فضاءات الاحراز

الاحراز

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر قطب محمد سليمان
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 52
إعلانات


حكم زواج شاب من فتاة زنا بها

أنا شابٌّ ملتزم، وفي مكانةٍ مرموقةٍ في المجتمع، والحمد لله وهبني الله جزءًا مما يسمُّونه الجمال، وقد أُعجبت بي فتاةٌ جارةٌ لنا، وأخذت في مُشاغلتي، والسعي ورائي، حتى وقعتُ في الخطيئة، واستطعنا التخلُّصَ من الجنين، وقضيتي الآن أنني لا استطيع الزواج منها؛ لأنها فعلاً شيطانة، فهي لم تكن عذراءَ، وأنا لا أتحامل عليها، وهي تهددني بالفضحية إذا لم أتزوَّج منها؛ لأنها لا تخاف على نفسها، المهم بالنسبة لها هو أني عريسٌ لا يمكن تعويضه.. فأريد أن أعرفَ ما عليَّ فعله، وهل أتزوجها معاقبةً لنفسي على هذا الذنب، وما الواجب لتكفير ذنبي، أفيدونا جزاكم الله خيرًا، وأنا متأسف للإطالة.
يحار عقل المرء كثيرًا أمام هذه النوعية من البشر التي تدَّعي الالتزام، وأنه شابٌّ ملتزمٌ، ثم نراه جريئًا على ارتكاب الكبائر، ما مقياس الالتزام عند أمثال هؤلاء القوم وهم من يرتكبون الكبائر والموبقات.
يا أخي الفاضل لقد ارتكبت عددًا من الكبائر.. الزنا وهو كبيرةٌ من أكبرِ الكبائر، وقتل النفس التي حرَّم الله قتلَها إلا بالحق، لقد تكلَّمت عن إجهاض الجنين كأنه شربة ماء شربتها وانتهى الأمر، وما تدري أنك قد قتلت نفسًا بريئة حرَّم الله قتلَها إلا بالحق، وإنَّ الحقَّ سبحانه وتعالى يقول: ?وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)? (الفرقان).
فهذا جزاء من اقترف مثلَ هذه الفواحش والموبقات، ولكن من رحمة الله تعالى أن فتحَ باب التوبة على مصراعيه، حيث يقول سبحانه بعد هذه الآيات: ?إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)? (الفرقان) فأنت في حاجة إلى توبة نصوح، تصحِّح بها خطأك هذا وتعدِّل بها وضعَك وتصلح شأنك مع الله تعالى.
وهذه التوبة النصوح هذه شروطها وضعتها في إجابة سؤال سابق، ولكني أعيدها هنا لحاجتك إليها:
إنَّ من فضل الله تعالى على عباده ومن رحمته بهم أنه لم يغلق في وجوههم بابَ التوبة، بل فتح أمامهم هذا البابَ على مصراعيه، فهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تشرقَ الشمس من مغربها.
وإذا كان التكوين الخلقي للإنسان قابلاً للمعصية، فهذا من تكوينه ومن تركيبته التي خلقه الله عليها، فإن من شأن المسلم ألا ينساقَ وراء معاصيه أو يندفعَ وراء نزواته وشهواته، بل لا تصدر منه المعصية إلا في ساعة غفلة، وفي لحظةٍ تمكَّن فيها داعي الشهوة من قلبه، وسيطر على عقلِه وكيانه فاندفع في طريق المعصية فاقترفها، ولكنه بعد أن فعلَ ما فعل لم يفتخرْ بما صنعه، ولم يتباهَ بما اقترفه وارتكبه، بل تراه كئيبًا حزينًا على معاصيه وآثامه، نادمًا على فعله، متحسرًا على معاصيه، يحاول جاهدًا ما استطاع أن يتخلَّص من ذنبه، وأن يتوبَ من معصيته، وفي أمثال هؤلاء يقول الحق سبحانه: ?وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)? (آل عمران).
إنهم لا يصرُّون على المعصية، ولا يتعمَّدون اقترافَ الذنب، وإنما لو بدرت منهم المعصية سارعوا بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، ونرى أيضًا أن الحق سبحانه يطالب عباده المسرفين على أنفسهم أن يبادروا بالتوبة والرجوع إليه سبحانه، حيث يقول في محكم كتابه: ?قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)? (الزمر).
من هنا فإن على المسلم العاصي أن يبادرَ إلى ربِّه بالتوبةِ والرجوع إليه سبحانه، ولكن حتى تكونَ التوبة توبةً صحيحةً مقبولةً لا بد لها من عددٍ من الشروط حتى تكون توبة صحيحة
وبالنسبة لعلاقتك بهذه الفتاة فهي واحدة من اثنتين:
1- إما أن تكونَ هذه الفتاة فتاةً مسلمةً قد تابت من معصيتها واستقامت على أمر الله تعالى وتركت طريق الفجور والفسق، ففي هذه الحالة ننصحك بالزواج منها؛ سترًا على عِرض فتاةٍ مسلمةٍ، ولعلَّ الخيرَ يكون في مثل هذا الزواج.
2- وإما أن تكون هذه ما زالت على فجورها ومعصيتها وسلوكها المشين، ففي مثل هذه الحالة إياك أن تتزوج منها، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ?الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (3)? (النور).
وقد تهددك الفتاة بالفضيحة بين الناس، أين كنت أنت من هذه الفضيحة، وأنت ترتكب مثل هذه الجريمة، ألم تكن تعلم بأن عواقب هذه الجريمة الخزي والفضيحة في الدنيا، والعذاب الأليم في الدار الآخرة، فهذا عملك وصنيعك، ويجب عليك أن تتحمَّل نتائجه وعواقبه مهما كانت، فلم يجبرْك أحدٌ على القيام بما قمت به.
أضفْ إلى ذلك أن الفضيحةَ في هذه الحالةِ أهونُ من الفضيحة، لو أنك تزوجت بفتاة زانية فإنها لن تتخلَّى عن سلوكها السيء هذا، وستلوث شرفك وعرضك وتمرِّغ بكرامتك في التراب، فحاولْ أن تسترضيَ هذه الفتاة بأي صورةٍ؛ حتى تبتعدَ عنك وتتركَك في حالك، ولا تطاوعْها على الزواج منها لو أنها ما زالت على وضعها السيء وعلى فجورها، ولكن لو تأكَّدت من توبتها وصدقِها في هذه التوبة فلا مانعَ من الزواجِ منها، والله أعلم.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة