المسرح الأرمني في مصر
المسرح الأرمني في مصر الحديثة
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام ضبيع
آريف العدد 34 أكتوبر 2000
................
ثمة علامتان فارقتان تتعلقان بتأريخ المسرح الأرمني المصري. أولهما الدور الجوهري للأرمن في ترسيخ أسس المسرح العثماني بخاصة والأرمني بالأخص في الآستانة ، ثانيهما تأسيس دار الأوبرا المصرية التي أدت إلي تدفق الفرق المختلفة إلي مصر وضمنها الأرمنية ,ناهيك عن نمو الجالية الأرمنية في مصر منذ أواخر تسعينات القرن التاسع عشر أثر نزوح موجات متتالية من الأرمن الناجين والفارين من مذابح الحكومة العثمانية ضدهم.
تشكل المسرح الأرمني المصري من رافدين أساسيين هما : الفرق الأرمنية المحترفة الزائرة من خارج مصر وفرق الهواة وأشباه المحترفين التي تكونت من أرمن مصر.
قدم المسرحيون الأرمن عروضا متباينة لمجموعتين رئيسيتين من المؤلفين : أولاهما أرمنية وثانيتهما أجنبية.
بالنسبة للمؤلفين الأرمن، نجد أنهم ينتمون إلي المسرح الأرمني بفرعيه الشرقي والغربي . وقد قدمت أعمالهم علي المسارح المختلفة بالمناطق التي تشهد تجمعات أرمنية . منهم علي سبيل المثال لا الحصر : توماس ترزيان ( 1838- 1939 ) وعملاه " أرشاج الثاني" و" القديسة سانتوخد" ، هاجوب بارونيان ( 1843 1892 ) ومسرحياته " طبيب الأسنان الشرقي "، " البكاش" ، " المتسولون الشرفاء"، " الأخ بغداسار"، ، ليفون شانط ( 1869 1951 ) ومسرحيتاه " أميرة القلعة الساقطة" و" الآلهة القديمة" ن هاجوب ملك هاجوبيان الشهير برافي ( 1835- 1888 ) ومسرحياته " صموئيل " و" الشرارة" و" الملوك الخمس" و"دافيت بك" و" المجنونة" .
ومن المؤلفين الأرمن أيضا : أفيديس أهارونيان ( 1866- 1948) ومسرحيته " وادي الدموع " ، يرفانت أوديان ( 1869 1926 ) ومسرحياته " تشارتشله آرتين أغا" و " فارتان ماميجونيان " و" المسكين" . وكذا آفيديك ساهاجيان ( 1875 1957 ) ومسرحيته " أبو العلاء المعري" ،هوفانيس طومانيان ( 1869 1924 ) وعملاه " في البلد " و" احتلال القلعة".و فضلا عن هؤلاء ثمة الكاتب شيرفانزاده ومسرحياته " من أجل الشرف" و" آرمينوهي " و" روح الشر".
أما المؤلفون الأجانب ، يمكن تصنيف العروض المسرحية التي قدمها الأرمن إلي نوعين:
أولا : أعمال مسرحية قدمها الأرمن دون تدخل منهم مثل كلاسيكيات شكسبير الخالدة " عطيل" و" هاملت" و" تاجر البندقية" ، وأعمال فيكتور هوجو مثل " البؤساء" و" ريجوليتو" ، وروايات دستويفسكي مثل " الجريمة والعقاب" و" قضاء الله علي العالم".
ثانيا : أعمال مؤرمنة من تأليف كتاب أجانب ، ثم حولها أرمن من عالم مؤلفيها لتناسب العالم الأرمني. في هذا الصدد تأرمنت مسرحيات الكاتب الأمريكي شيلدوين " رومانوس" ، والمؤلف الإيطالي جياكوميتي " الأب القاتل" ، والمسرحي الروسي تشيخوف " طلب للزواج" .
بيد ان المؤلفين الفرنسيين قد شكلوا الأغلبية في الأعمال المسرحية المؤرمنة خاصة مسرحية " الأطرشان " لموليير التي تأرمنت إلي " تاتيوس وجيراجوس" ، ومسرحيات الكتاب ميشيل زيفاجو" الشقيقان"، شارل ميديه" المغامرة"، باردو " مدام سان جين" عن حياة نابليون بونابرت.
دارت القضايا التي طرحها المسرح الأرمني المصري حول المحاور التالية : تاريخي ، اجتماعي، ثقافي.
ركزت القضايا التاريخية علي الفترات الحاسمة في تاريخ الشعب الأرمني خاصة التحول من الوثنية إلي المسيحية وما صاحب ذلك من اضطهادات ، كفاح الشعب الأرمني من أجل إلقاء وإثبات الذات، حركات التحرر الأرمني ضد المستعمر ، الإبادة العرقية عام 1915...إلخ .
وابتغت هذه الأعمال" تذكير" الأرمن المصريين وربطهم بتاريخهم وبيان مدي ما لاقاه الأجداد في سبيل الحفاظ علي الأرض والهوية. وبذا كان التاريخ وسيلة من وسائل تعميق الجذور وترسيخ الهوية الأرمنية.
وف هذا الميدان تعد مسرحية " حرب فارتان" من ألمع صفحات تاريخ المسرح الأرمني المصري.إذ كان الأرمن يستلهمون منها في أوقات نكباتهم وفي مهاجرهم تضميد جراحهم وتعبئة روحهم بالوطنية وشحذ هممهم بالرغبة في الانتصار من أجل بقائهم أحياء علي ظهر البسيطة مثل " صخور جبال بلدنا أرمينية".
ومما هو بليغ الدلالة في هذا السياق أنه من أجل عرض هذه المسرحية لم يكن ثمة داع لعمل أي إعلان. ومسرحية فاتان هي العرض الوحيد الذي يذهب إليه الأرمن في جماعات كبيرة من تلقاء أنفسهم، وكانوا يصطحبون معهم الأطفال الصغار والأجداد الكبار. ويعد هذا العرض في الحقيقة عيدا قوميا .
أما القضايا الاجتماعية فقد سلطت الأضواء علي الصراع الطبقي داخل المجتمع الأرمني، نقد السلبيات في السلوك الاجتماعي، الحياة العاطفية والزوجية والروابط الأسرية، طموحات الحراك الاجتماعي. وفي هذا الخصوص لم تقتصر العروض علي استلهام موضوعاتها من حياة أرمن مصر فحسب، ولكنها أيضا استلهمت مادتها من الحياة الاجتماعية للأرمن في الآستانة والقوقاز وأسقطتها علي الواقع الاجتماعي الأرمني المصري.
ولاريب أن هذه الأعمال المسرحية كانت ترمي إلي محاولة تذويب الفوارق الطبقية بين الأرمن ودعوتهم إلي التلاحم والترابط الأسري وعدم الزواج من الأجنبيات حفاظا علي الكيان الأرمني من التمزق والذوبان.
ثمة قضايا أخري طرحها المسرح الأرمني تتمثل في تعريف الأرمن المصريين بثقافات وحضارات الشعوب المتباينة لاسيما الفرنسيين والأسبان والأمريكيين .
ولم تقف العروض المسرحية عند الأغراض الأيديولوجية آنفة الذكر ، بل تخطتها إلي أغراض وظيفية اجتماعية . فعلاوة علي البعد الترفيهي المهم ، قصدت أغلبية المؤسسات والجمعيات الاجتماعية الثقافية الأرمنية التي تزمت عروضا مسرحية توظيف إيرادتها في خدمة الفقراء والأيتام والمعوزين الأرمن سواء في مصر أم خارجها . كما خصص إيراد بعض العروض المسرحية لصالح مؤسسة بذاتها أو غرض بعينه.
وجدير بالذكر أن جميع المؤسسات والهيئات والجمعيات الطلابية والخيرية والاجتماعية والنسائية والرياضية والحزبية الأرمنية المصرية قد نظمت عروضا مسرحية . ولتحقيق جماهيرية أوسع ، ومن ثم إيرادات أكثر وضع الأرمن عروضهم المسرحية تحت رعاية إحدى الشخصيات العامة.
قدم الأرمن عروضهم المسرحية علي أهم وأفضل دور العرض المصرية . بلغ عدد المسارح " 10" مسارح بالقاهرة و"4" بالإسكندرية . أما مسارح العاصمة فهي: رمسيس ، ريتس( الريحاني)، الأزبكية وحديقته، برنتانيا ، كونكورديا ، الكورسال، فيردي، الأوبرا، كازينو حلوان ، آمباسادور، وفي الإسكندرية : الليسيه فرانسيه، الهمبرا، ، بيلفيدير ، يونيون أرتستيك فرنسيز. ويلاحظ تفوق المسرحيات الكوميدية علي نظيرتها التراجيدية بنسبة " 52.7% " مقابل " 47.3 % " .
أما لغة العروض المسرحية فقد مرت بمرحلتين : الأولي قبل عام 1915 حيث كانت لغة العروض خلالها هي التركية الغالب- والأرمنية أحيانا لاسيما الفرق الوافدة من الدولة العثمانية . ولذا لم يقتصر مشاهدوها علي الأرمن فقط ، بل ترد عليها العارفون باللغة التركية . الثانية بعد عام 1915 حيث صارت الأرمنية وحدها السيدة الوحيدة في العروض المسرحية. ومن ثم انحصر جهودها في الشعب الأرمني.
وضعت عروض الفرق الأرمنية المحترفة الزائرة حجر الأساس في بناء المسرح الأرمني المصري. وقد وفدت هذه الفرق من منبعين أساسيين : الآستانة والقوقاز مع بعض العناصر الفردية من أوروبا.
احتلت فرقة ( جود) سيروفبي بنجليان صدارة الفرق الوافدة من الآستانة . وقد ضمت هذه الفرقة أفضل العناصر الأدائية الفنية في المسرح الأرمني الغربي وتكونت من " 36" فنانا وفنانة تحت إدارة يغيازار ملكيان . وظلت الفرقة تتردد سنويا علي مصر منذ أوائل ثمانينات القرن التاسع عشر حتي عشية الحرب العالمية الأولي لتقديم عروضها المسرحية علي أهم مسارح العاصمة والثغر. ولما كانت التركية هي لغة هذه العروض، فقد جذبت إليها الجماهير الملمة بهذه اللغة.
أما الفرقة المسرحية الأرمنية القوقازية المحترفة، فقد وصلت مصر في منتصف ديسمبر 1907 ومكثت بها حتي أواخر يناير 1908 واستقبل المتفرجون الأرمن عروضها التي قدمت باللغة الأرمنية بترحاب شديد. وفي عام 1929 وفدت فرقة جوستانيان مع بعض العناصر المحلية. بيد أنها لم تلق نجاحا جماهيريا.
علاوة علي الفرق المحترفة الزائرة ، ثمة ممثلون أرمن محترفون جاءوا من القوقاز إلي مصر فرادي وشكلوا فرقا مسرحية مع بعض العناصر المحلية مثل هوفانيس آبيليان وهوفانيس ظريفيان . وبجانب هؤلاء اكتملت صورة المسرح الأرمني المصري بفرق الهواة وشبه المحترفين المكونة من العناصر الأرمنية المحلية: ليفون شيشمانيان، اونيج كالفيان الشهير ب أو فولتير، جرابيد جرابديان، وقد أسهموا بجهود ملحوظة في تنظيم الفرق المسرحية " هراتشيا" ، " بايلاك" ، " هاي بم" ، زفارت"...إلخ.
أسدل الستار علي الحياة المسرحية الأرمنية المصرية مؤقتا بسبب نشوب الحرب العالمية الأولي، ثم رفع الستار بعد انتهائها ، بيد أنها منذ ذلك الحين وسمت بالحزبية ودارت في فلك الصراعات السياسية الاجتماعية الأرمنية.
أثر تفكك العناصر العاملة في الحقل المسرحي الأرمني المصري سلبا علي تطوره بإطراد، فبينما كانت الحياة العامة تتقدم كان المسرح يتراجع باتباع الأساليب القديمة والبرامج التي انتهي عصرها . ووصف النقاد الحياة المسرحية بأنها لا تتماشي مع
التطور وأنها بعيدة عن الحياة المعاصرة بعشرات السنين. أكثر من هذا ذهبوا إلي أن المسرح الأرمني انحدر مستواه لدرجة أنه لم يعد هناك مسرح أرمني.
وبذا أقلقت الحالة المسرحية المتردية العاملين في الوسط المسرحي، ولذا قرروا في عام 1928 تأسيس" الفرقة المسرحية الأرمنية المصرية" (كوغتان) واختاروا أعضاءها من ممثلين ينوبون عن مختلف التوجهات السياسية- الاجتماعية الأرمنية- بيد أن المناجزات الحزبية السياسية بني الأرمن قد أجهضت " كوغتان" قبل ميلادها!. ومنذ نهاية ثلاثينات القرن العشرين حاولت المؤسسات الفنية إعادة تكوين المسرح الأرمني المصري. ولهذا الغرض أسست جمعيات " هامازكايين" و" محبي الفن الأرمني" و" يرجات" فرقا مسرحية بذات الأسماء . وصارت الحزبية تغلف العروض المسرحية وتحدد نجاحها . وبين الأربعينات والستينات احتكرت الجمعيات الثقافية الأرمنية المتعددة عالم المسرح الأرمني في مصر كما شكلت سائر المؤسسات الثقافية فرقا مسرحية خاصة بها ، وصارت كل مؤسسة قادرة علي بيع من " 100 إلي 150" تذكرة تعرض مسرحيات حتي من أعمال شكسبير.
ورغم أن النشاط المسرحي الظاهري، لم يسترد المسرح الأرمني مكانته المفقودة ففي سياق تشرذم العناصر الفنية وتشتتها بين دهاليز الأحزاب السياسية والتوجهات الأيديولوجية انخفض طبيعيا مستوي العروض المسرحية . ولكن الغلاف الحزبي أسكت النقد البناء.ومع ذلك يعد المسرح ميدانا ارتاده الأرمن المصريون ليكون أداة اتصال مع جذورهم الأرمنية في وطنهم الأم؛ الحفاظ علي اللغة الأرمنية ،إحياء تراثهم الثقافي، توثيق عري الروابط الاجتماعية خشية الذوبان في مجتمع الموطن الجديد، ولهذا يلاحظ اندفاع الأرمن إلي العروض المسرحية الأرمنية نصا وأداء وقضية.
ومما هو جدير بالتسجيل هنا أن أرمن مصر قد تعايشوا مسرحيا مع أرمينيتهم بحرية تامة في أهم وأفضل دور العرض المصرية دون أية قيود أو حتي مجرد تدخلات من الحكومات المصرية المتعاقبة. ولا زال المسرح الأرمني في مصر يواصل دوره المعنوي والتحفيزي. ولكن علي استحياء وبخطي ثقيلة.
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام ضبيع
آريف العدد 34 أكتوبر 2000
................
ثمة علامتان فارقتان تتعلقان بتأريخ المسرح الأرمني المصري. أولهما الدور الجوهري للأرمن في ترسيخ أسس المسرح العثماني بخاصة والأرمني بالأخص في الآستانة ، ثانيهما تأسيس دار الأوبرا المصرية التي أدت إلي تدفق الفرق المختلفة إلي مصر وضمنها الأرمنية ,ناهيك عن نمو الجالية الأرمنية في مصر منذ أواخر تسعينات القرن التاسع عشر أثر نزوح موجات متتالية من الأرمن الناجين والفارين من مذابح الحكومة العثمانية ضدهم.
تشكل المسرح الأرمني المصري من رافدين أساسيين هما : الفرق الأرمنية المحترفة الزائرة من خارج مصر وفرق الهواة وأشباه المحترفين التي تكونت من أرمن مصر.
قدم المسرحيون الأرمن عروضا متباينة لمجموعتين رئيسيتين من المؤلفين : أولاهما أرمنية وثانيتهما أجنبية.
بالنسبة للمؤلفين الأرمن، نجد أنهم ينتمون إلي المسرح الأرمني بفرعيه الشرقي والغربي . وقد قدمت أعمالهم علي المسارح المختلفة بالمناطق التي تشهد تجمعات أرمنية . منهم علي سبيل المثال لا الحصر : توماس ترزيان ( 1838- 1939 ) وعملاه " أرشاج الثاني" و" القديسة سانتوخد" ، هاجوب بارونيان ( 1843 1892 ) ومسرحياته " طبيب الأسنان الشرقي "، " البكاش" ، " المتسولون الشرفاء"، " الأخ بغداسار"، ، ليفون شانط ( 1869 1951 ) ومسرحيتاه " أميرة القلعة الساقطة" و" الآلهة القديمة" ن هاجوب ملك هاجوبيان الشهير برافي ( 1835- 1888 ) ومسرحياته " صموئيل " و" الشرارة" و" الملوك الخمس" و"دافيت بك" و" المجنونة" .
