فضاءات بلقطر الغربية

بلقطر الغربية

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
عباس طاهر صالح
مسجــل منــــذ: 2012-06-26
مجموع النقط: 72.95
إعلانات


يونيو تمرد أم تمزق؟

كلمة الحرية ذات وقع فى القلوب شديد الجمال، إلا أن المعضلة تكمن لدى الشعوب التى عانت من ويلات الدكتاتورية فى إدراك مفهوما وإشكالياتها؛ معضلة تنعكس من خلال القدرة على فهم تداعياتها على خواطر أولئك الذين يهفون إلى تجرعها جرعة واحدة، بل ربما ينغلق عليهم أمرها فلا يستطيعون تخيلها إلا فى صور مبهمة.
بعد ثورة شعبية بيضاء شهد لها العالم، التقت الجموع فيها تلاقيا جسديا ووجدانيا، المسيحى والمسلم، يحدوها خلال ذلك الأمل فى إزاحة حكم مبارك العضوض الذى استمر أكثر من ربع قرن سنوات عجاف من القهر والفقر، وكان لهم ما تمنوه، إلا أنه وبعد ذلك كان سقف أمنيات غالب المصريين، خاصة الفئة التى كانت تئن تحت وطأة الفقر، مرتفعا للغاية.
قليل من المصريين كان متواضعا بين رغبة فقط فى تنفس بعض نسيم الحرية بعيدا عن أى تهديد من أمن الدولة وما شابهه وبين رجاء فى تحسن نسبى فى مستوى الفقراء المعيشى، بيد أن هناك فئة أقل عددا كانت على شبه يقين أنه لا تغيير بالمعنى الحاسم سوف يقع.
ويحضرنى فى ذلك مشهد عايشته عندما كنت أشارك الثوار فى الإسكندرية بمدخل الشارع المتجه إلى محطة سيدى جابر، حيث كنت واقفا على مرتفع أحمل بيدى صورة قديمة لسعد زغلول كنت قد ورثتها عن جدى، وإن كنت لست بعضو فى حزب الوفد، إلا أن سعد زغلول كان يمثل لى رمزا للثورة الشعبية الحقيقية، كان بعض جموع المارين ينظر إلى الصورة وكان يتضاحك ثم يهتف "سعد سعد يحيا سعد"، بينما بعض آخر كان يردد فى يأس عبارة "مفيش فايدة"، وهى عبارة كانت قد نٌسبت سابقا إلى هذا الزعيم تجسد المعنى أنه لا سبيل إلى الحرية، سألت نفسى حينها، أحقا مفيش فايدة؟ أم أن تحقق الأمل فى رفعة بلدنا قادم لا محالة.
لما جاء المجلس العسكرى كنت متوجسا خيفة أن يستمر فى الحكم، وسيرجع الشعب المصرى بسبب مطالبته بالديمقراطية بخفى حنين، وجاءت الانتخابات الرئاسية وحبسنا أنفاسنا أن لا يحدث تغيير فى الأشخاص والأفكار، وقد استحضرت آنذاك مشهدا عاصرته فى مدينة بون بألمانيا سنة 1998، حيث شاهدت الشباب الألمان المناوئين لهيلموت كول (المستشار الألمانى آنذاك) وهم يرفعون لافتات مكتوب عليها "نحن نريد أشخاصا جدد وأفكارا جديدة"، وبالطبع نحن أيضا كمصريين نريد ذلك "أشخاصا جدد وأفكارا جديدة".
لما جاءت نتيجة انتخاب الرئيس المصرى بنجاح الدكتور مرسى تنفسنا الصعداء، فتحقيق الأمل قادم لا محالة، هكذا حدثت نفسى آنذاك.
وكان هناك أمل يحدونى أن يقوم الرئيس المنتخب باختيار نواب له ممن شاركوا فى الثورة أو ممن كان لهم باع فى تحريك المياه الراكدة ضد النظام القديم أو ممن لهم خبرة فى عالم السياسة، نواب تعطى لهم الصلاحيات ليتحملوا معه هذا الإرث الثقيل من الفساد والإفساد الذى نخر ردحا من الزمان فى جسد المصريين.
كنت أتمنى مثلا أن يتم اختيار السيد عمرو موسى نائبا يتعامل مع الشأن العربى، فهو بخبرته يمكنه إرسال رسالة طمأنة حقيقية للدول العربية التى تخشى تصدير الثورة وبالتالى يمكنه استجلاب دعم هذه الدول لمصر معنويا وماديا، فنحن بالطبع ما ثرنا إلا بعدما فار تنور الظلم، والأمر يختلف فى كثير من دول النفط العربية، التى وإن كانت تعانى فهى تعانى من الرفاهية.
