فضل بر الوالدين وصلة الرحم
أولاً: بر الوالدين
المقصود ببر الوالدين: حسن المعاملة معهم، والاهتمام بأمرهم، والعناية بشأنهم، والإحسان إليهم، والامتثال لأمرهم، خاصةً في كبر السن والشيخوخة، وبر الوالدين واجبٌ على كلِّ مسلم له أبوان على قيد الحياة، وعكسه العقوق، وهو حرام ومعصية، وكبيرة من الكبائر.
فضل بر الوالدين:
1- لأهمية الوالدين قَرَنَ الله سبحانه وتعالى بين عبادته وبر الوالدين، في عدة آيات من سور القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ?وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا? (النساء: من الآية 36)، وقال تعالى: ?وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا? (الإسراء: من الآية 23).
2- بر الوالدين من أحب العبادات والأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة، وقدَّمه النبي على الجهاد في سبيل الله، وفي الحديث: "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين"، قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (1).
3- بر الوالدين سبب لمرضاة الرب- سبحانه وتعالى- وفي الحديث: "رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين" (2).
4- بر الوالدين سبب لدخول الجنة، وفي الحديث: "رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه"، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: "مَن أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة" (3).
5- سبب لتفريج الكروب والهموم والأحزان، وفي قصة الأول من الثلاثة الذين أواهم الميت إلى الغار الرجل قال في دعائه كما جاء في الحديث: "اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فناء بي في طلب شيء يومًا، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج" (4).
التحذير من العقوق:
1- العقوق يمنع صاحبه من دخول الجنة، وفي الحديث "لا يدخل الجنة قاطع" (5) أي قاطع رحم.
2- العقوق من أكبر الكبائر التي تورد صاحبها في المهالك، وفي الحديث: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله"، قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين". قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين" (6).
من أنواع البر:
1- شكرهم على كل ما يقومان به من جهد ورعاية، قال تعالى: ?أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)? (لقمان).
2- خفض الجناح لهما ولين الجانب، والتلطف في المعاملة، قال تعالى: ?وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ? (الإسراء: من الآية 24).
3- الدعاء لهما أحياءً وأمواتًا، قال تعالى: ?وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)? (الإسراء)، ومن أدعية القرآن الكريم قوله تعالى: ?رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)? (نوح).
4- السمع والطاعة لهما في غير معصية حتى ولو كان غير مسلمين قال تعالى: ?وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا? (لقمان: من الآية 15).
5- حسن الصحبة لهم قال تعالى: ?وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا? (لقمان: من الآية 15).
6- عدم الضجر أو الترفع أو التكبر عليهم قال تعالى: ?فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ? (الإسراء: من الآية 23).
7- عدم رفع الصوت عليهما أو المقاطعة أثناء الكلام قال تعالى: ?وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)? (لقمان).
8- تقديمهما على النفس في الطعام والشراب، والكلام، والمشي، والدخول والخروج، احترامًا وإجلالاً لهما.
9- الاهتمام الخاص بالأم، لتعبها في الحمل والولادة والرضاعة، ولوصية الله بهما قال تعالى: ? وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)? (لقمان).
10- إذا تعارض حق الأب مع حق الأم فحق الأم مقدم على الأب قولاً واحدًا، وفي الحديث: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من ؟ قال: "ثم أبوك" (7).
11- المزيد من الاهتمام والرعاية في سن الشيخوخة، قال تعالى: ?إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)? (الإسراء).
12 - الإنفاق عليهما في العسر واليسر، وقضاء حوائجهما التي يحتاجان إليها قال تعالى: ?قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ? (البقرة: من الآية 215).
كيف نبر الوالدين بعد وفاتهما؟
جاء في الحديث: "بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" (8).
ثانيًا: فضل صلة الرحم
معنى صلة الرحم: حسن العلاقة مع الأقارب، بالإحسان إليهما، وتقديم العون والمساعدة إليهما المادية والمعنوية، على قدر الوسع والطاقة.
