تطور العادات والتقاليد في جديدة المنزلة-5
الوفاة
الموت هو انقطاع صلة الإنسان بالدنيا ....وهو الانتقال من عالم الدنيا إلي عالم الآخرة...والموت هو الموت في كل زمان ومكان ...ولكن تختلف أسبابه.....
ولكن....! ماذا يحدث عند الموت ...؟.. وما هي الأفعال والطقوس التي تمارس....؟.. هذا مايختلف من مكان إلي آخر ..ويختلف باختلاف العصر والبيئة ...في المدينة عن الريف.....وفي الجديدة عن الفروسات وغيرها من القرى،مما يجعل كل مجتمع له خصوصياته التي يتفرد بها ،ويلتزم بها أفراده،وكل الاتفاق في الأمر هو التزام الشريعة الإسلامية في الغسل وصلاة الجنازة والدفن،أما غير ذلك فيعتبر من الموروثات القديمة والشعبية ،والتي تأصلت في المجتمع ،وإن اختفي بعضها تدريجيا ....،ولكن هناك بعض الطقوس والعادات التي تمارس ولا علاقة لها بالدين،مما يجعل الآراء تنقسم حولها مابين البدعة والضرورة الاجتماعية
عندما يتوفي أحد الأشخاص في عائلة ما في القرية يجتمع كبار العائلة ،ويكتب النعي لكل من له صلة قرابة بالمتوفي ،ويذاع عبر مكبر صوت(ميكروفون)علي حنطور ويطوف بين القرى للإعلام بنبأ الوفاة،حيث ينتشر الأقارب والأصحاب ،ليحضروا الجنازة ويشيعوا الميت إلي مثواه الأخير،والآن حلت السيارة ربع نقل مكان الحنطور وأخيرا توك توك ،وكذلك يتم إعلان نبأ الوفاة بمكبرات صوت المسجد الكبير بالقرية(الميكروفون)وهو أشهر وسيلة إعلامية في القرية ،لسرعة الانتشار،ووجود الميكروفون بأعلى مكان بالقرية (مئذنة المسجد)فينتشر الخبر ويعلم به الجميع ،وكذلك وسائل الاتصال الحديثة نوعن طريقها يعلم الجميع بالخبر بسرعة البرق،وسبق أن أخبرني محمد عزت هلال بنبأ وفاة احد أقاربي من أبناء القرية المقيمين بالقاهرة ،قبل علم أهله بالخبر للدلالة علي أهمية التكنولوجيا في هذا الأمر
.............
وبمجرد انتشار الخبر يقبل الناس من كل حدب وصوب،ويتجمعون أمام منزل المتوفى ،ويخبر اللحاد(وكان يسمي بري)كي يجهز المدفن الخاص في مدافن العائلة..ويذهب آخر لإحضار محملين (أحدهما النعش الذي سيحمل عليه الميت والآخر المغسلة التي سيغسل عليها طبقا للشريعة الإسلامية(رجل للرجال سيدة للنساء).......
وتقبل النساء علي منزل الميت ...وآه من النساء المتشحات بالسواد (يرمز للحزن خلافا للون الأبيض في مجتمعات أخري) وآه من النساء في المأتم(مجلس النساء في الفرح والحزن)وسأنقل لكم صورا مما كان يحدث قديما من الموروثات الشعبية ،وقد عبر عنها كثير من المهتمين بالشعبيات والرحالة الأجانب ،وتوغلوا في قراها ومدنها وعبروا عن هذه العادات خير تعبير...وتناولوا هذه العادات بصفة عامة عما كان يحدث في المجتمع المصري،وفي هذه الدراسة سأميل إلي الخصوصية بعض الشيء،وسأركز علي القرية ،وأعتقد أن معظمنا رأي مثل هذه الأشياء والتي يكاد يكون بعضها موجودا نوعا ما
.............