كنا نرجو أيضا أن يتم اختيار الدكتور البرادعى (الذى عانى كثيرا من محاولة النيل من سمعته بغض النظر عمن وراء ذلك)، والذى يمكنه بحنكته وخبرته السياسية التعامل مع الدول الغربية، والأمر كذلك يمكنه أن يسرى على آخرين أمثال الدكتور أيمن نور وسليم العوا وغيرهما.
هناك وهنا من يتربص بمصر، لأن تقدمها معناه بداية زوال الكيان الصهيونى الجاثم على أنفاسنا؛ الإرث ثقيل وحمله ليس بالهين أواليسير، ولذلك ظهرت بوادر الأزمات والتذمر فى كثير من فئات الشعب ومبعث ذلك معاناته من أمور شتى على المستويين الاقتصادى والخدمى، وظهرت حركات وتحركات منها من له قصد جائر ومنها من هو متبع يخوض مع الخائضين، وآخرين ألفوا العيش فى أجواء النظام الفاسد القديم، وبالطبع فيهم من هو حسن النية؛ إلا أن جميعهم وكأنهم بقصد أومن غير قصد يريدون تحقيق نبوءة الذى خلعه شعبه "أنا أو الفوضى".
فى هذا الخضم من معاناة كثير من فئات الشعب تأتى حركة "تمرد" لتقوم بجمع التوقيعات المختلفة من البسطاء والمثقفين وعليه القوم معلنين بذلك مجابهة الحاكم (فى يوم 30 يونيو) الذى جاء عبر صناديق الانتخابات، فيهم بالطبع من هو حسن النية، إلا أن هذا التصرف كما أرى يمكنه أن يودى إلى التمزق فى شريان المجتمع المصرى وتعطيل مصالح البلاد والعباد أكثر مما هى معطلة.
بيد أنه ربما قد اختلط الأمر على قادة هذه الحركة فى إدراك قول الرئيس المنتخب والمقتبس من عمر بن الخطاب "إن أخطأت فقومونى" ففهموها على أساس "قاومونى"، والفرق واضح بين "التقوم والتقييم" و"المقاومة"، ويبدو أنه تم على إثر ذلك اختلاق مرادف لكلمة "المقاومة" وهو "التمرد" نعلم أن هذا الحراك المجتمعى أمر طبيعى فى التحول نحو الحرية والديمقراطية، إلا أنه إذا لم يواجه ذلك بحكمة لجلب على بلادنا ويلات نحن فى غنى عنها.
لصالح من أن تنزلق قدم مصر فى متاهات الخلاف والصراع؟ بل يمكن لقدميها أن تنجرف إلى فتنة يمكن أن يكون وقودها أرواح ودماء أهلينا، لصالح من إشغال جيشنا العظيم فى أمورنا المدنية؟ إننا نناشدك يا سيادة الرئيس أن تفكر مليا مرة أخرى وتشارك صناع الثورة والساسة المحنكين والخبراء منهم والقادرين على دفع الضرر عن بلادنا والراغبين فى جلب المنفعة لها.
(وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، إنى أخاطب بذلك كل الساسة الكبار وأخص بالذكر السيد عمرو موسى والدكتور البرادعى أن يلعبا دورا إيجابيا رشيدا فى درء الفتنة والعمل على عدم إيقاظها، فكثير من فئات الشعب يكن لكم جليل التقدير وينتظر منكما الكثير من الخير، وأذكركم بقوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) (الأنفال:25).
نحن جميعا أساتذة الأزهر وعلماؤه وباحثوه على استعداد أن نجمع أنفسنا ونهرع إليكم نناشدكم جميعا بما فيكم رئيس الجمهورية أن تكونوا لنا لا علينا، لا نتهمكم فى قصدكم بل فى تصرفكم، نناشدكم أن تقفوا ضد من يريد بنا وأهلينا سوءا، وإلا سيلعنكم اللاعنون وستلعنكم أرواح أسلافنا الذين سبقوكم وحموا مصر من كيد الكائدين.
ياليتكم أيها الساسة لشعبكم، يا ليت صرخاتنا تصل إليكم، وأ
تساءل الآن: أكانت ثورة 25 يناير شر أريد بمن فى مصر أم أراد بهم ربهم من خلالها رشدا؟.

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة