أربعة تحديات أمام جبهة الإنقاذ
منذ تشكيلها غداة الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس/ محمد مرسى فى 22 نوفمبر الماضى، حظت جبهة الإنقاذ بردود أفعال تراوحت بين الترحيب والانتقاد والهجوم العنيف، ففى الوقت الذى نجحت فيه الجبهة فى الدعوة للتظاهر والحشد فى عدد كبير من المحافظات اعتراضاً على الإعلان الدستورى، إلا أن أداءها قبل وأثناء الدعوة للاستفتاء على الدستور الجديد شابه الارتباك ما بين الدعوة لمقاطعته ثم الدعوة للتصويت بـ«لا» فى اللحظات الأخيرة وهو ما أثر على المردود النهائى.
وقررت الأحزاب المنضوية فى الجبهة استمرار التنسيق استعدادا للانتخابات البرلمانية، الأمر الذى يحتم عليها أن تجد حلولاً فورية لأربعة تحديات رئيسية إن أرادت تحقيق نتائج ايجابية فى تلك الانتخابات.
أولاً: تماسك الجبهة
تضم الجبهة أحزاباً ذات توجهات سياسية متباينة من اليمين (المؤتمر والوفد) مروراً بيسار الوسط (الدستور) والتيار الناصرى (التيار الشعبي) وانتهاءً بأقصى اليسار (التحالف الشعبى والتجمع)، وهو ما يشير إلى أن القاسم المشترك الوحيد بين تلك الأحزاب هو معارضة حكم الإخوان المسلمين، ولكن هل تتمكن تلك الأحزاب ذات التوجهات المتباينة من الوصول لأرضية مشتركة تمكَنها من تجاوز تلك الخلافات الإيديولوجية ــ وأحياناً الشخصية ــ وصياغة برنامج سياسى واقتصادى واجتماعى يتسم بحد أدنى من التماسك والشمول؟
ثانياً: القدرة على صياغة طرح بديل
اتصالاً بالنقطة السابقة، تعجز الجبهة حتى الآن عن تطوير خطاب يمكنها من توسيع القواعد الجماهيرية التى ترتكز عليها حالياً بالفعل، والتى يمكن تعريفها وفقاً لنتائج الاستفتاء على الدستور ــ بالمناطق الحضرية (القاهرة والدلتا ومحافظات السواحل). وعليه، فينبغى على الجبهة أن تنتقل من مربع الهجوم على سياسات النظام الحالى إلى مربع تقديم «طرح بديل» باستخدام لغة بسيطة أقرب للشعبوية أحياناً- تركَز على الهموم الأساسية للمواطنين مثل الاقتصاد والدعم والأمن والتعليم والصحة والخدمات...الخ.
وسيؤدى استمرار الجبهة فى تبَنى الخطاب الحالى إلى حرمانها من أصوات شرائح واسعة من الناخبين الساخطين بالفعل على حكم الإخوان ولكنهم يفتقدون البديل المقنع الذى يتمكن من مخاطبتهم، وسيحصر الأصوات التى ستحصل عليها فى نطاق التصويت الاحتجاجى، بل وسيسهل مهمة الإخوان فى الهجوم عليها باعتبارها كياناً نخبوياً، معزول عن الواقع الحياتى للمواطنين.
ثالثاً: وضوح الهدف
إلى الآن يبدو الهدف الذى تسعى إليه الجبهة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة غير واضح، فهل تسعى الجبهة للحصول على الأغلبية البرلمانية (علماً بأنها قد تكلف فى تلك الحالة بتشكيل الحكومة التى قد تكون مجبرة على اتخاذ تدابير اقتصادية «غير شعبية» فى ظل غياب التصور والبرنامج لدى الجبهة كما ذُكِرَ بعاليه، وحالة التنازع المتوقعة مع مؤسسة الرئاسة)؟ أم تستهدف الفوز فقط بالثلث المعطل أو كسر حاجز الـ40% من المقاعد البرلمانية؟
وعلى مستوى الخطاب: هل تستهدف الجبهة ما يعرف (بحزب الكنبة) والأجيال الأكبر والأكثر محافظة أم الشباب الثوري؟ هل عليها أن تتمسك بقواعدها من سكان المدن كما أسلفت أم تسعى لمخاطبة شرائح مجتمعية مختلفة؟ وهل تملك بالفعل الإمكانيات البشرية والمادية التى تمكنها من إدارة حملات انتخابية قوية خاصةً خارج قواعدها؟ وعليه، يبقى تحديد الهدف خطوة أساسية لتحديد إستراتيجية الجبهة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولتنسيق الجهود مع القواعد الحزبية فى كافة المحافظات.
