حكم العمل من خلال جماعة
ما مدى مشروعية العمل في جماعة؟ وما الشروط التي يجب أن تتوافرَ فيها؛ حيث يوجد على الساحةِ الإسلامية العديد من الجماعات الإسلامية، وكل منها يعتقد أنه يحمل الفهمَ الصحيحَ للإسلام؟ أفيدونا يرحمكم الله.
يوجد على الساحةِ الإسلامية الواسعة مئات الجماعات الإسلامية، بعضها يهتم بجانب من جوانبِ العمل الإسلامي في قطرٍ من الأقطار، وبعضها يهتم بقضية إسلامية محددة، وبعضها عالمي يهتم بالقضايا الإسلامية في كل مكانٍ مثل جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر أواخر العشرينيات، والجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية في أوائل الأربعينيات، شعارها: "جنسية المسلم عقيدته، وكل أرض المسلمين وطنهم".
ولقد جاء قيام جماعة الإخوان المسلمين قدرًا مقدورًا، وكانت الاستجابة المقدرة للتحدي الصهيوني والصليبي والمادي والإلحادي، الذي ينذر بدمار العالم، ليس العالم الإسلامي وحده، ولكن العالم أجمع، ولم يكن سقوط دولة الخلافة الإسلامية على يد عدو الله- كمال أتاتورك- هو بداية التحدي، لكنه كان نقطة تحول فاصلة، في ميزان القوى بين الإسلام وبين أعدائه، لصالح أعداء الإسلام، ولم يكن ممكنًا التخلي عن الاستجابة لمواجهة التحدي، الذي فرض على الأمة الإسلامية، ويوشك أن يدمِّرَها ويدمرَ العالمَ كله معها، فكان إلهام الحق سبحانه للإمام البنا- رحمه الله- أن يؤسِّس جماعة الإخوان، التي حملت الرسالة بشمولها وكمالها، ووقفت للاستعمار في كل مكان، وجاهدت بالنفس والمال.
1- الأصل الشرعي لفرضية الجماعة:
لقد أمر الحق- سبحانه وتعالى- المسلمين أن يقيموا بينهم جماعةً أو هيئةً أو حزبًا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حتى في وجود الدولة الإسلامية؛ فكيف إذا غابت؟ قال تعالى في شرعية وفرضية هذا الأمر: ?وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر? (آل عمران: 104).
ووجه الاستدلال في هاتين الكلمتين على إقامةِ جماعةٍ إسلاميةٍ: هو أن الله أمرَ المسلمين بأن تكون منهم جماعة، تقوم بالدعوة إلى الخير؛ أي إلى الإسلام، وتقوم كذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن سبعين عامًا عمر الإخوان المسلمين، "وهي جماعة من المسلمين" صار من السهل تصور علاقة الإسلام بالحياة، وبالسياسة، وبالجهاد، وبالحكم، وصار من السهل على الفرد أن يدركَ أنه لا بد من الانخراط في تيار جماعي مسلم، حتى يستطيعَ أن ينصرَ الإسلام، ويحملَ تبعات هذا الدين، والإخوان المسلمون حركةٌ عالميةٌ لا يحدها مذاهب، ولا يدعي ملكيتها فريق، بل بابها مفتوح لكل المسلمين، ولكل من يريد أن يحمل الراية، وأن يسهمَ بحق في القضية الإسلامية، وأن يعملَ على إنقاذِ أمته وصيانة عزتها وسيادتها.
2- لزوم الجماعة وحكم التخلف عنها:
إن الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر يتطلب وجودَ الجماعة لتستطيعَ أن تقومَ به، وتؤمنَ السبيل بمن تولاه، وفي التخلف عن ذلك خطرٌ عظيم، يقول الحق سبحانه: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون? (المائدة: 78- 79).
