الألباني محدث العصر
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
نعيش في هذه الصفحات مع بقية المحدثين ومحيي السنة وناصر الدين وجهبذ العصر، الذي نذر حياته دفاعًا عن السنة ومحاربا لأصحاب الأهواء والمبتدعة، لقد كانت حياته صورة صادقة لعلماء الحديث الذين هم جهابذة أزمانهم .. إنه الشيخ الإمام المحدث ناصر الدين الألباني.
نسب الشيخ الألباني
الإمام الكبير والعالم الرباني ومحدث العصر وجهبذ العلماء ومحيي السنة أبو عبد الرحمن ناصر الدين محمد بن نوح بن آدم بن نجاتي الألباني. المشهور بالشيخ ناصر الدين الألباني
نشأة الشيخ الألباني
ولد الشيخ الألباني رحمه الله في عام 1332هـ/1914م، في مدينة أشقودرة عاصمة ألبانيا يومئذ، ومن نعم الله تعالى عليه أن جعل نشأته في أحضان أسرة متواضعة متدينة يغلب عليها الديني العلمي، فقد تخرج والده الحاج نوح نجاتي الألباني في المعاهد الشرعية بعاصمة الخلافة العثمانية الأستانة التي تُعرف اليوم بإسطنبول، ورجع إلى بلاده في خدمة العلم وتعليم الناس ما تلقاه حتى صار من كبار مشايخ ألبانيا ومرجعا للمسلمين بها [1].
الألباني والهجرة إلى الشام
كأن أحمد زوغو الذي تولى حكم ألبانيا في الفترة من (1922-1924م) مغرما بالحياة الغربية والمدينة الأوروبية التي تعتمد على السفور والخلاعة والتحلل الأخلاقي، فبدأ أحمد زوغو ينحو بألبانيا المسلمة ناحية الغرب، واقتفى في ذلك أثر أتاتورك في تغريب تركيا عقب إلغاء الخلافة العثمانية 1343هـ/ 1924م ففرض أحمد زوغو القوانين الوضعية على الشعب الألباني المسلم، وألزم المرأة المسلمة بنزع حجابها، وألزم الناس وخاصة الجيش بلباس القبعة والبنطلون، وساد في البلاد الطابع الغربي على الطابع العربي والإسلامي.
نظر والد الشيخ الألباني إلى هذه المستجدات التي تبعد عن الدين نظرة المتوجس الخائف على دينه ودين أهله وأبنائه، فأخذ قراره بالهجرة إلى بلاد الإسلام وما تهوى إليها الأفئدة، فهاجر بأهله إلى بلاد الشام وبالتحديد إلى دمشق، لما ورد في فيها من أحاديث شريفة فضلا عن معرفته بدمشق أثناء رحلته في الحج، وفي هذا الوقت بلغ الألباني التاسعة من عمره.
الألباني وطلب للعلم
لم يكن الشيخ الألباني عند هجرته إلى الشام يعرف من اللغة العربية شيئًا، فبدأ بدراسة اللغة العربية والتحق بجمعية الإسعاف الخيرية ولما أصاب المدرسة حريق التحق بمدرسة أخرى بسوق ساروجه بدمشق وهناك أكمل المرحلة الابتدائية وحصل عليها في أربع سنوات، ويبدو أن الله تعالى فطر الألباني رحمه الله على حب اللغة العربية فكان متفوقا على زملائه السوريين في اللغة العربية وغيرها.
وكان الألباني رحمه الله في مقتبل شبابه مغرما بالقراءة، إلا أن قراءته كانت عادية فكان يأخذ من الباعة قصص أرسين لوبين، اللص الأمريكي، عنترة بن شداد، وغيرها من القصص البوليسية والمثيرة [2].
تلك كانت حياة الألباني رحمه الله الأولى في القراءة وطلب العلم، ولكن الله عز وجل أراد للألباني شيئا آخر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" [3]، فنظرًا لسوء رأي والده في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال ولده الألباني الدراسة، ووضع له برنامجا عمليا مركزا، قام من خلاله بتعليمه القرآن والتجويد والصرف، وفقه مذهبه الحنفي [4].
كما تلقى الألباني بعض العلوم الدينية والعربية على يد مجموعة من الشيوخ والعلماء من أصدقاء والده، مثل الشيخ محمد سعيد البرهاني، فقرأ الألباني عليه كتاب (مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح) في الفقه الحنفي، وبعض كتب النحو والبلاغة العصرية، فضلا عن حضوره دروس العلامة بهجت العطار مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق منهم عز الدين التنوخي رحمه الله إذ كانوا يقرءون كتاب الحماسة لأبي تمام [5].
مهنة الألباني
النجارة
أول ما امتهن الشيخ الألباني من المهن العملية مهنة النجارة، أخذها عن خاله وشخص سوري يدعى (أبي محمد)، وقد عمل بها سنتين، ثم لا حظ أنها مهنة تهد القوى وتشغل الوقت فلم ينجذب إليها.
تصليح الساعات
وكان عمل الألباني رحمه الله في النجارة يتعطل في الشتاء، فمر على والده في ذات يوم في دكانه وكان يعمل في تصليح الساعات، فاقترح عليه والده أن يمتهن مهنة إصلاح الساعات، فأخذ الشيخ الألباني رحمه الله عن والده مهنة إصلاح الساعات، فأجادها حتى أصبح من أصحاب الشهرة فيها، وأخذ يتكسب منها، وقد وفرت له هذه المهنة قوته وقوت أسرته، ووفرت له كذلك فراغا من الوقت ملأه رحمه الله بطلب العلم وتحصيله [6].
الألباني وطلب لعلم الحديث
توجه الألباني -رحمه الله- إلى علم الحديث وهو في العشرين من عمره، متأثرا بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا.
وأما عن صلته بالشيخ محمد رشيد رضا وبمجلة المنار، فيذكر الشيخ الألباني أنه كان مولعا بقراءة الروايات التاريخية، وفي ذات يوم لاحظ من بين الكتب المعروضة عند أحد الباعة جزءا من مجلة المنار، وقرأ فيها فصلا للشيخ رشيد رضا يتكلم فيه عن كتاب الإحياء للغزالي، ويشير إلى محاسنه ومآخذه وذكر أن للحافظ العراقي كتابا وضعه على الإحياء، خرّج فيه أحاديثه وميَّز صحيحها من ضعيفها، وهو كتاب (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار).
وقد جذب كتاب المغني للحافظ العراقي الشيخ الألباني فسعى لاقتنائه، واستأجره من مكتبة الحلبي، وقد استهواه الكتاب فعمل الشيخ الألباني على نسخه، وتم له نسخ 2012 صفحة، وقد استعان بشتى المؤلفات اللغوية والبلاغة وغريب الحديث لتفهم النص إلى جانب تخريجه، وكان ذلك هو أول عمل حديثي قام به الشيخ الألباني، وهو بعدُ لم يتجاوز العشرين من عمره.
وكان ذلك العلم فاتحة خير كبير للشيخ الألباني، ولا زال الشيخ الألباني يعرف لمحمد رشيد رضا هذا الفضل ويشير في ذلك في مؤلفاته، وقد ازداد الألباني إقبالا على علم الحديث ودراسة السنة بشغف شديد، وذلك مع رد الفعل السلبي لأبيه، الذي لم يحبذ اشتغال ولده بالحديث وكان يقول له: (علم الحديث صنعة المفاليس) [7].
الألباني في المكتبة الظاهرية
المكتبة الظاهرية هي واحدة من أهم الخزائن العامة في دمشق، تحتوي على الآلاف من المحفوظات والمؤلفات والنوادر، وهي من نعم الله تعالى التي أنعمها على الشيخ الألباني -رحمه الله- في مقتبل عمره، فقد وجد فيها ما لا يستطيع شراءه من الكتب.
وقد أصبح علم الحديث شغل الألباني الشاغل حتى كان يغلق محله ويذهب إلى المكتبة الظاهرية ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة، لا يفتر عن المطالعة والتعليق والتحقيق إلا أثناء فترات الصلاة، ولجهوده هذه خصصت له إدارة المكتبة غرفة خاصة به يقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة [8]، وكانت معظم هذه الأبحاث التي يكتبها الألباني في محاربة البدع وتصحيح مفاهيم الناس عن الإسلام الصحيح وتصحيح الخلل والأخطاء الموجودة أمامه في البيئة التي يعيش فيها على ضوء الأحاديث التي يدرسها، خاصة أنه عاش في بيئة مليئة بالتعصب المذهبي، ومن أوائل ما ألفه الألباني في هذا الصدد كتابين: الأول: " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"، وهو كتاب فقهي، والثاني: "الروض النضير في ترتيب و تخريج معجم الطبراني الصغير"، وهو كتاب حديثي، وقد ألفه الألباني وهو في 22 من عمره [9].
الألباني .. ابتلاءات ومحن
لم يقتصر نشاط الألباني رحمه الله على قراءة الكتب وكتابة التعليقات والحواشي وإنما تعدى ذلك إلى العمل والنشاط الدءوب في الدعوة إلى الله تعالى، وبدأت المناقشات بين الألباني والمشايخ وأئمة المساجد، ولقى الشيخ معارضة شديدة من بعض المشايخ الذين أنكروا عليه انصرافه إلى علم الحديث، وجعلوا يثيرون عليه العامة والغوغاء، ويشيعون عنه بأنه (وهابي ضال)، وهاجموه على المنابر، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل وصل إلى حد أن منعوه من المساجد ومن إلقاء الدروس في دمشق وحلب واللاذقية وغيرها من مدن سوريا.
ووصل الأمر بهؤلاء الحاقدين على الشيخ إلى حد الوشاية به وقول الزور إلى الحكام فتعرض بذلك إلى الاعتقال ما يقارب ثمانية أشهر حيث اعتقل في قلعة دمشق عام 1967م، وهي القلعة التي سجن فيها ابن تيمية رحمه الله وأقام فيها الألباني صلاة الجماعة وصلاة الجمع، التي قيل إنها ما صليت من أيام ابن تيمية حتى سجن الألباني [10].
الألباني ورحلاته العلمية والدعوية
للشيخ الألباني سفرات ورحلات في داخل القطر السوري وخارجه، وقد زار معظم المدن السورية مثل: حلب، وإدلب، واللاذقية، وحماة، وحمص، والجزيرة، وغيرها.
كما قام برحـلات خارج القطر شملت الأردن ولبنان والكويت والإمارات وقطر والسعودية وفلسطين ومصر والمغرب وإسبانيا وغيرها.
وكان في كل هذه الرحلات يعقد الندوات، ويلقي الـدروس والمحاضرات، ويجيب عن الأسئلة والاستفسارات، ويصدر الفتاوى والأجـوبة مسموعة ومكتوبة ومسجلة على الأشرطة، كما يجيب عن الرسائل الواردة من أنحاء العالم، وكذا الاتصالات الهاتفية.
وقد وفقه الله تعالى للصلاة في المسجد الأقصى، كما انتُدب للتدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من بداية سنة 1381هـ/ 1961م إلى نهاية 1383هـ/1964م، كما حضر مؤتمر الطلبة المسلمين بغرناطة بإسبانيا سنة 1392هـ / 1972م مع الشيخ زهير الشاويش.
ولقد وفق الله الشيخ الألباني لإحياء كثير من السنن التي هجرها الناس ومنها: صلاة العيدين في المصلى، وليس في المساجد بالتعاون مع الإخوان المسلمين في منطقة الميدان بدمشق، ثم في بيروت، وبعد ذلك شاعت في البلاد سنة العقيقة للمولود وسنة قيام الليل في رمضان، بإحدى عشرة ركعة فقط، وسنة خطبة الحاجة واستهلال خطبة الجمعة، وسنة جلباب المرأة، والتحذير من بناء المساجد على القبور، والصلاة فيها، كما كان للشيخ الألباني الباع الطويل في توجيه كثير من الشباب للعناية ببحوث السنة وتطويع الأجهزة الحديثة والمبتكرات العلمية الجديدة لخدمة السنة النبوية الشريفة وتيسيرها للناس [11].
الألباني وصلته بأهل العلم
التقى الشيخ الألباني بكثير من العلماء وطلبة العلم، الذين أخذ عنهم وأخذوا عنه، ومنهم:
مؤرخ حلب ومحدثها الشيخ راغب الطباخ الذي أجاز الألباني بمروياته يوم أجاز صاحبه الشيخ زهير الشاويش بوساطة الأستاذ محمد المبارك سنة 1946م [12].
كما التقى بالشيخ حامد الفقي رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمصر، والمحدث المحقق أحمد شاكر.
كما كان للشيخ صلة وثيقة بالشيخ ابن باز رحمه الله، وكانت بينهما جلسات علمية نافعة مراسلات مفيدة.
كما التقى بالأديب الشيخ محب الدين الخطيب والمحدث الهندي حبيب الرحمن الأعظمي، والعلامة يوسف القرضاوي والشيخ محمد الغزالي والدكتور أحمد العسال والدكتور عمر الأشقر والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم كثير في بلاد الهند وتركيا والشام ومصر والمغرب العربي [13].
الألباني وخبرته العلمية ومكانته
لكثرة مؤلفاته العلمية الدقيقة في تحري السنة وتحري الحق وسمعته العلمية الكبيرة، صار الشيخ الألباني مرجعا في الحديث يأتيه العلماء والأساتذة وطلبة العلم من مختلف البلاد؛ ليستفيدوا من علمه، وقد انتشرت مؤلفاته انتشارا واسعا، حتى ترجم بعضها إلى لغات مختلفة.
ونظرا لهذه الخبرة العلمية الكبيرة أصبح الشيخ الألباني محل نظر وتقدير من المراكز العلمية العالمية في الشرق والغرب:
-فاختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام 1955م.
-وطلبت منه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر.
-و اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من قبل الملك خالد بن عبد العزيز ملك السعودية من عام 1395هـ / 1975م إلى 1398هـ/1978م.
-واختارته إدارة البحوث العلمية و الإفتاء بالرياض للسفر إلى مصر و المغرب و بريطانيا للدعوة إلى عقيدة التوحيد والمنهج الإسلامي الحق.
-وغير ذلك من الأعمال العلمية والدعوية في أنحاء العالم الإسلامي [14].
الشيخ الألباني .. أخلاقه وصفاته
وقد لخصها الشيخ علي بن حسن الحلبي في نونيته عن مآثر الشيخ الألباني وآثاره ورثائه، فيقول:
أخلاقه في ذروة بتأدب *** من نور أحكام من القرآن
فتواضع في الشيخ خلق واضح*** لا يختفي إلا على العميان
والصبر منه شعاره ودثاره *** فتأدب وتجلد نوران
ورجوعه للحق نهج ظاهر *** في كتبه ومجالس الخلان
لا ليس يحقد أو يكن بقلبه *** غلا به يعلوك كالبركان
زد فوق هذا رقة رقراقة *** بالدمع تغرق منه ذي العينان [15]
الألباني .. عبادته
كان الألباني رحمه الله من أحرص الناس على أن تكون عبادته موافقة للسنة في صفتها وعددها ووقتها، فقد قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: "فالذي أعرفه من الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل- أنه حريص جدًا على العمل بالسنة، ومحاربة البدعة، سواء كانت في العقيدة أم في العمل".
فقد كان الألباني رحمه الله سريع التأثر والبكاء عند سماع آيات القرآن أو تلاوته، أو سماع الأحاديث النبوية التي فيها الوعد والوعيد.
وكان الألباني رحمه الله يحرص على صيام الاثنين والخميس صيفا وشتاء، إلا أن يكون مريضًا أو مسافرًا.
وكان إذا دخل يوم الجمعة لا يزال يصلي ركعتين ركعتين حتى يصعد الإمام المنبر.
وكان يحج ويعتمر كل عام ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وربما اعتمر في السنة الواحدة مرتين، وحجّ الألباني أكثر من ثلاثين حجة [16].
الألباني .. آثاره العلمية
ترك الشيخ الألباني رحمه الله ذخيرة علمية نفيسة جلها في خدمة كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تزيد عن مائتي كتاب بين تأليف وتحقيق وتعليق وتخريج، ونذكر منها على سبيل المثال:
آداب الزفاف في السنة المطهرة، أحاديث الإسراء والمعراج، أحكام الجنائز، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، الأسئلة والأجوبة، صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، صحيح وضعيف الجامع الصغير وزياداته، صحيح السيرة النبوية، صحيح وضعيف الترغيب والترهيب، جلباب المرأة المسلمة، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، منزلة السنة في الإسلام.
