ديرمواس ( بلد العسل والدم )
كل سنة وكل اهل ديرمواس بخير واهل المنيا وكل مصرنا بخير
وصف شيخ المؤرخين «عبدالرحمن الرافعى» أحداث دير مواس بأنها كانت أشد حوادث ثورة 1919 عنفا فى مصر كلها، وقال إن هذه الثورة أعقبتها محاكمات كثيرة جدا وأنه لم يحدث فى تاريخ الإمبراطورية البريطانية التى لم تغب عنها الشمس أن تصدى مدنيون لعسكريين كما حدث فى دير مواس، وهى الأحداث التى اتخذت محافظة المنيا من تاريخها (18مارس) عيدا قوميا لها.
وقاد احداث الثورة دكتور خليل ابو زيد ، الذى عاد إلى مصر بعد حصوله على الدكتوراة من جامعة لندن، قبل قيام ثورة 1919 بأربعين يوما، وكانت مصر مستعمرة بريطانية وقتها، وكانت بريطانيا تستولى على كل شىء حتى «الحمير والجمال» لصالح ما يسمى بالمجهود الحربى، فلما عاد خليل ورأى ذلك، بدأ يجتمع بالشباب ويشغلهم بالقضية الوطنية وبالحرية ويوعيهم بعواقب الاستعمار، وكان يجتمع مع كل الأسر والعائلات، لأن «دير مواس» فى ذلك الوقت كانت قرية متداخلة وترتبط عائلاتها بصلات نسب ومصاهرة مع بعضها، والاجتماعات كانت تتم فى قصر «أبوزيد»، وتم الاتفاق بقيادة خليل على أن يعبر «أهل البلد» عن رفضهم الاحتلال، من خلال مسيرة تنتقل إلى محطة القطار، وكان مخططا أن يلقى الدكتور خليل خطبة بالإنجليزية التى يجيدها بطلاقة، ومعه آخرون يلقونها بالعربية، وحينما انتقلت هذه المظاهرة فى 18 مارس 1919 إلى محطة السكة الحديد، جاءت معلومات عن طريق عناصر وطنية فى البوليس وفى السكة الحديد أن المستر «بوب»، مفتش السجون الانجليزى سيأتى فى هذا القطار، وبالتالى تم وضع الخطة لإيقاف القطار بالقوة، على أساس أن يلقى خليل كلمة يرفض فيها الاحتلال ومعه «أهل البلد» كجزء من منظومة المقاومة على مستوى مصر، لكن الموقف تطور وتحول إلى حادث عنيف لأن الإنجليز بادروا بإطلاق الرصاص على الثوار، وبالتالى تصاعد الموقف وتم الهجوم على القطار وتم قتل كل من فيه من الإنجليز. وطبيعى أن يتوقع الثوار رد الفعل من قوات الاحتلال البريطانى، وبالتالى حدث مشهد من مشاهد الوحدة الوطنية وكان تضامنا تلقائيا وحقيقيا بين المسلمين والمسيحيين، فقد نادت مآذن «دير مواس» على كل الأهالى بأن يجتمعوا فى مسجد أولاد محمود، وهو مسجد تابع لعائلة أبوزيد، وسمى على اسم جدهم محمود وكان المسجد الوحيد فى القرية فى هذه الفترة، وتم إحضار مصحف وإنجيل، فالمسلم يحلف على المصحف والمسيحى يحلف على الإنجيل، وكان يمسك بالإنجيل قس وبالمصحف شيخ، والقسم كان على عدم الخيانة والتماسك ضد الإنجليز وعدم الإبلاغ عن الثوار، فقد كان هناك خوف من أن تحدث خيانة من الداخل، لأن الخارج مقدور عليه، وأقسم الناس فى مشهد من مشاهد الوحدة الوطنية، لكن حدثت الخيانة فعلا من أحد الأشخاص لأسباب تتعلق بالتنافس على العمدية، وأبلغ الإنجليز.
جاء الإنجليز وحاصروا دير مواس بالأسلحة والجمال والكرابيج، وكانت القوات البريطانية عازمة على أن تمثل بأهل القرية الذين تجاوزوا خطوطها الحمراء، فتم حصار دير مواس، ولم يكن أحد من الإنجليز يعرف وجوه المطلوبين وفقا للقائمة التى سرّبها لهم أحد الأشخاص الخائنين، فلم يكن لديهم سوى أسماء الثوار فقط، ودخل قائد القوات الإنجليزية إلى القرية وهو يتحدث بالإنجليزية، ولم يكن أحد من أهل القرية يتحدث بلغتهم سوى الدكتور خليل أبو زيد، الذى قابل القائد قائلا: «إنتو عايزين إيه؟ فرد القائد: «إحنا جايين نقبض على المجرمين والثوار»، ولأن خليل كان ذكيا فقد أقنع القائد بأن يُطلعه على قائمة الأسماء المطلوبة، حتى يدله عليهم، فقرأ القائمة عدة مرات حتى حفظ الأسماء المطلوبة، ثم بعد أن اطمأن من أنه حفظ كل الأسماء المكتوبة فى القائمة، قال للقائد الإنجليزى: «أهل القرية فلاحين بيروحوا للغيطان الصبح ويرجعوا المغرب، فلو دخلتوا دلوقت مش هتلاقوا حد والأفضل إنكم تدخلوا بالليل عشان كلهم هيكونوا رجعوا من شغلهم»، فاقتنع القائد بكلام خليل، وشكره على هذه النصيحة الغالية ووعده بمكافأة كبيرة، وفى الليل دخل الإنجليز القرية واكتشفوا الخدعة وأن خليل الموجود على رأس قائمة المطلوبين هو الذى كان يحدثهم ويقدم لهم المشورة. وأنه هرب وقام بتهريب كل المطلوبين من الثوار وأهل القرية، فشاط الإنجليز وحاصروا القرية وأوقعوا بأهلها أشد أنواع التنكيل والتعذيب، وكانوا يعتدون على النساء ويحرقون المنازل، حتى «بلاصات» العسل والسمن التى كانت موجودة فى بيوت الفلاحين كسروها، وكانت المرأة تستدرج الجندى الإنجليزى إلى أعلى سطح المنزل وتحتضنه وتلقى بنفسها وبه من فوق السطح، وهى عمليات استشهادية كمحاولة للدفاع عن شرفها وتفضيل الموت عن النيل منها، فتختلط دماء النساء والجنود بالعسل والسمن، فأطلق على دير مواس «بلد الدم والعسل».
وتم الحكم باعدام 12 واحد من اشرف رجال ديرمواس علي رأسهم دكتور خليل ابو زيد
رحمهم الله جميعا وتقبلهم في الشهداء
وصف شيخ المؤرخين «عبدالرحمن الرافعى» أحداث دير مواس بأنها كانت أشد حوادث ثورة 1919 عنفا فى مصر كلها، وقال إن هذه الثورة أعقبتها محاكمات كثيرة جدا وأنه لم يحدث فى تاريخ الإمبراطورية البريطانية التى لم تغب عنها الشمس أن تصدى مدنيون لعسكريين كما حدث فى دير مواس، وهى الأحداث التى اتخذت محافظة المنيا من تاريخها (18مارس) عيدا قوميا لها.
وقاد احداث الثورة دكتور خليل ابو زيد ، الذى عاد إلى مصر بعد حصوله على الدكتوراة من جامعة لندن، قبل قيام ثورة 1919 بأربعين يوما، وكانت مصر مستعمرة بريطانية وقتها، وكانت بريطانيا تستولى على كل شىء حتى «الحمير والجمال» لصالح ما يسمى بالمجهود الحربى، فلما عاد خليل ورأى ذلك، بدأ يجتمع بالشباب ويشغلهم بالقضية الوطنية وبالحرية ويوعيهم بعواقب الاستعمار، وكان يجتمع مع كل الأسر والعائلات، لأن «دير مواس» فى ذلك الوقت كانت قرية متداخلة وترتبط عائلاتها بصلات نسب ومصاهرة مع بعضها، والاجتماعات كانت تتم فى قصر «أبوزيد»، وتم الاتفاق بقيادة خليل على أن يعبر «أهل البلد» عن رفضهم الاحتلال، من خلال مسيرة تنتقل إلى محطة القطار، وكان مخططا أن يلقى الدكتور خليل خطبة بالإنجليزية التى يجيدها بطلاقة، ومعه آخرون يلقونها بالعربية، وحينما انتقلت هذه المظاهرة فى 18 مارس 1919 إلى محطة السكة الحديد، جاءت معلومات