بويزكارن (البلدية)

لم يكن الحراك العربي المذهل خلال سنة 2011 مصطنعا كما ادعى البعض و لم يكن فقط وليد مشاكل اجتماعية من قبيل الفقر و البطالة و غلاء المعيشة بل كانت وراءه خلفيات متعددة تجعلنا نقف لحظات و لحظات تأمل طويلة عسانا نقتفي اثر الحقيقة المتخفية وراء حجب الغيب لندرك أن الربيع العربي الذي كان في البداية نداءات فيسبوكية تجاهلها الكثيرون له ما بعده و انه سوف يحدد الخرائط السياسية و الجغرافية و الأمنية و العلائقية لدول الشرق الأوسط بل و ليجبر العالم كله بعد دلك على تتبع مساره إخفاقاته و نجاحاته رغما عن انفه كيف لا وهو صانع الأحداث مند دلك الحين في المنطقة العربية بل أصبح الربيع العربي يحسب له ألف حساب على موائد الاجتماعات الامبريالية فمصر بعد الثورة ليست كمصر ما قبلها البتة بل مصر أخرى تخفي مخاوف صهيونية من الخطر القادم الإسلام الذي أراه و كأنني به يقول برفق أنا قادم شئتم أم أبيتم أحببتم أم كرهتم فتلك الجماهير الغفيرة التي ملأت يوم 25 يناير ميدان التحرير و التي اقتحمت فيما بعد بكل شجاعة السفارة الصهيونية في مصر لم تكن لتنسى هويتها الحضارية الإسلامية و لم تكن لتنسى أيضا روابط الدم و العقيدة بينها و بين المقدسيين في الأرض المباركة و هدا هو المحور الرئيس لخروج الجماهير إبان الربيع العربي الذي ما زال مستمرا نعم لقد عاشت الجماهير العربية و الإسلامية لعقود طويلة تحت وطأة البطالة و التخبط في المشاكل الاجتماعية من فقر و بطالة و ركود و غلاء للمعيشة و تزوير الانتخابات كما عانت أيضا من ويلات التضييق على الحريات العامة و الفردية على حد سواء و التعذيب الرهيب في سجون الأنظمة العميلة و استمر الحال على ما هو عليه حتى ظننا أن الأمة لن تستيقظ بعد هدا السبات الذي لا يريد أن ينتهي حتى فقدنا بعض الثقة في الجماهير العربية و الإسلامية في إمكانية أن تقول لا في وجه الأصنام و الخوف على حد سواء فكان لابد أن يأتي يوم ما تقول فيه بكل عفوية و غضب :"الشعب يريد إسقاط الفساد و الاستبداد" و إن كان هدا الفساد و الاستبداد يمثله النظام فليسقط الجميع طالما أن التعبير عن الإرادة الجماهير مغيبة بأنظمة تحمي مصالح الامبريالية على التراب العربي و الإسلامي نعم لقد كسر الخوف إلى الأبد و حطمت الأصنام و العروش المستبدة إلى حيث لا رجعة أقول أن تلك المشاكل التي ذكرناها كانت سببا من الأسباب لكن ليست هي كل الأسباب فما خفي كان أكثر تجليا فلم يكن خروج هده الجماهير الغاضبة من اجل الخبز و الحياة اللائقة أكثر من حماسها بخروجها لكونها عاشت لعقود من المتاجرة بالقضية الفلسطينية و إغلاق الأنفاق في وجه المقاومة الغزاوية التي لها كامل الشرعية الوجودية و الجماهيرية للدفاع عن عزة الإسلام و مقدساته و العكس صحيح إضافة إلى كون الأنظمة السابقة سببا لكثير من لحظات الذل للأمة الإسلامية في وجه الغرب ولم يكن الدافع للتظاهر عند عموم الجماهير في الأقطار الإسلامية مجرد مطالب خبزية بل كانت وراءها في شعورها الجمعي أن ثمة أرضا محتلة و عدنا بتحريرها بأيدينا و أن هده الأنظمة العميلة كانت إلى وقت قريب احد ابرز العوائق في وجه التحرر من التبعية و الهيمنة الصهيونية فكانت الثورات العربية فاتحة خير على فلسطين و زاد الحماس أكثر من أي وقت مضى لدى الجماهير العربية لان انقلاب الموازين قد دقت ساعته فمند حرب الكرامة 1973 لم يعد المعسكر الشرقي يغري النخبة المثقفة في لوطن العربي و لم يعد دالك الحاضن للشعور القومي لدى الجماهير العربية بل أصبحت الصحوة الإسلامية تكتسح الوطن العربي فكانت الأمة في مرحلة الاستيقاظ و الوعي بذاتها فكان الربيع العربي تمام الصحوة و ترجم الإعداد لهده الأيام في الدماغ العربي في شكل الربيع العربي الذي سيمهد للتغيير الحضاري الذي سيشمل موازين القوى العالمية ليصبح الإسلام القوة العالمية المقبلة على أنقاض الماسونية الحقيرة بمقتل زعيمها الدجال و زبانيته من منظري النظام العالمي الجديد