رابعاً: التجهيز للانتخابات البرلمانية المقبلة
يبدو لى أن الجبهة لم تستفد من دروس الاستفتاء على الدستور، فهى ــ إلى الآن ــ تتحرك متأخرةً جداً وبشكل يتسم برد الفعل وليس المبادرة، إذ لم تتمكن الجبهة من حسم قرارها سواءً بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية أو مقاطعتها، ولم توضح الخطوات البديلة التى ستتخذها فى حالة عدم المشاركة فى الانتخابات، أما فى حال قررت الجبهة المشاركة، فيبدو واضحاً تأخرها فى الكشف عن مرشحيها -سواءً بنظامى الفردى أو القوائم- أو رمزها الانتخابى وخاصةً فى المحافظات التى صوتت بأغلبية ساحقة لصالح الدستور كالصعيد والمحافظات الحدودية، وعدم إجراءها لانتخابات تمهيدية وسط قواعدها الحزبية للاستقرار على أفضل المرشحين، وهو ما يعنى فى الحالتين ــ المشاركة أو المقاطعة ــ انكماش الفترة الزمنية المخصصة المتاحة أمام الجبهة للحشد الجماهيرى خلف الموقف الذى ستتبناه.
رغم تحقيقها لنجاح نسبى فيما يتعلق بالحشد الاحتجاجى متمثلاً فى المظاهرات الرافضة للإعلان الدستورى فى عدد من المحافظات، إلا أن الجبهة فشلت فى الاستفادة من هذا الحشد والدفع به خلف مطالب ملحة وحيوية مثل تعديل قانون الانتخابات المثير للجدل، والذى -إن تم إقراره بصورته الحالية- سيؤثر بشدة على حظوظها فى الانتخابات المقبلة، حيث كان من الممكن أن تقدم مشروعاً بديلاً للقانون الانتخابات الحالى وأن تحشد من أجل هذا المشروع، بحيث يشكَل ضغطاً على صانع القرار ويحرمه من توجيه الاتهام للجبهة بأنها «غير قادرة على طرح بدائل»، علماً بأن المحكمة الدستورية العليا أشارت بالفعل إلى العوار الذى يعترى المشروع الحالى للقانون.
تحتاج الجبهة لتوثيق صلاتها بفئات مجتمعية شديدة الأهمية، ومتضررة بالفعل من استمرار النظام الحالى فى تبنى انحيازات النظام السابق أبرزها العمال والفلاحين والشباب والمرأة وأرباب المعاشات والعاملين بقطاعى السياحة والاقتصاد غير الرسمى مثل الباعة الجائلين، وتحتاج الجبهة فى هذا السياق لتطوير خطاب يجتذب تلك الفئات، والدفع بمرشحين يمثلون تلك الفئات على قوائمها الانتخابية، وتبنى مطالب أساسية مثل القوانين الخاصة بالتنظيمات النقابية المستقلة والضرائب التصاعدية والحدين الأدنى والأقصى للأجور، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية.
•••
ختاماً، على الرغم من ضيق الوقت، إلا أن الفرصة مازالت سانحة أمام الجبهة لإعادة النظر فى تحضيراتها للانتخابات البرلمانية (وأمام السلطة لإعادة النظر فى انحيازاتها الحالية)، أخذاً فى الاعتبار حالة الإحباط العام التى يشهدها الشارع المصرى على خلفية استمرار الانقسام السياسى والتدهور المتسارع ــ والمرشح للاستمرار ــ فى ملفات الاقتصاد والخدمات والوضع الأمنى، فى الوقت الذى انتظرت فيه الجماهير تحسناً سريعاً فى تلك الملفات بعد الثورة، الأمر الذى يهدد بانهيار المسار السياسى والاقتصادى الحالى، وبعواقب وخيمة على كل من السلطة والمعارضة والسلم المجتمعى بوجه عام.
وقررت الأحزاب المنضوية فى الجبهة استمرار التنسيق استعدادا للانتخابات البرلمانية، الأمر الذى يحتم عليها أن تجد حلولاً فورية لأربعة تحديات رئيسية إن أرادت تحقيق نتائج ايجابية فى تلك الانتخابات.
أولاً: تماسك الجبهة
تضم الجبهة أحزاباً ذات توجهات سياسية متباينة من اليمين (المؤتمر والوفد) مروراً بيسار الوسط (الدستور) والتيار الناصرى (التيار الشعبي) وانتهاءً بأقصى اليسار (التحالف الشعبى والتجمع)، وهو ما يشير إلى أن القاسم المشترك الوحيد بين تلك الأحزاب هو معارضة حكم الإخوان المسلمين، ولكن هل تتمكن تلك الأحزاب ذات التوجهات المتباينة من الوصول لأرضية مشتركة تمكَنها من تجاوز تلك الخلافات الإيديولوجية ــ وأحياناً الشخصية ــ وصياغة برنامج سياسى واقتصادى واجتماعى يتسم بحد أدنى من التماسك والشمول؟
ثانياً: القدرة على صياغة طرح بديل
اتصالاً بالنقطة السابقة، تعجز الجبهة حتى الآن عن تطوير خطاب يمكنها من توسيع القواعد الجماهيرية التى ترتكز عليها حالياً بالفعل، والتى يمكن تعريفها وفقاً لنتائج الاستفتاء على الدستور ــ بالمناطق الحضرية (القاهرة والدلتا ومحافظات السواحل). وعليه، فينبغى على الجبهة أن تنتقل من مربع الهجوم على سياسات النظام الحالى إلى مربع تقديم «طرح بديل» باستخدام لغة بسيطة أقرب للشعبوية أحياناً- تركَز على الهموم الأساسية للمواطنين مثل الاقتصاد والدعم والأمن والتعليم والصحة والخدمات...الخ.
وسيؤدى استمرار الجبهة فى تبَنى الخطاب الحالى إلى حرمانها من أصوات شرائح واسعة من الناخبين الساخطين بالفعل على حكم الإخوان ولكنهم يفتقدون البديل المقنع الذى يتمكن من مخاطبتهم، وسيحصر الأصوات التى ستحصل عليها فى نطاق التصويت الاحتجاجى، بل وسيسهل مهمة الإخوان فى الهجوم عليها باعتبارها كياناً نخبوياً، معزول عن الواقع الحياتى للمواطنين.
ثالثاً: وضوح الهدف
إلى الآن يبدو الهدف الذى تسعى إليه الجبهة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة غير واضح، فهل تسعى الجبهة للحصول على الأغلبية البرلمانية (علماً بأنها قد تكلف فى تلك الحالة بتشكيل الحكومة التى قد تكون مجبرة على اتخاذ تدابير اقتصادية «غير شعبية» فى ظل غياب التصور والبرنامج لدى الجبهة كما ذُكِرَ بعاليه، وحالة التنازع المتوقعة مع مؤسسة الرئاسة)؟ أم تستهدف الفوز فقط بالثلث المعطل أو كسر حاجز الـ40% من المقاعد البرلمانية؟
وعلى مستوى الخطاب: هل تستهدف الجبهة ما يعرف (بحزب الكنبة) والأجيال الأكبر والأكثر محافظة أم الشباب الثوري؟ هل عليها أن تتمسك بقواعدها من سكان المدن كما أسلفت أم تسعى لمخاطبة شرائح مجتمعية مختلفة؟ وهل تملك بالفعل الإمكانيات البشرية والمادية التى تمكنها من إدارة حملات انتخابية قوية خاصةً خارج قواعدها؟ وعليه، يبقى تحديد الهدف خطوة أساسية لتحديد إستراتيجية الجبهة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولتنسيق الجهود مع القواعد الحزبية فى كافة المحافظات.