عن طريق عناصر وطنية فى البوليس وفى السكة الحديد أن المستر «بوب»، مفتش السجون الانجليزى سيأتى فى هذا القطار، وبالتالى تم وضع الخطة لإيقاف القطار بالقوة، على أساس أن يلقى خليل كلمة يرفض فيها الاحتلال ومعه «أهل البلد» كجزء من منظومة المقاومة على مستوى مصر، لكن الموقف تطور وتحول إلى حادث عنيف لأن الإنجليز بادروا بإطلاق الرصاص على الثوار، وبالتالى تصاعد الموقف وتم الهجوم على القطار وتم قتل كل من فيه من الإنجليز. وطبيعى أن يتوقع الثوار رد الفعل من قوات الاحتلال البريطانى، وبالتالى حدث مشهد من مشاهد الوحدة الوطنية وكان تضامنا تلقائيا وحقيقيا بين المسلمين والمسيحيين، فقد نادت مآذن «دير مواس» على كل الأهالى بأن يجتمعوا فى مسجد أولاد محمود، وهو مسجد تابع لعائلة أبوزيد، وسمى على اسم جدهم محمود وكان المسجد الوحيد فى القرية فى هذه الفترة، وتم إحضار مصحف وإنجيل، فالمسلم يحلف على المصحف والمسيحى يحلف على الإنجيل، وكان يمسك بالإنجيل قس وبالمصحف شيخ، والقسم كان على عدم الخيانة والتماسك ضد الإنجليز وعدم الإبلاغ عن الثوار، فقد كان هناك خوف من أن تحدث خيانة من الداخل، لأن الخارج مقدور عليه، وأقسم الناس فى مشهد من مشاهد الوحدة الوطنية، لكن حدثت الخيانة فعلا من أحد الأشخاص لأسباب تتعلق بالتنافس على العمدية، وأبلغ الإنجليز.
جاء الإنجليز وحاصروا دير مواس بالأسلحة والجمال والكرابيج، وكانت القوات البريطانية عازمة على أن تمثل بأهل القرية الذين تجاوزوا خطوطها الحمراء، فتم حصار دير مواس، ولم يكن أحد من الإنجليز يعرف وجوه المطلوبين وفقا للقائمة التى سرّبها لهم أحد الأشخاص الخائنين، فلم يكن لديهم سوى أسماء الثوار فقط، ودخل قائد القوات الإنجليزية إلى القرية وهو يتحدث بالإنجليزية، ولم يكن أحد من أهل القرية يتحدث بلغتهم سوى الدكتور خليل أبو زيد، الذى قابل القائد قائلا: «إنتو عايزين إيه؟ فرد القائد: «إحنا جايين نقبض على المجرمين والثوار»، ولأن خليل كان ذكيا فقد أقنع القائد بأن يُطلعه على قائمة الأسماء المطلوبة، حتى يدله عليهم، فقرأ القائمة عدة مرات حتى حفظ الأسماء المطلوبة، ثم بعد أن اطمأن من أنه حفظ كل الأسماء المكتوبة فى القائمة، قال للقائد الإنجليزى: «أهل القرية فلاحين بيروحوا للغيطان الصبح ويرجعوا المغرب، فلو دخلتوا دلوقت مش هتلاقوا حد والأفضل إنكم تدخلوا بالليل عشان كلهم هيكونوا رجعوا من شغلهم»، فاقتنع القائد بكلام خليل، وشكره على هذه النصيحة الغالية ووعده بمكافأة كبيرة، وفى الليل دخل الإنجليز القرية واكتشفوا الخدعة وأن خليل الموجود على رأس قائمة المطلوبين هو الذى كان يحدثهم ويقدم لهم المشورة. وأنه هرب وقام بتهريب كل المطلوبين من الثوار وأهل القرية، فشاط الإنجليز وحاصروا القرية وأوقعوا بأهلها أشد أنواع التنكيل والتعذيب، وكانوا يعتدون على النساء ويحرقون المنازل، حتى «بلاصات» العسل والسمن التى كانت موجودة فى بيوت الفلاحين كسروها، وكانت المرأة تستدرج الجندى الإنجليزى إلى أعلى سطح المنزل وتحتضنه وتلقى بنفسها وبه من فوق السطح، وهى عمليات استشهادية كمحاولة للدفاع عن شرفها وتفضيل الموت عن النيل منها، فتختلط دماء النساء والجنود بالعسل والسمن، فأطلق على دير مواس «بلد الدم والعسل».
وتم الحكم باعدام 12 واحد من اشرف رجال ديرمواس علي رأسهم دكتور خليل ابو زيد
رحمهم الله جميعا وتقبلهم في الشهداء