ومن المؤلفين الأرمن أيضا : أفيديس أهارونيان ( 1866- 1948) ومسرحيته " وادي الدموع " ، يرفانت أوديان ( 1869 1926 ) ومسرحياته " تشارتشله آرتين أغا" و " فارتان ماميجونيان " و" المسكين" . وكذا آفيديك ساهاجيان ( 1875 1957 ) ومسرحيته " أبو العلاء المعري" ،هوفانيس طومانيان ( 1869 1924 ) وعملاه " في البلد " و" احتلال القلعة".و فضلا عن هؤلاء ثمة الكاتب شيرفانزاده ومسرحياته " من أجل الشرف" و" آرمينوهي " و" روح الشر".
أما المؤلفون الأجانب ، يمكن تصنيف العروض المسرحية التي قدمها الأرمن إلي نوعين:
أولا : أعمال مسرحية قدمها الأرمن دون تدخل منهم مثل كلاسيكيات شكسبير الخالدة " عطيل" و" هاملت" و" تاجر البندقية" ، وأعمال فيكتور هوجو مثل " البؤساء" و" ريجوليتو" ، وروايات دستويفسكي مثل " الجريمة والعقاب" و" قضاء الله علي العالم".
ثانيا : أعمال مؤرمنة من تأليف كتاب أجانب ، ثم حولها أرمن من عالم مؤلفيها لتناسب العالم الأرمني. في هذا الصدد تأرمنت مسرحيات الكاتب الأمريكي شيلدوين " رومانوس" ، والمؤلف الإيطالي جياكوميتي " الأب القاتل" ، والمسرحي الروسي تشيخوف " طلب للزواج" .
بيد ان المؤلفين الفرنسيين قد شكلوا الأغلبية في الأعمال المسرحية المؤرمنة خاصة مسرحية " الأطرشان " لموليير التي تأرمنت إلي " تاتيوس وجيراجوس" ، ومسرحيات الكتاب ميشيل زيفاجو" الشقيقان"، شارل ميديه" المغامرة"، باردو " مدام سان جين" عن حياة نابليون بونابرت.
دارت القضايا التي طرحها المسرح الأرمني المصري حول المحاور التالية : تاريخي ، اجتماعي، ثقافي.
ركزت القضايا التاريخية علي الفترات الحاسمة في تاريخ الشعب الأرمني خاصة التحول من الوثنية إلي المسيحية وما صاحب ذلك من اضطهادات ، كفاح الشعب الأرمني من أجل إلقاء وإثبات الذات، حركات التحرر الأرمني ضد المستعمر ، الإبادة العرقية عام 1915...إلخ .
وابتغت هذه الأعمال" تذكير" الأرمن المصريين وربطهم بتاريخهم وبيان مدي ما لاقاه الأجداد في سبيل الحفاظ علي الأرض والهوية. وبذا كان التاريخ وسيلة من وسائل تعميق الجذور وترسيخ الهوية الأرمنية.
وف هذا الميدان تعد مسرحية " حرب فارتان" من ألمع صفحات تاريخ المسرح الأرمني المصري.إذ كان الأرمن يستلهمون منها في أوقات نكباتهم وفي مهاجرهم تضميد جراحهم وتعبئة روحهم بالوطنية وشحذ هممهم بالرغبة في الانتصار من أجل بقائهم أحياء علي ظهر البسيطة مثل " صخور جبال بلدنا أرمينية".
ومما هو بليغ الدلالة في هذا السياق أنه من أجل عرض هذه المسرحية لم يكن ثمة داع لعمل أي إعلان. ومسرحية فاتان هي العرض الوحيد الذي يذهب إليه الأرمن في جماعات كبيرة من تلقاء أنفسهم، وكانوا يصطحبون معهم الأطفال الصغار والأجداد الكبار. ويعد هذا العرض في الحقيقة عيدا قوميا .
أما القضايا الاجتماعية فقد سلطت الأضواء علي الصراع الطبقي داخل المجتمع الأرمني، نقد السلبيات في السلوك الاجتماعي، الحياة العاطفية والزوجية والروابط الأسرية، طموحات الحراك الاجتماعي. وفي هذا الخصوص لم تقتصر العروض علي استلهام موضوعاتها من حياة أرمن مصر فحسب، ولكنها أيضا استلهمت مادتها من الحياة الاجتماعية للأرمن في الآستانة والقوقاز وأسقطتها علي الواقع الاجتماعي الأرمني المصري.
ولاريب أن هذه الأعمال المسرحية كانت ترمي إلي محاولة تذويب الفوارق الطبقية بين الأرمن ودعوتهم إلي التلاحم والترابط الأسري وعدم الزواج من الأجنبيات حفاظا علي الكيان الأرمني من التمزق والذوبان.
ثمة قضايا أخري طرحها المسرح الأرمني تتمثل في تعريف الأرمن المصريين بثقافات وحضارات الشعوب المتباينة لاسيما الفرنسيين والأسبان والأمريكيين .
ولم تقف العروض المسرحية عند الأغراض الأيديولوجية آنفة الذكر ، بل تخطتها إلي أغراض وظيفية اجتماعية . فعلاوة علي البعد الترفيهي المهم ، قصدت أغلبية المؤسسات والجمعيات الاجتماعية الثقافية الأرمنية التي تزمت عروضا مسرحية توظيف إيرادتها في خدمة الفقراء والأيتام والمعوزين الأرمن سواء في مصر أم خارجها . كما خصص إيراد بعض العروض المسرحية لصالح مؤسسة بذاتها أو غرض بعينه.
وجدير بالذكر أن جميع المؤسسات والهيئات والجمعيات الطلابية والخيرية والاجتماعية والنسائية والرياضية والحزبية الأرمنية المصرية قد نظمت عروضا مسرحية . ولتحقيق جماهيرية أوسع ، ومن ثم إيرادات أكثر وضع الأرمن عروضهم المسرحية تحت رعاية إحدى الشخصيات العامة.
قدم الأرمن عروضهم المسرحية علي أهم وأفضل دور العرض المصرية . بلغ عدد المسارح " 10" مسارح بالقاهرة و"4" بالإسكندرية . أما مسارح العاصمة فهي: رمسيس ، ريتس( الريحاني)، الأزبكية وحديقته، برنتانيا ، كونكورديا ، الكورسال، فيردي، الأوبرا، كازينو حلوان ، آمباسادور، وفي الإسكندرية : الليسيه فرانسيه، الهمبرا، ، بيلفيدير ، يونيون أرتستيك فرنسيز. ويلاحظ تفوق المسرحيات الكوميدية علي نظيرتها التراجيدية بنسبة " 52.7% " مقابل " 47.3 % " .
أما لغة العروض المسرحية فقد مرت بمرحلتين : الأولي قبل عام 1915 حيث كانت لغة العروض خلالها هي التركية الغالب- والأرمنية أحيانا لاسيما الفرق الوافدة من الدولة العثمانية . ولذا لم يقتصر مشاهدوها علي الأرمن فقط ، بل ترد عليها العارفون باللغة التركية . الثانية بعد عام 1915 حيث صارت الأرمنية وحدها السيدة الوحيدة في العروض المسرحية. ومن ثم انحصر جهودها في الشعب الأرمني.
وضعت عروض الفرق الأرمنية المحترفة الزائرة حجر الأساس في بناء المسرح الأرمني المصري. وقد وفدت هذه الفرق من منبعين أساسيين : الآستانة والقوقاز مع بعض العناصر الفردية من أوروبا.
احتلت فرقة ( جود) سيروفبي بنجليان صدارة الفرق الوافدة من الآستانة . وقد ضمت هذه الفرقة أفضل العناصر الأدائية الفنية في المسرح الأرمني الغربي وتكونت من " 36" فنانا وفنانة تحت إدارة يغيازار ملكيان . وظلت الفرقة تتردد سنويا علي مصر منذ أوائل ثمانينات القرن التاسع عشر حتي عشية الحرب العالمية الأولي لتقديم عروضها المسرحية علي أهم مسارح العاصمة والثغر. ولما كانت التركية هي لغة هذه العروض، فقد جذبت إليها الجماهير الملمة بهذه اللغة.
أما الفرقة المسرحية الأرمنية القوقازية المحترفة، فقد وصلت مصر في منتصف ديسمبر 1907 ومكثت بها حتي أواخر يناير 1908 واستقبل المتفرجون الأرمن عروضها التي قدمت باللغة الأرمنية بترحاب شديد. وفي عام 1929 وفدت فرقة جوستانيان مع بعض العناصر المحلية. بيد أنها لم تلق نجاحا جماهيريا.