رابعاً: التجهيز للانتخابات البرلمانية المقبلة
يبدو لى أن الجبهة لم تستفد من دروس الاستفتاء على الدستور، فهى ــ إلى الآن ــ تتحرك متأخرةً جداً وبشكل يتسم برد الفعل وليس المبادرة، إذ لم تتمكن الجبهة من حسم قرارها سواءً بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية أو مقاطعتها، ولم توضح الخطوات البديلة التى ستتخذها فى حالة عدم المشاركة فى الانتخابات، أما فى حال قررت الجبهة المشاركة، فيبدو واضحاً تأخرها فى الكشف عن مرشحيها -سواءً بنظامى الفردى أو القوائم- أو رمزها الانتخابى وخاصةً فى المحافظات التى صوتت بأغلبية ساحقة لصالح الدستور كالصعيد والمحافظات الحدودية، وعدم إجراءها لانتخابات تمهيدية وسط قواعدها الحزبية للاستقرار على أفضل المرشحين، وهو ما يعنى فى الحالتين ــ المشاركة أو المقاطعة ــ انكماش الفترة الزمنية المخصصة المتاحة أمام الجبهة للحشد الجماهيرى خلف الموقف الذى ستتبناه.
رغم تحقيقها لنجاح نسبى فيما يتعلق بالحشد الاحتجاجى متمثلاً فى المظاهرات الرافضة للإعلان الدستورى فى عدد من المحافظات، إلا أن الجبهة فشلت فى الاستفادة من هذا الحشد والدفع به خلف مطالب ملحة وحيوية مثل تعديل قانون الانتخابات المثير للجدل، والذى -إن تم إقراره بصورته الحالية- سيؤثر بشدة على حظوظها فى الانتخابات المقبلة، حيث كان من الممكن أن تقدم مشروعاً بديلاً للقانون الانتخابات الحالى وأن تحشد من أجل هذا المشروع، بحيث يشكَل ضغطاً على صانع القرار ويحرمه من توجيه الاتهام للجبهة بأنها «غير قادرة على طرح بدائل»، علماً بأن المحكمة الدستورية العليا أشارت بالفعل إلى العوار الذى يعترى المشروع الحالى للقانون.
تحتاج الجبهة لتوثيق صلاتها بفئات مجتمعية شديدة الأهمية، ومتضررة بالفعل من استمرار النظام الحالى فى تبنى انحيازات النظام السابق أبرزها العمال والفلاحين والشباب والمرأة وأرباب المعاشات والعاملين بقطاعى السياحة والاقتصاد غير الرسمى مثل الباعة الجائلين، وتحتاج الجبهة فى هذا السياق لتطوير خطاب يجتذب تلك الفئات، والدفع بمرشحين يمثلون تلك الفئات على قوائمها الانتخابية، وتبنى مطالب أساسية مثل القوانين الخاصة بالتنظيمات النقابية المستقلة والضرائب التصاعدية والحدين الأدنى والأقصى للأجور، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية.
•••
ختاماً، على الرغم من ضيق الوقت، إلا أن الفرصة مازالت سانحة أمام الجبهة لإعادة النظر فى تحضيراتها للانتخابات البرلمانية (وأمام السلطة لإعادة النظر فى انحيازاتها الحالية)، أخذاً فى الاعتبار حالة الإحباط العام التى يشهدها الشارع المصرى على خلفية استمرار الانقسام السياسى والتدهور المتسارع ــ والمرشح للاستمرار ــ فى ملفات الاقتصاد والخدمات والوضع الأمنى، فى الوقت الذى انتظرت فيه الجماهير تحسناً سريعاً فى تلك الملفات بعد الثورة، الأمر الذى يهدد بانهيار المسار السياسى والاقتصادى الحالى، وبعواقب وخيمة على كل من السلطة والمعارضة والسلم المجتمعى بوجه عام.