ما حكم الأذكار الجماعية والدعاء على المقابر؟
أهلي وإخواني الكرام.. أيام الاعتكاف كان معنا في المسجد بعضٌ ممن يحملون الفكر السلفي، وأثاروا بعض القضايا التي جذبت البعض من شبابنا؛ شباب الجامعة، وأردنا من سيادتكم أن تردوا علينا بالأدلة من الكتاب والسنة على الأحكام التالية:
1- الدعاء جهرًا على المقابر والناس تؤمِّن.
2- الأذكار الجماعية في أذكار الصباح والمساء.
3- اللحية والنقاب وتقصير الثوب.
أرجو سرعة الرد؛ كي نعرف ديننا، ونرد على من يتهموننا بالابتداع، وكي نحافظ به على أفراد الصف، وخاصة الشباب الصغير المتحمس؛ شباب الجامعة، وفي النهاية لو تنصحوننا بقراءة كتب تتحدث عن هذه المواضيع المثارة باستمرار والمثيرة لشبابنا.. وجزاكم الله عنا خيرًا؟
حمدًا لله تعالى، وصلاة وسلامًا على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد؛
فإن الإجابة عن هذه الأسئلة تحكمها قواعد عامة ينبغي ذكرها قبل الدخول في التفاصيل.
أولاً: ليس كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، يكون فعله اليوم حرامًا؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام، قد ورد عنه أنه لم يأكل على خوان- أي شيء مرتفع- قَط. كما روى أنس بن مالك أنه قال: (ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان، ولا أكل خبزًا مرققًا حتى مات)، قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث سعيد بن أبي عروب، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأكل على شيء مرتفع، ولم يأكل الخبز المرقق المنخول، ولكنه لم ينه عن الأكل على شيء مرتفع، ولم ينه عن الأكل من الخبز المرقق؛ ولذا فإن الناس يأكلون على الطاولة- ترابيزة السفرة- ويأكلون الخبز المرقق الأبيض، ولا حرج في ذلك.
ثانيًا: ليس هناك دليل يسمى: لم يرد، كما اعتاد البعض أن يقول هذا؛ ولكن الدليل يكون بورود أمر، أو نهي، فإذا لم يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا من الأمور، ولم ينه عنه؛ فإن هذا الأمر، يكون فعله جائزًا، فهناك بعض الأطعمة لم يأكلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها أُكلت على مائدته، أو في زمانه، ولم ينكر على فاعلها ذلك.
ثالثًا: أن أي مسألة خلافية، لا يجوز الإنكار فيها على أحد مخالف، فلا إنكار في الخلافيات، وذلك كما نصت على ذلك القاعدة الفقهية.
رابعًا: أن أي مسألة خلافية، تخرج عن كونها فريضةً، فليست هناك فريضة مختلف فيها، حيث إن الفرض لا يكون إلا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، والمختلف فيه تكون أدلته قطعية الثبوت ظنية الدلالة، أو ظنية الثبوت، ظنية الدلالة.
ومن هنا؛ فإننا سوف نتعرض للنقاط الواردة في السؤال، كي نطبق عليها هذه القواعد.
حكم الجهر بالدعاء على المقابر مع تأمين الناس عليه:
أ- سنية إلقاء الموعظة على القبر- صنف الإمام البخاري (بَاب مَوْعِظَة الْمُحْدِث عِنْد الْقَبْر وَقُعُود أَصْحَابه حَوْله)، ثم ساق حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ؛ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مَنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؛ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسِّرُونَ لَعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسِّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ ?فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)? (الليل)".
- وعن البراء رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال "يا إخواني لمثل هذا فأعدوا" (رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وصححه الحاكم والذهبي).
- وروى الإمام أحمد بإسناد رواته محتج بهم في الصحيح عن البراء بن عازب، يقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد، قال: فقعدنا حول النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثًا، ثم قال: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر"، ثم قال "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه؛ كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة- إلى-.... من أنت فوجهك الوجه القبيح يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة".
- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ؛ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ، فَأَقْعَدَهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؛ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ صَدَقْتَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ؛ فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْه،ِ فَيَقُولُ لَهُ اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَيَقُولَ لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَيَقُولُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ وَلا اهْتَدَيْتَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ"، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ?يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ? (إبراهيم: من الآية 27).
- وفي صحيح مسلم عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِط لِبَنِي النَّجَّار عَلَى بَغْلَة لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيه، وَإِذَا أَقْبُر سِتَّة أَوْ خَمْسَة أَوْ أَرْبَعَة فَقَالَ: "مَنْ يَعْرِف أَصْحَاب هَذِهِ الأَقْبُر؟" فَقَالَ رَجُل أَنَا. فَقَالَ: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟" قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاك، فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّة تُبْتَلَى فِي قُبُورهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعكُمْ عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أَسْمَع مِنْهُ"، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار". فَقَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر"، قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"، قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال"، قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال.
ب- حكم الدعاء للميت على المقبرة:
معلوم أن الميت كالغريق المتغوث، ينتظر دعوة من الأحياء، ومن ثم شُرعت صلاة الجنازة وهي جُلها دعاء، وشُرع الدعاء على القبر، والعجب كل العجب ممن يمنع شيئًا أمر به النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له بالتثبيت فإنه الآن يُسأل") (رواه أبو داود، وقال: حديث صحيح).
- وما ذكر عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه أمر أهله أن يقيموا عنده إذا دفنوه قدر ما تنحر جزور قال: لعلي أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي يعني الملائكة، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، أما هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هدي غيره، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقف أو يجلس عند القبر بعد الدفن قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها، ولم يأمر أصحابه بذلك غاية ما هنالك أنه أمرهم أن يقفوا على القبر ويستغفروا لصاحبه، ويسألوا له التثبيت فقط هذا هو السنة ثم ينصرف الناس.
- قال الشافعي: قد بلغني عن بعض من مضى أنه أمر أن يقعد عند قبره إذا دفن قدر ما يجزر جزور، وهذا أحسن ولم أر الناس عندنا يصنعونه.
- المهم أن من السنة إذن المكث قليلاً عند القبر بعد الدفن والدعاء للميت وسؤال الله له التثبيت، ولم يذكر الحديث طريقة الدعاء هل هو فردي أم جماعي فمن أين جاء التخصيص، والتخصيص لا يكون إلا بنص. فالوارد الأمر بالدعاء للميت من جميع الحاضرين كما دلت على ذلك الأحاديث، ولم يرد نهي عن الدعاء بصورة جماعية؛ حيث لم يرد ما يدل على ذلك، فكان الأمر جائزًا؛ وإذا كانت هذه المسألة قد ورد فيها أكثر من رأي، فلماذا يكون إلزام الناس برأي واحد، وعلى كل معتقد لرأي ومرجح له، العمل بما ترجح عنده، وليس له إلزام غيره بما ترجح عنده، وهذا من القواعد الشرعية المعمول به عند الفقهاء.
- وعن هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ شَهِدَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ فَأَظْهَرُوا الاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَنَسٌ، قَالَ هُشَيْمٌ قَالَ خَالِدٌ فِي حَدِيثِهِ وَأَدْخَلُوهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ. وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً: إِنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ فَشَهِدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَظْهَرُوا لَهُ الاسْتِغْفَارَ.
- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ (حَضَرْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَلَمَّا وَضَعَهَا فِي اللَّحْدِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا أُخِذَ فِي تَسْوِيَةِ اللَّبِنِ عَلَى اللَّحْدِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَجِرْهَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ جَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهَا، وَصَعِّدْ رُوحَهَا، وَلَقِّهَا مِنْكَ رِضْوَانًا، قُلْتُ يَا ابْنَ عُمَرَ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَمْ قُلْتَهُ بِرَأْيِكَ؟ قَالَ إِنِّي إِذًا لَقَادِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بَلْ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (رواه ابن ماجه).
وفي مصنف عبد الرزاق (باب الدعاء للميت حين يفرغ منه)
- عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة يقول: رأيت ابن عباس لما فرغوا من قبر عبد الله بن السائب والناس معه، قام ابن عباس فوقف عليه، ودعا له قال: أسمعت من قوله شيئًا، قال: لا.
- عن ابن جريج قال: أخبرني أبو بكر عن غير واحد منهم من أهل بلدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قبر سعد بن معاذ حين فرغ منه، فدعا له، وصلى عليه، فمن هنالك أخذ ذلك.
- عن أيوب قال: وقف ابن المنكدر على قبر بعد أن فرغ منه فقال: اللهم ثبته، هو الآن يسأل.
- عن أبي مدرك الأشجعي أن عمر إذا سوى على الميت قبره قال: اللهم أسلمه إليك والأهل والمال والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له.
- عن عمير بن سعيد قال: كبر علي على يزيد بن المكفف أربعًا، وجلس على القبر وهو يدفن، قال: اللهم عبدك، وولد عبدك، نزل بك اليوم وأنت خير منزول به، اللهم وسع له في مدخله، واغفر له ذنبه، فإنا لا نعلم (منه) إلا خيرًا وأنت أعلم به.
- عبد الرزاق قال: بلغني أن ابن عباس حين فرغ من دفن ميمونة، وقف على القبر؛ فدعا ساعة ثم انصرف.
ج- سُنية الدعاء الجماعي... الأصل في ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ "بَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِط لِبَنِي النَّجَّار عَلَى بَغْلَة لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيه، وَإِذَا أَقْبُر سِتَّة أَوْ خَمْسَة أَوْ أَرْبَعَة فَقَالَ: "مَنْ يَعْرِف أَصْحَاب هَذِهِ الأَقْبُر؟" فَقَالَ رَجُل أَنَا. فَقَالَ: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟" قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاك، فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّة تُبْتَلَى فِي قُبُورهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعكُمْ عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أَسْمَع مِنْهُ"، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار". فَقَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر". قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ". قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال". قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال.
المسألة الثانية: في حكم الذكر الجماعي:
فإنه قد وردت عدة نصوص صحيحة، تشير إلى الحث على الذكر الجماعي، وفضله، ومن ذلك ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما جلس قوم مجلسًا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده". وورد عن أبي هريرة بلفظ.... "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة..... والباقي مثله. (وهو طرف من حديث رواه مسلم وغيره وهو في صحيح أبي داود 1308).
وقد ورد أيضًا عن أبي سعيد قال خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آالله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آالله ما أجلسنا غيره، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم هاهنا؟" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، قال: "آالله ما أجلسكم إلا ذلك؟" قالوا: آالله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل، فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" (رواه مسلم).
ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن كتاب الناس يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر؛ فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجاتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي فيقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول هل رأوني فيقولون لا والله ما رأوك، فيقول كيف لو رأوني؟ فيقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادةً وأشد لك تمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا؛ فيقول فما يسألوني؟ فيقولون يسألونك الجنة فيقول وهل رأوها فيقولون لا والله يا رب ما رأوها، فيقول فكيف لو أنهم رأوها؟ فيقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبةً، قال فممَ يتعوذون؟ فيقولون من النار فيقول الله هل رأوها؟ فيقولون لا والله يا رب ما رأوها فيقول فكيف لو رأوها؟ فيقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، فيقول هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
ومن ذلك ما ورد في الحديث القدسي: يقول الله: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه".
ومن خلال هذه الأحاديث، نلاحظ، أن الذكر قد تم في جماعة، ولم تبن النصوص أن الذكر قد وقع بصوت مرتفع، أم بصوت منخفض، ولم يرد أي نص يفيد أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذكر الجماعي بأي شكل من الأشكال، وبناء على هذا وعلى ما ذكرناه من القواعد السابقة، فإن الذكر في جماعة يكون جائزًا ما دامت الأذكار مشروعة، وعلى المخالف أن يأتي بالنصوص التي تفيد النهي عن الذكر الجماعي؛ حيث إنه لا منع إلا بنص.
المسألة الثالثة: في حكم اللحية:
هذه المسألة قد وردت فيها فتاوى كثيرة لفقهاء أجلاء، مدعمةً بالدليل والحجج القوية، أسوق بعضها؛ ومن ذلك ما ورد للشيخ جاد الحق شيخ الأزهر- رحمه الله تعالى-.
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله تعالى:
من المسائل الفقهية الفرعيَّة: موضوع اللحية، حيث تَكاثر الخلاف حولها بين الإعْفاء والحلْق، حتى اتَّخذ بعض الناس إعفاء اللحية شعارًا يُعرف به المؤمن من غيره.
والحق أن الفقهاء اتفقوا على أن إعفاء اللحية، وعدم حلْقها مأثور عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد كانت له لِحيةٌ يُعنَى بتنظيفها وتخليلها، وتمشيطها، وتهذيبها لتكون متناسبةً مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.
وقد تابع الصحابة- رضوان الله عليهم- الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيما كان يفعله وما يختاره.
وقد وردت أحاديثُ نبوية شريفة تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء..
وممَّا اتفق الفقهاء عليه- أيضًا- أن إعْفاء اللحية مَطلوب، لكنهم اختلفوا في تكييف هذا الإعفاء، هل يكون من الواجبات أو مِن المندوبات، وقد اختار فريق منهم الوجوب، وأقوى ما تمسَّكوا به ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب".
وما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "احْفُوا الشوارِبَ واعْفُوا اللِّحَى". حيث قالوا: إن توفيرها مأمور به، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب إلا لصارفٍ يَصْرِفُهُ عنه، ولا يُوجد هذا الصارف، كما أن مُخالفة المشركين واجبةٌ، والنتيجة أن توفير اللحْية، أيْ: إعفاءها واجبٌ.
قال الإمام النووي في شرحه حديث: "احْفُوا الشوارب واعْفوا اللِّحَى": إنه وردت رواياتٌ خمسٌ في ترْك اللحْية، وكلها على اختلافها في ألفاظها تدلُّ على ترْكها على حالها...
وممَّا رَتَّبُوه على القول بوُجوب إعفاء اللحية: ما نقله ابن قدامة الحنبلي في المُغني: أن الدية تجب في شَعْر اللحية عند أحمد، وأبي حنيفة والثوري، وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة عدْلٍ، وهذا يُشير إلى أن الفقهاء قد اعتبروا إتلاف شَعر اللحية حتى لا يَنبت جِنايةٌ من الجنايات التي تَستوجب المُساءلة: إما الدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثوري، أو دِية يُقدرها الخبراء كما قال الإمامان: مالك والشافعي.
وذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر، وقد استندوا في ذلك إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "عشْرٌ مِن الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحْية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظفار، وغسْل البراجِم (البراجم: مَفاصل الأصابع من ظهر الكف) ونَتْفُ الإبِط، وحلْق العانَة، وانتقاص الماء (أي الاستنجاء)". قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المَضمضة.
حيث أفاد الحديث أن إعفاء اللحية من السُنَن والمَندوبات المَرغوب فيها إذ كل ما نصَّ عليه من السُنَن العادية.
وقد عقَّب القائلون بوُجوب إعفاء اللحية- على القائلين بأنه مِن سُنَنِ الإسلام ومَندوباته- بأن إعفاء اللحية جاء فيه نصٌّ خاصٌّ، أخرجها عن الندْب إلى الوُجوب، وهو الحديث المذكور سابقًا "خالِفوا المُشركين..".
وردَّ أصحاب الرأي القائل بالسُنَّة والندْب بأن الأمر بمُخالفة المُشركين لا يتعيَّن أن يكون للوُجوب، فلو كانت كلُّ مُخالفةٍ لهم مُحتَّمة لتحتَّم صبْغ الشعر الذي وَرَدَ فيه حديث الجماعة: "إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم" (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي)، مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر في فتح الباري، وعزَّزوا رأيهم بما جاء في كتاب نهج البلاغة: سُئل عليٌّ- كرَّم الله وجهه- عن قول الرسول- صلى الله عليه وسلم: "غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود". فقال: إنما قال النبي ذلك والدِّينُ قُلٌّ، فأما الآن وقد اتَّسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما يَختار..
مِن أجل هذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحْية ما قيل في الصبْغ مِن عدم الخُروج على عرف أهل البلد لكان أولَى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها لظُروف الشخص وتقديره لمَا كان في ذلك بأس.
وقد قيل لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة- وقد رُؤي لابسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفيْن بمَسامير- إن فلانًا وفلانًا من العلماء كرِهَا ذلك؛ لأن فيه تَشَبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبسُ النعال التي لها شعْر، وإنها مِن لبس الرهبان...
وقد جرَى على لسان العلماء القول: بأن كثيرًا ممَّا ورَد عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في مثل هذه الخِصال يُفيد أن الأمر كما يكون للوُجوب؛ يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدِّين إنما تَحرُم فيما يُقصد فيه الشبه بشيء مِن خصائصهم الدينية، أمَّا مُجرَّد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة؛ فإنه لا بأْس بها ولا كَراهة فيها ولا حُرمة.
لمَّا كان ذلك كان القول بأن إعفاء اللحية أمر مَرغوب فيه، وأنه من سُنَن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها مقبولاً، وكان مَن أعفَى لحْيته مُثابًا، ويُؤجَر على ذلك، ومَن حلَقها، فقد فعل مَكروهًا، لا يأثَمُ بفِعله هذا اعتبارًا لأدلة هذا الفريق.
ويقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر- رحمه الله- معقبًا على اختلاف الفقهاء في هذه المسألة:
هذه هي الآراء، ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه.
وأنصح بعدم التعصب وحدة الخلاف في هذا الموضوع، إلى الدرجة التي تكون فيها مقاطعة وخصام واحتقار وعدم اقتداء في الصلاة، فالحرمة ليس مجمعًا عليها من الفقهاء، وليست بالقدر الذي حرمت به السرقة والربا والرشوة، وما إلى ذلك من الأمور التي يجب أن نوجه إليها اهتمامنا لنطهر أنفسنا ومجتمعنا منها، ولندخر قوانا الفكرية والعصبية والنفسية للوقت الذي ينادينا فيه ديننا للنهوض بأهله وتخليصهم من تحكم العدو فيهم، فذلك جهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة.
المسألة الرابعة: في حكم النقاب:
وحكم النقاب أو غطاء الوجه بالكامل- على الصحيح من أقوال العلماء- مندوب إلا إذا خُشيت الفتنة من كشف الوجه، والفتنة يقدّرها المفتي، أو مَن كان عنده قدرة على تحديدها من أهل العلم الشرعي؛ لأنها تختلف باختلاف الزمان والمكان والأعراف.. أما إذا كانت المرأة ذات جمال فائق عن مثيلاتها في مجتمعها؛ فقد نص العلماء على وجوب تغطية الوجه.
والملاحظ في كل المسائل التي وردت، أنها مسائل خلافية، تعددت فيها الآراء، وتنوعت فيها الأقوال، وأن لكل منهم دليله، وبذلك تخرج هذه المسائل عن كونها فريضة قولاً واحدًا، ما دامت قد تعددت فيها الأقوال، ولكل مسلم ومسلمة أن يأخذ بالرأي الذي ترجح عنده، من غير أن ينكر أحد على مخالفه في الرأي، ولا يجوز التعصب لرأي من الآراء لمجرد أنه مقتنع به، ولكن لا بد أن يكون الترجيح قائمًا على أمور علمية فقهية صحيحة يقدرها العالم الفقيه المجتهد، الذي عنده علم بالأدلة وأصول الفقه واللغة العربية الصحيحة، وليس لمجرد أنه سمع شريطًا لأحد الدعاة، يحمل فكرًا ما؛ فليس كل داعية فقيه، له الحق في إصدار الفتوى، وإلا اختلطت الأمور، وأصبح من يعرف ومن لا يعرف، يتعرض للفتوى.
وإني لأحذر من التسرع في الفتاوى، حيث إن ذلك سوف يؤدي إلى الفتوى بغير علم؛ فلقد كانت المسألة تمر على أربعين صحابيًّا، كل واحد منهم يقول: سل غيري حتى تعود المسألة إلى الأول، وكان بعض الصحابة يقول: لا تجعلوا ظهورنا جسرًا إلى جهنم... أسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الحق.. والله أعلم.
تقييم:
0
0
1- الدعاء جهرًا على المقابر والناس تؤمِّن.
2- الأذكار الجماعية في أذكار الصباح والمساء.
3- اللحية والنقاب وتقصير الثوب.
أرجو سرعة الرد؛ كي نعرف ديننا، ونرد على من يتهموننا بالابتداع، وكي نحافظ به على أفراد الصف، وخاصة الشباب الصغير المتحمس؛ شباب الجامعة، وفي النهاية لو تنصحوننا بقراءة كتب تتحدث عن هذه المواضيع المثارة باستمرار والمثيرة لشبابنا.. وجزاكم الله عنا خيرًا؟
حمدًا لله تعالى، وصلاة وسلامًا على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد؛
فإن الإجابة عن هذه الأسئلة تحكمها قواعد عامة ينبغي ذكرها قبل الدخول في التفاصيل.
أولاً: ليس كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، يكون فعله اليوم حرامًا؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام، قد ورد عنه أنه لم يأكل على خوان- أي شيء مرتفع- قَط. كما روى أنس بن مالك أنه قال: (ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان، ولا أكل خبزًا مرققًا حتى مات)، قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث سعيد بن أبي عروب، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأكل على شيء مرتفع، ولم يأكل الخبز المرقق المنخول، ولكنه لم ينه عن الأكل على شيء مرتفع، ولم ينه عن الأكل من الخبز المرقق؛ ولذا فإن الناس يأكلون على الطاولة- ترابيزة السفرة- ويأكلون الخبز المرقق الأبيض، ولا حرج في ذلك.
ثانيًا: ليس هناك دليل يسمى: لم يرد، كما اعتاد البعض أن يقول هذا؛ ولكن الدليل يكون بورود أمر، أو نهي، فإذا لم يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا من الأمور، ولم ينه عنه؛ فإن هذا الأمر، يكون فعله جائزًا، فهناك بعض الأطعمة لم يأكلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها أُكلت على مائدته، أو في زمانه، ولم ينكر على فاعلها ذلك.
ثالثًا: أن أي مسألة خلافية، لا يجوز الإنكار فيها على أحد مخالف، فلا إنكار في الخلافيات، وذلك كما نصت على ذلك القاعدة الفقهية.
رابعًا: أن أي مسألة خلافية، تخرج عن كونها فريضةً، فليست هناك فريضة مختلف فيها، حيث إن الفرض لا يكون إلا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، والمختلف فيه تكون أدلته قطعية الثبوت ظنية الدلالة، أو ظنية الثبوت، ظنية الدلالة.
ومن هنا؛ فإننا سوف نتعرض للنقاط الواردة في السؤال، كي نطبق عليها هذه القواعد.
حكم الجهر بالدعاء على المقابر مع تأمين الناس عليه:
أ- سنية إلقاء الموعظة على القبر- صنف الإمام البخاري (بَاب مَوْعِظَة الْمُحْدِث عِنْد الْقَبْر وَقُعُود أَصْحَابه حَوْله)، ثم ساق حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ؛ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مَنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؛ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسِّرُونَ لَعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسِّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ ?فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)? (الليل)".
- وعن البراء رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال "يا إخواني لمثل هذا فأعدوا" (رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وصححه الحاكم والذهبي).
- وروى الإمام أحمد بإسناد رواته محتج بهم في الصحيح عن البراء بن عازب، يقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد، قال: فقعدنا حول النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثًا، ثم قال: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر"، ثم قال "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه؛ كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة- إلى-.... من أنت فوجهك الوجه القبيح يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة".
- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ؛ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ، فَأَقْعَدَهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؛ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ صَدَقْتَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ؛ فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْه،ِ فَيَقُولُ لَهُ اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَيَقُولَ لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَيَقُولُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ وَلا اهْتَدَيْتَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ"، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ?يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ? (إبراهيم: من الآية 27).
- وفي صحيح مسلم عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِط لِبَنِي النَّجَّار عَلَى بَغْلَة لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيه، وَإِذَا أَقْبُر سِتَّة أَوْ خَمْسَة أَوْ أَرْبَعَة فَقَالَ: "مَنْ يَعْرِف أَصْحَاب هَذِهِ الأَقْبُر؟" فَقَالَ رَجُل أَنَا. فَقَالَ: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟" قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاك، فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّة تُبْتَلَى فِي قُبُورهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعكُمْ عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أَسْمَع مِنْهُ"، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار". فَقَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر"، قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"، قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال"، قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال.
ب- حكم الدعاء للميت على المقبرة:
معلوم أن الميت كالغريق المتغوث، ينتظر دعوة من الأحياء، ومن ثم شُرعت صلاة الجنازة وهي جُلها دعاء، وشُرع الدعاء على القبر، والعجب كل العجب ممن يمنع شيئًا أمر به النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له بالتثبيت فإنه الآن يُسأل") (رواه أبو داود، وقال: حديث صحيح).
- وما ذكر عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه أمر أهله أن يقيموا عنده إذا دفنوه قدر ما تنحر جزور قال: لعلي أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي يعني الملائكة، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، أما هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هدي غيره، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقف أو يجلس عند القبر بعد الدفن قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها، ولم يأمر أصحابه بذلك غاية ما هنالك أنه أمرهم أن يقفوا على القبر ويستغفروا لصاحبه، ويسألوا له التثبيت فقط هذا هو السنة ثم ينصرف الناس.
- قال الشافعي: قد بلغني عن بعض من مضى أنه أمر أن يقعد عند قبره إذا دفن قدر ما يجزر جزور، وهذا أحسن ولم أر الناس عندنا يصنعونه.
- المهم أن من السنة إذن المكث قليلاً عند القبر بعد الدفن والدعاء للميت وسؤال الله له التثبيت، ولم يذكر الحديث طريقة الدعاء هل هو فردي أم جماعي فمن أين جاء التخصيص، والتخصيص لا يكون إلا بنص. فالوارد الأمر بالدعاء للميت من جميع الحاضرين كما دلت على ذلك الأحاديث، ولم يرد نهي عن الدعاء بصورة جماعية؛ حيث لم يرد ما يدل على ذلك، فكان الأمر جائزًا؛ وإذا كانت هذه المسألة قد ورد فيها أكثر من رأي، فلماذا يكون إلزام الناس برأي واحد، وعلى كل معتقد لرأي ومرجح له، العمل بما ترجح عنده، وليس له إلزام غيره بما ترجح عنده، وهذا من القواعد الشرعية المعمول به عند الفقهاء.
- وعن هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ شَهِدَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ فَأَظْهَرُوا الاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَنَسٌ، قَالَ هُشَيْمٌ قَالَ خَالِدٌ فِي حَدِيثِهِ وَأَدْخَلُوهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ. وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً: إِنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ فَشَهِدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَظْهَرُوا لَهُ الاسْتِغْفَارَ.
- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ (حَضَرْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَلَمَّا وَضَعَهَا فِي اللَّحْدِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا أُخِذَ فِي تَسْوِيَةِ اللَّبِنِ عَلَى اللَّحْدِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَجِرْهَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ جَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهَا، وَصَعِّدْ رُوحَهَا، وَلَقِّهَا مِنْكَ رِضْوَانًا، قُلْتُ يَا ابْنَ عُمَرَ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَمْ قُلْتَهُ بِرَأْيِكَ؟ قَالَ إِنِّي إِذًا لَقَادِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بَلْ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (رواه ابن ماجه).
وفي مصنف عبد الرزاق (باب الدعاء للميت حين يفرغ منه)
- عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة يقول: رأيت ابن عباس لما فرغوا من قبر عبد الله بن السائب والناس معه، قام ابن عباس فوقف عليه، ودعا له قال: أسمعت من قوله شيئًا، قال: لا.
- عن ابن جريج قال: أخبرني أبو بكر عن غير واحد منهم من أهل بلدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قبر سعد بن معاذ حين فرغ منه، فدعا له، وصلى عليه، فمن هنالك أخذ ذلك.
- عن أيوب قال: وقف ابن المنكدر على قبر بعد أن فرغ منه فقال: اللهم ثبته، هو الآن يسأل.
- عن أبي مدرك الأشجعي أن عمر إذا سوى على الميت قبره قال: اللهم أسلمه إليك والأهل والمال والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له.
- عن عمير بن سعيد قال: كبر علي على يزيد بن المكفف أربعًا، وجلس على القبر وهو يدفن، قال: اللهم عبدك، وولد عبدك، نزل بك اليوم وأنت خير منزول به، اللهم وسع له في مدخله، واغفر له ذنبه، فإنا لا نعلم (منه) إلا خيرًا وأنت أعلم به.
- عبد الرزاق قال: بلغني أن ابن عباس حين فرغ من دفن ميمونة، وقف على القبر؛ فدعا ساعة ثم انصرف.
ج- سُنية الدعاء الجماعي... الأصل في ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ "بَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِط لِبَنِي النَّجَّار عَلَى بَغْلَة لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيه، وَإِذَا أَقْبُر سِتَّة أَوْ خَمْسَة أَوْ أَرْبَعَة فَقَالَ: "مَنْ يَعْرِف أَصْحَاب هَذِهِ الأَقْبُر؟" فَقَالَ رَجُل أَنَا. فَقَالَ: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟" قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاك، فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّة تُبْتَلَى فِي قُبُورهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعكُمْ عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أَسْمَع مِنْهُ"، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار". فَقَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر". قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ". قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال". قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال.
المسألة الثانية: في حكم الذكر الجماعي:
فإنه قد وردت عدة نصوص صحيحة، تشير إلى الحث على الذكر الجماعي، وفضله، ومن ذلك ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما جلس قوم مجلسًا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده". وورد عن أبي هريرة بلفظ.... "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة..... والباقي مثله. (وهو طرف من حديث رواه مسلم وغيره وهو في صحيح أبي داود 1308).
وقد ورد أيضًا عن أبي سعيد قال خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آالله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آالله ما أجلسنا غيره، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم هاهنا؟" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، قال: "آالله ما أجلسكم إلا ذلك؟" قالوا: آالله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل، فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" (رواه مسلم).
ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن كتاب الناس يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر؛ فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجاتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي فيقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول هل رأوني فيقولون لا والله ما رأوك، فيقول كيف لو رأوني؟ فيقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادةً وأشد لك تمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا؛ فيقول فما يسألوني؟ فيقولون يسألونك الجنة فيقول وهل رأوها فيقولون لا والله يا رب ما رأوها، فيقول فكيف لو أنهم رأوها؟ فيقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبةً، قال فممَ يتعوذون؟ فيقولون من النار فيقول الله هل رأوها؟ فيقولون لا والله يا رب ما رأوها فيقول فكيف لو رأوها؟ فيقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، فيقول هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
ومن ذلك ما ورد في الحديث القدسي: يقول الله: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه".
ومن خلال هذه الأحاديث، نلاحظ، أن الذكر قد تم في جماعة، ولم تبن النصوص أن الذكر قد وقع بصوت مرتفع، أم بصوت منخفض، ولم يرد أي نص يفيد أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذكر الجماعي بأي شكل من الأشكال، وبناء على هذا وعلى ما ذكرناه من القواعد السابقة، فإن الذكر في جماعة يكون جائزًا ما دامت الأذكار مشروعة، وعلى المخالف أن يأتي بالنصوص التي تفيد النهي عن الذكر الجماعي؛ حيث إنه لا منع إلا بنص.
المسألة الثالثة: في حكم اللحية:
هذه المسألة قد وردت فيها فتاوى كثيرة لفقهاء أجلاء، مدعمةً بالدليل والحجج القوية، أسوق بعضها؛ ومن ذلك ما ورد للشيخ جاد الحق شيخ الأزهر- رحمه الله تعالى-.
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله تعالى:
من المسائل الفقهية الفرعيَّة: موضوع اللحية، حيث تَكاثر الخلاف حولها بين الإعْفاء والحلْق، حتى اتَّخذ بعض الناس إعفاء اللحية شعارًا يُعرف به المؤمن من غيره.
والحق أن الفقهاء اتفقوا على أن إعفاء اللحية، وعدم حلْقها مأثور عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد كانت له لِحيةٌ يُعنَى بتنظيفها وتخليلها، وتمشيطها، وتهذيبها لتكون متناسبةً مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.
وقد تابع الصحابة- رضوان الله عليهم- الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيما كان يفعله وما يختاره.
وقد وردت أحاديثُ نبوية شريفة تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء..
وممَّا اتفق الفقهاء عليه- أيضًا- أن إعْفاء اللحية مَطلوب، لكنهم اختلفوا في تكييف هذا الإعفاء، هل يكون من الواجبات أو مِن المندوبات، وقد اختار فريق منهم الوجوب، وأقوى ما تمسَّكوا به ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب".
وما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "احْفُوا الشوارِبَ واعْفُوا اللِّحَى". حيث قالوا: إن توفيرها مأمور به، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب إلا لصارفٍ يَصْرِفُهُ عنه، ولا يُوجد هذا الصارف، كما أن مُخالفة المشركين واجبةٌ، والنتيجة أن توفير اللحْية، أيْ: إعفاءها واجبٌ.
قال الإمام النووي في شرحه حديث: "احْفُوا الشوارب واعْفوا اللِّحَى": إنه وردت رواياتٌ خمسٌ في ترْك اللحْية، وكلها على اختلافها في ألفاظها تدلُّ على ترْكها على حالها...
وممَّا رَتَّبُوه على القول بوُجوب إعفاء اللحية: ما نقله ابن قدامة الحنبلي في المُغني: أن الدية تجب في شَعْر اللحية عند أحمد، وأبي حنيفة والثوري، وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة عدْلٍ، وهذا يُشير إلى أن الفقهاء قد اعتبروا إتلاف شَعر اللحية حتى لا يَنبت جِنايةٌ من الجنايات التي تَستوجب المُساءلة: إما الدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثوري، أو دِية يُقدرها الخبراء كما قال الإمامان: مالك والشافعي.
وذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر، وقد استندوا في ذلك إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "عشْرٌ مِن الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحْية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظفار، وغسْل البراجِم (البراجم: مَفاصل الأصابع من ظهر الكف) ونَتْفُ الإبِط، وحلْق العانَة، وانتقاص الماء (أي الاستنجاء)". قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المَضمضة.
حيث أفاد الحديث أن إعفاء اللحية من السُنَن والمَندوبات المَرغوب فيها إذ كل ما نصَّ عليه من السُنَن العادية.
وقد عقَّب القائلون بوُجوب إعفاء اللحية- على القائلين بأنه مِن سُنَنِ الإسلام ومَندوباته- بأن إعفاء اللحية جاء فيه نصٌّ خاصٌّ، أخرجها عن الندْب إلى الوُجوب، وهو الحديث المذكور سابقًا "خالِفوا المُشركين..".
وردَّ أصحاب الرأي القائل بالسُنَّة والندْب بأن الأمر بمُخالفة المُشركين لا يتعيَّن أن يكون للوُجوب، فلو كانت كلُّ مُخالفةٍ لهم مُحتَّمة لتحتَّم صبْغ الشعر الذي وَرَدَ فيه حديث الجماعة: "إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم" (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي)، مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر في فتح الباري، وعزَّزوا رأيهم بما جاء في كتاب نهج البلاغة: سُئل عليٌّ- كرَّم الله وجهه- عن قول الرسول- صلى الله عليه وسلم: "غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود". فقال: إنما قال النبي ذلك والدِّينُ قُلٌّ، فأما الآن وقد اتَّسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما يَختار..
مِن أجل هذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحْية ما قيل في الصبْغ مِن عدم الخُروج على عرف أهل البلد لكان أولَى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها لظُروف الشخص وتقديره لمَا كان في ذلك بأس.
وقد قيل لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة- وقد رُؤي لابسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفيْن بمَسامير- إن فلانًا وفلانًا من العلماء كرِهَا ذلك؛ لأن فيه تَشَبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبسُ النعال التي لها شعْر، وإنها مِن لبس الرهبان...
وقد جرَى على لسان العلماء القول: بأن كثيرًا ممَّا ورَد عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في مثل هذه الخِصال يُفيد أن الأمر كما يكون للوُجوب؛ يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدِّين إنما تَحرُم فيما يُقصد فيه الشبه بشيء مِن خصائصهم الدينية، أمَّا مُجرَّد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة؛ فإنه لا بأْس بها ولا كَراهة فيها ولا حُرمة.
لمَّا كان ذلك كان القول بأن إعفاء اللحية أمر مَرغوب فيه، وأنه من سُنَن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها مقبولاً، وكان مَن أعفَى لحْيته مُثابًا، ويُؤجَر على ذلك، ومَن حلَقها، فقد فعل مَكروهًا، لا يأثَمُ بفِعله هذا اعتبارًا لأدلة هذا الفريق.
ويقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر- رحمه الله- معقبًا على اختلاف الفقهاء في هذه المسألة:
هذه هي الآراء، ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه.
وأنصح بعدم التعصب وحدة الخلاف في هذا الموضوع، إلى الدرجة التي تكون فيها مقاطعة وخصام واحتقار وعدم اقتداء في الصلاة، فالحرمة ليس مجمعًا عليها من الفقهاء، وليست بالقدر الذي حرمت به السرقة والربا والرشوة، وما إلى ذلك من الأمور التي يجب أن نوجه إليها اهتمامنا لنطهر أنفسنا ومجتمعنا منها، ولندخر قوانا الفكرية والعصبية والنفسية للوقت الذي ينادينا فيه ديننا للنهوض بأهله وتخليصهم من تحكم العدو فيهم، فذلك جهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة.
المسألة الرابعة: في حكم النقاب:
وحكم النقاب أو غطاء الوجه بالكامل- على الصحيح من أقوال العلماء- مندوب إلا إذا خُشيت الفتنة من كشف الوجه، والفتنة يقدّرها المفتي، أو مَن كان عنده قدرة على تحديدها من أهل العلم الشرعي؛ لأنها تختلف باختلاف الزمان والمكان والأعراف.. أما إذا كانت المرأة ذات جمال فائق عن مثيلاتها في مجتمعها؛ فقد نص العلماء على وجوب تغطية الوجه.
والملاحظ في كل المسائل التي وردت، أنها مسائل خلافية، تعددت فيها الآراء، وتنوعت فيها الأقوال، وأن لكل منهم دليله، وبذلك تخرج هذه المسائل عن كونها فريضة قولاً واحدًا، ما دامت قد تعددت فيها الأقوال، ولكل مسلم ومسلمة أن يأخذ بالرأي الذي ترجح عنده، من غير أن ينكر أحد على مخالفه في الرأي، ولا يجوز التعصب لرأي من الآراء لمجرد أنه مقتنع به، ولكن لا بد أن يكون الترجيح قائمًا على أمور علمية فقهية صحيحة يقدرها العالم الفقيه المجتهد، الذي عنده علم بالأدلة وأصول الفقه واللغة العربية الصحيحة، وليس لمجرد أنه سمع شريطًا لأحد الدعاة، يحمل فكرًا ما؛ فليس كل داعية فقيه، له الحق في إصدار الفتوى، وإلا اختلطت الأمور، وأصبح من يعرف ومن لا يعرف، يتعرض للفتوى.
وإني لأحذر من التسرع في الفتاوى، حيث إن ذلك سوف يؤدي إلى الفتوى بغير علم؛ فلقد كانت المسألة تمر على أربعين صحابيًّا، كل واحد منهم يقول: سل غيري حتى تعود المسألة إلى الأول، وكان بعض الصحابة يقول: لا تجعلوا ظهورنا جسرًا إلى جهنم... أسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الحق.. والله أعلم.
تقييم:
0
0