هل امتدت (مافيا) سرقة الأراضي إلى تينكرتيل؟
بقلم : الأشعري
يستدعي هذا السؤال التوضيح الآتي:
(تينكرتيل) هي فخدة من قبيلة تاجاجت المنتمية لجماعة النابور- قيادة تيغيرت- إقليم سيدي إفني. في بلدة تينكرتيل هذه توجد قطعة أرضية مهمة تسمى (تاغزوت)أي أرض الغزو، وتعود تسميتها بهذا الاسم إلى أيام الغزو ضد البرتغال قبيل قيام الدولة السعدية في مطلع القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي). وقد ظلت (تاغزوت) منذ ذلك التاريخ ملكا عاما لجماعة تينكرتيل، تستخدمه لمصالحها المشتركة، لم ينازعها فيه أحد قط، إلى أن ظهر في الأيام الأخيرة شخص غريب عن المنطقة لا يعرف أحد من أهل البلدة شيئا عن هويته، وجاء بوسائله للحرث، يحاول السطو على تلك الأرض.
ومعلوم أن المنطقة كانت توجد بها عناصر من الأعراب المساندين للإستعمار البرتغالي الذي بسط نفوذه على السواحل الأطلسية المغربية عموما وعلى السواحل السوسية خصوصا، فكانت تلك العناصر تستظل بالسلطة البرتغالية لتمارس أعمالها الإجرامية ضد السكان المناهضين للبرتغال، كما كان الأمر في جميع السواحل الغربية والمناطق المجاورة لها، وكانت القبائل الجزولية تصارع البرتغال، وتدافعه، وتقاتل حلفاءه الذين توغلوا في المناطق الجبلية، ومنها منطقة تاجاجت عموما.
ولما انتصر المجاهدون بقيادة محمد الشيخ السعدي، وحرروا مدينة أكادير سنة1541م، الموافق لـ 947هـ ، وأجلوا البرتغال عن سواحل سوس تشجع الجزوليون وأصلوا حلفاء الإستعمار وابلا من النار، وطردوهم من المناطق الجبلية، ومنها منطقة تاجاجت التي لم يبق فيها منهم سوى عدد قليل جدا من مستضعفين، لم يشاركوا في الأعمال العدائية ضد السكان، ولم يِؤيدوا الغزو البرتغالي كما فعل بنو جلدتهم المطرودون، فالتمسوا الكف عنهم، فكف الناس عنهم.
كانت المنطقة في ذلك الوقت تشهد في الحقيقة خلخلة عمرانية واضحة، وتناقصا سكانيا حادا، بسبب جائحات الأوبية التي كانت تنتابها من حين لآخر كلما توالت عليها فترات الجفاف الحاد، مما أتاح وجود أراضي خالية تحول بعضها إلى أراضي عمومية، ومنها هذه الأرض التي تتوسط بلدة تينكرتيل وأطلق عليها السكان اسم (تاغزوت) واتخذوها منذ ذلك التاريخ مجمعا لفرسانهم، وأفراسهم، يباشرون فيها التداريب على الفروسية، وإجراء المناورات الحربية، ويتخذونها منطلقا لأعمال الغزو ضد الأعداء وحلفائهم، فاكتسبت لديهم من أجل ذلك قداسة خاصة، وأوقفوها لمصالحهم الإجتماعية تتسابق فيها فرسانهم في الحفلات، والمناسبات، ويعقدون فيها اجتماعاتهم كلما دعا الأمرلذلك، ويحرثونها جماعيا لفائدة المحتاجين لذلك، وخاصة أئمة مساجدهم، وقد حضرت شخصيا أعمال الحرث فيها لبعضهم، أذكر من ذلك على سبيل المثال الحرث فيها لإمام مسجد إيسلاتن السيد محمد بن اليزيد الكرموني في أواخر الأربعينات من القرن الماضي.
هذا، وفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي اجتمع فيها السكان وأنشأوا في جانب منها مدرستهم العصرية، وهي المدرسة التي تسمى الآن المدرسة المركزية لمجموعة مدارس تاجاجت، ثم أضافوا مؤخرا في جانب منها أيضا مدرسة فرعية، كما خصصوا أماكن منها لملاعب الأطفال والشباب، ويتدارسون الآن إمكانية إنشاء مرافق أخرى كالمستوصف الصحي ومكاتب إدارية، والنادي النسوي، وأندية للشباب عموما. الخ...
هذا هو تاريخ (تاغزوت) الذي يمتد زهاء خمسة قرون على الأقل. وفي السنة الماضية 2012م جاء شخص مجهول من خارج المنطقة، وحاول حرث الأرض، وهو لايعرف حتى حدودها الحقيقية، فصار يخلط بينها وبين أراضي الخواص، فانتبه إليه السكان، وتجمهروا ضده، ومنعوه، وطردوه، ولم يسمحوا له بتحقيق هدفه، فاتهم بعضهم بسبه وشتمه، واستطاع أن يشتري من يوازره لإصدار حكم بإدانة من أتهمهم، فشجعه ذلك، وعاد مرة أخرى في هذا العام 2013م يحاول أن يترك أثرا له في تلك الأرض التي يقال إنه يدعي شراءها من شخص ما، فتداعى الناس من جديد، وطردوه، ولم يسمحوا له باختلاس أرضهم التي امتلكوها، وتصرفوا فيها، كما تصرف فيها أجدادهم وأجداد أجدادهم منذ قرون، ولم يحدث قط أن ظهر شخص يدعي ملكيته لأي جزء منها، حتى ظهر عبر المناطق المغربية كلها أشخاص يسعون لامتلاك أراضي الجماعات بأساليب النصب والاحتيال، فاحتذى حذوهم هذا الشخص الغريب، فهل ينجح في ذلك؟ إن مما يثير الاستغراب أن الأمر مفضوح جدا، ومع ذلك لم تتدخل أي جهة مسؤولة للتحقيق في الأمر ووضع حد للمشكل حتى الآن. ويخشى أن يكون هذا الشخص مسنودا من جهات نافذة، كما يحدث غالبا في مثل هذه الحالات، وحتى نيابة وزارة التربية الوطنية التي سلمت لها المنشآت والأراضي التي أقيمت عليها هناك لم يصل إلى علمها ما يحاك ضد تلك المؤسسات، ومن يدري؟ لعل في محيط المنطقة من أغاضه تخرج العشرات من الطلبة والطالبات من تلك المؤسسات، يمثلون المنطقة في كليات جامعة ابن زهر بأكادير، وغيرها من الجامعات، فساهم من طرف خفي في دفع بعض المغامرين الذين تمرسوا بنهب الأراضي، على عينك يا بن عدي، كما يقال، فكانت النتيجة ما رأيناه، ولم نكن نتوقعه أبدا.