تلامذة الشيخ الألباني
تلاميذ الشيخ الألباني رحمه الله في العالم العربي والإسلامي، وسنذكر المشهورين منهم في عالمنا الآن، ومنهم:
عبد الرحمن الباني وزهير الشاويش وعصام العطار وهم من الرعيل الأول للإخوان المسلمين في سوريا.
الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والدكتور عمر الأشقر ومحمود مهدي الإستانبولي والشيخ محمد عيد عباسي والشيخ محمد إبراهيم شقرة والشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ علي خشان والشيخ محمد جميل زينو، وحسين العوايشة، وعلي الحلبي، ومشهور حسن، ومحمد إبراهيم الشيباني، وحمدي السلفي [17].
الشيخ الألباني .. ثناء العلماء عليه
قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة عن الشيخ الألباني رحمهما الله: "للرجل من رسوخ قدمه في السنّة ما يعطيه هذا الحق.. إني عظيم الحفاوة بهذا الاستبحار العلمي، وهو يمثل وجهة نظر محترمة في تمحيص القضايا الدينية، وشكر الله له جهده في المحافظة على تراث النبوّة، وهدانا جميعا سواء السبيل" [18].
وقال عنه الشيخ العلاَّمة عبد العزيز بن باز: «الألباني مجدد هذا العصر في علوم الحديث».
وقال عنه الشيخ محمد صالح العثيمين: «إن الألباني ذو علم جم في الحديث دراية ورواية وهو محدث العصر».
وقال العلاَّمة المحقق محب الدين الخطيب: «إن الألباني من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها».
وقال عنه الأديب العلامة علي الطنطاوي: «الشيخ ناصر الدين الألباني أعلم مني بعلوم الحديث، وأنا أحترمه لجده ونشاطه وكثرة تصانيفه التي يطبعها له أخي وولدي النابغة زهير الشاويش، وأنا أرجع إلى الشيخ ناصر في مسائل الحديث ولا أستنكف أن أسأله عنها معترفاً بفضله، وأنكر عليه إذا تفقه فخالف ما عليه الجمهور لأنه ليس بفقيه» [19].
الألباني والإخوان المسلمون
إنها لصورة قاتمة تلك التي يصورها البعض عن علاقة الشيخ الألباني بجماعة الإخوان المسلمين، صورة مليئة بالاتهامات والتضليل المتبادل بين الطرفين، والحقيقة غير ذلك على الإطلاق.
لقد كانت العلاقة بين الشيخ الألباني والإخوان المسلمين ملؤها الحب والتآزر والتلاحم، وهذا ما توضحه حقائق التاريخ، فمن بين تلك الحقائق أن الشيخ الألباني -رحمه الله- نال إجازة الحديث الشريف على يد الشيخ راغب الطباخ مؤرخ حلب ومحدثها يوم أجاز صاحبه الشيخ زهير الشاويش بوساطة الأستاذ محمد المبارك سنة 1946م [20]، والأستاذ المبارك من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
كما أصدر الدكتور سعيد رمضان (مجلة المسلمون) بسوريا فترة من الزمن بإشراف الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين بسوريا، وكان من هدي المجلة أن أي سؤال في علم الحديث يحال مباشرة للشيخ الألباني، كما كان للشيخ الألباني بعض المقالات والتعقيبات في بابه الثابت بعنوان: (عودة إلى السنة) [21].
كما أرسل الإمام حسن البنا رحمه الله رسالة إلى الألباني يشجعه ويحثه على الاستمرار في منهجه العلمي السليم، ويقول الألباني: وللأسف هذه الرسالة قد ضاعت مني، وكانت هذه الرسالة بعد أن نشر الألباني في مجلة الإخوان المسلمين سنة 1947م، بعد التعليقات على مقالات الشيخ سيد سابق في فقه السنة التي كانت تنشر بمجلة "الإخوان المسلمون" [22].
وفي سؤال وجه للشيخ الألباني عن الإمام حسن البنا رحمه الله قال:" لو لم يكن للشيخ حسن البنا-رحمه الله- من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي في السينمات ونحو ذلك والمقاهي، وكتّلهم وجمعهم على دعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام..لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلاً وشرفاً..هذا نقوله معتقدين، لا مرائين، ولا مداهنين".
مرض الشيخ الألباني
كان الألباني رحمه الله في الأيام الأخيرة من عمره يعاني من عدة أمراض وكان مع كل ذلك صابرا محتسبا، وقد نحل جسمه كثيرا، ومن تلك الأمراض التي عانى منها الألباني رحمه الله: فقر الدم والكبد وإحدى كليتيه.
ومع ذلك كان الألباني رحمه الله لا يهدأ عن البحث والمطالعة، وكانوا يسمعونه وهو نائم يقول: هات كتاب الجرح والتعديل، جزء كذا صفحة كذا، ويسمى غيره من الكتب، وذلك لشغفه رحمه الله بالعلم نائما ويقظانا [23].
وفاة الشيخ الألباني
وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل والدعوة والمرض والصبر توفي الشيخ الألباني رحمه الله في عصر يوم السبت 22 جمادى الآخرة 1420هـ/ 2 أكتوبر 1999م، وفي اليوم نفسه تم تجهيز جنازته والإسراع بها حسب ما أوصى به رحمه الله، وكان ذلك، فقد حملت جنازته من بيته إلى المقبرة، وصلى عليه تلميذه محمد إبراهيم شقرة، ودفن بعد صلاة العشاء [24].
فرحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته على ما قدمه من خدمات جليلة في خدمة السنة النبوية المطهرة.
نعيش في هذه الصفحات مع بقية المحدثين ومحيي السنة وناصر الدين وجهبذ العصر، الذي نذر حياته دفاعًا عن السنة ومحاربا لأصحاب الأهواء والمبتدعة، لقد كانت حياته صورة صادقة لعلماء الحديث الذين هم جهابذة أزمانهم .. إنه الشيخ الإمام المحدث ناصر الدين الألباني.
نسب الشيخ الألباني
الإمام الكبير والعالم الرباني ومحدث العصر وجهبذ العلماء ومحيي السنة أبو عبد الرحمن ناصر الدين محمد بن نوح بن آدم بن نجاتي الألباني. المشهور بالشيخ ناصر الدين الألباني
نشأة الشيخ الألباني
ولد الشيخ الألباني رحمه الله في عام 1332هـ/1914م، في مدينة أشقودرة عاصمة ألبانيا يومئذ، ومن نعم الله تعالى عليه أن جعل نشأته في أحضان أسرة متواضعة متدينة يغلب عليها الديني العلمي، فقد تخرج والده الحاج نوح نجاتي الألباني في المعاهد الشرعية بعاصمة الخلافة العثمانية الأستانة التي تُعرف اليوم بإسطنبول، ورجع إلى بلاده في خدمة العلم وتعليم الناس ما تلقاه حتى صار من كبار مشايخ ألبانيا ومرجعا للمسلمين بها [1].
الألباني والهجرة إلى الشام
كأن أحمد زوغو الذي تولى حكم ألبانيا في الفترة من (1922-1924م) مغرما بالحياة الغربية والمدينة الأوروبية التي تعتمد على السفور والخلاعة والتحلل الأخلاقي، فبدأ أحمد زوغو ينحو بألبانيا المسلمة ناحية الغرب، واقتفى في ذلك أثر أتاتورك في تغريب تركيا عقب إلغاء الخلافة العثمانية 1343هـ/ 1924م ففرض أحمد زوغو القوانين الوضعية على الشعب الألباني المسلم، وألزم المرأة المسلمة بنزع حجابها، وألزم الناس وخاصة الجيش بلباس القبعة والبنطلون، وساد في البلاد الطابع الغربي على الطابع العربي والإسلامي.
نظر والد الشيخ الألباني إلى هذه المستجدات التي تبعد عن الدين نظرة المتوجس الخائف على دينه ودين أهله وأبنائه، فأخذ قراره بالهجرة إلى بلاد الإسلام وما تهوى إليها الأفئدة، فهاجر بأهله إلى بلاد الشام وبالتحديد إلى دمشق، لما ورد في فيها من أحاديث شريفة فضلا عن معرفته بدمشق أثناء رحلته في الحج، وفي هذا الوقت بلغ الألباني التاسعة من عمره.
الألباني وطلب للعلم
لم يكن الشيخ الألباني عند هجرته إلى الشام يعرف من اللغة العربية شيئًا، فبدأ بدراسة اللغة العربية والتحق بجمعية الإسعاف الخيرية ولما أصاب المدرسة حريق التحق بمدرسة أخرى بسوق ساروجه بدمشق وهناك أكمل المرحلة الابتدائية وحصل عليها في أربع سنوات، ويبدو أن الله تعالى فطر الألباني رحمه الله على حب اللغة العربية فكان متفوقا على زملائه السوريين في اللغة العربية وغيرها.
وكان الألباني رحمه الله في مقتبل شبابه مغرما بالقراءة، إلا أن قراءته كانت عادية فكان يأخذ من الباعة قصص أرسين لوبين، اللص الأمريكي، عنترة بن شداد، وغيرها من القصص البوليسية والمثيرة [2].
تلك كانت حياة الألباني رحمه الله الأولى في القراءة وطلب العلم، ولكن الله عز وجل أراد للألباني شيئا آخر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" [3]، فنظرًا لسوء رأي والده في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال ولده الألباني الدراسة، ووضع له برنامجا عمليا مركزا، قام من خلاله بتعليمه القرآن والتجويد والصرف، وفقه مذهبه الحنفي [4].
كما تلقى الألباني بعض العلوم الدينية والعربية على يد مجموعة من الشيوخ والعلماء من أصدقاء والده، مثل الشيخ محمد سعيد البرهاني، فقرأ الألباني عليه كتاب (مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح) في الفقه الحنفي، وبعض كتب النحو والبلاغة العصرية، فضلا عن حضوره دروس العلامة بهجت العطار مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق منهم عز الدين التنوخي رحمه الله إذ كانوا يقرءون كتاب الحماسة لأبي تمام [5].
مهنة الألباني
النجارة
أول ما امتهن الشيخ الألباني من المهن العملية مهنة النجارة، أخذها عن خاله وشخص سوري يدعى (أبي محمد)، وقد عمل بها سنتين، ثم لا حظ أنها مهنة تهد القوى وتشغل الوقت فلم ينجذب إليها.
تصليح الساعات
وكان عمل الألباني رحمه الله في النجارة يتعطل في الشتاء، فمر على والده في ذات يوم في دكانه وكان يعمل في تصليح الساعات، فاقترح عليه والده أن يمتهن مهنة إصلاح الساعات، فأخذ الشيخ الألباني رحمه الله عن والده مهنة إصلاح الساعات، فأجادها حتى أصبح من أصحاب الشهرة فيها، وأخذ يتكسب منها، وقد وفرت له هذه المهنة قوته وقوت أسرته، ووفرت له كذلك فراغا من الوقت ملأه رحمه الله بطلب العلم وتحصيله [6].
الألباني وطلب لعلم الحديث
توجه الألباني -رحمه الله- إلى علم الحديث وهو في العشرين من عمره، متأثرا بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا.
وأما عن صلته بالشيخ محمد رشيد رضا وبمجلة المنار، فيذكر الشيخ الألباني أنه كان مولعا بقراءة الروايات التاريخية، وفي ذات يوم لاحظ من بين الكتب المعروضة عند أحد الباعة جزءا من مجلة المنار، وقرأ فيها فصلا للشيخ رشيد رضا يتكلم فيه عن كتاب الإحياء للغزالي، ويشير إلى محاسنه ومآخذه وذكر أن للحافظ العراقي كتابا وضعه على الإحياء، خرّج فيه أحاديثه وميَّز صحيحها من ضعيفها، وهو كتاب (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار).
وقد جذب كتاب المغني للحافظ العراقي الشيخ الألباني فسعى لاقتنائه، واستأجره من مكتبة الحلبي، وقد استهواه الكتاب فعمل الشيخ الألباني على نسخه، وتم له نسخ 2012 صفحة، وقد استعان بشتى المؤلفات اللغوية والبلاغة وغريب الحديث لتفهم النص إلى جانب تخريجه، وكان ذلك هو أول عمل حديثي قام به الشيخ الألباني، وهو بعدُ لم يتجاوز العشرين من عمره.
وكان ذلك العلم فاتحة خير كبير للشيخ الألباني، ولا زال الشيخ الألباني يعرف لمحمد رشيد رضا هذا الفضل ويشير في ذلك في مؤلفاته، وقد ازداد الألباني إقبالا على علم الحديث ودراسة السنة بشغف شديد، وذلك مع رد الفعل السلبي لأبيه، الذي لم يحبذ اشتغال ولده بالحديث وكان يقول له: (علم الحديث صنعة المفاليس) [7].
الألباني في المكتبة الظاهرية
المكتبة الظاهرية هي واحدة من أهم الخزائن العامة في دمشق، تحتوي على الآلاف من المحفوظات والمؤلفات والنوادر، وهي من نعم الله تعالى التي أنعمها على الشيخ الألباني -رحمه الله- في مقتبل عمره، فقد وجد فيها ما لا يستطيع شراءه من الكتب.
وقد أصبح علم الحديث شغل الألباني الشاغل حتى كان يغلق محله ويذهب إلى المكتبة الظاهرية ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة، لا يفتر عن المطالعة والتعليق والتحقيق إلا أثناء فترات الصلاة، ولجهوده هذه خصصت له إدارة المكتبة غرفة خاصة به يقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة [8]، وكانت معظم هذه الأبحاث التي يكتبها الألباني في محاربة البدع وتصحيح مفاهيم الناس عن الإسلام الصحيح وتصحيح الخلل والأخطاء الموجودة أمامه في البيئة التي يعيش فيها على ضوء الأحاديث التي يدرسها، خاصة أنه عاش في بيئة مليئة بالتعصب المذهبي، ومن أوائل ما ألفه الألباني في هذا الصدد كتابين: الأول: " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"، وهو كتاب فقهي، والثاني: "الروض النضير في ترتيب و تخريج معجم الطبراني الصغير"، وهو كتاب حديثي، وقد ألفه الألباني وهو في 22 من عمره [9].
الألباني .. ابتلاءات ومحن
لم يقتصر نشاط الألباني رحمه الله على قراءة الكتب وكتابة التعليقات والحواشي وإنما تعدى ذلك إلى العمل والنشاط الدءوب في الدعوة إلى الله تعالى، وبدأت المناقشات بين الألباني والمشايخ وأئمة المساجد، ولقى الشيخ معارضة شديدة من بعض المشايخ الذين أنكروا عليه انصرافه إلى علم الحديث، وجعلوا يثيرون عليه العامة والغوغاء، ويشيعون عنه بأنه (وهابي ضال)، وهاجموه على المنابر، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل وصل إلى حد أن منعوه من المساجد ومن إلقاء الدروس في دمشق وحلب واللاذقية وغيرها من مدن سوريا.
ووصل الأمر بهؤلاء الحاقدين على الشيخ إلى حد الوشاية به وقول الزور إلى الحكام فتعرض بذلك إلى الاعتقال ما يقارب ثمانية أشهر حيث اعتقل في قلعة دمشق عام 1967م، وهي القلعة التي سجن فيها ابن تيمية رحمه الله وأقام فيها الألباني صلاة الجماعة وصلاة الجمع، التي قيل إنها ما صليت من أيام ابن تيمية حتى سجن الألباني [10].
الألباني ورحلاته العلمية والدعوية
للشيخ الألباني سفرات ورحلات في داخل القطر السوري وخارجه، وقد زار معظم المدن السورية مثل: حلب، وإدلب، واللاذقية، وحماة، وحمص، والجزيرة، وغيرها.
كما قام برحـلات خارج القطر شملت الأردن ولبنان والكويت والإمارات وقطر والسعودية وفلسطين ومصر والمغرب وإسبانيا وغيرها.
وكان في كل هذه الرحلات يعقد الندوات، ويلقي الـدروس والمحاضرات، ويجيب عن الأسئلة والاستفسارات، ويصدر الفتاوى والأجـوبة مسموعة ومكتوبة ومسجلة على الأشرطة، كما يجيب عن الرسائل الواردة من أنحاء العالم، وكذا الاتصالات الهاتفية.
وقد وفقه الله تعالى للصلاة في المسجد الأقصى، كما انتُدب للتدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من بداية سنة 1381هـ/ 1961م إلى نهاية 1383هـ/1964م، كما حضر مؤتمر الطلبة المسلمين بغرناطة بإسبانيا سنة 1392هـ / 1972م مع الشيخ زهير الشاويش.
ولقد وفق الله الشيخ الألباني لإحياء كثير من السنن التي هجرها الناس ومنها: صلاة العيدين في المصلى، وليس في المساجد بالتعاون مع الإخوان المسلمين في منطقة الميدان بدمشق، ثم في بيروت، وبعد ذلك شاعت في البلاد سنة العقيقة للمولود وسنة قيام الليل في رمضان، بإحدى عشرة ركعة فقط، وسنة خطبة الحاجة واستهلال خطبة الجمعة، وسنة جلباب المرأة، والتحذير من بناء المساجد على القبور، والصلاة فيها، كما كان للشيخ الألباني الباع الطويل في توجيه كثير من الشباب للعناية ببحوث السنة وتطويع الأجهزة الحديثة والمبتكرات العلمية الجديدة لخدمة السنة النبوية الشريفة وتيسيرها للناس [11].
الألباني وصلته بأهل العلم
التقى الشيخ الألباني بكثير من العلماء وطلبة العلم، الذين أخذ عنهم وأخذوا عنه، ومنهم:
مؤرخ حلب ومحدثها الشيخ راغب الطباخ الذي أجاز الألباني بمروياته يوم أجاز صاحبه الشيخ زهير الشاويش بوساطة الأستاذ محمد المبارك سنة 1946م [12].
كما التقى بالشيخ حامد الفقي رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمصر، والمحدث المحقق أحمد شاكر.
كما كان للشيخ صلة وثيقة بالشيخ ابن باز رحمه الله، وكانت بينهما جلسات علمية نافعة مراسلات مفيدة.
كما التقى بالأديب الشيخ محب الدين الخطيب والمحدث الهندي حبيب الرحمن الأعظمي، والعلامة يوسف القرضاوي والشيخ محمد الغزالي والدكتور أحمد العسال والدكتور عمر الأشقر والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم كثير في بلاد الهند وتركيا والشام ومصر والمغرب العربي [13].
الألباني وخبرته العلمية ومكانته
لكثرة مؤلفاته العلمية الدقيقة في تحري السنة وتحري الحق وسمعته العلمية الكبيرة، صار الشيخ الألباني مرجعا في الحديث يأتيه العلماء والأساتذة وطلبة العلم من مختلف البلاد؛ ليستفيدوا من علمه، وقد انتشرت مؤلفاته انتشارا واسعا، حتى ترجم بعضها إلى لغات مختلفة.
ونظرا لهذه الخبرة العلمية الكبيرة أصبح الشيخ الألباني محل نظر وتقدير من المراكز العلمية العالمية في الشرق والغرب:
-فاختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام 1955م.
-وطلبت منه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر.
-و اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من قبل الملك خالد بن عبد العزيز ملك السعودية من عام 1395هـ / 1975م إلى 1398هـ/1978م.
-واختارته إدارة البحوث العلمية و الإفتاء بالرياض للسفر إلى مصر و المغرب و بريطانيا للدعوة إلى عقيدة التوحيد والمنهج الإسلامي الحق.
-وغير ذلك من الأعمال العلمية والدعوية في أنحاء العالم الإسلامي [14].
الشيخ الألباني .. أخلاقه وصفاته
وقد لخصها الشيخ علي بن حسن الحلبي في نونيته عن مآثر الشيخ الألباني وآثاره ورثائه، فيقول:
أخلاقه في ذروة بتأدب *** من نور أحكام من القرآن
فتواضع في الشيخ خلق واضح*** لا يختفي إلا على العميان
والصبر منه شعاره ودثاره *** فتأدب وتجلد نوران
ورجوعه للحق نهج ظاهر *** في كتبه ومجالس الخلان
لا ليس يحقد أو يكن بقلبه *** غلا به يعلوك كالبركان
زد فوق هذا رقة رقراقة *** بالدمع تغرق منه ذي العينان [15]
الألباني .. عبادته
كان الألباني رحمه الله من أحرص الناس على أن تكون عبادته موافقة للسنة في صفتها وعددها ووقتها، فقد قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: "فالذي أعرفه من الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل- أنه حريص جدًا على العمل بالسنة، ومحاربة البدعة، سواء كانت في العقيدة أم في العمل".
فقد كان الألباني رحمه الله سريع التأثر والبكاء عند سماع آيات القرآن أو تلاوته، أو سماع الأحاديث النبوية التي فيها الوعد والوعيد.
وكان الألباني رحمه الله يحرص على صيام الاثنين والخميس صيفا وشتاء، إلا أن يكون مريضًا أو مسافرًا.
وكان إذا دخل يوم الجمعة لا يزال يصلي ركعتين ركعتين حتى يصعد الإمام المنبر.
وكان يحج ويعتمر كل عام ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وربما اعتمر في السنة الواحدة مرتين، وحجّ الألباني أكثر من ثلاثين حجة [16].
الألباني .. آثاره العلمية
ترك الشيخ الألباني رحمه الله ذخيرة علمية نفيسة جلها في خدمة كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تزيد عن مائتي كتاب بين تأليف وتحقيق وتعليق وتخريج، ونذكر منها على سبيل المثال:
آداب الزفاف في السنة المطهرة، أحاديث الإسراء والمعراج، أحكام الجنائز، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، الأسئلة والأجوبة، صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، صحيح وضعيف الجامع الصغير وزياداته، صحيح السيرة النبوية، صحيح وضعيف الترغيب والترهيب، جلباب المرأة المسلمة، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، منزلة السنة في الإسلام.
تلامذة الشيخ الألباني
تلاميذ الشيخ الألباني رحمه الله في العالم العربي والإسلامي، وسنذكر المشهورين منهم في عالمنا الآن، ومنهم:
عبد الرحمن الباني وزهير الشاويش وعصام العطار وهم من الرعيل الأول للإخوان المسلمين في سوريا.
الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والدكتور عمر الأشقر ومحمود مهدي الإستانبولي والشيخ محمد عيد عباسي والشيخ محمد إبراهيم شقرة والشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ علي خشان والشيخ محمد جميل زينو، وحسين العوايشة، وعلي الحلبي، ومشهور حسن، ومحمد إبراهيم الشيباني، وحمدي السلفي [17].
الشيخ الألباني .. ثناء العلماء عليه
قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة عن الشيخ الألباني رحمهما الله: "للرجل من رسوخ قدمه في السنّة ما يعطيه هذا الحق.. إني عظيم الحفاوة بهذا الاستبحار العلمي، وهو يمثل وجهة نظر محترمة في تمحيص القضايا الدينية، وشكر الله له جهده في المحافظة على تراث النبوّة، وهدانا جميعا سواء السبيل" [18].
وقال عنه الشيخ العلاَّمة عبد العزيز بن باز: «الألباني مجدد هذا العصر في علوم الحديث».
وقال عنه الشيخ محمد صالح العثيمين: «إن الألباني ذو علم جم في الحديث دراية ورواية وهو محدث العصر».
وقال العلاَّمة المحقق محب الدين الخطيب: «إن الألباني من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها».
وقال عنه الأديب العلامة علي الطنطاوي: «الشيخ ناصر الدين الألباني أعلم مني بعلوم الحديث، وأنا أحترمه لجده ونشاطه وكثرة تصانيفه التي يطبعها له أخي وولدي النابغة زهير الشاويش، وأنا أرجع إلى الشيخ ناصر في مسائل الحديث ولا أستنكف أن أسأله عنها معترفاً بفضله، وأنكر عليه إذا تفقه فخالف ما عليه الجمهور لأنه ليس بفقيه» [19].
الألباني والإخوان المسلمون
إنها لصورة قاتمة تلك التي يصورها البعض عن علاقة الشيخ الألباني بجماعة الإخوان المسلمين، صورة مليئة بالاتهامات والتضليل المتبادل بين الطرفين، والحقيقة غير ذلك على الإطلاق.
لقد كانت العلاقة بين الشيخ الألباني والإخوان المسلمين ملؤها الحب والتآزر والتلاحم، وهذا ما توضحه حقائق التاريخ، فمن بين تلك الحقائق أن الشيخ الألباني -رحمه الله- نال إجازة الحديث الشريف على يد الشيخ راغب الطباخ مؤرخ حلب ومحدثها يوم أجاز صاحبه الشيخ زهير الشاويش بوساطة الأستاذ محمد المبارك سنة 1946م [20]، والأستاذ المبارك من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
كما أصدر الدكتور سعيد رمضان (مجلة المسلمون) بسوريا فترة من الزمن بإشراف الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين بسوريا، وكان من هدي المجلة أن أي سؤال في علم الحديث يحال مباشرة للشيخ الألباني، كما كان للشيخ الألباني بعض المقالات والتعقيبات في بابه الثابت بعنوان: (عودة إلى السنة) [21].
كما أرسل الإمام حسن البنا رحمه الله رسالة إلى الألباني يشجعه ويحثه على الاستمرار في منهجه العلمي السليم، ويقول الألباني: وللأسف هذه الرسالة قد ضاعت مني، وكانت هذه الرسالة بعد أن نشر الألباني في مجلة الإخوان المسلمين سنة 1947م، بعد التعليقات على مقالات الشيخ سيد سابق في فقه السنة التي كانت تنشر بمجلة "الإخوان المسلمون" [22].
وفي سؤال وجه للشيخ الألباني عن الإمام حسن البنا رحمه الله قال:" لو لم يكن للشيخ حسن البنا-رحمه الله- من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي في السينمات ونحو ذلك والمقاهي، وكتّلهم وجمعهم على دعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام..لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلاً وشرفاً..هذا نقوله معتقدين، لا مرائين، ولا مداهنين".
مرض الشيخ الألباني
كان الألباني رحمه الله في الأيام الأخيرة من عمره يعاني من عدة أمراض وكان مع كل ذلك صابرا محتسبا، وقد نحل جسمه كثيرا، ومن تلك الأمراض التي عانى منها الألباني رحمه الله: فقر الدم والكبد وإحدى كليتيه.
ومع ذلك كان الألباني رحمه الله لا يهدأ عن البحث والمطالعة، وكانوا يسمعونه وهو نائم يقول: هات كتاب الجرح والتعديل، جزء كذا صفحة كذا، ويسمى غيره من الكتب، وذلك لشغفه رحمه الله بالعلم نائما ويقظانا [23].
وفاة الشيخ الألباني
وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل والدعوة والمرض والصبر توفي الشيخ الألباني رحمه الله في عصر يوم السبت 22 جمادى الآخرة 1420هـ/ 2 أكتوبر 1999م، وفي اليوم نفسه تم تجهيز جنازته والإسراع بها حسب ما أوصى به رحمه الله، وكان ذلك، فقد حملت جنازته من بيته إلى المقبرة، وصلى عليه تلميذه محمد إبراهيم شقرة، ودفن بعد صلاة العشاء [24].
فرحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته على ما قدمه من خدمات جليلة في خدمة السنة النبوية المطهرة.