هل المبدعين هم الأذكياء فقط ؟
هل المبدعين هم الأذكياء فقط ؟
شاهدت في أحد الأيام موقفا في السوق لرجل مع زوجته وأولاده وكان ينهر ويزمجر وكأنه في منزله لايحسب حسابا للناظرين فقد انهال على زوجته سبا وشتما لمجرد أنها تأخرت وهي تنظر لبضاعة كانت معروضة في احد المحلات ثم أنه ضرب ابنته وأمسك بشعرها وهو يسير وكانت تقريبا في الخامسة أو السادسة من العمر وبيده الأخرى ضرب ولده عدة مرات في رأسه وهو ينعته بالغبي وكأنه ما ذهب إلى السوق إلا لكي يستعرض عضلاته على هؤلاء الضعفاء .
جلست أفكر في هذه الزوجة وكيف تستطيع أن تربي جيل المستقبل وكيف ستعدهم وهي تعامل بهذا الشكل وعلى الملأ.
وكيف سينشأ هؤلاء الأبناء وتلك المعاملة القاسية والقمع أمام الملأ فكيف في المنزل وبعيدا عن عيون الناس، ثم تساءلت هل هذا الطفل غبي فعلا وتلك المعاملة هل ستترك مكانا للإبداع أم إنه سيقضي عليه وينشيء جيلا مريضا متمردا إتكاليا ضعيفا تابعا تمتلكه العقد النفسية .
فكرت في أمتي الغالية أمة الإسلام وفي مجتمعي الحبيب وكيف نستطيع أن نعود بالأمجاد وليس البكاء على الأطلال ..وتساءلت:
هل الأذكياء هم المبدعون فقط؟
الطفل يولد ذكيا ومبدعا ولكن ربما تحكمه ظروف معينة تقتل هذا الإبداع إما من الأهل أو من المحيطين به أو أثناء الدراسة والنمو وسن المراهقة.
عندما يكون الطفل في بداياته كثير الحركة يدعونه بالشقي ويجبرونه على الجلوس والتزام الهدوء ولا يسمح له بالتجربة والممارسة خوفا عليه،وربما يصرخ عليه الكبار مما يجعل الخوف يسكن قلبه فقد أثبتت الدراسات أن وقع الصراخ على الطفل أشد من وقع الضرب .
وربما كان الطفل كثير التساؤلات فيقمع ويطلب منه الصمت والابتعاد ولا يسمح له بإبداء رأيه ودائما ما تسبق كلمة لا.. إي فهم لرغبات الطفل ، أو عندما يبكي الطفل يزجر ويقال له كن رجلا الرجل لا يبكي وكأن الرجولة مرتبطة بالدموع فيكبر وهو يعاني من خلل ولا يستطيع التعبير عن عواطفه أو إخراجها مما قد يولد عقدا نفسية لديه .
ثم ربما يضرب الطفل لأي سبب مهما كان تافها فيصبح الضرب شيئا عاديا يجعله ضعيفا لا يمتلك الشخصية المقاومة ولا يعترض لو ضرب من أي شخص آخر أو ربما أصبح عدوانيا يجعل انتقامه ممن يضربه في ضرب الآخرين والاعتداء على من هم أضعف منه كالنساء أو من هم أصغر منه كالأطفال الصغار وإيذاء الجيران ،أو تخريب المنشئات والسيارات.
وحتى عندما يريد الطفل أن يشتري ألعابا فيختارها له ذووه ولا يتركون له الحرية في انتقائها ثم يحذر من كسرها أو إتلافها .
وحتى عند تواجد الطفل في مجتمع الكبار قد يقمع ويطلب منه الصمت أو أن يؤنب أمام الناس باستمرار مما يجعله يتوارى عن الأعين فينشأ خجولا منطويا لا يستطيع التخاطب مع الآخرين
و ليس الحال بأفضل من ذلك في المدرسة فنادرا ما نجد معلما يهتم بإبداع الطلاب .
ثم تأتي المراحل المتقدمة عندما يبدأ بالدراسة يوجه لما يفضله الأهل وليس لما يرغب به الطالب وحتى في مجال العمل والوظيفة تجد الأهل هم من تكون لهم الكلمة في مجال عمله فمع مرور الوقت ومضي سنوات العمر يفقد الشخص إبداعه شيئا فشيئا فيصبح شخصية مهزوزة تبحث عن حضارات الآخرين وتقليدهم وربما الشعور بالفراغ .
إذا فبيئتنا من أسباب قمع الإبداع ..كيف؟
تتهم التيارات الدينية أحيانا بالقسوة على الإبداع وتقتصر في أن يكون الإبداع في التعاليم الإسلامية المثالية والتمحور حولها أما الإبداعات الأخرى فتقفل عليها أفكارها .
وتتهم القبلية أحيانا بالحجر على الإبداع بحجة العيب والمثالية والفوقية .
وتتهم الأسرة أيضا بقمع الإبداع بالبحث عن المستوى التعليمي والوظيفة المثالية والنظر إلى الآخرين ومقارنة الأبناء بأبناء الآخرين .
إذا هل نستطيع أن نقول إن أغبياء اليوم هم مبدعين الأمس ؟
وهل القمع يقتل الإبداع ؟
وهل القمع يولد الإبداع أحيانا؟
ربما يستطيع الشخص أن يصل إلى الإبداع بعد مرور سنوات طويلة فيتغلب على قمعه السابق وعقده الماضية .
عندما أساعد طفلي أن يكون مبدعا وأنت تفعل ذلك والجميع يهتم باحتواء الطفل وفكره وتقبله سيكون المجتمع كله مبدعا مفكرا خاليا من العقد والخلل ويصبح المجتمع راقيا في التعامل متعاونا كما هو المجتمع المسلم الصحيح ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فلو أخذنا دروسه الفاضلة في التربية والتعليم والتواضع والكرامة لكنا أفضل الأمم الحاضرة كما كنا أفضل الأمم السابقة
فلقد وجهنا صلى الله عليه وسلم بتربية الأبناء بالعطف عليهم وتعليمهم بدون قسوة فكان أرحم الناس بالطفل فلم يكن يوما زاجرا أو ناهرا أو ضاربا بل إنه لم يستهين يوما بقدرة طفل أو مراهق أو شاب يافع فقد سلم عليه الصلاة والسلام أسامة قيادة الجيش وهو شاب يافع لو كنا في زمننا هذا ماولوه هذا المنصب ولقمعوه وأسمعوه مالا يحب .
لذلك كان هناك في ذلك الزمن عدد المبدعين يفوق غيرهم بكثير ولذلك فرش الإسلام أجنحته على مشارق الأرض ومغاربها حتى بدأ الناس بالتخلي عن القدوة الحسنه وإبداعاته وتعاليمه في التربية والتوجيه فضاعت إبداعاتهم وأصبحوا شعوبا متسلقة تلهث وراء حضارات الغير وتنعي حضاراتها.
في الدول المتقدمة يكون الإبداع مادة في مناهجهم الدراسية لذلك تجدهم قد تقدموا في الصناعة والاختراع ، وتجد دولنا دول تستهلك وتستعمل هذه الاختراعات بدون التفكير في طريقة التصنيع أو كيفية الاختراع .
هذا ماتفتقت عنه أفكاري المتواضعة وأرجو منكم مشاركتي ووضع آرائكم ومناقشة الموضوع وإكمال مافاتني وعجزت عن إدراكه شاكر لكم وقتكم الثمين
للأمانة منقول