الرحم تشمل الأقارب من الأصول والفروع، والأعمام من ناحية الأب، والأخوال من ناحية الأم، وما تناسل منهما.
وعكس صلة الرحم: قطيعتها، بإهمال الأقارب، وعدم التواصل معهما، وهي حرام ويأثم الإنسان على ذلك.
وقد حض القرآن الكريم والسنة على صلة الرحم، ففي القرآن الكريم قال تعالى: ?وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ? (النساء: من الآية 36) وقال تعالى: ?وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ? (الأنفال: من الآية 75).
ولأهميتها كانت موضع قسم الله تعالى في مطلع سورة النساء ?وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)? (النساء).
فضل صلة الرحم:
1- من بين الطرق التي تؤدي إلى الجنة، وقرنها النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أركان الإسلام، وفي الحديث: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: ماله ماله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرب ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم" (9).
2- الرحم تدعو لصاحبها أن يصله الله وتدعو على قاطعها أن يقطعه الله، وفي الحديث: "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" (10).
3- تكون سببًا في البركة في الرزق وطول العمر، وفي الحديث: "من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه" (11).
4- من أول ما عمله النبي للصحابة في المدينة بعد الهجرة، وفي الحديث: "قد قدم النبي صلى الله عليه وسلم وجئت فيمن جاء، قال: فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" (12).
5- دليل على الإيمان بالله واليوم الآخر، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (13).
خطورة قطيعة الرحم:
1- قاطع الرحم لا يدخل الجنة، وفي الحديث: "لا يدخل الجنة قاطع" (14).
2- قاطع الرحم يعرض نفسه للعنة من الله تعالى: ?فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)? (محمد).
3- قاطع الرحم يوقع نفسه في الفسق والعصيان ?وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)? (البقرة).
4- قاطع الرحم يعرِّض نفسه للعقوبة من الله تعالى في الدنيا "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي، وقطيعة الرحم" (15).
كيفية صلة الرحم:
1- الزيارة في البيت والمجالسة والمؤانسة في الحديث.
2- قضاء الحوائج الأساسية التي يحتاجون إليها.
3- المساعدات المالية على قدر الوسع والاستطاعة.
4- الاتصال عليهم عبر الهاتف والسؤال عن أحوالهم بصفة مستمرة.
5- مشاركتهم في أفراحهم، وتهنئتهم في المناسبات السارة مثل الزواج، أو الميلاد أو الوظائف.
6- مواساتهم في النوازل التي تلحق بهم مثل: المرض، الوفاة، وحضور الجنائز، ومشاركتهم في العزاء.
7- إجابة دعوتهم في المناسبات الاجتماعية المختلفة.
8- الدعاء لهم بظهر الغيب.
الصلة الحقيقية لصلة الرحم: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وفي الحديث: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (16).
وفي الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ؛ فقال "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك" (17).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يبرون والديهم ويصلون أرحامهم.
-----------
الهوامش:
1- الحديث أخرجه الإمام البخاري (527) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2- الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/139)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
3- الحديث أخرجه الإمام مسلم (2551) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
4- الحديث أخرجه الإمام البخاري (2272) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
5- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5984) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.
6- الحديث أخرجه الإمام البخاري (6920) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
7- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5971) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
8- الحديث أخرجه الإمام أبو داود (5142) عن أبي أسيد الأنصاري مالك بن ربيعة رضي الله عنه.
9- الحديث أخرجه الإمام البخاري (1396) عن أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
10- الحديث أخرجه الإمام مسلم (2555) عن عائشة رضي الله عنها.
11- الحديث أخرجه الإمام البخاري (2067) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
12- الحديث ذكره الإمام البغوي في شرح السنة (2/463) حسن صحيح، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
13- الحديث أخرجه الإمام البخاري (6138) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
14- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5984) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.
15- الحديث أخرجه الإمام الترمذي (2511): حسن صحيح، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه.
16- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5991) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
17- الحديث أخرجه الإمام مسلم (2558) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
المقصود ببر الوالدين: حسن المعاملة معهم، والاهتمام بأمرهم، والعناية بشأنهم، والإحسان إليهم، والامتثال لأمرهم، خاصةً في كبر السن والشيخوخة، وبر الوالدين واجبٌ على كلِّ مسلم له أبوان على قيد الحياة، وعكسه العقوق، وهو حرام ومعصية، وكبيرة من الكبائر.
فضل بر الوالدين:
1- لأهمية الوالدين قَرَنَ الله سبحانه وتعالى بين عبادته وبر الوالدين، في عدة آيات من سور القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ?وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا? (النساء: من الآية 36)، وقال تعالى: ?وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا? (الإسراء: من الآية 23).
2- بر الوالدين من أحب العبادات والأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة، وقدَّمه النبي على الجهاد في سبيل الله، وفي الحديث: "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين"، قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (1).
3- بر الوالدين سبب لمرضاة الرب- سبحانه وتعالى- وفي الحديث: "رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين" (2).
4- بر الوالدين سبب لدخول الجنة، وفي الحديث: "رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه"، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: "مَن أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة" (3).
5- سبب لتفريج الكروب والهموم والأحزان، وفي قصة الأول من الثلاثة الذين أواهم الميت إلى الغار الرجل قال في دعائه كما جاء في الحديث: "اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فناء بي في طلب شيء يومًا، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج" (4).
التحذير من العقوق:
1- العقوق يمنع صاحبه من دخول الجنة، وفي الحديث "لا يدخل الجنة قاطع" (5) أي قاطع رحم.
2- العقوق من أكبر الكبائر التي تورد صاحبها في المهالك، وفي الحديث: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله"، قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين". قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين" (6).
من أنواع البر:
1- شكرهم على كل ما يقومان به من جهد ورعاية، قال تعالى: ?أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)? (لقمان).
2- خفض الجناح لهما ولين الجانب، والتلطف في المعاملة، قال تعالى: ?وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ? (الإسراء: من الآية 24).
3- الدعاء لهما أحياءً وأمواتًا، قال تعالى: ?وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)? (الإسراء)، ومن أدعية القرآن الكريم قوله تعالى: ?رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)? (نوح).
4- السمع والطاعة لهما في غير معصية حتى ولو كان غير مسلمين قال تعالى: ?وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا? (لقمان: من الآية 15).
5- حسن الصحبة لهم قال تعالى: ?وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا? (لقمان: من الآية 15).
6- عدم الضجر أو الترفع أو التكبر عليهم قال تعالى: ?فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ? (الإسراء: من الآية 23).
7- عدم رفع الصوت عليهما أو المقاطعة أثناء الكلام قال تعالى: ?وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)? (لقمان).
8- تقديمهما على النفس في الطعام والشراب، والكلام، والمشي، والدخول والخروج، احترامًا وإجلالاً لهما.
9- الاهتمام الخاص بالأم، لتعبها في الحمل والولادة والرضاعة، ولوصية الله بهما قال تعالى: ? وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)? (لقمان).
10- إذا تعارض حق الأب مع حق الأم فحق الأم مقدم على الأب قولاً واحدًا، وفي الحديث: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من ؟ قال: "ثم أبوك" (7).
11- المزيد من الاهتمام والرعاية في سن الشيخوخة، قال تعالى: ?إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)? (الإسراء).
12 - الإنفاق عليهما في العسر واليسر، وقضاء حوائجهما التي يحتاجان إليها قال تعالى: ?قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ? (البقرة: من الآية 215).
كيف نبر الوالدين بعد وفاتهما؟
جاء في الحديث: "بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" (8).
ثانيًا: فضل صلة الرحم
معنى صلة الرحم: حسن العلاقة مع الأقارب، بالإحسان إليهما، وتقديم العون والمساعدة إليهما المادية والمعنوية، على قدر الوسع والطاقة.
الرحم تشمل الأقارب من الأصول والفروع، والأعمام من ناحية الأب، والأخوال من ناحية الأم، وما تناسل منهما.
وعكس صلة الرحم: قطيعتها، بإهمال الأقارب، وعدم التواصل معهما، وهي حرام ويأثم الإنسان على ذلك.
وقد حض القرآن الكريم والسنة على صلة الرحم، ففي القرآن الكريم قال تعالى: ?وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ? (النساء: من الآية 36) وقال تعالى: ?وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ? (الأنفال: من الآية 75).
ولأهميتها كانت موضع قسم الله تعالى في مطلع سورة النساء ?وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)? (النساء).
فضل صلة الرحم:
1- من بين الطرق التي تؤدي إلى الجنة، وقرنها النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أركان الإسلام، وفي الحديث: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: ماله ماله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرب ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم" (9).
2- الرحم تدعو لصاحبها أن يصله الله وتدعو على قاطعها أن يقطعه الله، وفي الحديث: "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" (10).
3- تكون سببًا في البركة في الرزق وطول العمر، وفي الحديث: "من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه" (11).
4- من أول ما عمله النبي للصحابة في المدينة بعد الهجرة، وفي الحديث: "قد قدم النبي صلى الله عليه وسلم وجئت فيمن جاء، قال: فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" (12).
5- دليل على الإيمان بالله واليوم الآخر، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (13).
خطورة قطيعة الرحم:
1- قاطع الرحم لا يدخل الجنة، وفي الحديث: "لا يدخل الجنة قاطع" (14).
2- قاطع الرحم يعرض نفسه للعنة من الله تعالى: ?فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)? (محمد).
3- قاطع الرحم يوقع نفسه في الفسق والعصيان ?وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)? (البقرة).
4- قاطع الرحم يعرِّض نفسه للعقوبة من الله تعالى في الدنيا "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي، وقطيعة الرحم" (15).
كيفية صلة الرحم:
1- الزيارة في البيت والمجالسة والمؤانسة في الحديث.
2- قضاء الحوائج الأساسية التي يحتاجون إليها.
3- المساعدات المالية على قدر الوسع والاستطاعة.
4- الاتصال عليهم عبر الهاتف والسؤال عن أحوالهم بصفة مستمرة.
5- مشاركتهم في أفراحهم، وتهنئتهم في المناسبات السارة مثل الزواج، أو الميلاد أو الوظائف.
6- مواساتهم في النوازل التي تلحق بهم مثل: المرض، الوفاة، وحضور الجنائز، ومشاركتهم في العزاء.
7- إجابة دعوتهم في المناسبات الاجتماعية المختلفة.
8- الدعاء لهم بظهر الغيب.
الصلة الحقيقية لصلة الرحم: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وفي الحديث: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (16).
وفي الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ؛ فقال "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك" (17).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يبرون والديهم ويصلون أرحامهم.
-----------
الهوامش:
1- الحديث أخرجه الإمام البخاري (527) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2- الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/139)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
3- الحديث أخرجه الإمام مسلم (2551) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
4- الحديث أخرجه الإمام البخاري (2272) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
5- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5984) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.
6- الحديث أخرجه الإمام البخاري (6920) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
7- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5971) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
8- الحديث أخرجه الإمام أبو داود (5142) عن أبي أسيد الأنصاري مالك بن ربيعة رضي الله عنه.
9- الحديث أخرجه الإمام البخاري (1396) عن أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
10- الحديث أخرجه الإمام مسلم (2555) عن عائشة رضي الله عنها.
11- الحديث أخرجه الإمام البخاري (2067) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
12- الحديث ذكره الإمام البغوي في شرح السنة (2/463) حسن صحيح، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
13- الحديث أخرجه الإمام البخاري (6138) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
14- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5984) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.
15- الحديث أخرجه الإمام الترمذي (2511): حسن صحيح، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه.
16- الحديث أخرجه الإمام البخاري (5991) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
17- الحديث أخرجه الإمام مسلم (2558) عن أبي هريرة رضي الله عنه.