المهمشون في مصر
المهمشون في مصر
بقلم الدكتور محمد رفعت
مقال منشور في آريك أكتوبر 2012
...........
في الآونة الأخيرة اهتمت الدوائر العلمية والإعلامية بعالم المهمشين بعد أن ظلوا نسيا منسيا لردح طويل من الدهر. وبعيدا عن التاريخ الفوقي والرسمي والمعلن , سبر باحثون أغوار التاريخ من أسفل مفتشين بمصباح ديوجين عن عالم المهمشين ، فإذا بهم يكشفون عن عوالم مجهولة ، تقبع عند أديم المجتمعات ، عوالم لام تكن ذات يوم شيئا مذكورا عن عمد في السجل التاريخي .
وبنظرة طائر سريعة ، نحلق بشكل بانورامي في سماء خريطة المهمشين في مصر الراهنة : أكدت جميع الدراسات أن مصر المعمورة دخلت خلال الربع قرن الأخير في دائرة فجوة الفقر ؛ أي الهبوط تحت خط الفقر مما يعكس عمق الفقر وشدة تأثيره . إذ ثمة تفاوت ، هائل ومهول في توزيع الدخل بين الطبقات والشرائح المصرية المحرومة في خط متواز مع تركز الثروات وانتشار الإنفاق الترفي في مواجهة انتشار الفقر فيما تمخض عنه شيوع "الحرمان البشري" .
كانت المحصلة النهائية هي ازدياد وطأة ظاهرة المهمشين وتنامي أعدادهم واستفحال أخطارهم . وللدليل علي كارثية هذه الظاهرة نترك الأرقام تتحدث عن نفسها : في عام 1993 بلغ عدد العشوائيات المصرية 434 منطقة ، وبعد ما يناهز العقدين أو ينيف قفز العدد إلي 1034 منطقة تستأثر القاهرة وحدها ب88 منطقة يقطنها 05% من سكان أجمل مدينة في العالم إبان العشرينات الماضية . ويبلغ إجمالي سكان هذه المناطق 12 مليون مصري يعيشون بلا مأوي آدمي في المقابر والعشش والجراجات وتحت الكباري وتحت السلالم وفي المساجد والزوايا .
علي هذا النحو تعد العشوائيات وأوضاعها السكانية تحديا عنيفا للنظام المجتمعي ، وعقبة كأداء أمام أية مشروعات تنموية . ليس هذا فحسب ، بل إنها تمثل إناء طهي الجريمة والإرهاب ، والأسوأ إنها حضانات لجميع أنواع الأمراض الاجتماعية من قبيل الفقر الأمية والبطالة وعدم القدرة علي الإندماج في حياة المدينة وعدم وجود التماسك الاجتماعي أو التعاون بين هؤلاء السكان .
ونظرا لأن المهمشين محرومون من الخدمات الاجتماعية العامة وبعيدون تماما عن الحياة الحضارية اقتصاديا واجتماعيا ، فلا غرو أن باتوا بمثابة حزام ناسف حول مصر من منبت رأسها حتي إخمص قدمها لاسيما وأنهم يتسمون في ردود أفعالهم تجاه السلطة بالطابع الاجتماعي علي غرار حرافيش نجيب محفوظ، مما يمثل خطورة سياسية من وجهة نظر أي حاكم .
