ثورات الشعوب قوة لا تقهر //الامير عبدالقادر الجزائري والجنرال بيجو..1830
مخطأ من يظن أنه يستطيع أن يقهر شعباًَ من الشعوب أو يَذلَ أمةً من الأمم، ذلك لأن الأمم لا تُقهر ولا يتم إذلالُها ولا يعرفُ الخوفُ له مكانٌ بداخلها ولو كان فوق رأسها أسلحة العالم أجمع، فالشعوب خُلقت حرةً كريمةً أبيةً وفُطرت على العزة والإباء والشرف ورفض الذل والضيم، وهذا في الغالب الأعم من كل شعوب الدنيا المسلمين منهم وغير المسلمين المثقفين وغيرهم ما لم تتغير طبائعهم أو تتلون ضمائرهم، فغبيٌ ذلك الحاكمُ الذي يستهزء بالشعب الذي يكون تحت وصايته أو بأهله أو بعقيد ته أو تقاليده أو يسخر منهم أو يجرب العناد معهم أو يبغي عليهم، ولئن فعل ذلك معهم ليكونن قد كتب نهايته بيده وأشرف على حتفه بنفسه وقضى على مستقبله السياسي بغبائه وسوء معاشرته..هذا ما جرى لجنرالات فرنسا الاستدمارية بعد احتلالها للجزائر في عام 1830/ حاولت دولة فرنسا الاستدمارية فعل كل الطرق للسيطرة على شعبٍ كان من السهل ترويضه والتعامل معه فقط باحترام كل الاتفا قات المبرمة بين الامير عبدالقادر والجنرال بيجو والخروج من أرض الجزائر بأقل الضرر....لكن الخيانة وعدم احترام الرأي الآخر واحتقار الشعوب قد يؤدي حتما الى انفلات الاوضاع راسا على عقب...وهذا ما كان في مقاومة الامير عبدالقادر رحمه الله .. ، وللأمانة فإن هناك بعض أفراد هذه الشعوب مَن تغيرت طبيعته وانتكست فطرته ومات ضميره ونسى أن له عقلاً مفكراً وقلباً نابضاً، فصار لا يستطيع العيش حراً كريماً فأبى إلا أن يكون تابعاً للقوي وعبداً لهواه أو لولي نعمته، بل تجده يُذل نفسه له وينتقص من آدميته المكرمة وهو يحسب أنه على حقٍ وفي علو شأنٍ والحقيقة أنه مذلول ضعيف مستباح حقه وضائع قدره( الحركى باعة الدين والوطن خير دليل على ذلك).
والواقع الذي نحياه يشهد بأن الشعوب هي صانعة الثورات ومحققة الإنجازات والمنتصرة في الحروب والأزمات، وأنها صمام الأمان للوطن من أي اختراق والمحافِظة على السِلم والأمان فيه، وأنها العامل الحقيقي للحفاظ على الوحدة والإخاء والمودة بين جميع الأفراد، وما النخبةُ والحكامُ إلا بعض أفرادها يعيشون معهم ويأكلون مأكلهم ولا فضل لهم إلا ما فضلهم به الشعب وليس لهم ميزة إلا أنهم يشحذون هممهم ويعلمونهم بعض ما عرفوه لكي تكون الأوطان في أمن وسلام دائمين، فلكل أمةٍ مفكروها وعلماؤها لكن الصانع الحقيقي لكل القيم والانجازات هي الشعوب أنفسها.
نعم أحياناً قد يصيب الضعف تلك الشعوب الأبية وتستباح بيضتها من قِبَل الخونة والمستعمرين لأراضيهم والمتجبرين عليهم سواء من الخارج أو من بني جلدتهم، وتضيع هيبتهم حيناً من الدهر بسبب تناسيهم لحقهم وقوتهم ووزنهم الحقيقي، لكنهم إذا ما استفاقوا وعلموا الحق وصدعوا به وكسروا جدار الخوف والصمت فلا تستطيع أعتى قوة على ظهر الأرض مهما كانت أن تعيدهم إلى جحورهم أو تنال منهم أو تضعفهم بالترهيب أو التخويف أو التدليس والكذب وبث الإشاعات التي من شأنها أن تضعف قواهم وتنخر في عظام صلابتهم وتحطم نفسياتهم، فالشعوب أقوى من حكامها وأبقى متى صح منها العزم وآمنت أنها صاحبة الأرض والسلطة والمال والجاه وأن الحكام ماهم إلا خدمٌ لهم يعملون لصالحهم ويأخذون رواتبهم من جيوب شعوبهم المطحونة وأنهم منهم لا فضل لهم عليهم، بل هم من أعطوهم الحق لأن يكونوا متصرفين في أمورهم ومتنفذين في سلطانهم ليديروا شؤنهم...وهذا ما جاء في بيان أول نوفمبر ..1954.
إن التاريخ يعلمنا أن الحكام لا تستطيع أن تعيش طويلاً بغير شعبٍ يساندها ويكون هو حامي حمى الأوطان والمدافع عنها والمنفذ للخطط التي يضعها المفكرون والمصلحون لبناء البلاد وتطوير الخدمات، فالشعوب هي الذراع القوي الذي ينفذ ما يمليه الحكام من خطط وبرامج لصالح البلاد والعباد، وإذا ما غضبوا عليهم يوماً أو علموا بكذبهم وخداعهم وأنهم يسرقونهم ويهينون كرامتهم ولا يحفظون هيبتهم أمام الدنيا كانت نهايتهم، وأنزلوهم من كراسيهم مهزومين وفي ذلةٍ كبيرةٍ مدحورين، تلك إرادة الشعوب التي لا تقهر أبداً فهي القوة الفعلية في كل الأماكن وعلى مدار الأيام، ولذلك إذا رأيت حاكماً متجبراً أذلَ شعبه وأخافهم بزبانيته وسجونه وأكل حقهم وأهدر مقدراتهم فاعلم بكل تأكيد أنهم هم الذين أعطوه هذا الحق بصمتهم عن حقهم أو رضاهم بالضعف والهوان ولو مُكرَهين.
لقد أدرك الحكام المخلصون لأوطانهم وشعوبهم تلك الحقائق والعبَر التي علمنا إياها تاريخ الأمم وتجارب الشعوب، فاحترموا شعوبهم وأعطوهم حقوقهم على أكمل وجه، وعملوا على رفعتهم وعلو شأنهم واهتموا بمصالحهم وأحوالهم، وسعوا جاهدين لكسب ودهم واحترام أصواتهم وصيانة كرامتهم، فكافئتهم شعوبهم بالاستمرار في حكم البلاد وساعدوهم في ذلك، وكانوا خير مُعين لهم، ودافعوا عنهم وأحبوهم وجعلوهم رموزاً لهم وقدوة يستنيرون بآرائهم وأفكارهم في ظلمات الأيام ومُلِماتِ السنين ونوازل الدهر، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وما حدث في جنوب أفريقيا من نيلسون مانديلا، وفي فنزويلا من هوجو تشافيز، وفي عدة دول على مستوى العالم خيرُ دليلٍ وأوضح برهان على صدق هذا الكلام الذي نحن بصدده الآن.... واليوم نحمد الله سبحانه وتعالى في بلد الشهداء على استقلالنا ونحن ننعم اليوم بالاستقلال في بلد اسمه الجزائر المنورة نعم منورة بدماء الشهداء الابرار وبمجاهديها الاخيار ...وبجيشها الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني الذي أعطى دروسا في كل المجالات ومحاربة الارهاب... تحيا الجزائر ...رحم الله الشهداء في جنة النعيم...