آيت نعمان

ذ. فريد وشطين
تيفيناغ صامدة أمام سهام الحقد و الكراهية
طلع علينا أحدهم أطلق على نفسه صفة الأكاديمي بمقال حول ترسيم الأمازيغية، أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه سفسطة و لغو و ببغائية (psittacisme) و اجترار لمزاعم و افتراءات سابقة. عوض أن يخوض "الأكاديمي" في التحليل الأكاديمي و النقاش الموضوعي و المنطقي للموضوع، انبرى إلى سرد نكتة مثيرة للغثيان و التقزز تطفح بشرارات الحقد و الكراهية و تنبعث منها سهام العداء و الأمازيغوفوبيا.
و لعل صاحبنا في نكتته تلك الثقيلة على اللسان و الخفيفة في الميزان متأثر بفن "المقامة" البائد، فسرح به خياله الدونكشوتي في أوروبا و بلاد اليابان لذلك بقيت طريقة تفكيره و تحليله منحصرة في مجالها الضيق و لم يستطع مسايرة العصر نقاشا و تحليلا و مقارعة للحجة بالحجة.
لقد ساق نكتته سَوْقا إلى سوق شباكيته، في غير سياقها كما تساق العير الجامحة فافتقدت فقراته للربط المنطقي و حسن التخلص على حد تعبير النقاد القدامى. إنها مجرد حشو غايته الازدراء من الأمازيغية و تحقير أهلها.
لقد عاب صاحبنا على بعض المؤسسات و الإدارات و الجمعيات إقدامها على تعليق لافتاتها باللغة الأمازيغية و كتابة شعاراتها بحروف تيفيناغ بذريعة أنها غير مفهومة و تستعصي على القارئ. فإذا كان هو لا يفقه في هذه الحروف شيئا فكيف له أن يعمم حكمه على الآخرين ؟ و إذا كان من عيب فلا يرجع إلى الخط بل إلى من لا تسعفه ذاكرته المترهلة لتعلمه أو يكابر في تعلمه تعصبا و عنصرية. و إلا لعزونا تخلف العرب للعربية لا إلى أهلها المتقاعسين في الأخذ بأسباب التقدم.
و أُبشر صاحبنا أن قاعدة القارئين و الكاتبين بتيفيناغ في اتساع مستمر بفضل العمل الدؤوب للجمعيات كما أبشره أن التلاميذ في المدارس يبدون رغبة كبيرة و تجاوبا سريعا في تعلمها لأنها نابعة من حضارتهم و ثقافتهم و هويتهم المغربية رغم تعامل الوزارة الباهت معها.
و يبدو لي أن صاحبنا من المهووسين برد كل شيء إلى العربية و لو اقتضى ذلك التعسفَ في التأويل و ليّ أعناق الكلمات إذ جعل تيفيناغ مشتقة من الفعل العربي فنق، و بمنطقه حتى طائر الفينيق (Phénix) هو من نفس الجذر اللغوي. إن تيفيناغ خط أمازيغي أصلا و حضارة و مَحْتِدا و الكلمة معناها اكتشافنا "ثيفي ناغ" و حروفه متجسدة في كل الأنماط الثقافية المغربية كالنسيج و الوشم و النقوش و غيرها. و لن يسمح أي مغربي في الجدال فيه ،فأمر الخط محسوم باستشارة ملكية و باركتها كل القوى الحية في البلاد .
أما لازمة الاستفتاء في الحرف الأمازيغي التي ما فتئ يرددها البعض، فمردود عليها إذ لم يُسْتَفْتَ المغاربة في اللغة العربية التي ترجع أصول أبجديتها إلى الآرامية. و ما من عاقل يرضى أن يستفتى في لغة و حروف أجداده. و رمى صاحبنا لغة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بكونها اصطناعية و مخبرية و الحقيقة أن التوليد اللغوي أمر ضروري و لم تسلم منه أية لغة إن هي أرادت مواكبة العصر فاللغة كائن حي و حيوي. فكم من كلمة استحدثت و نحتت في اللغة العربية لتحقيق هذا الغرض و كم من كلمة فقدت معانيها الأصلية و أخذت معاني أخرى و لنا في القاموس الذي استعمله صاحبنا المثال الكافي. فكلمات كترسيم و دستور و الشبكات الاجتماعية لو سمعها المُبَرّد أو الجاحظ لاستهجنها و تبرأ من استعمالها.
لقد كان الأجدر بصاحبنا و هو الحريص و الغيور على العربية أن يحترم قواعد النحو و الإعراب فلا يقع في خطأ فادح أبطل به عمل "لم" الجازمة فجاء الفعل بعدها مرفوعا في جملة ( لم يستفتى كذا- المواطنون) و المفروض أن يجزم الفعل بحذف حرف العلة. ما كان له أن يرتكب هذه الزلة و هو الدكتور و الأكاديمي و المترجم !
إن مثل هذه الادعاءات و التصريحات من هنا و هناك و من هذا المسؤول و ذاك بشأن ترسيم الأمازيغية و حرفها الأصلي تيفيناغ هدفها تجميد سنّ القوانين التنظيمية المتعلقة بها و عرقلة مسار إدماجها في كل القطاعات و المؤسسات. لقد ناضل الأمازيغ طيلة عقود لكي تكون الأمازيغية لغة رسمية و حققوا مطلبهم و سيناضلون حتى تلج كل مناحي الحياة بل و العالم. فها هي حروف تيفيناغ تغزو عالم المعلوميات و أصبحت معتمدة لدى مايكروسوفت رغم كيد الكائدين و حسد الحاسدين و الناقمين ( قل موتوا بغيظكم )