والجماعة لكي تأخذ صفة الجماعة لا بد لها من غاية وهدف واضحَيْن ومنهج إسلامي، وأن يتوافر بين أعضائها أخوة وترابط ليكونوا صفًّا واحدًا، وجسمًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وتعمل على رد الأمر لله، وسيادة شرعه الحكيم، وتنهض على أساس العقيدة الإسلامية، ويكون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن تلتزم بشمول الإسلام وكماله، وأن تتابع أميرها على ذلك.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن الخصاصية قال: "أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبايعه على الإسلام، فاشترط عليَّ: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وتُصلي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج، وتجاهد في سبيل الله. قلت: يا رسول الله أما اثنتان فلا أطيقهما، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أنَّ من ولَّى فقد باء بغضبٍ من الله، فأخافُ إذا حضرتني قتال كرهتُ الموتَ وخشعت نفسي.. فقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده، ثم حرَّكها ثم قال: لا صدقةَ ولا جهاد، فبم تدخل الجنة؟! ثم قلت: يا رسول الله أبايعك فبايعني عليهن كلهن".
والذي يجب أن نلاحظه أنَّ البيعةَ هنا تكون مع الجماعة.
وإن النصوصَ الشرعيةَ تُوجب العمل للإسلام من خلاله جماعة، فالإسلام ليس شعائر تعبدية فقط، بل هو أيضًا جهاد، وذلك لا يقوم ولا يكون إلا بالجماعة، كما أن الإسلام دينٌ ودولةٌ، وعبادةٌ وقيادةٌ، والجماعة هي السبيل إلى ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" (رواه أحمد)، وقال: "يد الله مع الجماعة" (سننن الترمذي)، وقال: "من خلع يدًا من طاعة، لقي الله يوم القيامة ولا حجة له" (رواه مسلم).
فهذه النصوص وغيرها توجب تجميع الجهود الفردية في تجمع واحد منظم، وتجنيد المسلمين لحماية الإسلام، وإذا كانت المجتمعات المناوئة للإسلام لا تتحرَّك أبدًا كأفراد، إنما تتحرك كأمم متراصة، تتجه نحونا بطبيعة وجودها وتكوينها للعدوان وللدفاع عن باطلها ووجودها وكياناتها، وتحاول أن تدمر أمتنا، فلذلك لا يمك الإسلام أن يقفَ أمامهم إلا في صورة صف واحد، بدرجات أعمق وأقوى، وصدق الله العظيم إذ يقول: ?إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوص? (الصف: 4).
يقول عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: "لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بطاعة".
إن جذور العمل الجماعي في الإسلام وأصوله وشرعيته لا يحتاج إلى دليل.
جاء في أقوال العلماء: "لقد كان أئمة الإسلام أصحابَ فقه عظيم، لقد عرفوا المقاصد العامة للشريعة، ووجوب كل ما يحقق هذه المقاصد، وإن لم تنص عليه، وعرفوا أن كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فانخلعوا عن الفردية، حيث اقتضى الأمر هذا الانخلاع، وتكاتفوا وعملوا عملاً جماعيًّا، وأوضحوا في عدد من التوجيهات والفتاوى الواضحة والصريحة، شرعية العمل الجماعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما تسمى هذا العمل الجماعي بأسماء مختلفة، كالجماعة والحزب والكتلة والهيئة، وغير ذلك، وإذا كان العمل جماعيًّا فلا بد أن يكون له قائدًا ورئيسًا، سواء سمي أميرًا، أو زعيمًا، أو مرشدًا أو رئيسًا، وفي الحديث: "إذا كنتم ثلاثة فأمِّروا أحدكم".
وقد نستغرب أشدَّ الاستغراب، حين نعلم أن تسويغ إنشاء الجماعات الملتزمة بهذا الدين والعاملة لغايات شرعية، وتسويغ مثل هذه الاصطلاحات التي يعتقد البعض أنها حديثة أو لا معنى لها، هذه الألفاظ وردت في كلام الفقهاء، والأئمة القدماء.
يقول الإمام ابن تيمية في شرعية العمل الجماعي، مما لا يصدق أنه من كلام القدماء.. يقول- رحمه الله-: "وأما لفظ الزعيم فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل، يقول الحق تبارك وتعالى: ?وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ? (يوسف: 72)، فمن تكفَّل بأمرِ طائفة فإنه يُقال هو زعيم، فإن كان قد تكفل بأمر طائفة بخير كان محمودًا على ذلك، وإن كان بشرٍّ كان مذمومًا على ذلك".
