إبادة النوع بين قضاياالصراع وحقوق الإنسان
إبادة النوع بين قضايا الصراع وحقوق الإنسان
د . محمد رفعت الإمام
منشور بمجلة السياسة الدولية
يناير 2004
..................
إذا كانت ظاهرة إبادة الجنس الجماعية شكلت ولاتزال خطرا ضاريا علي البشرية فإن إبادة النوع Gendercide تمثل خطرا أشد علي كينونة الجنس البشري بأكمله . ولعل ذلك ينعكس بجلاء في استمرارية اتساع الهوة في الميزان العالمي النوعي الذي ينحدر بشدة إزاء تمثيل الذكور مما يؤدي إلي خلل نوعي بائن في المنظومة البشرية . ورغم هذا المأزق العالمي النوعي فإن تحليل الظاهرة وتقنينها قد تأخر طويلا . ولاغرو إذ أن ' علم ' إبادة الجنس genocide ذاته الذي تندرج في إطاره ظاهرة إبادة النوع لازال في طور التكوين ولم تتبلور بعد مفاهيمه ومناهجه ونظرياته .
وتتمثل إبادة النوع وفقا لاصطلاحات النوع البيولوجية في القتل النظامي الجماعي أو واسع النطاق الانتقائي النوعي وهي ظاهرة تتسم بالتكرارية وتشكل ملمحا للصراع الإنساني بكافة أشكاله منذ وعي البشرية بذاتها . وجدير بالذكر أن اصطلاح ' الإبادة النوعية ' يعد حديث الميلاد جدا . إذ صاغته الباحثة ماري آن وارين منذ ما يناهز العقدين في كتابها المثير للجدل ' الإبادة النوعية : تطوريطات الانتقاء الجنسي ' الصادر عام 1985. وفي هذا الكتاب عرفت الإبادة النوعية بأنها ' الإفناء العمدي لأشخاص من نوع محدد '. بيد أنها حصرت تطبيقات مفهوم الإبادة النوعية في الإبادة ضد الأنثى فقط رغم أنه اصطلاح عام قد يكون فيه الضحايا إناثا أو ذكورا . وثمة مأزق يعترض هذا المفهوم عندما يكون الضحايا ذكورا مما حدا بفريق من الباحثين الإباديين إلي استخدام اصطلاح ' الإبادة الذكرية 'Androcide عند تعاطي هذه الظاهرة .
ويشير اصطلاح ' إبادة النوع ' إلي حقيقة أن ' متغير النوع ' ذو عواقب وخيمة لا تقل ضراوة عن العواقب الناجمة عن الانحيازات العنصرية والدينية والطبقية . وفي هذا الإطار جدير بالذكر أن ' الذكور غير المحاربين ' كانوا ولازالوا أكثر الأهداف المتكررة للقتل واسع النطاق ومذابح الإبادة الجماعية وكافة الصراعات والقطاعات وحتي المعاملات السيئة . ولا ريب أن القتل الذكري واسع النطاق لاسيما لمن هم قادرين علي حمل السلاح يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني .
كما أن أدبيات الصراع الحديثة والمعاصرة تكشف عن حقيقة جد خطيرة مؤداها اختلال الميزان الديموجرافي الذكري الأنثوي الذي يميل غالبا بشدة لانحدار تمثيل الذكور البالغين . وتستطيع اختبار مصداقية هذه الحقيقة في ضوء تداعيات عدة تجارب صراعية شهدها القرن العشرون مثل تطهيرات ستالين في الاتحاد السوفيتي التي تعد أوثق وأضخم وأسوأ إبادة نوعية ' ذكرية ' شهدها هذا القرن . ورغم أن هذه التطهيرات كانت النموذج الأشهر والأكثر تدميرا للقطاع الذكري السوفيتي فإننا نلاحظ مثل هذا الخلل في الميزان الديموجرافي الإندونيسي 1965-1966 عندما وصل عدد الأرامل إلي 70% من إجمالي السكان . وتمثلت أسوأ نتيجة ديموجرافية تراكمية لإبادة بول بوت -1975-1979- في السيطرة الإستئثارية النسوية علي التركيب الديموجرافي الكمبودي الحديث . ومن المفارقات أن نسبة الكمبوديات -60-80%-- ومعظمهم أرامل - داخل بلادهن تعادل نسبة الكمبوديين في المنفي خارج بلادهم .
وبجانب هذه المعضلة الديموجرافية تكشف مختلف الصراعات إبان العقدين السابقين عن حقيقة جد مهمة مؤداها أن القتل الجماعي أو علي الأقل واسع النطاق الانتقائي النوعي الذكري خاصة من هم قادرين علي القتال تعد ملمحا ثابتا في كافة هذه الصراعات . وتستطيع تأكيد هذه الحقيقة من خلال عدد ليس بقليل من الأمثلة : أكراد العراق -1983- الضحايا السيخ عقب اغتيال أنديرا غاندي -1984- ممارسات القوات المسلحة في بيرو -1990- وسري لانكا -1991- والبوسنة والهرسك -1992- ورواندا -1997- وكولومبيا -1998- وجامو وكشمير -1999-. بيد أن الحالة الكوسوفية تعد الأبرز في إطار الصراع النوعي . فمنذ الساعات الأولي للحرب في كوسوفو -1999- بدا تكتيك واضح هيمن علي الإستراتيجية العسكرية الصربية : الاعتقال الانتقائي النوعي والقتل الجماعي للذكور ذوي الإثنية الألبانية لاسيما من هم في سن القتال رغم أن الهجوم الإبادي لنظام ميليسوفيتش قد أصاب قطاعات السكان الأخرى قاتلا العديد منهم وطاردا مئات الآلاف إلي الدول المجاورة . بيد أن أكثر الأعمال الوحشية عنفا قد مورست ضد الذكور غير المحاربين سواء بشكل عمدي منظم أم عشوائيا .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا هذه السيطرة الاستئثارية الذكرية علي ضحايا الصراعات والقتل واسع النطاق لاريب أن ثمة منطق عسكري إزاء تحطيم الذكور القادرين علي القتال في أية جماعة مستهدفة إما كإجراء كاف في حد ذاته أو كمقدمة لاستئصال جذر الجماعة المستهدفة وفروعها . إن الاحتمالية الأرجحية لأن يكون الذكور مقاتلين ربما تعد كافية كي تجلب إليهم الموت . وفي هذا الصدد جدير بالذكر أن ثمة إبادات تستهدف النخبة تحديدا . إذ أن النخبة شأنها في ذلك شأن ' الذكور في سن القتال ' يمكن أن تكون مستهدفة في حد ذاتها أو كمرحلة مبكرة من هجوم إبادي مخطط ضد جماعة بأكملها .
إذن يتضح مما سبق أن أغلبية الذكور غير المحاربين لاسيما من هم في سن القتال يشكلون العمود الفقري الذي يستهدفه الخصوم بانتظام في الجماعات البشرية المضادة ويمكنهم نيله بيسر . إذ تمثل هذه الجماعات الذكرية التهديد الأخطر للقوات الغازية وهي ذات الجماعات الأكثر احتمالية لأن تشكل الأداة الكابحة للقوي التي تعمل ضدهم . وفي الحقيقة يعد استهداف ' الذكور غير المحاربين ' تكتيكا إباديا فاعلا . فعلي العكس من أقرانهم المسلحين لا يملكون وسائل لحماية أنفسهم ومن ثم يسهل اصطيادهم وإبادتهم بالآلاف إن لم يكن بالملايين . ولكن ملاحظة جديرة بالتسجيل هنا مؤداها أن الحرب الحديثة بشموليتها وجرائميتها وسعت دائرة ' النوعية الذكرية ' بتخطيها حدود المعدل العمري لمن هم قادرين علي القتال . إذ أن الذكور كبار السن علي عكس النساء كبيرات السن يتميزون باحتمالية اللحاق بالحرب . وينطبق ذات المنطق علي الأطفال جنود المستقبل . وهكذا فإن تكرارية واستمرارية ونظامية الضحوية النوعية الذكرية في الأيديولوجيات الصراعية تنبثق من معادلة جد مهمة مفادها أن الذكورة تعني القتال ولكنها ليست بأي حال من الأحوال ظاهرة لـ ' كره الرجال '.
وجدير بالذكر أن ثمة أنماط أخري من الإبادات النوعية التي تصيب الذكور بصفة عامة وغير المحاربين بصفة خاصة مثل التجنيد الإجباري أسري الحرب العمالة بالإكراه الثأر . ولكن هل يعني هذا أن الإناث يفلتن من الدوامة الصراعية الانتقائية أم أن لهن أنماطا إبادية ' خاصة ' تؤثر علي نوعهن لاريب أن التكتيك الذي استهدفت به الإناث في مذابح الإبادات الجماعية ذو أبعاد نوعية . إذ شكلت الإبادات الجماعية في القرن العشرين مثل الحالتين الأرمنية والهولوكوستية إبادة نوعية ضد الإناث شأنهن في ذلك شأن الذكور . وقد تأرجحت الإستراتيجية الإبادية الانتقائية الأنثوية بين السلوك الفردي والتنظيم المؤسسي . كما استهدفت المرأة أيضا إما للاغتصاب ثم القتل أو الاغتصاب حتي الموت . وبكل تأكيد يجب تصنيف هذه الظاهرة الانتقائية النوعية الأنثوية بين أشد حالات القتل إيلافا في تاريخ الإنسانية .
وجدير بالإشارة أن إبادة النساء والأطفال والطاعنين في السن لاتتم إلا إذا كانت جزءا من استئصال جذور جماعة مستهدفة وفروعها علي الإطلاق . بيد أننا يجب ألا ننحصر في الإطار التقليدي الكلاسيكي العسكري السياسي للضحوية الإبادية النوعية . إذ من الأجدى توسيع دائرة إصطلاح ' الإبادة النوعية ' ليشمل الإناث اللائي يتعرضن لأنماط إبادية ناجمة عن موروثات وأيديولوجيات وممارسات لا علاقة لها بالصراعات السياسية العسكرية مثل قتل المواليد الإناث والإجهاض الأنثوي في الهند والصين وقتل النساء بسبب ' الشرف ' في باكستان وأفغانستان والأردن وإيران وتركيا وغيرها . وجدير بالذكر أن هذه الحالات الأنثوية لا تنطلق من أيديولوجية إبادية . ولذا فإن تكرارية وديمومة وضخامة الضحوية الذكرية لم تلفت أنظار المنظرين والمحللين والمشتغلين بالإبادات من زاوية فهم سمات وآليات معظم الانتهاكات والصراعات وممارسات القتل واسع النطاق . إذ لا شك أن هذا المؤشر الانتقائي النوعي يكون كفيلا لتدخل المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان لكبح جماح انتهاكات منتظرة ومنع إبادة جنس جماعية كاملة المدي منذ مراحلها التكوينية الأولي . وربما يقلص هذا من الهوة الشاسعة في الميزان النوعي الذكري الأنثوي العالمي .
د . محمد رفعت الإمام
منشور بمجلة السياسة الدولية
يناير 2004
..................
إذا كانت ظاهرة إبادة الجنس الجماعية شكلت ولاتزال خطرا ضاريا علي البشرية فإن إبادة النوع Gendercide تمثل خطرا أشد علي كينونة الجنس البشري بأكمله . ولعل ذلك ينعكس بجلاء في استمرارية اتساع الهوة في الميزان العالمي النوعي الذي ينحدر بشدة إزاء تمثيل الذكور مما يؤدي إلي خلل نوعي بائن في المنظومة البشرية . ورغم هذا المأزق العالمي النوعي فإن تحليل الظاهرة وتقنينها قد تأخر طويلا . ولاغرو إذ أن ' علم ' إبادة الجنس genocide ذاته الذي تندرج في إطاره ظاهرة إبادة النوع لازال في طور التكوين ولم تتبلور بعد مفاهيمه ومناهجه ونظرياته .
وتتمثل إبادة النوع وفقا لاصطلاحات النوع البيولوجية في القتل النظامي الجماعي أو واسع النطاق الانتقائي النوعي وهي ظاهرة تتسم بالتكرارية وتشكل ملمحا للصراع الإنساني بكافة أشكاله منذ وعي البشرية بذاتها . وجدير بالذكر أن اصطلاح ' الإبادة النوعية ' يعد حديث الميلاد جدا . إذ صاغته الباحثة ماري آن وارين منذ ما يناهز العقدين في كتابها المثير للجدل ' الإبادة النوعية : تطوريطات الانتقاء الجنسي ' الصادر عام 1985. وفي هذا الكتاب عرفت الإبادة النوعية بأنها ' الإفناء العمدي لأشخاص من نوع محدد '. بيد أنها حصرت تطبيقات مفهوم الإبادة النوعية في الإبادة ضد الأنثى فقط رغم أنه اصطلاح عام قد يكون فيه الضحايا إناثا أو ذكورا . وثمة مأزق يعترض هذا المفهوم عندما يكون الضحايا ذكورا مما حدا بفريق من الباحثين الإباديين إلي استخدام اصطلاح ' الإبادة الذكرية 'Androcide عند تعاطي هذه الظاهرة .
