فضاءات الاحراز

الاحراز

فضاء القرآن الكريم والسنة النبوية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
ناصر قطب محمد سليمان
مسجــل منــــذ: 2010-10-19
مجموع النقط: 52
إعلانات


حكم الأغاني

ما حكم الأغاني التي انتشرت هذه الأيام مثل أغاني سامي يوسف علمًا بأنها تستخدم كافة أنواع الموسيقي والمؤثرات الصوتية؟؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فالغناء والموسيقى من الأشياء التي اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا حولها فمنهم من حرَّمها جملةً وتفصيلاً ومنهم مَن أباحها بشروطٍ وضوابطَ، ولا يسعنا المقام هنا لنعرض لآراء المانعين والمجيزين بنوع من التفصيل، ونُحيل السائل لمَن كتب في هذا الموضوع بنوعٍ من التفصيل والتأصيل.
لكن الذي نختاره للفتوى أنه لم يرد دليلٌ صريحٌ صحيحٌ من القرآنِ والسنةِ بتحريم الغناء والموسيقى، فيبقى الأمرُ على الإباحةِ الأصليةِ، إذْ الأصل في الأشياءِ الحل، وكل الأدلة التي ذكرها المانعون لم تسلم من النقد إما في صحة الحديث أو في دلالتها.
والغزالي في "الإحياء" خصَّص كتابًا للسماع جاء فيه: إن الآلة إذا كانت من شعار أهل الشرْب أو المُخَنَّثين، وهي المزامير والأوتار وطبل الكوبة، فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة، كالدف وإن كان فيه الجلاجل، وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات.
ونقل القرطبي قول القشيري: ضُرِب بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم دخل المدينة، فهَمَّ أبو بكر بالزجر فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"دعْهُنَّ يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح" فكنَّ يضربن ويقلن:
نَحنُ بناتُ النجَّارِ حبَّذا محمدٌ مِنْ جارِ
ثم قال القرطبي: وقد قيل: إنَّ الطبلَ في النِّكاح كالدُّفِّ، وكذلك الآلات المُشَهَّرة للنكاح يجوز استعمالُها فيه، بما يَحْسُن من الكلام ولم يكن رَفَثًا.
ونقل الشوكاني في "نيل الأوطار" أقوال المُحَرِّمين والمُبِيحين، وأشار إلى أدِلَّة كلٍّ من الفريقين، ثم عقَّب على حديث:"كلُّ لهو يلهو به المؤمنُ فهو باطل، إلا ثلاثة: مُلاعَبة الرجل أهلَه، وتأديبه فرسَه، ورميه عن قوسه" (رواه أصحاب السنن، وقال العراقي: فيه اضطراب) يقول الغزالي: قلنا: قوله- صلى الله عليه وسلم- فهو باطل لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة، ثم قال الشوكاني: وهو جواب صحيح؛ لأن ما لا فائدةَ فيه من قِسْم المُباح.
ساق أدلة أخرى في هذا الصدد، من بينها حديث: مَن نذرت أن تَضرِب بالدف بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن ردَّه الله سالمًا من إحدى الغزوات، وقد أَذِن لها بالوفاء بالنذر والضرب بالدف؛ فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل هذا الموطن، وأشار الشوكاني إلى رسالة له عنوانها: "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مُطلَق السماع".
وفي المحلى لابن حزم: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى" فمَن نوى استماع الغناء عَوْنًا على معصيةِ الله- تعالى- فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومَن نَوَى به ترويح نفسه ليَقْوَى بذلك على طاعةِ الله- عز وجل- ويُنَشِّط نفسه بذلك على البِرِّ فهو مُطيع مُحسن، وفعله هذا من الحق، ومَن لم يَنْوِ طاعةً ولا معصِيَةً فهو لغو مَعْفُوٌّ عنه، كخروجِ الإنسانِ إلى بُستانه مُتَنَزِّهًا، وقعوده على باب داره مُتَفَرِّجًا.
وعقد البخاري في صحيحه بابًا بعنوان: "كلُّ لهو باطل إذا شغلَه عن طاعةِ الله"، وعقَّب في إرشاد الساري على هذا العنوان بقوله: ولو كان مأذونًا فيه، كمَن اشتغل بصلاة نافلة أو تلاوة أو ذِكْر أو تفكَّر في معاني القرآن حتى خرج وقت المفروضة عمدًا.
وقد ذكر فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ضوابط يجب على المستمع والمغني وكل مَن له صلة بواقع الغناء مراعاتها حتى لا يخرج الأمر من المباح إلى الحرمة نوجزها فيما يلي:
1- سلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية:
نؤكد ما أشرنا إليه أنه ليس كل غناء مباحًا، فلا بد أن يكون موضوعه متفقًا مع الإسلام وتعاليمه، غير مخالفة لعقيدته ولا تشريعاته ولا أخلاقياته.
فلا يجوز التغني بقول أبي نواس:
دع عنك لومي، فإنَّ اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء!
ولا بقول شوقي:
رمضان ولَّى هاتها يا ساقي مشتاقةٌ تسعى إلى مشتاقِ
وأخطر منها: قول إيليا أبي ماضي في قصيدته "الطلاسم":
جئتُ لا أعـلـم مـن أين، ولـكـني أتيتُ!
ولـقد أبصـرتُ قـُدَّامـي طـريقًا فـمشيتُ!
كيف جئتُ؟ كيف أبصرتُ طريقي؟ لست أدري؟
ولـمــاذا لـست أدري؟ لـست أدري!
لأنها تشكيك في أصول الإيمان: المبدأ، والمعاد، والنبوة.
ومثلها: ما عُبِّر عنه بالعامية في أغنية (من غير ليه)! وليست أكثر من ترجمة شك أبي ماضي إلى العامية، ليصبح تأثيرها أوسع دائرة!!
ومثل ذلك الأغنية التي تقول: "الدنيا سيجارة وكاس"، فكل هذه مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان، ويلعن شارب "الكاس" وعاصرها وبائعها وحاملها، وكل من أعان فيها بعمل، و(السيجارة أو) التدخين أيضًا آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم والنفس والمال، وهي داخلة في دائرة الخبائث المحرمة (انظر: فتوانا المفصلة: التدخين في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها من كتابنا (فتاوى معاصرة) الجزء الأول).
والأغاني التي تمدح الظلمة والطغاة والفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا، مخالفة لتعاليم الإسلام، الذي يلعن الظالمين، وكل مَن يعينهم، بل مَن يسكت عليهم، فكيف بمن يمجدهم؟!
والأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة أو صاحبة العيون الجريئة أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: ?قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ? (النور: 30).. ?وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ? (النور: 31). ويقول- صلى الله عليه وسلم-: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".
2- سلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء:
ثم إنَّ طريقةَ الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأسَ به ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلى إيقاظِ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة- ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلى دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة.
إنَّ القرآن يخاطب نساء النبي فيقول: ?فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ? (الأحزاب: 32).. فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير؟
3- عدم اقتران الغناء بأمر محرم:
ومن ناحيةٍ ثالثةٍ يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم، كشرب الخمر أو الخلاعة أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، بلا قيود ولا حدود، وهذا هو المألوف في مجالس الغناء والطرب من قديم، وهي الصورة الماثلة في الأذهان عندما يذكر الغناء: الخمر والجواري والنساء..
4- تجنب الإسراف في السماع:
الغناء- ككل المباحات- يجب أن يقَيَّد بعدم الإسراف فيه، وقد قال تعالى: ?يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ? (الأعراف: 31).
وفي الحديث: "كل واشرب والبس، ما أخطأتك اثنتان: سرف ومخيلة" فقيَّد الاستمتاع بالحلال بقيدين: قيد ظاهري يتعلق بالكَم، وهو اجتناب الإسراف، وقيد باطن يتعلق بالكيف، وهو البعد عن المخيلة، أي الاختيال والفخر على الناس، فإنَّ الله لا يُحب مَن كان مختالاً فخورًا.
وإن كان عدم الإسراف مطلوبًا في كل المباحات، فهو أشد ما يكون طلبًا في (مجال اللهو)، وفي مقدمته (الغناء) بآلة وبغير آلة، وبخاصة الغناء العاطفي، الذي يتحدث عن الحبِّ والشوق، فالإنسان ليس عاطفة فحسب، والعاطفة ليست حبًا فقط، والحب لا يختص بالمرأة وحدها، والمرأة ليست جسدًا وشهوةً لا غيرَ، لهذا يجب أن نُقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية، وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل، وموازنة مقسطة بين الدين والدنيا، وفي الدنيا بين حقِّ الفرد وحقوق المجتمع، وفي الفرد بين عقله وعاطفته، وفي مجال العاطفة بين العواطف الإنسانية كلها من حبٍّ وكرهٍ وغيرةٍ وحماسة وأبوة وأمومة وبنوة وإخوة وصداقة.. إلخ، فلكل عاطفة لها حقها.
أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة، فذلك على حساب العواطف الأخرى، وعلى حساب عقل الفرد وروحه وإرادته، وعلى حساب المجتمع وخصائصه ومقوِّماته، وعلى حساب الدين ومُثُله وتوجيهاته.
إنَّ الدين حرَّم الغلو والإسراف في كل شيء حتى في العبادة، فما بالك بالإسراف في اللهو، وشغل الوقت به ولو كان مباحًا؟!
إن هذا دليلٌ على فراغِ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة، والأهداف العظيمة، ودليلٌ على إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود وعمره القصير، وما أصدق وأعمق ما قال ابن المقفع: "ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع"، وفي الحديث الذي رواه ابن حبان من صحف إبراهيم: "لا يكون العاقل ظاعنًا إلا لثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم" (رواه ابن حبان من حديث أبي ذر وهو ضعيف جدًّا، ولكنا نأخذه باعتباره حكمة مأثورة)، فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط، ولنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره: فيم أفناه، وعن شبابه: فيم أبلاه؟
5- ما يتعلق بالمستمع:
وبعد هذا الإيضاح، تبقى هناك أشياء خاصة أو دائرة معينة، تتعلق بالمستمع نفسه، لا تحيط بها فتاوى المفتين، ولا يستطاع ضبطها بدقة، بل توكل إلى ضمير المسلم وتقواه، ويكون كل مستمع فيها فقيهَ نفسه ومفتيها، فهو أعرف بها من غيره، وأدرى باتجاهاتها وخلجاتها من كل فقيه، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة، ويسبح به في شطحات الخيال، ويُطغي فيه الجانب الحيواني على الجانب الروحاني، فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه، فيستريح. وفي مثل هذا جاء الحديث النبوي: "استفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك".
وهذا ما نبه عليه الإمام الغزالي في (الإحياء) فقد ذكر أدلةَ الإباحة من نصوص الشريعة ومقاصدها، ثم ذكر (العوارض) التي تعرض للغناء، فتنقله من الإباحة إلى التحريم، فقال رحمه الله:
العارض الرابع: في المستمع، وهو أن تكون الشهوة غالبةً عليه وكانش في غرَّة الشباب، وكانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها، فالسماع حرامٌ عليه سواءٌ غلب على قلبه حب شخص معين أو لم يغلب، فإنه كيفما كان فلا يسمع وصف الصدغ والخدِّ والفراق والوصال إلا ويحرك ذلك شهوته، وينـزله على صورة معينة ينفخ الشيطان بها في قلبه، فتشتعل فيه نار الشهوة، وتحتد بواعث الشر، وذلك هو النصرة لحزب الشيطان، والتخذيل للعقل المانع منه الذي هو حزب الله تعالى، والقتال في القلب دائم بين جنود الشيطان وهي الشهوات، وبين حزب الله تعالى وهو نور العقل، إلا في قلب قد فتحه أحد الجندين واستولى عليه بالكلية، وغالب القلوب الآن قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها، فتحتاج حينئذ إلى أن تستأنف أسباب القتال لإزعاجها فكيف يجوز تكثير أسلحتها وتشحيذ سيوفها وأسنتها: والسماع مشحذ لأسلحة جند الشيطان في حق مثل هذا الشخص، فليخرج مثل هذا عن مجمع السماع فإنه يستضر به.
وأخيرًا نوصي السائل بالرجوع إلى كتاب فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الغناء والموسيقى وسيجد فيه تفصيلاً وتأصيلاً جيدًا والله أعلم.


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة