صاروخان وأخبار اليوم
صاروخان وأخبار اليوم
بقلم: الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف العدد83 نوفمبر2004
............
في هذا الشهر تمر ستون سنة كاملة علي ميلاد واحدة من أهم المؤسسات الثقافية المصرية وهي " أخبار اليوم" ولاريب أن هذه المؤسسة تعد صرحا ليس في الحياة الصحفية المصرية والعربية فقط، بل إنها معلم بارز في منظومة الثقافة المعاصرة، وثمة محطات عديدة أسهمت في الوصول بهذه المؤسسة إلي ما يتمتع به من سمعة طيبة لدي الجماهير ، لعل أول واهم المحطات ما حظي به الأخوان المؤسسان علي ومصطفي أمين من كاريزيمة وجماهيرية وحرفية عالية الإتقان ونجاحهما في إرساء قواعد مدرسة صحفية رفيعة المستوي لاتزال ثمارها تؤتي أكلها. ناهيك عن المصداقية التي تتسم بها إصدارات مؤسسة الأخبار، وهي إصدارات متعددة ومتنوعة وشاملة، وجدير بالذكر أن ثمة بصمات لا يمكن إغفالها عند تصفح " الأخبار" و" أخبار اليوم" ، منها علي سبيل المثال لا الحصر ، عمود "فكرة " للأخوين أمين ، " نصف كلمة" للكاتب الساخر أحمد رجب..ثم الكاريكاتور.
وعندما يأتي ذكر الكاريكاتور في مؤسسة الأخبار ، تستدعي الذاكرة الثقافية المصرية علي الفور اسم الكسندر صاروخان. الحقيقة أن صاروخان رغم ارتباطه الحميم بأسرة الأخبار أينما كانوا وأينما فعلوا، إلا أنه قد اكتسب مكانته وشهرته من مجموع عمله الطويل في العشرات من الدوريات الصادرة في مصر باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والأرمنية وغيرها علاوة علي إبداعات أخري نشرها علي هيئة كتب . وبذلك فإن فناننا قد اكتسب كيانيته قبل الانضمام إلي أسرة" أخبار اليوم" عام 1944 ورغم ذلك لا يمكن إنكار حقيقة ان صاروخان كما كان بصمة علي صفحات " أخبار اليوم" كانت أيضا " أخبار اليوم" وأخواتها كبري المحطات في حياة صاروخان. والحقيقة أنني لست هنا بصدد الحديث عن صاروخان وإبداعاته، فقد سبق الحديث مرارا علي صفحات هذه المجلة عن الفنان وحياته وعالمه، ولكنني سأنتهز هذه المناسبة لمناقشة قضية جد خطيرة تتعلق برائد الكاريكاتور السياسي في مصر.
تدور القضية حول الاتهام الذي لا يزال يوجه إلي صاروخان بأنه أرمني، وليس مصري، وأنه لم يقدم جديدا إلي الكاريكاتور المصري لأنه كان مجرد ناقل لأفكار غيره فقط.
عن هذه القضية أقول: نعم حصل صاروخان رسميا علي الجنسية المصرية عام 1955 ؛ أي بعد أكثر من ثلاثين عاما علي مجيئه إلي مصر، ولكن في تقديري أن المسألة لا تقاس علي الإطلاق بمجرد الأصل الأرمني أو الجنسية المصرية، فالثابت حقا أن صاروخان لم ينكر أبدت أصله الأرمني وكان عضوا فاعلا، وبحق في محيط الجالية الأرمنية المصرية ، وعلي رأي المثل العامي: ( اللي مالوش خير في أهله مالوش خير في الناس). ومع ذلك لم يكن لهذا البعد أي تأثير سلبي علي قضيته الكبري: مصر فالجل منذ أن وطأت قدماه أرض مصر المحروسة ذاب عشقا فيها ووهب نفسه لخدمتها علي مداري أكثر من نصف قرن!! تفاعل خلالها مع انكسارات وانتصارات مصر والمصريين.
ألا يكفي صاروخان أن يكون مصريا أنه أمضي أكثر من 54 عاما (70%) من عمره البالغ 78 عاما- في رحاب أم الدنيا وفي خدمتها ؟! أليس صاروخان هو الذي مصر الكاريكاتور شكلا ومضمونا بعد أن كان في أيدي الأجانب ؟ أليس صاروخان هو الذي جعل للكاريكاتور وظيفة اجتماعية سياسية ؟ أليست رسوم صاروخان ضد الفساد والظلم والمحسوبية والطبقية والاستبداد كانت السب وراء مصادرة الصحف وسجنه هو شخصيا كأي وطني قاوم الظلم ؟ أليست الجماهير المصرية كانت تنتظر بلهفة شديدة صدور الجرائد والصحف التي يرسم فيها صاروخان حتي تتابع آخر سهامه؟.
أليس صاروخان هو صاحب أول شخصية كاريكاتورية نمطية في مصر وهي " المصري أفندي" ، التي عبر بها عن العقل الجمعي المصري علي غرار شخصيات " ماريان" الفرنسية و" جون بول" الإنجليزية و" العم سام" الأمريكية. وعلي بسان المصري أفندي حرجت الحكم والنكات والسخرية اللاذعة والانتقادات المتباينة التي أصابت دون أن تدمي. وفي هذا الصدد لا يمكن إنكار فضل الأفكار الثمينة التي كان يمليها الأساتذة فاطمة اليوسف ومحمد التابعي والأخوين أمين علي صاروخان لتحويلها بريشته إلي إبداعات كاريكاتورية، ولكن مهما كانت فكرة الكاريكاتور جيدة ، إلا أنها تفقد قيمتها التأثيرية ما لم تترجمها ريشة ذكية موهوبة مستوعبة واعية حساسة . وهذا ما فعله صاروخان بالضبط الذي كان أسلوبه النقدي الخاص جزء لا يتجزء من المنظومة الفكرية التي يعمل في إطارها.
علي أية حال أنتهز فرصة مرور ستين عاما علي تأسيس " أخبار اليوم" الذي كان صاروخان ضلعا أساسيا في أركانها وأطرح فكرة وضع هذا الرجل في مكان يليق بدوره الرائد في خدمة القضايا المصرية، ولهذا أدعو أسرة صاروخان والجالية الأرمنية ومؤسسة الأخبار وروز اليوسف والهيئات الثقافية المصرية المعنية أن تنسق معا وتتكاتف سويا لتنفيذ أي من المقترحات التالية: إطلاق اسم صاروخان علي الشارع الذي كان يقطن به في مصر الجديدة، عمل تمثال نصفي لصاروخان يوضع في مكان لائق بمؤسسة الأخبار ، إطلاق اسمه علي قاعة أو جناح رسامي الكاريكاتور بالأخبار، تشكيل جمعية باسم محبي صاروخان ، تجميع أعماله وأدواته الشخصية في مكان ما يكون بمثابة متحف صاروخان. وأخيرا وليس آخرا تأسيس موقع علي شبكة المعلومات الدولية وأقترح أن يكون اسمه: صاروخان..المصري أفندي!!
بقلم: الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف العدد83 نوفمبر2004
............
في هذا الشهر تمر ستون سنة كاملة علي ميلاد واحدة من أهم المؤسسات الثقافية المصرية وهي " أخبار اليوم" ولاريب أن هذه المؤسسة تعد صرحا ليس في الحياة الصحفية المصرية والعربية فقط، بل إنها معلم بارز في منظومة الثقافة المعاصرة، وثمة محطات عديدة أسهمت في الوصول بهذه المؤسسة إلي ما يتمتع به من سمعة طيبة لدي الجماهير ، لعل أول واهم المحطات ما حظي به الأخوان المؤسسان علي ومصطفي أمين من كاريزيمة وجماهيرية وحرفية عالية الإتقان ونجاحهما في إرساء قواعد مدرسة صحفية رفيعة المستوي لاتزال ثمارها تؤتي أكلها. ناهيك عن المصداقية التي تتسم بها إصدارات مؤسسة الأخبار، وهي إصدارات متعددة ومتنوعة وشاملة، وجدير بالذكر أن ثمة بصمات لا يمكن إغفالها عند تصفح " الأخبار" و" أخبار اليوم" ، منها علي سبيل المثال لا الحصر ، عمود "فكرة " للأخوين أمين ، " نصف كلمة" للكاتب الساخر أحمد رجب..ثم الكاريكاتور.
وعندما يأتي ذكر الكاريكاتور في مؤسسة الأخبار ، تستدعي الذاكرة الثقافية المصرية علي الفور اسم الكسندر صاروخان. الحقيقة أن صاروخان رغم ارتباطه الحميم بأسرة الأخبار أينما كانوا وأينما فعلوا، إلا أنه قد اكتسب مكانته وشهرته من مجموع عمله الطويل في العشرات من الدوريات الصادرة في مصر باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والأرمنية وغيرها علاوة علي إبداعات أخري نشرها علي هيئة كتب . وبذلك فإن فناننا قد اكتسب كيانيته قبل الانضمام إلي أسرة" أخبار اليوم" عام 1944 ورغم ذلك لا يمكن إنكار حقيقة ان صاروخان كما كان بصمة علي صفحات " أخبار اليوم" كانت أيضا " أخبار اليوم" وأخواتها كبري المحطات في حياة صاروخان. والحقيقة أنني لست هنا بصدد الحديث عن صاروخان وإبداعاته، فقد سبق الحديث مرارا علي صفحات هذه المجلة عن الفنان وحياته وعالمه، ولكنني سأنتهز هذه المناسبة لمناقشة قضية جد خطيرة تتعلق برائد الكاريكاتور السياسي في مصر.