ولذا يخطئ من ينعت المهمشين ب(( الأغلبية الصامتة ))؛ إذ أنهم عمود فقري في التغيير الشعبي علي نحو ماجري في ثورة 1919 حيث كانت شرائح وفئات المهمشين بمثابة الوقود الأساسي لهذه الثورة التي لم تكن نتاج فورة مثقفين أو قومة عسكريين فقط . وتبقي أسئلة أخري محورية وكبيرة تطرح نفسها علي بساط الواقع المصري :
*هل التهميش نتاج السياسات العامة للدولة ؟ أم نتاج خصائص الجماعات المهمشة ؟
* ماهي منظومة القيم التي تحكم أو بالأحرى- تتحكم في عالم المهمشين ؟
* في ضوء التجربة التاريخية : هل سنشهد آنيا أو لاحقا حركات اجتياح للمهمشين عموما في لحظة تاريخية نادرة تشهد خروج المارد المصري من قمقمه ؟
[صورة: المهمشون في مصر بقلم الدكتور محمد رفعت مقال منشور في آريك أكتوبر 2012 ........... في الآونة الأخيرة اهتمت الدوائر العلمية والإعلامية بعالم المهمشين بعد أن ظلوا نسيا منسيا لردح طويل من الدهر. وبعيدا عن التاريخ الفوقي والرسمي والمعلن , سبر باحثون أغوار التاريخ من أسفل مفتشين بمصباح ديوجين عن عالم المهمشين ، فإذا بهم يكشفون عن عوالم مجهولة ، تقبع عند أديم المجتمعات ، عوالم لام تكن ذات يوم شيئا مذكورا عن عمد في السجل التاريخي . وبنظرة طائر سريعة ، نحلق بشكل بانورامي في سماء خريطة المهمشين في مصر الراهنة : أكدت جميع الدراسات أن مصر المعمورة دخلت خلال الربع قرن الأخير في دائرة فجوة الفقر ؛ أي الهبوط تحت خط الفقر مما يعكس عمق الفقر وشدة تأثيره . إذ ثمة تفاوت ، هائل ومهول في توزيع الدخل بين الطبقات والشرائح المصرية المحرومة في خط متواز مع تركز الثروات وانتشار الإنفاق الترفي في مواجهة انتشار الفقر فيما تمخض عنه شيوع "الحرمان البشري" . كانت المحصلة النهائية هي ازدياد وطأة ظاهرة المهمشين وتنامي أعدادهم واستفحال أخطارهم . وللدليل علي كارثية هذه الظاهرة نترك الأرقام تتحدث عن نفسها : في عام 1993 بلغ عدد العشوائيات المصرية 434 منطقة ، وبعد ما يناهز العقدين أو ينيف قفز العدد إلي 1034 منطقة تستأثر القاهرة وحدها ب88 منطقة يقطنها 05% من سكان أجمل مدينة في العالم إبان العشرينات الماضية . ويبلغ إجمالي سكان هذه المناطق 12 مليون مصري يعيشون بلا مأوي آدمي في المقابر والعشش والجراجات وتحت الكباري وتحت السلالم وفي المساجد والزوايا . علي هذا النحو تعد العشوائيات وأوضاعها السكانية تحديا عنيفا للنظام المجتمعي ، وعقبة كأداء أمام أية مشروعات تنموية . ليس هذا فحسب ، بل إنها تمثل إناء طهي الجريمة والإرهاب ، والأسوأ إنها حضانات لجميع أنواع الأمراض الاجتماعية من قبيل الفقر الأمية والبطالة وعدم القدرة علي الإندماج في حياة المدينة وعدم وجود التماسك الاجتماعي أو التعاون بين هؤلاء السكان . ونظرا لأن المهمشين محرومون من الخدمات الاجتماعية العامة وبعيدون تماما عن الحياة الحضارية اقتصاديا واجتماعيا ، فلا غرو أن باتوا بمثابة حزام ناسف حول مصر من منبت رأسها حتي إخمص قدمها لاسيما وأنهم يتسمون في ردود أفعالهم تجاه السلطة بالطابع الاجتماعي علي غرار حرافيش نجيب محفوظ، مما يمثل خطورة سياسية من وجهة نظر أي حاكم . ولذا يخطئ من ينعت المهمشين ب(( الأغلبية الصامتة ))؛ إذ أنهم عمود فقري في التغيير الشعبي علي نحو ماجري في ثورة 1919 حيث كانت شرائح وفئات المهمشين بمثابة الوقود الأساسي لهذه الثورة التي لم تكن نتاج فورة مثقفين أو قومة عسكريين فقط . وتبقي أسئلة أخري محورية وكبيرة تطرح نفسها علي بساط الواقع المصري : *هل التهميش نتاج السياسات العامة للدولة ؟ أم نتاج خصائص الجماعات المهمشة ؟ * ماهي منظومة القيم التي تحكم أو بالأحرى- تتحكم في عالم المهمشين ؟ * في ضوء التجربة التاريخية : هل سنشهد آنيا أو لاحقا حركات اجتياح للمهمشين عموما في لحظة تاريخية نادرة تشهد خروج المارد المصري من قمقمه ؟ ]
بقلم الدكتور محمد رفعت
مقال منشور في آريك أكتوبر 2012
...........
في الآونة الأخيرة اهتمت الدوائر العلمية والإعلامية بعالم المهمشين بعد أن ظلوا نسيا منسيا لردح طويل من الدهر. وبعيدا عن التاريخ الفوقي والرسمي والمعلن , سبر باحثون أغوار التاريخ من أسفل مفتشين بمصباح ديوجين عن عالم المهمشين ، فإذا بهم يكشفون عن عوالم مجهولة ، تقبع عند أديم المجتمعات ، عوالم لام تكن ذات يوم شيئا مذكورا عن عمد في السجل التاريخي .
وبنظرة طائر سريعة ، نحلق بشكل بانورامي في سماء خريطة المهمشين في مصر الراهنة : أكدت جميع الدراسات أن مصر المعمورة دخلت خلال الربع قرن الأخير في دائرة فجوة الفقر ؛ أي الهبوط تحت خط الفقر مما يعكس عمق الفقر وشدة تأثيره . إذ ثمة تفاوت ، هائل ومهول في توزيع الدخل بين الطبقات والشرائح المصرية المحرومة في خط متواز مع تركز الثروات وانتشار الإنفاق الترفي في مواجهة انتشار الفقر فيما تمخض عنه شيوع "الحرمان البشري" .
كانت المحصلة النهائية هي ازدياد وطأة ظاهرة المهمشين وتنامي أعدادهم واستفحال أخطارهم . وللدليل علي كارثية هذه الظاهرة نترك الأرقام تتحدث عن نفسها : في عام 1993 بلغ عدد العشوائيات المصرية 434 منطقة ، وبعد ما يناهز العقدين أو ينيف قفز العدد إلي 1034 منطقة تستأثر القاهرة وحدها ب88 منطقة يقطنها 05% من سكان أجمل مدينة في العالم إبان العشرينات الماضية . ويبلغ إجمالي سكان هذه المناطق 12 مليون مصري يعيشون بلا مأوي آدمي في المقابر والعشش والجراجات وتحت الكباري وتحت السلالم وفي المساجد والزوايا .
علي هذا النحو تعد العشوائيات وأوضاعها السكانية تحديا عنيفا للنظام المجتمعي ، وعقبة كأداء أمام أية مشروعات تنموية . ليس هذا فحسب ، بل إنها تمثل إناء طهي الجريمة والإرهاب ، والأسوأ إنها حضانات لجميع أنواع الأمراض الاجتماعية من قبيل الفقر الأمية والبطالة وعدم القدرة علي الإندماج في حياة المدينة وعدم وجود التماسك الاجتماعي أو التعاون بين هؤلاء السكان .
ونظرا لأن المهمشين محرومون من الخدمات الاجتماعية العامة وبعيدون تماما عن الحياة الحضارية اقتصاديا واجتماعيا ، فلا غرو أن باتوا بمثابة حزام ناسف حول مصر من منبت رأسها حتي إخمص قدمها لاسيما وأنهم يتسمون في ردود أفعالهم تجاه السلطة بالطابع الاجتماعي علي غرار حرافيش نجيب محفوظ، مما يمثل خطورة سياسية من وجهة نظر أي حاكم .
ولذا يخطئ من ينعت المهمشين ب(( الأغلبية الصامتة ))؛ إذ أنهم عمود فقري في التغيير الشعبي علي نحو ماجري في ثورة 1919 حيث كانت شرائح وفئات المهمشين بمثابة الوقود الأساسي لهذه الثورة التي لم تكن نتاج فورة مثقفين أو قومة عسكريين فقط . وتبقي أسئلة أخري محورية وكبيرة تطرح نفسها علي بساط الواقع المصري :
*هل التهميش نتاج السياسات العامة للدولة ؟ أم نتاج خصائص الجماعات المهمشة ؟
* ماهي منظومة القيم التي تحكم أو بالأحرى- تتحكم في عالم المهمشين ؟
* في ضوء التجربة التاريخية : هل سنشهد آنيا أو لاحقا حركات اجتياح للمهمشين عموما في لحظة تاريخية نادرة تشهد خروج المارد المصري من قمقمه ؟
[صورة: المهمشون في مصر بقلم الدكتور محمد رفعت مقال منشور في آريك أكتوبر 2012 ........... في الآونة الأخيرة اهتمت الدوائر العلمية والإعلامية بعالم المهمشين بعد أن ظلوا نسيا منسيا لردح طويل من الدهر. وبعيدا عن التاريخ الفوقي والرسمي والمعلن , سبر باحثون أغوار التاريخ من أسفل مفتشين بمصباح ديوجين عن عالم المهمشين ، فإذا بهم يكشفون عن عوالم مجهولة ، تقبع عند أديم المجتمعات ، عوالم لام تكن ذات يوم شيئا مذكورا عن عمد في السجل التاريخي . وبنظرة طائر سريعة ، نحلق بشكل بانورامي في سماء خريطة المهمشين في مصر الراهنة : أكدت جميع الدراسات أن مصر المعمورة دخلت خلال الربع قرن الأخير في دائرة فجوة الفقر ؛ أي الهبوط تحت خط الفقر مما يعكس عمق الفقر وشدة تأثيره . إذ ثمة تفاوت ، هائل ومهول في توزيع الدخل بين الطبقات والشرائح المصرية المحرومة في خط متواز مع تركز الثروات وانتشار الإنفاق الترفي في مواجهة انتشار الفقر فيما تمخض عنه شيوع "الحرمان البشري" . كانت المحصلة النهائية هي ازدياد وطأة ظاهرة المهمشين وتنامي أعدادهم واستفحال أخطارهم . وللدليل علي كارثية هذه الظاهرة نترك الأرقام تتحدث عن نفسها : في عام 1993 بلغ عدد العشوائيات المصرية 434 منطقة ، وبعد ما يناهز العقدين أو ينيف قفز العدد إلي 1034 منطقة تستأثر القاهرة وحدها ب88 منطقة يقطنها 05% من سكان أجمل مدينة في العالم إبان العشرينات الماضية . ويبلغ إجمالي سكان هذه المناطق 12 مليون مصري يعيشون بلا مأوي آدمي في المقابر والعشش والجراجات وتحت الكباري وتحت السلالم وفي المساجد والزوايا . علي هذا النحو تعد العشوائيات وأوضاعها السكانية تحديا عنيفا للنظام المجتمعي ، وعقبة كأداء أمام أية مشروعات تنموية . ليس هذا فحسب ، بل إنها تمثل إناء طهي الجريمة والإرهاب ، والأسوأ إنها حضانات لجميع أنواع الأمراض الاجتماعية من قبيل الفقر الأمية والبطالة وعدم القدرة علي الإندماج في حياة المدينة وعدم وجود التماسك الاجتماعي أو التعاون بين هؤلاء السكان . ونظرا لأن المهمشين محرومون من الخدمات الاجتماعية العامة وبعيدون تماما عن الحياة الحضارية اقتصاديا واجتماعيا ، فلا غرو أن باتوا بمثابة حزام ناسف حول مصر من منبت رأسها حتي إخمص قدمها لاسيما وأنهم يتسمون في ردود أفعالهم تجاه السلطة بالطابع الاجتماعي علي غرار حرافيش نجيب محفوظ، مما يمثل خطورة سياسية من وجهة نظر أي حاكم . ولذا يخطئ من ينعت المهمشين ب(( الأغلبية الصامتة ))؛ إذ أنهم عمود فقري في التغيير الشعبي علي نحو ماجري في ثورة 1919 حيث كانت شرائح وفئات المهمشين بمثابة الوقود الأساسي لهذه الثورة التي لم تكن نتاج فورة مثقفين أو قومة عسكريين فقط . وتبقي أسئلة أخري محورية وكبيرة تطرح نفسها علي بساط الواقع المصري : *هل التهميش نتاج السياسات العامة للدولة ؟ أم نتاج خصائص الجماعات المهمشة ؟ * ماهي منظومة القيم التي تحكم أو بالأحرى- تتحكم في عالم المهمشين ؟ * في ضوء التجربة التاريخية : هل سنشهد آنيا أو لاحقا حركات اجتياح للمهمشين عموما في لحظة تاريخية نادرة تشهد خروج المارد المصري من قمقمه ؟ ]