إفريقيـــا الضحيــة الأبديــــة
الأحد, 12 ديسمبر 2010 20:17
الجزائر تقود القارة الإفريقية في المحافل الدولية الخاصة بالبيئة والتغيرات المناخية·· شيء جميل·· والجزائر رائدة، في العالم العربي وإفريقيا ومقارنة ببعض الدول الأوروبية، في مجال التشريع ''البيئي''، ومن ذلك أن بإمكان المواطن الجزائري أن يقاضي الملوثين·· شيء جميل·· والجزائر تعمل نظريا بقاعدة: ''من يلوث هو من يدفع''·· شيء جميل··
ومع ذلك فإن مدينة الجزائر من أكثر عواصم العالم تلوثا، وأن نسبة التلوث بلغت حدودا لا تطاق في مدن أخرى، وأن الجزائر تعاني معاناة لا حد لها فيما يتعلق بمعالجة النفايات المنزلية، ناهيك عن الصناعية·
والأسباب، في ذلك، عديدة، أهمها أن وجود القوانين لا يعني بالضرورة احترامها والعمل بها· وتلك مشكلة يتحمّل وزرها النظام القضائي في بلادنا· ولا يختلف الأمر في شأن البيئة عن سائر القطاعات: قد يستجيب القضاء إلى شكاوى المواطنين فيعالجها، كما يعالج سائر الخصومات والنزاعات، على اختلاف أنواعها، وقد يمضي القضاء إلى إصدار الأحكام، بعد استنفاد كل الإجراءات·· وفي الكثير من الأحيان تتوقف الأمور عند صدور الحكم، فلا ينفذ··
ويتعلق السبب الأخطر بأن مكافحة التلوث يحتاج إلى تدبير خاص، وإن شئت إلى استراتيجية يحتاج تنفيذها إلى خبرة وتكنولوجية· ويحتاج توافر التكنولوجيا إما إلى امتلاكها، أو استيرادها· ويحتاج امتلاكها إلى برامج بحث واسعة ويحتاج استيرادها إلى القدرة على استيعابها وتطويعها، وفي الحالتين، الامتلاك والاستيراد، يحتاج الأمر إلى أموال كثيرة·
ومن النقاط الحساسة التي نوقشت في لقاء كونكون عن التغيرات المناخية: نقل التكنولوجيا والتمويل· وترى الدول الإفريقية أن لها على الدول المتقدمة، من هذه الناحية، دين· ذلك أنها القارة الأقل تسببا في تلويث الكرة الأرضية، ومع ذلك فهي القارة الأكثر تعرضا لسلبيات التغيرات المناخية· ففي الوقت الذي استغلت فيه الدول الصناعية كل شيء في الطبيعة بلا حساب ولا عقاب، ووصلت إلى ما وصلت إليه عن طريق استعمال مواد ملوثة بالدرجة الأولى لعشرات السنين، وعلى الرغم من كل تحذيرات الخبراء، بل ولا تزال بعض الدول، إلى اليوم، تعتمد على الفحم الحجري مثلا في توليد الكهرباء بنسب عالية، كما هو شأن الصين، بينما لا تتورع الولايات المتحدة عن التنقيب عن البترول وسط محميات طبيعية· في هذا الوقت يطلب من دول القارة السمراء البحث عن تكنولوجيات صناعية نظيفة لا تستعمل إلا مواد نظيفة· يطلب منها مثلا عدم استغلال غاباتها وعدم زراعة مناطقها الاستبسية، لأنها تخبئ ما بقي على قيد الحياة من الكائنات النباتية والحيوانية· والذي فهمه الأفارقة، أن على ملايين الأفواه الجائعة والمريضة أن تواصل تكبد الفقر وسوء العيش، لأنها لا تستطيع سلوك الطريق نفسها التي سلكتها النهضة الصناعية الغربية·
والقراءة الصحيحة للتاريخ، تفيدنا أن مصير نقل التكنولوجيا النظيفة سيكون كمصير نقل سائر التكنولوجيات: مستحيل· ولكن الأفارقة لا يقرؤون التاريخ· وبدل التأسي بالبرازيل والهند والصين، تراهم يجرون وراء سراب يسمى: نقل التكنولوجيا·
محمد بوازدية/// الجزائنيوز/
تقييم:
0
0
الجزائر تقود القارة الإفريقية في المحافل الدولية الخاصة بالبيئة والتغيرات المناخية·· شيء جميل·· والجزائر رائدة، في العالم العربي وإفريقيا ومقارنة ببعض الدول الأوروبية، في مجال التشريع ''البيئي''، ومن ذلك أن بإمكان المواطن الجزائري أن يقاضي الملوثين·· شيء جميل·· والجزائر تعمل نظريا بقاعدة: ''من يلوث هو من يدفع''·· شيء جميل··
ومع ذلك فإن مدينة الجزائر من أكثر عواصم العالم تلوثا، وأن نسبة التلوث بلغت حدودا لا تطاق في مدن أخرى، وأن الجزائر تعاني معاناة لا حد لها فيما يتعلق بمعالجة النفايات المنزلية، ناهيك عن الصناعية·
والأسباب، في ذلك، عديدة، أهمها أن وجود القوانين لا يعني بالضرورة احترامها والعمل بها· وتلك مشكلة يتحمّل وزرها النظام القضائي في بلادنا· ولا يختلف الأمر في شأن البيئة عن سائر القطاعات: قد يستجيب القضاء إلى شكاوى المواطنين فيعالجها، كما يعالج سائر الخصومات والنزاعات، على اختلاف أنواعها، وقد يمضي القضاء إلى إصدار الأحكام، بعد استنفاد كل الإجراءات·· وفي الكثير من الأحيان تتوقف الأمور عند صدور الحكم، فلا ينفذ··
ويتعلق السبب الأخطر بأن مكافحة التلوث يحتاج إلى تدبير خاص، وإن شئت إلى استراتيجية يحتاج تنفيذها إلى خبرة وتكنولوجية· ويحتاج توافر التكنولوجيا إما إلى امتلاكها، أو استيرادها· ويحتاج امتلاكها إلى برامج بحث واسعة ويحتاج استيرادها إلى القدرة على استيعابها وتطويعها، وفي الحالتين، الامتلاك والاستيراد، يحتاج الأمر إلى أموال كثيرة·
ومن النقاط الحساسة التي نوقشت في لقاء كونكون عن التغيرات المناخية: نقل التكنولوجيا والتمويل· وترى الدول الإفريقية أن لها على الدول المتقدمة، من هذه الناحية، دين· ذلك أنها القارة الأقل تسببا في تلويث الكرة الأرضية، ومع ذلك فهي القارة الأكثر تعرضا لسلبيات التغيرات المناخية· ففي الوقت الذي استغلت فيه الدول الصناعية كل شيء في الطبيعة بلا حساب ولا عقاب، ووصلت إلى ما وصلت إليه عن طريق استعمال مواد ملوثة بالدرجة الأولى لعشرات السنين، وعلى الرغم من كل تحذيرات الخبراء، بل ولا تزال بعض الدول، إلى اليوم، تعتمد على الفحم الحجري مثلا في توليد الكهرباء بنسب عالية، كما هو شأن الصين، بينما لا تتورع الولايات المتحدة عن التنقيب عن البترول وسط محميات طبيعية· في هذا الوقت يطلب من دول القارة السمراء البحث عن تكنولوجيات صناعية نظيفة لا تستعمل إلا مواد نظيفة· يطلب منها مثلا عدم استغلال غاباتها وعدم زراعة مناطقها الاستبسية، لأنها تخبئ ما بقي على قيد الحياة من الكائنات النباتية والحيوانية· والذي فهمه الأفارقة، أن على ملايين الأفواه الجائعة والمريضة أن تواصل تكبد الفقر وسوء العيش، لأنها لا تستطيع سلوك الطريق نفسها التي سلكتها النهضة الصناعية الغربية·
والقراءة الصحيحة للتاريخ، تفيدنا أن مصير نقل التكنولوجيا النظيفة سيكون كمصير نقل سائر التكنولوجيات: مستحيل· ولكن الأفارقة لا يقرؤون التاريخ· وبدل التأسي بالبرازيل والهند والصين، تراهم يجرون وراء سراب يسمى: نقل التكنولوجيا·
محمد بوازدية/// الجزائنيوز/
تقييم:
0
0