حسين مراجي .. الثائر..
حسين مراجي
الثائر.. الرمز
×××××
صفحات من تاريخ المنطقة
هو حسين مراجي المدعو (بوبقرة) وهذا اسمه الكامل سنة 1871م قبل قانون
التلقيب الذي صدر سنة 1882م. وعند تلقيب العائلات أصبح لقب عائلته من بعده
"العمراوي" وهو لقب العائلة اليوم.
حسين مراجي من مواليد بني بلعيد(1) في مشتى(أولاد محمد) الواقعة بين
أولاد قايد والمربع تمتد من أولاد زهرة شمالا إلى غاية "الدمنة" جنوبا على
الضفة الجنوبية لوادي اعجول .
نشأته
نشأ في ظروف كانت فيها المنطقة تتعرض لمظالم من قبل الاستعمار، وشاهد
; وهو صبي - معركة بني بلعيد سنة 1851م وما ترتب عنها من مجازر في
وسط السكان وتهديم وحرق المنازل وإتلاف المحاصيل .. وما أعقب ذلك من
هجمات متكررة .
هذه الأحداث كونت لديه كراهية للغزاة وأدرك أنهم يغتصبون أرضا ليست
أرضهم ويستولون على ثروات ليست ملكا لهم، فكان يشعر بثورة في داخله
ينتظر ظروفا مناسبة لتفجيرها.
ثورة 1871م
كانت الدعوة للانتفاضة التي قادها وحركها (سي عزيز الحداد) في منطقة
جيجل أثر كبير في تشكيل الحس الثوري لدى سكان المنطقة وتمت الاستجابة
للثورة فانضم إليها ثوار من بلعيد امتازوا بالشجاعة والإقبال نذكر منهم:
1. حسين مراجي (بوبقرة) من أولاد محمد.
2. إبراهيم بن عمار ، من أولاد عيسى وكان ثائرا رفقة حسين مولا الشقفة.
3. علي بن تراوش، من أولاد ادريس.
4. سعيد بن عمار، المدعو عماش.
5. بولكفيفة، من أولاد قايد.
6. بن عيسى، من أولاد ايزل.
الثائر الشجاع
تعبيرا عما كان يشعر به من كراهية للمستعمر قام حسين مراجي بمعية رفقائه
بعمليات ضد مصالح المستعمر نذكر منها:
- تخريب الطريق الرابط بين قسنطينة وسكيكدة.
- قطع أسلاك التلغراف التي تربط قسنطينة جيجل .
- إحراق الغابات الممتدة من جيجل إلى سكيكدة والتي تم إضرام النيران فيها
في يوم واحد تعبيرا على إعلان الثورة ضد المحتل .
- إضرام النيران في الغابات التي كان يستغلها المعمران Bouk- et- Delacroix بالعنصر.(2)
الهجوم على برج الميلية
شارك حسين مراجي في الهجوم على برج الميلية يومي 19و20 جويلية
1871م ولكن الهجوم فشل لأسباب:
- تحصينات البرج قوية.
- قوة المدفعية التي كانت تطلق قذائفها بكثافة على المقاومين.
- أسلحة المقاومين كانت بسيطة جدا (بنادق ، سيوف).
الانسحاب إلى واد ازهور
بعد فشل الهجوم على برج الميلية تحول المقاومون ناحية واد ازهور في
الوقت الذي نظم الجنرال الفرنسي Delacroix مسيرة ضخمة للجيش قادها
بنفسه سلك بها الطريق نفسه الذي سلكه سابقه saint Arnaud ، ميلة ،
زواغة، بني خطاب، أولاد عسكر، بني فتح، الميلية، مشاط وذلك يوم
03/08/1871م ، لتصفية هذه المناطق من الثوار وكانت هذه المسيرة الضخمة
بعددها وعتادها سببا في إضعاف المقاومة وتفرق عناصرها في أماكن مختلفة .
انسحبت مجموعة من المقاومين إلى أولاد اعطية التي لم تصلها مسيرة
الجيش الفرنسي حيث توقفت في مشاط قبل الإعداد إلى المرحلة الموالية تجتاح
خلالها أولاد اعطية والمناطق المجاورة إلى غاية الوادي الكبير لتتبع الثوار
ومحاولة القضاء عليهم . ومن المنسحبين الثائر حسين مراجي الذي استغل
الوضع بمعية رفاقه وقاموا بهجوم على برج بوالنغرة(3) حيث جرت معركة بين
الثوار وحامية الجيش الفرنسي التي كانت بالبرج و جيش من العملاء شكله قايد
أولاد اعطية (صالح بن جامع) لمؤازرة الحامية. وكانت معركة حامية أبلى فيها
حسين مراجي البلاء الحسن فقد كان رمز الشجاعة والبطولة .وقد خلدت هذه
الصفات في قصائد شعبية رددها السكان زمنا قبل أن يطوى معظمها في دفتر
النسيان ، وما بقي غير بضع أبيات أنقلها كما رويت لي دون تعديل أو تغيير
في المعنى والمبنى
تقول كلمات القصيدة :
الحسين بن مراجي
يلَمْ فلعراش ويغزي
البارود على اليسرى يمشي
والسكين على ليمين
يرحم من ولدت وجابت
ربَّات وكبْرَت الحسين
وفي قصيدة أخرى :
الحسين راكب المهبولة *
بالطَّغان * والبشطولة *
اللي يحكمو يلويه
بو بقرة ركيزة وحدو
ومَنُّو رهبت الكفار*
*المهبولة: يقصد الجواد السريع والشديد الحركة الذي لا يهدأ.