يخيم الحزن علي القرية ،سكون ...لا حركة،ولا صوت يعلو ،ولا راديو إلا علي القرآن الكريم،حتى صوت الأغاني لا تسمعه في هذا اليوم ،وإذا صادف فرح في هذا اليوم ،فبدون موسيقي أو ميكروفون مراعاة لمشاعر أهل الفقيد ،وكانت هذه الروح سائدة في فترة ما في القرية
كانت تنتشر روح الود والتعاون والتفاهم في القرية ،وكان صوت كبرائها مسموعا...أما الآن فأصبحت الأمور متشابكة بلا معالم ،ولم تعد تعرف الحزن من الفرح،فرح هنا ...وميت هناك،،أغنية هنا ...قرآن هناك.....
وكان صاحب الفرح يستعطف أهل الميت ويستأذنهم مراعاة لمشاعرهم الحزينة علي فقيدهم، أما الآن فأعتقد لا ............!!!!!
...............
ومن أهم الأمور التي نذكرها وتميز القرية عن غيرها من قري مصر المحروسة،وتعبر عن روح الأصالة في القرية نوهي صورة من صور التكافل الاجتماعي ، والتي أتمني أن تسود في كافة المجالات ،وهي فكرة الصينية نولا ادري هل يعلم بها الشباب الناشئ في القرية أم لا ......؟وفكرة الصينية صور جميلة من صور الأصالة ....فأهل الميت يسيطر عليهم الحزن،والمعزون يقبلون من أماكن شتي لتقديم واجب العزاء لأهل الميت ،ورغم حالة الحزن كيف ينصرفون دون القيام بواجب الضيافة ،فكان الأصدقاء أو كل فرد من افرادالعائلة يرسل صينية تحمل صنوفا ما من الأطعمة ،وذلك لانشغال أهل الميت بفقيدهم والقيام بواجب العزاء
وكان الموسرون في القرية ينصبون مطبخا كبيرا للمعزين ،ومما هو جدير بالذكر أن أبناء القرية خارجها في (القاهرة بورسعيد-المنصورة)متأثرون بهذه العادة في القيام بواجب الضيافة نحو المعزين ،مما يعبر عن تأثرهم بأصولهم الريفية
...............
كانت صرخات النساء خير معبر عن جو الحزن في القرية ...وتتنوع بين صرخات عالية ....مكتومة....نشيج.....وأحيانا اللطم علي الخدود .....شق الثياب....تعرية الرءوس.....وضع الطين علي الرءوس ،وكذلك التراب ،هذا بالإضافة إلي مجالس الندب،ولا تدري معها هل هذا هذيان أم غناء(ويسمي العديد) .....تصفيق بالأيدي ....وكنت تسمع في مجالس الندب(ماكانشي يومك يا أخويا .....آه آه ياجملي .....اتخطفت بدرررررررررري (ويمد في الكلمة....سايبني ورايح فين ياأخويا ....العيال اتيتمت من بعدك يا اخويا ....وغيرها من كلمات العديد )ولا يمكن أن ننسي الشلشلة (وفي العامية ننطقها في القرية شنشنة )وكانت المرأة تمسك بمنديل بكلتا يديها وتفركه في بيديها لأعلي ،أو وضع الطرحة علي رقبتها وتشد بها يمينا ويسارا وتاخذ في التعديد والصراخ وترد عليها النساء في هذا الأمر...وبالطبع شهدنا كل هذه الأمور في القرية ...ومن لم يرها فقد عبرت عنها الدراما المصرية خير تعبير ...وكل هذه الأفعال فيها مخالفات للشريعة الإسلامية وقد نهانا عنها النبي صلي الله عليه وسلم ،وبدأت تختفي من القرية
..........
وبعد غسل الميت وتكفينه،يوضع داخل النعش...وتتعالي الصرخات التي تجعلك تبكي أو تصيبك بانهيار عصبي .....المشهد كئيب جدا ،ويتم تغطية المحمل بملاءة جديدة ،والأذرع بفوط لتخفيف الوطء علي أكتاف حاملي النعش ....
يحمل النعش ويخرج به الناس من المنزل بلا رجعة وسط الصرخات وبكاء أهل الميت ....ويسير الموكب الجنائزي حتى مسجد القرية (وغالبا المسجد الكبير الذي تقام فيه الصلاة علي الميت في القرية)وتنتظر النساء بالخارج ،وكذلك بعض الرجال الذين لا يصلون الجنازة،
وتنتهي صلاة الجنازة ،ويواصل الموكب الجنائزي سيره،وكانت النساء تسير خلف الجنازة بصراخها المزعج ،واختفت هذه العادة تماما ،ولعبت التوعية الدينية الدور الأكبر في هذا الأمر،وينتهي الموكب عند مقابر القرية وسط العويل والصريخ...ويتم دفن الميت في مقابر عائلته،وتصطف عائلة الميت في أول طريق المقابر لتلقي العزاء في فقيدهم من المعزين ,وقد يكون العزاء قاصرا (أي القيام بالواجب عند المقابر ولا داعي لسهرة المساء)
وفيما مضي كان المحمل (النعش )يوضع خلف مسجد القرية وكان ذلك يسبب رهبة وخوفا شديدا عند المرور بجواره،وعندما تنتهي مراسم الدفن كانوا يعودون بظهر النعش وليس بوجهه للاعتقاد الشائع حتى لا يميت الناس في طريق(مايقشش البلد في طريقه ..وطبعا هذه بدعة لأن الموت مسألة قدرية )
.....
وفي المساء ينصب الصيوان(السرادق)لاستقبال المعزين من كل مكان ،لمواساة أهل الميت ،وتقديم واجب العزاء،والاستماع غلي ربع قرآن من أحد مشايخ القرية في تلك الفترة (المرحوم الشيخ علي سعدة-عبد الرحمن رشاد-حسن عيد-أحمد طلبة وأخيرا الشيخ إسماعيل إمبابي الذي نال شهرة واسعة خارج القرية ،وأصبح الناس خارجها يحرصون علي دعوته لإحياء مثل هذه المناسبات) وكانت السرادقات تقام في الأماكن الواسعة (إما في طريق البحر-أمام المسجد الكبير-الساحة-عند المدرسة القديمة )واختفت السرادقات تماما من القرية بعد بناء دار المناسبات
.......
وبعد مرور ثلاثة أيام يحرص أهل الميت علي زيارته ويسمون هذا اليوم (الثالث )وهي من العادات المنتشرة في جميع بلدان مصر المحروسة ،ويحمل أهل القرية معهم كل مالذ وطاب (رحمة ونزلة علي روح الفقيد )وكنا نسميها ونحن صغار(الشحاتة)ويتجمع الأطفال لينالوا نصيبهم من هذه الغنيمة ،ويضعونها في كيسهم مرددين (شحاتي ياخالة )...وأحيانا كنت تجد المشاغبين في هذا المهرجان ويقلبون السلة التي تحتوي علي الصدقة رأسا علي عقي أو يتخطفونها إلي مكان نائي ثم يرجعون السلة فارغة(السبت)وكانت الشحاتة تسمي أحيانا (التفرقة لأنها تفرق علي الموجودين في هذا اليوم ...النساء والرجال والفقهاء(كان يسمي فقي لقراءة ماتيسر من القرآن علي روح الفقيد وهذه العادة لا زالت موجودة في كل مدن وقري مصر)
................
وبعد مرور أربعين يوما يتم إحياء ذكري الأربعين للفقيد(وهذه عادة فرعونية)وكان يطوف الميكروفون في القرية للإعلام بذكري الأربعين للفقيد ولكن اختف ذلك ....وأحيانا الذكري السنوية ...ومع مرور الزمن لم يعد أحد يقوم بهذه البدع ...ولكن البعض يري إنها مجرد تقليد اجتماعي فقط لاغير