ويشير اصطلاح ' إبادة النوع ' إلي حقيقة أن ' متغير النوع ' ذو عواقب وخيمة لا تقل ضراوة عن العواقب الناجمة عن الانحيازات العنصرية والدينية والطبقية . وفي هذا الإطار جدير بالذكر أن ' الذكور غير المحاربين ' كانوا ولازالوا أكثر الأهداف المتكررة للقتل واسع النطاق ومذابح الإبادة الجماعية وكافة الصراعات والقطاعات وحتي المعاملات السيئة . ولا ريب أن القتل الذكري واسع النطاق لاسيما لمن هم قادرين علي حمل السلاح يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني .
كما أن أدبيات الصراع الحديثة والمعاصرة تكشف عن حقيقة جد خطيرة مؤداها اختلال الميزان الديموجرافي الذكري الأنثوي الذي يميل غالبا بشدة لانحدار تمثيل الذكور البالغين . وتستطيع اختبار مصداقية هذه الحقيقة في ضوء تداعيات عدة تجارب صراعية شهدها القرن العشرون مثل تطهيرات ستالين في الاتحاد السوفيتي التي تعد أوثق وأضخم وأسوأ إبادة نوعية ' ذكرية ' شهدها هذا القرن . ورغم أن هذه التطهيرات كانت النموذج الأشهر والأكثر تدميرا للقطاع الذكري السوفيتي فإننا نلاحظ مثل هذا الخلل في الميزان الديموجرافي الإندونيسي 1965-1966 عندما وصل عدد الأرامل إلي 70% من إجمالي السكان . وتمثلت أسوأ نتيجة ديموجرافية تراكمية لإبادة بول بوت -1975-1979- في السيطرة الإستئثارية النسوية علي التركيب الديموجرافي الكمبودي الحديث . ومن المفارقات أن نسبة الكمبوديات -60-80%-- ومعظمهم أرامل - داخل بلادهن تعادل نسبة الكمبوديين في المنفي خارج بلادهم .
وبجانب هذه المعضلة الديموجرافية تكشف مختلف الصراعات إبان العقدين السابقين عن حقيقة جد مهمة مؤداها أن القتل الجماعي أو علي الأقل واسع النطاق الانتقائي النوعي الذكري خاصة من هم قادرين علي القتال تعد ملمحا ثابتا في كافة هذه الصراعات . وتستطيع تأكيد هذه الحقيقة من خلال عدد ليس بقليل من الأمثلة : أكراد العراق -1983- الضحايا السيخ عقب اغتيال أنديرا غاندي -1984- ممارسات القوات المسلحة في بيرو -1990- وسري لانكا -1991- والبوسنة والهرسك -1992- ورواندا -1997- وكولومبيا -1998- وجامو وكشمير -1999-. بيد أن الحالة الكوسوفية تعد الأبرز في إطار الصراع النوعي . فمنذ الساعات الأولي للحرب في كوسوفو -1999- بدا تكتيك واضح هيمن علي الإستراتيجية العسكرية الصربية : الاعتقال الانتقائي النوعي والقتل الجماعي للذكور ذوي الإثنية الألبانية لاسيما من هم في سن القتال رغم أن الهجوم الإبادي لنظام ميليسوفيتش قد أصاب قطاعات السكان الأخرى قاتلا العديد منهم وطاردا مئات الآلاف إلي الدول المجاورة . بيد أن أكثر الأعمال الوحشية عنفا قد مورست ضد الذكور غير المحاربين سواء بشكل عمدي منظم أم عشوائيا .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا هذه السيطرة الاستئثارية الذكرية علي ضحايا الصراعات والقتل واسع النطاق لاريب أن ثمة منطق عسكري إزاء تحطيم الذكور القادرين علي القتال في أية جماعة مستهدفة إما كإجراء كاف في حد ذاته أو كمقدمة لاستئصال جذر الجماعة المستهدفة وفروعها . إن الاحتمالية الأرجحية لأن يكون الذكور مقاتلين ربما تعد كافية كي تجلب إليهم الموت . وفي هذا الصدد جدير بالذكر أن ثمة إبادات تستهدف النخبة تحديدا . إذ أن النخبة شأنها في ذلك شأن ' الذكور في سن القتال ' يمكن أن تكون مستهدفة في حد ذاتها أو كمرحلة مبكرة من هجوم إبادي مخطط ضد جماعة بأكملها .
إذن يتضح مما سبق أن أغلبية الذكور غير المحاربين لاسيما من هم في سن القتال يشكلون العمود الفقري الذي يستهدفه الخصوم بانتظام في الجماعات البشرية المضادة ويمكنهم نيله بيسر . إذ تمثل هذه الجماعات الذكرية التهديد الأخطر للقوات الغازية وهي ذات الجماعات الأكثر احتمالية لأن تشكل الأداة الكابحة للقوي التي تعمل ضدهم . وفي الحقيقة يعد استهداف ' الذكور غير المحاربين ' تكتيكا إباديا فاعلا . فعلي العكس من أقرانهم المسلحين لا يملكون وسائل لحماية أنفسهم ومن ثم يسهل اصطيادهم وإبادتهم بالآلاف إن لم يكن بالملايين . ولكن ملاحظة جديرة بالتسجيل هنا مؤداها أن الحرب الحديثة بشموليتها وجرائميتها وسعت دائرة ' النوعية الذكرية ' بتخطيها حدود المعدل العمري لمن هم قادرين علي القتال . إذ أن الذكور كبار السن علي عكس النساء كبيرات السن يتميزون باحتمالية اللحاق بالحرب . وينطبق ذات المنطق علي الأطفال جنود المستقبل . وهكذا فإن تكرارية واستمرارية ونظامية الضحوية النوعية الذكرية في الأيديولوجيات الصراعية تنبثق من معادلة جد مهمة مفادها أن الذكورة تعني القتال ولكنها ليست بأي حال من الأحوال ظاهرة لـ ' كره الرجال '.
وجدير بالذكر أن ثمة أنماط أخري من الإبادات النوعية التي تصيب الذكور بصفة عامة وغير المحاربين بصفة خاصة مثل التجنيد الإجباري أسري الحرب العمالة بالإكراه الثأر . ولكن هل يعني هذا أن الإناث يفلتن من الدوامة الصراعية الانتقائية أم أن لهن أنماطا إبادية ' خاصة ' تؤثر علي نوعهن لاريب أن التكتيك الذي استهدفت به الإناث في مذابح الإبادات الجماعية ذو أبعاد نوعية . إذ شكلت الإبادات الجماعية في القرن العشرين مثل الحالتين الأرمنية والهولوكوستية إبادة نوعية ضد الإناث شأنهن في ذلك شأن الذكور . وقد تأرجحت الإستراتيجية الإبادية الانتقائية الأنثوية بين السلوك الفردي والتنظيم المؤسسي . كما استهدفت المرأة أيضا إما للاغتصاب ثم القتل أو الاغتصاب حتي الموت . وبكل تأكيد يجب تصنيف هذه الظاهرة الانتقائية النوعية الأنثوية بين أشد حالات القتل إيلافا في تاريخ الإنسانية .
وجدير بالإشارة أن إبادة النساء والأطفال والطاعنين في السن لاتتم إلا إذا كانت جزءا من استئصال جذور جماعة مستهدفة وفروعها علي الإطلاق . بيد أننا يجب ألا ننحصر في الإطار التقليدي الكلاسيكي العسكري السياسي للضحوية الإبادية النوعية . إذ من الأجدى توسيع دائرة إصطلاح ' الإبادة النوعية ' ليشمل الإناث اللائي يتعرضن لأنماط إبادية ناجمة عن موروثات وأيديولوجيات وممارسات لا علاقة لها بالصراعات السياسية العسكرية مثل قتل المواليد الإناث والإجهاض الأنثوي في الهند والصين وقتل النساء بسبب ' الشرف ' في باكستان وأفغانستان والأردن وإيران وتركيا وغيرها . وجدير بالذكر أن هذه الحالات الأنثوية لا تنطلق من أيديولوجية إبادية . ولذا فإن تكرارية وديمومة وضخامة الضحوية الذكرية لم تلفت أنظار المنظرين والمحللين والمشتغلين بالإبادات من زاوية فهم سمات وآليات معظم الانتهاكات والصراعات وممارسات القتل واسع النطاق . إذ لا شك أن هذا المؤشر الانتقائي النوعي يكون كفيلا لتدخل المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان لكبح جماح انتهاكات منتظرة ومنع إبادة جنس جماعية كاملة المدي منذ مراحلها التكوينية الأولي . وربما يقلص هذا من الهوة الشاسعة في الميزان النوعي الذكري الأنثوي العالمي .