*الطغان: (بفتح حرفي الطاء والغين)سكين يتراوح طوله ما بين الخنجر والسيف يوضع في أعلى
الظهر بين الكتفين في غمد من الجلد مشدود بخيوط جلدية يستعمل
عند الضرورة في المواقف الصعبة أثناء المعارك بالرمي باليد أو الطعن.
*البشطولة: مسدس من الطراز القديم .
* مما يذكر عن بوبقرة أن قوة جسمه وسلاحه وحركاته تثير الرعب في قلوب الأعداء
وقد أشيع عنه أن الرصاص لا يخترق جسمه والإشاعة كانت صحيحة لأنه
كان يرتدي تحت لباسه صدرية صنعت من صفائح النحاس على شكل مربعات
متماسكة بقطع صغيرة من النحاس من الزوايا الأربع بحيث يسمح لها بالحركة والتمفصل
هذه الصدرية كانت تحمي جسمه من اختراق الرصاص له فظن الأعداء أنه ساحر
فاقترحوا - كما يروى - أن تصنع رصاصة من الفضة تطلق عليه وهي كفيلة بالقضاء عليه
ورصاصة الفضة هذه من الأساطير التي عششت في أذهان الأوروبيين قرونا كانوا يظنون
أن السحرة لا يقضى عليهم إلا بسهم أو أداة حادة مصنوعة من الفضة.
ولكن بوبقرة قتل في ساحة الشرف دفاعا عن وطنه سواء برصاصة الفضة أو غيرها .
وفاته
ما هو مؤكد ومتداول عند سكان بني بلعيد أن الثائر حسين مراجي المدعو
بوبقرة قتل في (بوالنغرة) وفصل رأسه عن الجسم ليسلم إلى الحاكم الفرنسي
كدليل يثبت موته لأن السلطات الفرنسية رصدت مبلغا ماليا لمن يقتله ويأتي
برأسه .
أما كيف قتل ؟ يمكننا الاستناد إلى :
1. السرد الشفوي المتوارث والذي يتداوله سكان المنطقة من أن (بوبقرة) تم
اغتياله في بوالنغرة بهمجية نتيجة مؤامرة تورط فيها خونة من أعوان
الاستعمار ثم قاموا بفصل رأسه ورقصوا به ، لأن (بوبقرة) شكل هاجسا كبيرا
للاستعمار وأدخل الرعب في قلوب أعوانه خاصة قايد أولاد اعطية (صالح بن
جامع) .
والمشهد المخزي الذي رقصوا برأسه في بوالنغرة ذكر في قصيدة كلها
خزي وعار في جبين من رقصوا برأسه وعز وافتخار لأهل منطقته.
تقول الكلمات ( تحصلنا على بعضها فقط):
يخزيك يالمخزية
براسوا شطحت العلجية (*)
.....
الحسين فالجنة يتنعم
وانت بنار جهنم تتحرق
(*) المقصود فرنسا الاستعمارية
2. يمكن استنتاج سبب موته من خلال النص الذي نشر في جريدة المبشر
العدد 3894 بتاريخ 04/05/1897م في رثاء (صالح بن جامع) قايد أولاد
اعطية ، هذا نصه:
(توفي القائد صالح بن جامع ففقدت الدولة - الفرنسية بوفاته أحد القدماء
الذين خدموها بإخلاص ، وهذا المأسوف عليه ينتمي إلى عائلة شريفة ذات نفوذ
واسع في جبال القل .......
عندما ثار سكان نواحي الميلية وجيجل ، أظهر شجاعة
وأوقف الزاحفين على برج بوالنغرة وشتت شملهم)(4).
من خلال النص وفي فقرته الأخيرة .. قد يكون حسين مراجي قتل في المعركة
التي دارت رحاها في بوالنغرة إثر الهجوم على برجها وكان حسين أحد أبطالها.
ولهذا تبقى الفرضيتان قائمتين :
- إما أنه توفي في المعركة ، وهذا احتمال وارد.
- وإما بعد نجاته في المعركة حيكت خيوط المؤامرة ضده ونفذت وقد تكون
ممن يثق فيهم ، لأن بوبقرة ليس بالذي يستطيع أي شخص الوقوف في طريقه
أو مجابهته لما يمتاز به من قوة جسمية وشجاعة متميزة .
ولكن تبقى الفرضية الثانية هي السائدة لدى السكان وقد نقلت عن السلف .