وأمر هام أشار إليه الإمام رضي الله عنه: "فإن كانوا مجمعين على ما أمرَ الله ورسوله من غير زيادةٍ ولا نقصان، فهم مؤمنون، وإن كانوا قد أرادوا زادوا في ذلك أو نقصوا، مثل التعصب لمَن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمَّن لم يدخلْ في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل، فهذا من التفرُّق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الحقَّ- سبحانه وتعالى- ورسله أمرًا بالجماعةِ والائتلاف، ونهيًا عن التفرقةِ والاختلاف، وأمرًا بالتعاونِ على البرِّ والتقوى، ونهيًا عن التعاونِ على الإثمِ والعدوان".
إنَّ هذا النصَّ عن الإمامِ ابن تيمية.. نصٌّ له دلالته وروعته، فإنه يدعو في وضوح كلَّ مَن يعملون للإسلام، أن يكون محور دعوتهم ولب حركتهم في فقه الدعوة، أن يكونوا أداةَ جمعٍ وتأليفٍ بين القلوب، وتعاون على كل ما يُرضي الله ورسوله، وهو نصٌّ يزيد العمل الجماعي رسوخًا؛ لأنه يؤدِّي إلى القولِ الفصل، حين يسارع البعض فيرفضون شرعية العمل الجماعي رسوخًا؛ لأنه يؤدي إلى القولِ الفصل، حين يسارع البعض فيرفضون شرعية العمل الجماعي، أو شرعية مَن يقوم به، وكيف يكون العمل الجماعي من الأمور الممنوعة أو المستغربة، وهو الأصل الأصيل الموروث عن الأنبياء والرسل، عليهم أفضل الصلاة والسلام، وصدق الله العظيم إذ يقول: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي? (يوسف: 108).
وقوله تعالى: ?وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين? (آل عمران: 146).
وسيرة خاتم الأنبياء والرسل.. مثل واضح لذلك.
وزيادة في الإيضاح نقول:
إن العملَ الجماعي المنظم- وهو المطلوب- ثمرة الفهم الصحيح لهذا الدين، والإخلاص له، فهما الأساس في العمل البناء، فلا بدَّ من صحةِ الفهم، وسلامة القصد، حتى يكونَ الانطلاق في العملِ على بصيرةٍ وبينةٍ وبرهان: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي? (يوسف: 108).
والعمل المطلوب هو جهادٌ وكفاحٌ متواصلٌ، لا راحةَ معه، لقد قال الحق- تبارك وتعالى- لسيدِ الخلق- صلى الله عليه وسلم: ?قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً? (المزمل: 2)، فكانت كلمة "قم" أمرًا صريحًا من الله بأن يعمل- صلى الله عليه وسلم- لهذا الحق ثلاثةً وعشرين عامًا، لم يهدأ، ولم يعرف الراحة، وعندما طلبت منه السيدة خديجة- رضي الله عنها- أن يستريح قال لها: "مضى عهد النوم يا خديجة"، فهل نستطيع اليوم أن نقولها ونمضي إلى الله؟!!
ودعاة الإسلام اليوم في مرحلةٍ حرجةٍ من تاريخ الإسلام، تحتاج إلى مزيدٍ من العملِ والجهادِ والتضحية والثبات والإخلاص، إنَّ الذي يُفكِّر في العملِ بمفرده لن يعمل شيئًا، وتفكيره هذا نتيجة عدم وضوح الرؤية، أو عدم الالتزام بالمنهج السليم، أو غياب الوعي، وقصور الهمة، أو قلة الحيلة.
إننا لا نجد- مهما بحثنا- خطةً أوضحَ ولا أعمقَ ولا أيسرَ من خطةِ العمل التي حدَّدها الحق تبارك وتعالى للنبي- صلى الله عليه وسلم- والتي هي بحق خلاصة سير الأنبياء والمرسلين أجمعين، وترجمها الصحابة- رضوان الله عليهم- إلى واقعٍ، وسار عليها التابعون من بعدهم، حتى انتشرَ الإسلام، وسادت حضارته في ربوع العالمين، ثم تبعهم على ذلك الدعاة المخلصون، فأحيوا ما كان عليه السلف، ووضحوا السبيل، فكان الجهاد المتواصل حتى جاء الإمام البنا- عليه الرضوان- فحدَّد مراتب العمل المطلوبة من الأخ المسلم في دقة والتزام، وحصرها في سبعة مراتب هي:
1- إصلاح نفسه: حتى يكون قويَّ الجسم، متينَ الخلق، مثقفَ الفكر، قادرًا على الكسب، سليمَ العقيدة، صحيحَ العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شئونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخٍ على حدته.
2- وتكوين بيت مسلم: بأن يحملَ أهله على احترامِ فكرته، والمحافظة على آدابِ الإسلام في كلِّ مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد والخدم، وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخٍ على حدته كذلك.
3- وإرشاد المجتمع: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانبِ الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئةٍ عاملة.
4- وتحرير الوطن: بتخليصه من كلِّ سلطانٍ أجنبي- غير إسلامي- سياسي أو اقتصادي أو روحي.
5- وإصلاح حكومته: حتى تكونَ إسلاميةً بحق، وبذلك تؤدِّي مهمتها كخادمٍ للأمةِ وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مؤدِّين لفرائض الإسلام غير مُجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه.
ومن صفاتها: الشعور بالتبعة، والشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس، والعفة عن المال العام، والاقتصاد فيه. ومن واجباتها: صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة.
6- وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية: بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقرير ثقافاتها وجمع كلمتها، حتى يؤدِّيَ ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
7- وأستاذية العالم: بنشر دعوة الإسلام في ربوعه ?حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله? (البقرة: 193)، ?وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ? (التوبة: 32).
وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على دعاة الإسلام متحدين، وعلى كل مسلم باعتباره عضوًا في جماعة المسلمين، وما أثقلها تبعات، وما أعظمها مهمات، يراها الناس خيالاً، ويراها الأخ المسلم حقيقةً، ولنا في الله أعظم الأمل:?وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون? (يوسف: 21).
تقييم:
0
0
يوجد على الساحةِ الإسلامية الواسعة مئات الجماعات الإسلامية، بعضها يهتم بجانب من جوانبِ العمل الإسلامي في قطرٍ من الأقطار، وبعضها يهتم بقضية إسلامية محددة، وبعضها عالمي يهتم بالقضايا الإسلامية في كل مكانٍ مثل جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر أواخر العشرينيات، والجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية في أوائل الأربعينيات، شعارها: "جنسية المسلم عقيدته، وكل أرض المسلمين وطنهم".
ولقد جاء قيام جماعة الإخوان المسلمين قدرًا مقدورًا، وكانت الاستجابة المقدرة للتحدي الصهيوني والصليبي والمادي والإلحادي، الذي ينذر بدمار العالم، ليس العالم الإسلامي وحده، ولكن العالم أجمع، ولم يكن سقوط دولة الخلافة الإسلامية على يد عدو الله- كمال أتاتورك- هو بداية التحدي، لكنه كان نقطة تحول فاصلة، في ميزان القوى بين الإسلام وبين أعدائه، لصالح أعداء الإسلام، ولم يكن ممكنًا التخلي عن الاستجابة لمواجهة التحدي، الذي فرض على الأمة الإسلامية، ويوشك أن يدمِّرَها ويدمرَ العالمَ كله معها، فكان إلهام الحق سبحانه للإمام البنا- رحمه الله- أن يؤسِّس جماعة الإخوان، التي حملت الرسالة بشمولها وكمالها، ووقفت للاستعمار في كل مكان، وجاهدت بالنفس والمال.
1- الأصل الشرعي لفرضية الجماعة:
لقد أمر الحق- سبحانه وتعالى- المسلمين أن يقيموا بينهم جماعةً أو هيئةً أو حزبًا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حتى في وجود الدولة الإسلامية؛ فكيف إذا غابت؟ قال تعالى في شرعية وفرضية هذا الأمر: ?وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر? (آل عمران: 104).
ووجه الاستدلال في هاتين الكلمتين على إقامةِ جماعةٍ إسلاميةٍ: هو أن الله أمرَ المسلمين بأن تكون منهم جماعة، تقوم بالدعوة إلى الخير؛ أي إلى الإسلام، وتقوم كذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن سبعين عامًا عمر الإخوان المسلمين، "وهي جماعة من المسلمين" صار من السهل تصور علاقة الإسلام بالحياة، وبالسياسة، وبالجهاد، وبالحكم، وصار من السهل على الفرد أن يدركَ أنه لا بد من الانخراط في تيار جماعي مسلم، حتى يستطيعَ أن ينصرَ الإسلام، ويحملَ تبعات هذا الدين، والإخوان المسلمون حركةٌ عالميةٌ لا يحدها مذاهب، ولا يدعي ملكيتها فريق، بل بابها مفتوح لكل المسلمين، ولكل من يريد أن يحمل الراية، وأن يسهمَ بحق في القضية الإسلامية، وأن يعملَ على إنقاذِ أمته وصيانة عزتها وسيادتها.
2- لزوم الجماعة وحكم التخلف عنها:
إن الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر يتطلب وجودَ الجماعة لتستطيعَ أن تقومَ به، وتؤمنَ السبيل بمن تولاه، وفي التخلف عن ذلك خطرٌ عظيم، يقول الحق سبحانه: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون? (المائدة: 78- 79).
والجماعة لكي تأخذ صفة الجماعة لا بد لها من غاية وهدف واضحَيْن ومنهج إسلامي، وأن يتوافر بين أعضائها أخوة وترابط ليكونوا صفًّا واحدًا، وجسمًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وتعمل على رد الأمر لله، وسيادة شرعه الحكيم، وتنهض على أساس العقيدة الإسلامية، ويكون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن تلتزم بشمول الإسلام وكماله، وأن تتابع أميرها على ذلك.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن الخصاصية قال: "أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبايعه على الإسلام، فاشترط عليَّ: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وتُصلي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج، وتجاهد في سبيل الله. قلت: يا رسول الله أما اثنتان فلا أطيقهما، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أنَّ من ولَّى فقد باء بغضبٍ من الله، فأخافُ إذا حضرتني قتال كرهتُ الموتَ وخشعت نفسي.. فقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده، ثم حرَّكها ثم قال: لا صدقةَ ولا جهاد، فبم تدخل الجنة؟! ثم قلت: يا رسول الله أبايعك فبايعني عليهن كلهن".
والذي يجب أن نلاحظه أنَّ البيعةَ هنا تكون مع الجماعة.
وإن النصوصَ الشرعيةَ تُوجب العمل للإسلام من خلاله جماعة، فالإسلام ليس شعائر تعبدية فقط، بل هو أيضًا جهاد، وذلك لا يقوم ولا يكون إلا بالجماعة، كما أن الإسلام دينٌ ودولةٌ، وعبادةٌ وقيادةٌ، والجماعة هي السبيل إلى ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" (رواه أحمد)، وقال: "يد الله مع الجماعة" (سننن الترمذي)، وقال: "من خلع يدًا من طاعة، لقي الله يوم القيامة ولا حجة له" (رواه مسلم).
فهذه النصوص وغيرها توجب تجميع الجهود الفردية في تجمع واحد منظم، وتجنيد المسلمين لحماية الإسلام، وإذا كانت المجتمعات المناوئة للإسلام لا تتحرَّك أبدًا كأفراد، إنما تتحرك كأمم متراصة، تتجه نحونا بطبيعة وجودها وتكوينها للعدوان وللدفاع عن باطلها ووجودها وكياناتها، وتحاول أن تدمر أمتنا، فلذلك لا يمك الإسلام أن يقفَ أمامهم إلا في صورة صف واحد، بدرجات أعمق وأقوى، وصدق الله العظيم إذ يقول: ?إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوص? (الصف: 4).
يقول عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: "لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بطاعة".
إن جذور العمل الجماعي في الإسلام وأصوله وشرعيته لا يحتاج إلى دليل.
جاء في أقوال العلماء: "لقد كان أئمة الإسلام أصحابَ فقه عظيم، لقد عرفوا المقاصد العامة للشريعة، ووجوب كل ما يحقق هذه المقاصد، وإن لم تنص عليه، وعرفوا أن كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فانخلعوا عن الفردية، حيث اقتضى الأمر هذا الانخلاع، وتكاتفوا وعملوا عملاً جماعيًّا، وأوضحوا في عدد من التوجيهات والفتاوى الواضحة والصريحة، شرعية العمل الجماعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما تسمى هذا العمل الجماعي بأسماء مختلفة، كالجماعة والحزب والكتلة والهيئة، وغير ذلك، وإذا كان العمل جماعيًّا فلا بد أن يكون له قائدًا ورئيسًا، سواء سمي أميرًا، أو زعيمًا، أو مرشدًا أو رئيسًا، وفي الحديث: "إذا كنتم ثلاثة فأمِّروا أحدكم".
وقد نستغرب أشدَّ الاستغراب، حين نعلم أن تسويغ إنشاء الجماعات الملتزمة بهذا الدين والعاملة لغايات شرعية، وتسويغ مثل هذه الاصطلاحات التي يعتقد البعض أنها حديثة أو لا معنى لها، هذه الألفاظ وردت في كلام الفقهاء، والأئمة القدماء.
يقول الإمام ابن تيمية في شرعية العمل الجماعي، مما لا يصدق أنه من كلام القدماء.. يقول- رحمه الله-: "وأما لفظ الزعيم فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل، يقول الحق تبارك وتعالى: ?وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ? (يوسف: 72)، فمن تكفَّل بأمرِ طائفة فإنه يُقال هو زعيم، فإن كان قد تكفل بأمر طائفة بخير كان محمودًا على ذلك، وإن كان بشرٍّ كان مذمومًا على ذلك".
وأمر هام أشار إليه الإمام رضي الله عنه: "فإن كانوا مجمعين على ما أمرَ الله ورسوله من غير زيادةٍ ولا نقصان، فهم مؤمنون، وإن كانوا قد أرادوا زادوا في ذلك أو نقصوا، مثل التعصب لمَن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمَّن لم يدخلْ في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل، فهذا من التفرُّق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الحقَّ- سبحانه وتعالى- ورسله أمرًا بالجماعةِ والائتلاف، ونهيًا عن التفرقةِ والاختلاف، وأمرًا بالتعاونِ على البرِّ والتقوى، ونهيًا عن التعاونِ على الإثمِ والعدوان".
إنَّ هذا النصَّ عن الإمامِ ابن تيمية.. نصٌّ له دلالته وروعته، فإنه يدعو في وضوح كلَّ مَن يعملون للإسلام، أن يكون محور دعوتهم ولب حركتهم في فقه الدعوة، أن يكونوا أداةَ جمعٍ وتأليفٍ بين القلوب، وتعاون على كل ما يُرضي الله ورسوله، وهو نصٌّ يزيد العمل الجماعي رسوخًا؛ لأنه يؤدِّي إلى القولِ الفصل، حين يسارع البعض فيرفضون شرعية العمل الجماعي رسوخًا؛ لأنه يؤدي إلى القولِ الفصل، حين يسارع البعض فيرفضون شرعية العمل الجماعي، أو شرعية مَن يقوم به، وكيف يكون العمل الجماعي من الأمور الممنوعة أو المستغربة، وهو الأصل الأصيل الموروث عن الأنبياء والرسل، عليهم أفضل الصلاة والسلام، وصدق الله العظيم إذ يقول: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي? (يوسف: 108).
وقوله تعالى: ?وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين? (آل عمران: 146).
وسيرة خاتم الأنبياء والرسل.. مثل واضح لذلك.
وزيادة في الإيضاح نقول:
إن العملَ الجماعي المنظم- وهو المطلوب- ثمرة الفهم الصحيح لهذا الدين، والإخلاص له، فهما الأساس في العمل البناء، فلا بدَّ من صحةِ الفهم، وسلامة القصد، حتى يكونَ الانطلاق في العملِ على بصيرةٍ وبينةٍ وبرهان: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي? (يوسف: 108).
والعمل المطلوب هو جهادٌ وكفاحٌ متواصلٌ، لا راحةَ معه، لقد قال الحق- تبارك وتعالى- لسيدِ الخلق- صلى الله عليه وسلم: ?قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً? (المزمل: 2)، فكانت كلمة "قم" أمرًا صريحًا من الله بأن يعمل- صلى الله عليه وسلم- لهذا الحق ثلاثةً وعشرين عامًا، لم يهدأ، ولم يعرف الراحة، وعندما طلبت منه السيدة خديجة- رضي الله عنها- أن يستريح قال لها: "مضى عهد النوم يا خديجة"، فهل نستطيع اليوم أن نقولها ونمضي إلى الله؟!!
ودعاة الإسلام اليوم في مرحلةٍ حرجةٍ من تاريخ الإسلام، تحتاج إلى مزيدٍ من العملِ والجهادِ والتضحية والثبات والإخلاص، إنَّ الذي يُفكِّر في العملِ بمفرده لن يعمل شيئًا، وتفكيره هذا نتيجة عدم وضوح الرؤية، أو عدم الالتزام بالمنهج السليم، أو غياب الوعي، وقصور الهمة، أو قلة الحيلة.
إننا لا نجد- مهما بحثنا- خطةً أوضحَ ولا أعمقَ ولا أيسرَ من خطةِ العمل التي حدَّدها الحق تبارك وتعالى للنبي- صلى الله عليه وسلم- والتي هي بحق خلاصة سير الأنبياء والمرسلين أجمعين، وترجمها الصحابة- رضوان الله عليهم- إلى واقعٍ، وسار عليها التابعون من بعدهم، حتى انتشرَ الإسلام، وسادت حضارته في ربوع العالمين، ثم تبعهم على ذلك الدعاة المخلصون، فأحيوا ما كان عليه السلف، ووضحوا السبيل، فكان الجهاد المتواصل حتى جاء الإمام البنا- عليه الرضوان- فحدَّد مراتب العمل المطلوبة من الأخ المسلم في دقة والتزام، وحصرها في سبعة مراتب هي:
1- إصلاح نفسه: حتى يكون قويَّ الجسم، متينَ الخلق، مثقفَ الفكر، قادرًا على الكسب، سليمَ العقيدة، صحيحَ العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شئونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخٍ على حدته.
2- وتكوين بيت مسلم: بأن يحملَ أهله على احترامِ فكرته، والمحافظة على آدابِ الإسلام في كلِّ مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد والخدم، وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخٍ على حدته كذلك.
3- وإرشاد المجتمع: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانبِ الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئةٍ عاملة.
4- وتحرير الوطن: بتخليصه من كلِّ سلطانٍ أجنبي- غير إسلامي- سياسي أو اقتصادي أو روحي.
5- وإصلاح حكومته: حتى تكونَ إسلاميةً بحق، وبذلك تؤدِّي مهمتها كخادمٍ للأمةِ وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مؤدِّين لفرائض الإسلام غير مُجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه.
ومن صفاتها: الشعور بالتبعة، والشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس، والعفة عن المال العام، والاقتصاد فيه. ومن واجباتها: صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة.
6- وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية: بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقرير ثقافاتها وجمع كلمتها، حتى يؤدِّيَ ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
7- وأستاذية العالم: بنشر دعوة الإسلام في ربوعه ?حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله? (البقرة: 193)، ?وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ? (التوبة: 32).
وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على دعاة الإسلام متحدين، وعلى كل مسلم باعتباره عضوًا في جماعة المسلمين، وما أثقلها تبعات، وما أعظمها مهمات، يراها الناس خيالاً، ويراها الأخ المسلم حقيقةً، ولنا في الله أعظم الأمل:?وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون? (يوسف: 21).
تقييم:
0
0