أسباب التبرج
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسباب:
1. ضعف الصلة بالله:
2. الجهل بالدين:
3. الاستهانة بالمعصية ورجاء الخير من ورائها
4. كثرة وسائل الهدم
5. ضعف اهتمام المجتمع المدني بالاستقامة والستر
6. ضعف غيرة الرجال آباء وأساتذة على دينهم وأعراضهم
نص الخطبة:
بسط المسألة:
حديثنا عن لباس المرأة المسلمة وعن ما سطره القرآن الكريم بخصوصه يقود إلى إثارة سؤال كبير في غاية الأهمية وهو: ما الذي جعل أعدادا غفيرة من المسلمين يقبلون بهذا التبرج الأحمق الذي لم تعرفه الجاهلية الأولى؟ ما الذي جعل المرأة المسلمة في زماننا تتبرج بل تتفنن في هذه المعصية الرهيبة أمام مرأى ومسمع زوجها وإخوانها وآبائها وجيرانها ومجتمعها بل أمام الناس جميعهم بل أمام العالم بأسره؟
الأسباب:
يمكن التنبيه على جملة من الأسباب البارزة:
1. ضعف الصلة بالله:
(وقل للمومنات يغضضن...) (يا أيها النبيء قل... ونساء المومنين...) (وما كان لمومن...)
هل تتصورون أيها الأحبة أن يكون المؤمن وأن تكون المؤمنة دائمي الاعتكاف على معصية الله؟ هل يعقل أن تجد الإنسان المؤمن حريصا على السير في خلاف ما يحبه الله، مجتهدا في التففن في مخالفة من بيده ملكوت كل شيء.
الأخرون منذ القديم يعملون على إخراج أجيال لا تعرف الصلة بالله، وإنه لا سبيل إلى المحافظة على أنفسنا وكياننا إلا إذا عملنا على تحسين وتقوية صلة أبنائنا ونسائنا وأنفسنا بالله جل جلاله.
2. الجهل بالدين:
مما يجعل المشكل معقدا، فتجد الإنسان غارقا في معصية الله عز وجل وهو يحسب أنه يحسن صنعا. (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) الكهف 103. 104
فالحجاب ليس عادة عربية ولا يهودية... بل واجبا من الواجبات الإسلامية...
3. الاستهانة بالمعصية ورجاء الخير من ورائها
من الأمور العجيبة في حياة الإنسان أن يرى الشر في طاعة الله والخير في معصيته. فما من معصية معصية إلا ويقبل عليها الإنسان بدافع الانتفاع والمتعة واغتنام الفرصة. إنها حكاية آدم تتكرر يوميا. قال تعالى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف. وقال سبحانه: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) طه 120
لهذا لم يكن مستغربا أن يعالج كتاب الله تعالى هذه القضية بكلام فصل يقطع الشك ويقيم الحجة. تأمل هذه الآيات البينات.
لما أمر الله بالجهاد استثقله عدد من الناس لما فيه من المشاق والتضحيات فبين الله تعالى أن ذلك هو طريق الخير والأمن والسلم والعزة.
قال تعالى: (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة41، وقال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة 216
ولما أمر الله تعالى بالإنفاق لوجهه سبحانه خاف البعض على أموالهم فطمأنهم الله تعالى قائلا: (وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 280
ولما أمر الله تعالى بتطهير البلاد المباركة من المشركين خاف القوم على اقتصادهم المؤسس على السياحة الشركية، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة 28
4. كثرة وسائل الهدم
البناء عموما صعب، وبناء الإنسان وتنشئته على الصلاح أصعب منه. وتزداد الصعوبة وتتعقد حين تكثر عوامل الهدم وينشط الفاسدون المخربون المتفننون في الهدم والتدمير.
قال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) الأعراف 56
وقال الشاعر:
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَه ** إِذا كنْتَ تبنيه وغيرُكَ يُهدِمُ
بل إن هادما واحدا قد يزعج أعدادا من البناة المصلحين
لو أن ألف بان خلفهم هادم كفى ** فكيف ببان خلفه ألف هادم؟
هذا وإن زماننا ليعد بحق زمن الهدم بامتياز. وأخطر معول من معاول الهدم التلفزيون بمختلف برامجه. فعوض أن يسخر في البناء سخر ويسخر في الخراب العلمي والثقافي والخلقي والأسري...
والمسؤولية بهذا الخصوص مركبة، نصيب منها يرجع إلى معدي البرامج والمشرفين عليها. فهؤلاء بين أمرين ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم والترمذي عن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنّ فِي الإِسْلاَمِ سُنّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا. وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَمَنْ سَنّ فِي الإِسْلاَمِ سُنّةً سَيّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
ويرجع النصيب الثاني إلى المسلم الذي يعتكف على برامج الشر ويشتري الضلالة بماله وجهده.
5. ضعف اهتمام المجتمع المدني بالاستقامة والستر
وهذه قضية أخرى تعتبر من أهم العوامل المساعدة على التحلل الخلقي، تتمثل في النفس السائد في المجتمع الذي لا يحمل بوضوح الحرص على طاعة الله عز وجل وإشاعة الأخلاق الفاضلة والحياء والستر. إنه لا يمكن أن ننعم بأجواء تسودها الكرامة والحشمة إلا إذا انخرط الكل في ذلك. وربنا يقول سبحانه: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة2
6. ضعف غيرة الرجال آباء وأساتذة على دينهم وأعراضهم
مما يضعف النصيحة ويجعل المنكر والعري أجرأ مما يتصور.
أنظروا كيف ضعفت الغيرة على محارم الله في قلوب هؤلاء القوم فهانوا على ربهم فأغرقهم في الشر واللعنات. قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )المائدة 78. 79
وهذا نبيكم يشرح الحديث، ففي سنن أبي داود وجامع الترمذي وحسنه واللفظ لأبي داود عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أوّلَ مَا دَخَلَ النّقْصُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ الرّجُلُ يَلْقَى الرّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا اتّقِ الله وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فإنّهُ لا يَحِلّ لَكَ مُمّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ الله قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمّ قالَ: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بنِ مَرْيَمَ - إلَى قَوْلِهِ - فَاسِقُونَ}، ثُمّ قالَ: كَلاّ والله لَتَأْمُرُنّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنّ عن المُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنّ عَلَى يَدَيِ الظّالِمِ، وَلَتَأْطِرُنّهُ عَلَى الْحَقّ أطْراً، وَلَتَقْصُرُنّهُ عَلَى الْحَقّ قَصْراً».