الثرود والسياييل في الرقة
ظل أهل "الرقة" فترة طويلة من الزمن، يعتمدون في طعامهم على أكلات شعبية، أغلبها أصبحت من المنسيات، وبعضها ما زال عالقاً في الذاكرة الشعبية، وبعضها الآخر مازال يقدم كأكلات "رقية" بامتياز مثل "الثريد"، والسياييل"، و"المنسف"
أما الأطعمة التي نسيها أهل "الرقة"، فهي كثيرة ومتعددة أهمها "جلف الذرة البيضاء"، وكان يصنع من مادة الذرة البيضاء، على شكل كتلة دائرية من عجين الذرة المطحونة مدببة من الأعلى، توضع في حفرة قاعها مملوءة بالحصى، ثم تطمر بالتراب، حيث يتم إشعال النار فوقها من مادة الحطب إلى أن تنضج، وذلك حسب تقدير المشرف على الشي. بعد ذلك يتم إخراج القرص من الحفرة بعد أن تبرد، حيث يتم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة في إناء كبير، ويتم ثردها مع اللبن الزبادي والثوم، وتأكلها العائلة كاملة كوجبة رئيسة.
ومن الأطعمة الشعبية الرقية الأخرى التي تم نسيانها مع تقدم الزمن نذكر، الحبيَّة، وعيش اللبن، والعصيدة، والحريرة، والمشوطية، التي تشبه الأكلة الشامية المعاصرة "حراق إصبعه". أما الأكلات "الرقية" الشعبية التي مازال أهل "الرقة" يطبخونها، وكما أسلفنا سابقاً فهي على النحو التالي:
"الثريد": وهو طعام اشتهر به العرب قبل الإسلام وبعده، وكانت الولائم الكبرى التي تقيمها العائلات العربية الغنية في الفترة السابقة على الإسلام كلها من طعام الثريد، حيث تذبح الخراف، والجمال ويقطع لحمها إلى قطع متوسطة، ويتم طبخها بالماء مضافاً إليها الدهن والسمن العربي إلى أن تستوي أو تنضج، حيث يتم سكبها في صواني كبيرة فوق أرغفة الخبز المفروشة على أرضية الصواني الكبيرة، ويتم تقديمها للضيوف، الذين يبدأون بالأكل بواسطة أياديهم اليمنى، ويتم ذلك بهرس الخبز، وبعضهم يقلبون الهاء ميمماً، فيقولون بمرس مادة الخبز بالمرق وقطع اللحم.
وكانت القبائل العربية تتسابق فيما بينها، بإقامة الولائم الكبيرة من الثريد، وتتسابق أيضاً بعدد الذبائح الذي تقدمه للضيوف، وفي
تقديم المنسف على الطريقة الرقيّة
سبيل تجسيد مبدأ الكرم الذي اشتهرت به العرب على مدى مسيرة التاريخ.
في الفترة العربية الإسلامية، ظل طعام الثريد من الأطعمة الشهية والمحببة للناس، وتذكر المصادر العربية، أنّ الرسول "ص" قال: «الثريد سيد الطعام»، وفي حديث آخر قال: «مثل "عائشة" في النساء، كمثل الثريد في الطعام»، وكان الثريد من الأطعمة الرئيسة، بل اليومية التي تقدم إلى الجيوش الفاتحة للأمصار.
وطعام الثريد معروف حتى عند سكان أوروبا، وهناك تعبير متفرد لطعام الثريد في اللغة الإنجليزية، وقد عرفه الأوربيون أثناء الحروب الصليبية، وقبل ذلك في "الأندلس".
وفي وليمة أقامتها البعثة الأثرية الألمانية العاملة في "تل البيعة"، "توتول"، سنة /1987/ ميلادي تفاجأ المدعوون من الأخوة العرب أنّ طعام الثريد كان الوجبة الرئيسة على المائدة، وذلك بناءً على طلب الألمان أنفسهم، حيث أنهم يعتبرونها من ألذ أنواع الأطعمة التي أكلوها.
ظلّ طعام الثريد عند أهل "الرقة"، من الأطعمة التي لم ينسوها، وقبل أكثر من خمسين عاماً من الآن، كانت ولائم الثريد يتم تقديمها في الصباح الباكر، لذلك كانوا يسمونها "الصبحة"، فحين يتزوج أحدهم، يقوم أهله بذبح الخراف والنعاج ليلاً، ويتم طبخها في الهزع الأخير من الليل، وفي الصباح الباكر يكون الطعام جاهزاً، حيث يتوافد المدعوون في الساعة السابعة صباحاً، وتقم لهم الصواني مملوءة بالخبز والمرق واللحم، وحين الانتهاء من الأكل، يقوم البعض بغسل أيديهم بالماء والصابون، وبعضهم الآخر يكتفي بمسح يديه برواق بيت الشَعِر، اعتقاداً منهم أنّ البركة ستحل على أهل البيت.
وفي أيامنا هذه يقدّم طعام الثريد في حلة متطورة، حيث يضيفون إليه مادة حب
طبخ اللحم بطريقة الثريد
الحمص، ومادة الكمأة، وبعضهم يضيف إليه اللبن الزبادي مع الثوم، ولا تكاد تخلو وليمة تقام في "الرقة" من طعام الثريد، وقد قال أحدهم:
دع الأيام تفعل ما تريد/ وكن شهياً إذا حضر الثريد
المنسف الرقي: اشتهرت "الرقة" قديماً، وما زالت تشتهر بطعام المنسف العربي الذي تتميز به دون غيرها من المدن الأخرى، وفي الماضي لم يكن المنسف معروفاً كون مادة الرز كانت قليلة جداً، وفقط العائلات الغنية كانت تقدم أكلة المنسف، وكانت العائلات العادية تقدم المنسف المطبوخ من مادة اللحم والبرغل,
يقومون بطبخ اللحم على حدة، وسلق مادة الأرز على حدة، وما أن يستوي طبخ الرز، حتى يقومون بوضعه في صواني كبيرة وواسعة، ثم يفرشون مادة اللحم الناضج فوقه، بحيث يغطون الرز المفروش كاملاً بقطع اللحم، وقد تكون قطع اللحم هذه كبيرة، وقد تكون صغيرة، ثم يرشون فوق اللحم حبات اللوز والصنوبر، وكل أنواع "القلوبات"، وبعضهم يضع أيضاً حبات الكمأة المقطعة.
وفي الآونة الأخيرة، يضعون الأرز المطبوخ مع مادة الفريكة، ثم يضعون فوقهما مادة اللحم المقطع والقلوبات المنوعة. وفي الغالب تطبخ مادة الرز بالسمن النباتي، أو بمادة زيت الذرة، وفي الماضي كان الرز يطبخ بمادة السمن العربي الأصيل. كما أنّ بعض العائلات الميسورة تقدم المنسف في صواني كبيرة بعضها تتسع لعشرة خراف مذبوحة ومقطعة.
أكلة "السياييل": والمعنى مشتق من سيل مادة السمن العربي الأصيل فوق أقراص الخبز أو العجين، وهذه الأكلة معروفة لدى أهل "الرقة" منذ زمن بعيد، وما زال الأهالي يطبخونها بكثرة حتى
[تكبير الصورة]
إعداد مناسف الثريد
أيامنا هذه.
وطريقة صنع هذه الأكلة تعتمد على تجهيز أقراص الخبز الخاص من عجينة البر، حيث توضع في إناء واسع وغير عميق فوق النار، ثم يدلق فوقها السمن العربي حتى تستوي وتنضح، ثم تبرد، وترش بمادة السكر، واليوم يضيفون إليها بعض القلوبات واللوزيات، وبجانبها يعدون الكبة النيئة الحادة، وتعتبر هذه الأكلة في أيامنا هذه من الأكلات الباهضة الثمن، بعد أن كانت في السابق أكلة شعبية في متناول عامة الناس، كما أنها أكلة من الصعب على كل إنسان تناولها لوجود مادة السمن العربي.
وتشتهر بعض العائلات "الرقية" بصناعتها، وخاصة في شهر رمضان المبارك.
أما الأطعمة التي نسيها أهل "الرقة"، فهي كثيرة ومتعددة أهمها "جلف الذرة البيضاء"، وكان يصنع من مادة الذرة البيضاء، على شكل كتلة دائرية من عجين الذرة المطحونة مدببة من الأعلى، توضع في حفرة قاعها مملوءة بالحصى، ثم تطمر بالتراب، حيث يتم إشعال النار فوقها من مادة الحطب إلى أن تنضج، وذلك حسب تقدير المشرف على الشي. بعد ذلك يتم إخراج القرص من الحفرة بعد أن تبرد، حيث يتم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة في إناء كبير، ويتم ثردها مع اللبن الزبادي والثوم، وتأكلها العائلة كاملة كوجبة رئيسة.
ومن الأطعمة الشعبية الرقية الأخرى التي تم نسيانها مع تقدم الزمن نذكر، الحبيَّة، وعيش اللبن، والعصيدة، والحريرة، والمشوطية، التي تشبه الأكلة الشامية المعاصرة "حراق إصبعه". أما الأكلات "الرقية" الشعبية التي مازال أهل "الرقة" يطبخونها، وكما أسلفنا سابقاً فهي على النحو التالي:
"الثريد": وهو طعام اشتهر به العرب قبل الإسلام وبعده، وكانت الولائم الكبرى التي تقيمها العائلات العربية الغنية في الفترة السابقة على الإسلام كلها من طعام الثريد، حيث تذبح الخراف، والجمال ويقطع لحمها إلى قطع متوسطة، ويتم طبخها بالماء مضافاً إليها الدهن والسمن العربي إلى أن تستوي أو تنضج، حيث يتم سكبها في صواني كبيرة فوق أرغفة الخبز المفروشة على أرضية الصواني الكبيرة، ويتم تقديمها للضيوف، الذين يبدأون بالأكل بواسطة أياديهم اليمنى، ويتم ذلك بهرس الخبز، وبعضهم يقلبون الهاء ميمماً، فيقولون بمرس مادة الخبز بالمرق وقطع اللحم.
وكانت القبائل العربية تتسابق فيما بينها، بإقامة الولائم الكبيرة من الثريد، وتتسابق أيضاً بعدد الذبائح الذي تقدمه للضيوف، وفي
تقديم المنسف على الطريقة الرقيّة
سبيل تجسيد مبدأ الكرم الذي اشتهرت به العرب على مدى مسيرة التاريخ.
في الفترة العربية الإسلامية، ظل طعام الثريد من الأطعمة الشهية والمحببة للناس، وتذكر المصادر العربية، أنّ الرسول "ص" قال: «الثريد سيد الطعام»، وفي حديث آخر قال: «مثل "عائشة" في النساء، كمثل الثريد في الطعام»، وكان الثريد من الأطعمة الرئيسة، بل اليومية التي تقدم إلى الجيوش الفاتحة للأمصار.
وطعام الثريد معروف حتى عند سكان أوروبا، وهناك تعبير متفرد لطعام الثريد في اللغة الإنجليزية، وقد عرفه الأوربيون أثناء الحروب الصليبية، وقبل ذلك في "الأندلس".
وفي وليمة أقامتها البعثة الأثرية الألمانية العاملة في "تل البيعة"، "توتول"، سنة /1987/ ميلادي تفاجأ المدعوون من الأخوة العرب أنّ طعام الثريد كان الوجبة الرئيسة على المائدة، وذلك بناءً على طلب الألمان أنفسهم، حيث أنهم يعتبرونها من ألذ أنواع الأطعمة التي أكلوها.
ظلّ طعام الثريد عند أهل "الرقة"، من الأطعمة التي لم ينسوها، وقبل أكثر من خمسين عاماً من الآن، كانت ولائم الثريد يتم تقديمها في الصباح الباكر، لذلك كانوا يسمونها "الصبحة"، فحين يتزوج أحدهم، يقوم أهله بذبح الخراف والنعاج ليلاً، ويتم طبخها في الهزع الأخير من الليل، وفي الصباح الباكر يكون الطعام جاهزاً، حيث يتوافد المدعوون في الساعة السابعة صباحاً، وتقم لهم الصواني مملوءة بالخبز والمرق واللحم، وحين الانتهاء من الأكل، يقوم البعض بغسل أيديهم بالماء والصابون، وبعضهم الآخر يكتفي بمسح يديه برواق بيت الشَعِر، اعتقاداً منهم أنّ البركة ستحل على أهل البيت.
وفي أيامنا هذه يقدّم طعام الثريد في حلة متطورة، حيث يضيفون إليه مادة حب
طبخ اللحم بطريقة الثريد
الحمص، ومادة الكمأة، وبعضهم يضيف إليه اللبن الزبادي مع الثوم، ولا تكاد تخلو وليمة تقام في "الرقة" من طعام الثريد، وقد قال أحدهم:
دع الأيام تفعل ما تريد/ وكن شهياً إذا حضر الثريد
المنسف الرقي: اشتهرت "الرقة" قديماً، وما زالت تشتهر بطعام المنسف العربي الذي تتميز به دون غيرها من المدن الأخرى، وفي الماضي لم يكن المنسف معروفاً كون مادة الرز كانت قليلة جداً، وفقط العائلات الغنية كانت تقدم أكلة المنسف، وكانت العائلات العادية تقدم المنسف المطبوخ من مادة اللحم والبرغل,
يقومون بطبخ اللحم على حدة، وسلق مادة الأرز على حدة، وما أن يستوي طبخ الرز، حتى يقومون بوضعه في صواني كبيرة وواسعة، ثم يفرشون مادة اللحم الناضج فوقه، بحيث يغطون الرز المفروش كاملاً بقطع اللحم، وقد تكون قطع اللحم هذه كبيرة، وقد تكون صغيرة، ثم يرشون فوق اللحم حبات اللوز والصنوبر، وكل أنواع "القلوبات"، وبعضهم يضع أيضاً حبات الكمأة المقطعة.
وفي الآونة الأخيرة، يضعون الأرز المطبوخ مع مادة الفريكة، ثم يضعون فوقهما مادة اللحم المقطع والقلوبات المنوعة. وفي الغالب تطبخ مادة الرز بالسمن النباتي، أو بمادة زيت الذرة، وفي الماضي كان الرز يطبخ بمادة السمن العربي الأصيل. كما أنّ بعض العائلات الميسورة تقدم المنسف في صواني كبيرة بعضها تتسع لعشرة خراف مذبوحة ومقطعة.
أكلة "السياييل": والمعنى مشتق من سيل مادة السمن العربي الأصيل فوق أقراص الخبز أو العجين، وهذه الأكلة معروفة لدى أهل "الرقة" منذ زمن بعيد، وما زال الأهالي يطبخونها بكثرة حتى
[تكبير الصورة]
إعداد مناسف الثريد
أيامنا هذه.
وطريقة صنع هذه الأكلة تعتمد على تجهيز أقراص الخبز الخاص من عجينة البر، حيث توضع في إناء واسع وغير عميق فوق النار، ثم يدلق فوقها السمن العربي حتى تستوي وتنضح، ثم تبرد، وترش بمادة السكر، واليوم يضيفون إليها بعض القلوبات واللوزيات، وبجانبها يعدون الكبة النيئة الحادة، وتعتبر هذه الأكلة في أيامنا هذه من الأكلات الباهضة الثمن، بعد أن كانت في السابق أكلة شعبية في متناول عامة الناس، كما أنها أكلة من الصعب على كل إنسان تناولها لوجود مادة السمن العربي.
وتشتهر بعض العائلات "الرقية" بصناعتها، وخاصة في شهر رمضان المبارك.