قد يظن البعض أن هدا لا يتعدى كونه مجرد سخافات و تنبؤات لا أساس لها من الصحة و ا ن الجماهير العربية سرقت ثوراتها وان الحسم سيتأجل مرة أخرى كما في حرب 73 إلى ما بعد و لكن الواقع و الأحداث المتسلسلة تبين ضعف هدا الطرح المائل إلى تحليل الأشياء كأنها عادية و أن لا ثمة ما يدعو إلى القلق فليس هده سخافات بل واقع يفرض نفسه على الجميع لنر مثلا التعامل الأمريكي مع مصر الثورة و مع مصر مبارك التي كانت أيام مبارك كنزا استراتيجيا للصهاينة كما وصف بنيامين العيزار المسؤول الصهيوني و لنكتشف الفرق فسيتبين لنا الجراءة الكبيرة لأمريكا على المصريين في ما يخص القضية الفلسطينية أما اليوم فلا تجرؤ أمريكا على المساومة في قضية فلسطين و لن تكون بتلك الفظاعة أيام المخلوع بل لنطرح أسئلة لمادا فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها خلال الحرب الأخيرة على غزة ؟ الضعف جيشها و عتادها؟ لا نظن دلك فأقوى جيش في العالم هو الجيش الصهيوني. ولمادا وصلت صواريخ المقاومة إلى داك المدى الذي لم تكن لتصل إليه في عهد مبارك ؟ و لمادا توالت الزيارات و الوفود من كبار المسؤولين العرب من أبناء الربيع العربي أثناء العدوان و بعده؟ ما الذي كان عائقا أمام وصول الزعماء العرب إلى غزة أيام كان إسماعيل هنية يتضرع إلى ربه داخل نفق ضيق في الساعات الأولى من عام 2009 في عز القصف الإسرائيلي بقنابل دايم و الأسلحة الفوسفورية و القنابل العنقودية لشعب غزة الأعزل؟و لمادا كانت المواقف هده المرة أكثر شجاعة من ذي قبل؟ كيف تفسرون الصولات و الجولات التي يقوم بها زعماء حماس في أرجاء الوطن العربي في وقت كانوا فيه يخشون على أنفسهم من العملاء وهم بين اظهر مناصريهم؟ و اليوم يجدون الترحاب أينما حلو و ارتحلوا؟ لمادا كثر الحديث عن المسجد الأقصى داخل المجالس التشريعية لدول الربيع العربي؟ هده الأسئلة و غيرها كثير تحتاج إلى إجابات موضوعية نعم و لكنها تحتاج إلى قراءات أكثر عمقا فالمشروع الصهيوأمريكي عرف تعثرا كبيرا مع مجيء الربيع العربي فأصبح الغرب ينتظر منا المبادرة بعد أن كنا نحن من ينتظر مبادرته و خلاصة القول أن الكثير تغير و لم تعد الأمور كما كانت فحكومات الربيع العربي تخيط ثوبا لعله سيكون محطة من اجل استشراف مستقبل ينظر إليه الغرب و زبانيته بعيون خائفة فيما الطرف المظلوم ينظر إليه كأنه يوم قصاصه ممن ظلمه لعقود طويلة من الدهر لا لشيء إلا انه يحمل رسالة إلى الإنسانية . بقي أن نشير أن المسيرة الطويلة للربيع العربي لم تنته بعد و الثمار اليانعة لهدا الربيع لم تنضج بعد؛ اقتربت نعم؛ لكن ليس بعد؛ يلزم الكثير من الجهد الذي من المفترض أن يأتي من داخل شخصية وعقلية الإنسان العربي المسلم ليكون أكثر وعيا باللحظة التاريخية والحضارية التي يعيشها اليوم و أن يكون في مستوى تطلعات عموم الجماهير آن الوقت لتتغير العقلية العربية من عقلية استهلاكية إلى عقلية منتجة آن للإنسان العربي المسلم أن يقدم البديل الحضاري للإنسانية فمن يحمل الرسالة يجب أن يكون مستعدا لقيادة العالم وليقود سفينة الإنسانية إلى بر الأمان