تراجع المقاومين .. وأسلوب الكر والفر
بعد الهجوم على برج بوالنغرة تحرك الجيش الفرنسي من مشاط باتجاه أولاد
أعطية يوم 29/08/1871م ، تراجع الثوار من هذه المناطق- بعد
فقدانهم البطل حسين مراجي - إلى منطقة بين بني بلعيد وبني فرقان تطل على
أعالي المربع تسمى إلى غاية اليوم (لمقاتل)(5) حيث تجمع المقاتلون وشرعوا
في نصب الكمائن للجنود الفرنسيين بعد أن توزعوا في أرجاء المنطقة مطبقين
أسلوب الكر والفر إلى أن قطع الفرنسيون عليهم سبل المؤونة التي كان سكان
بني بلعيد يمدونهم بها ، بالإضافة إلى حاجتهم للبارود .. مما صعب عليهم
مواصلة المقاومة، فانسحبوا عبر المربع وأولاد محمد نحو "الدمنة" التابعة
لأولاد محمد وهناك انتشروا بين أشجار الزيتون التي تملأ المكان الواسع
المنبسط الواقع على ضفتي واد اعجول ويلامس هضاب "حمادة"(6) وغاباتها
الكثيفة .
الدمنة (اللي عرقب الرومي)(7)
في شهر أوت سنة 1871م أكمل الجنرال Delacroix مسيرته باتجاه
الوادي الكبير متتبعا مسار المقاومين في محاولة للقضاء عليهم مخلفا وراءه
قرى ومداشر وقد التهمتها النيران و حطمت جدرانها جيوشه.
عند وصوله إلى أعالي الدمنة توقف بجيوشه بعد أن أدرك خطورة عبورها
حيث أبلغ بأن المقاتلين ينصبون كمائن في أرجائها الواسعة، فأمر بقطع جميع
أشجار الزيتون التي تغطيها وتتوزع على مساحة واسعة تمتد من واد لبحاير
أسفل مشتى المربع إلى غاية واد اعجول وحتى حدود منطقة ايسمارن.
وقد تم قطع الأشجار لهدفين:
1. أدرك الفرنسيون أهمية أشجار الزيتون عند سكان المنطقة ولهذا تم الانتقام
منهم بقطعها بسبب مساعدة الثوار وحمايتهم إلى جانب تمركزهم بها ولأنها
مسقط رأس حسين مراجي(أولاد محمد).
2. قطع الأشجار يتيح لهم فتح فضاء واسع يكشف أرجاء الدمنة وما يجاورها
من غابات كثيفة يسهل مراقبة الأماكن أثناء مرور الجيوش دون التعرض
لضربات المقاومين .
وفي يوم 04/09/1871م عبر الجنرال Delacroix الوادي الكبير وعسكر
بالجمعة بني حبيبي وقام بحرق زاوية محمد بن فيالة(8) وقرى بني حبيبى.
محـ خ ـمد
** زوروا مدونة بني بلعيد ** الرابط :
http://histoirebel.blogspot.com
هوامش:
(1) لا نعرف تاريخ ميلاده لأن قانون التلقيب الذي صدر سنة 1882م شرع في تنفيذه بعد سنة 1885م ومما يروى أن سنه عندما توفي كان يتراوح ما بين 35و40 سنة.
(2) بلغت المساحة التي أتت عليها النيران 5000 هكتار (526000) شجرة بلوط في الوادي الكبير وحده، وفي منطقة القل 15000هكتار).
(3) برج بوالنغرة ، من الأبراج التي أنشأها المستعمر ما بين 1855م- 1864م على قمم الجبال مثل برج بني عيشة وبرج الميلية لمراقبة تحركات السكان والثوار ، ثم حولت الإدارة الاستعمارية هذه الأبراج بعد استقرار المنطقة والقضاء على جميع الثورات إلى مراكز لحراسة الغابات لضمان استغلال الثروات الغابية من قبل المعمرين ، مع المحافظة على الطابع العسكري في بنائها وفي لباس وأسلحة حراسها.
(4) علي خنوف، تاريخ جيجل قديما وحديثا.
(5) لمقاتل ، تسمية أشتقت من القتل وتعني "المقاتلون" ، ويروى عن السلف أن المكان جرت فيه معارك دموية بين المقاتلين والقوات الفرنسية سقط فيها الكثير من القتلى.
(6) حمادة، الحمادة ج حمادات وهي في الجغرافيا نوع من التضاريس وتعني الهضاب . أما غابة حمادة فقد أشرنا إليها في موضوع (تسمية واد اعجول).
(7) عرقب، باللهجة المحلية تعني (قطع) ،الرومي: تعني الفرنسي .ومعنى العبارة (الدمنة التي قطع أشجارها الفرنسيون ) أي قطعوا أشجار الزيتون. وسميت كذلك بعد قطع أشجار الزيتون لتبقى في الذاكرة للأجيال . و "الدمنة" تعاقبت عليها أحداث تاريخية هامة كان لها دور فعال فيها، سنتناوله في موضوع لاحق حين تتوفر لنا المعلومات الكافية .
أما اسم "الدمنة" تطرقنا إليه في موضوع: "تسمية واد اعجول" .
(8) مقدم الزاوية الرحمانية سيدي وارث في بني حبيبي، وقائد المقاومين رفقة حسين مولا الشقفة في شرق منطقة جيجل.