تدور القضية حول الاتهام الذي لا يزال يوجه إلي صاروخان بأنه أرمني، وليس مصري، وأنه لم يقدم جديدا إلي الكاريكاتور المصري لأنه كان مجرد ناقل لأفكار غيره فقط.
عن هذه القضية أقول: نعم حصل صاروخان رسميا علي الجنسية المصرية عام 1955 ؛ أي بعد أكثر من ثلاثين عاما علي مجيئه إلي مصر، ولكن في تقديري أن المسألة لا تقاس علي الإطلاق بمجرد الأصل الأرمني أو الجنسية المصرية، فالثابت حقا أن صاروخان لم ينكر أبدت أصله الأرمني وكان عضوا فاعلا، وبحق في محيط الجالية الأرمنية المصرية ، وعلي رأي المثل العامي: ( اللي مالوش خير في أهله مالوش خير في الناس). ومع ذلك لم يكن لهذا البعد أي تأثير سلبي علي قضيته الكبري: مصر فالجل منذ أن وطأت قدماه أرض مصر المحروسة ذاب عشقا فيها ووهب نفسه لخدمتها علي مداري أكثر من نصف قرن!! تفاعل خلالها مع انكسارات وانتصارات مصر والمصريين.
ألا يكفي صاروخان أن يكون مصريا أنه أمضي أكثر من 54 عاما (70%) من عمره البالغ 78 عاما- في رحاب أم الدنيا وفي خدمتها ؟! أليس صاروخان هو الذي مصر الكاريكاتور شكلا ومضمونا بعد أن كان في أيدي الأجانب ؟ أليس صاروخان هو الذي جعل للكاريكاتور وظيفة اجتماعية سياسية ؟ أليست رسوم صاروخان ضد الفساد والظلم والمحسوبية والطبقية والاستبداد كانت السب وراء مصادرة الصحف وسجنه هو شخصيا كأي وطني قاوم الظلم ؟ أليست الجماهير المصرية كانت تنتظر بلهفة شديدة صدور الجرائد والصحف التي يرسم فيها صاروخان حتي تتابع آخر سهامه؟.
أليس صاروخان هو صاحب أول شخصية كاريكاتورية نمطية في مصر وهي " المصري أفندي" ، التي عبر بها عن العقل الجمعي المصري علي غرار شخصيات " ماريان" الفرنسية و" جون بول" الإنجليزية و" العم سام" الأمريكية. وعلي بسان المصري أفندي حرجت الحكم والنكات والسخرية اللاذعة والانتقادات المتباينة التي أصابت دون أن تدمي. وفي هذا الصدد لا يمكن إنكار فضل الأفكار الثمينة التي كان يمليها الأساتذة فاطمة اليوسف ومحمد التابعي والأخوين أمين علي صاروخان لتحويلها بريشته إلي إبداعات كاريكاتورية، ولكن مهما كانت فكرة الكاريكاتور جيدة ، إلا أنها تفقد قيمتها التأثيرية ما لم تترجمها ريشة ذكية موهوبة مستوعبة واعية حساسة . وهذا ما فعله صاروخان بالضبط الذي كان أسلوبه النقدي الخاص جزء لا يتجزء من المنظومة الفكرية التي يعمل في إطارها.
علي أية حال أنتهز فرصة مرور ستين عاما علي تأسيس " أخبار اليوم" الذي كان صاروخان ضلعا أساسيا في أركانها وأطرح فكرة وضع هذا الرجل في مكان يليق بدوره الرائد في خدمة القضايا المصرية، ولهذا أدعو أسرة صاروخان والجالية الأرمنية ومؤسسة الأخبار وروز اليوسف والهيئات الثقافية المصرية المعنية أن تنسق معا وتتكاتف سويا لتنفيذ أي من المقترحات التالية: إطلاق اسم صاروخان علي الشارع الذي كان يقطن به في مصر الجديدة، عمل تمثال نصفي لصاروخان يوضع في مكان لائق بمؤسسة الأخبار ، إطلاق اسمه علي قاعة أو جناح رسامي الكاريكاتور بالأخبار، تشكيل جمعية باسم محبي صاروخان ، تجميع أعماله وأدواته الشخصية في مكان ما يكون بمثابة متحف صاروخان. وأخيرا وليس آخرا تأسيس موقع علي شبكة المعلومات الدولية وأقترح أن يكون اسمه: صاروخان..المصري أفندي!!