو منك عفواً : ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
فيا أسفى على عمرٍ تقضى : ولم أكسب به إلا الذنوبا
ويا خجلاه من قبح اكتسابي : إذا ما أبدت الصحف العيوبا
ويا خوفاه من نار تلظى : إذا زفرت وأفزعت القلوبا
فيا من مد في كسب الخطايا : خطاه أما يأن لك أن تتوبا
ألا فاقلع وتب واجهد فإنا : رأينا كل مجتهد مصيبا
وأقبل صادقاً في العزم واقصد : جناباً للمنيب له رحيبا
وكن للصالحين أخاً وخلاً : وكن في هذه الدنيا غريبا
وغض عن المحارم منك طرفاً : طموحاً يفتن الرجل الأريبا
فخائنة العيون كأسد غاب : إذا ما أهملت وثبت وثوبا
ولا تطلق لسانك في كلام : يجر عليك أحقاداً وحوبا
ولا يبرح لسانك كل وقت : بذكر الله رياناً رطيبا
وصلِّ إذا الدجى أرخى سدولاً : ولا تضجر به وتكن هيوبا
تجد أنساً إذا أودعت قبراً وفارقت المعاشر والنسيبا
وصم ما تستطيع تجده ريا : إذا ما قمت ظمآنا سغيبا
وكن متصدقاً سراً وجهراً : ولا تبخل وكن سمحاً وهوبا
تجد ما قدمته يداك ظلاً : إذا ما اشتد بالناس الكروبا
وكن حسناً السجايا ذا حياء : طليق الوجه لا شكساً غضوبا
( الإمام جمال الدين بن مالك رحمه الله )