علاوة علي الفرق المحترفة الزائرة ، ثمة ممثلون أرمن محترفون جاءوا من القوقاز إلي مصر فرادي وشكلوا فرقا مسرحية مع بعض العناصر المحلية مثل هوفانيس آبيليان وهوفانيس ظريفيان . وبجانب هؤلاء اكتملت صورة المسرح الأرمني المصري بفرق الهواة وشبه المحترفين المكونة من العناصر الأرمنية المحلية: ليفون شيشمانيان، اونيج كالفيان الشهير ب أو فولتير، جرابيد جرابديان، وقد أسهموا بجهود ملحوظة في تنظيم الفرق المسرحية " هراتشيا" ، " بايلاك" ، " هاي بم" ، زفارت"...إلخ.
أسدل الستار علي الحياة المسرحية الأرمنية المصرية مؤقتا بسبب نشوب الحرب العالمية الأولي، ثم رفع الستار بعد انتهائها ، بيد أنها منذ ذلك الحين وسمت بالحزبية ودارت في فلك الصراعات السياسية الاجتماعية الأرمنية.
أثر تفكك العناصر العاملة في الحقل المسرحي الأرمني المصري سلبا علي تطوره بإطراد، فبينما كانت الحياة العامة تتقدم كان المسرح يتراجع باتباع الأساليب القديمة والبرامج التي انتهي عصرها . ووصف النقاد الحياة المسرحية بأنها لا تتماشي مع
التطور وأنها بعيدة عن الحياة المعاصرة بعشرات السنين. أكثر من هذا ذهبوا إلي أن المسرح الأرمني انحدر مستواه لدرجة أنه لم يعد هناك مسرح أرمني.
وبذا أقلقت الحالة المسرحية المتردية العاملين في الوسط المسرحي، ولذا قرروا في عام 1928 تأسيس" الفرقة المسرحية الأرمنية المصرية" (كوغتان) واختاروا أعضاءها من ممثلين ينوبون عن مختلف التوجهات السياسية- الاجتماعية الأرمنية- بيد أن المناجزات الحزبية السياسية بني الأرمن قد أجهضت " كوغتان" قبل ميلادها!. ومنذ نهاية ثلاثينات القرن العشرين حاولت المؤسسات الفنية إعادة تكوين المسرح الأرمني المصري. ولهذا الغرض أسست جمعيات " هامازكايين" و" محبي الفن الأرمني" و" يرجات" فرقا مسرحية بذات الأسماء . وصارت الحزبية تغلف العروض المسرحية وتحدد نجاحها . وبين الأربعينات والستينات احتكرت الجمعيات الثقافية الأرمنية المتعددة عالم المسرح الأرمني في مصر كما شكلت سائر المؤسسات الثقافية فرقا مسرحية خاصة بها ، وصارت كل مؤسسة قادرة علي بيع من " 100 إلي 150" تذكرة تعرض مسرحيات حتي من أعمال شكسبير.
ورغم أن النشاط المسرحي الظاهري، لم يسترد المسرح الأرمني مكانته المفقودة ففي سياق تشرذم العناصر الفنية وتشتتها بين دهاليز الأحزاب السياسية والتوجهات الأيديولوجية انخفض طبيعيا مستوي العروض المسرحية . ولكن الغلاف الحزبي أسكت النقد البناء.ومع ذلك يعد المسرح ميدانا ارتاده الأرمن المصريون ليكون أداة اتصال مع جذورهم الأرمنية في وطنهم الأم؛ الحفاظ علي اللغة الأرمنية ،إحياء تراثهم الثقافي، توثيق عري الروابط الاجتماعية خشية الذوبان في مجتمع الموطن الجديد، ولهذا يلاحظ اندفاع الأرمن إلي العروض المسرحية الأرمنية نصا وأداء وقضية.
ومما هو جدير بالتسجيل هنا أن أرمن مصر قد تعايشوا مسرحيا مع أرمينيتهم بحرية تامة في أهم وأفضل دور العرض المصرية دون أية قيود أو حتي مجرد تدخلات من الحكومات المصرية المتعاقبة. ولا زال المسرح الأرمني في مصر يواصل دوره المعنوي والتحفيزي. ولكن علي استحياء وبخطي ثقيلة.