الغرق فى محيط الاتحادية
قتل واغتصاب ونزع أعضاء واستغلال سياسي واعتقالات ودفع لهجرة غير شرعية إمّا لشوارع إيطاليا وإمّا للعالم الآخر. كانت تلك بعض عناوين نشرة أخبار أطفال مصر الشهريّة وإليكم التفاصيل:
قُتِل ''عمر'' الطفل الجميل ذو الوجه الذي يحمل جدّية وخبرة رجل في الأربعين عرك الحياة وعركته غير أنّها في نهاية الأمر وبيد الغباء صرعته. قُتل ''عمر'' على سبيل الخطأ كما أعلنت القوات المسلّحة وتجري حالياً تحقيقات لمحاكمة المخطئ وقد تمّ تعويض أسرة الشهيد الصغير ماليّاً ولكن ماذا عن قتل طفولة ''عمر'' بسنوات قبل الحادث؟ من سيعتذر لعمر عن طفولة لم تكن وعن براءة تمّ انتهاكها وعن عمرٍ كاللحظات استغرقه كفاحٌ مرير؟ بتعبير آخر هل مات ''عمر'' حقّاً أم أنّه فقط قد تخلّص من تلك الحياة البائسة ثقيلة الظلّ كبائع بطاطا ناشئ في مرمى النيران؟
ذهب ''عمر'' بوجهه المثقل بالهموم لمن بعدله الأسمى سيخلع عليه حقّاً ثوب الطفولة ويعيد للوجه الطفل نضارته فهنيئاً له وليتركنا في غيّنا نتصارع على دمائه أيُّنا أكثر قدرة على تحويلها إلى مكاسب أو أوراق ضغط!
في (محيط الاتحادية) الّذي أحاط بنا من كلّ جانب وكأنّه سادس محيطات العالم الخمسة ليغرقنا في أحداثه المتلاحقة الملحميّة الغامضة دارت الأحداث المفجعة لثاني أخبار نشرة الأطفال لهذا الشهر حيث داهمت قوّات الأمن زاوية قديمة للصلاة هجرها منذ زمن بعيد مَن كانوا يذكرون فيها اسم الله من عمال مترو مصر الجديدة ليحوّلها ''بقّو'' و''شرومبيلّا'' و''ريشة'' إلى وكر لا يذكر فيه إلّا الشيطان آناء الليل وأطراف النهار. كان الشياطين الثلاثة ضحايا سابقون للمجتمع وقد عادوا لينتقموا- يحتجزون فيه لسنوات خمسة أطفال شوارع ممّن هجروا بيوت الآباء لأسباب مختلفة، يتناوبون اغتصابهم ويلقنّونهم فنون التسوّل وأصول إدمان الكلّة وحبوب الهلوسة. غير بعيد من المشهد كانت الدولة منشغلة بلملمة ما تبعثر من هيبتها تحت وابل من حجارة ومولوتوف (بقّوهات) و (شرومبيلّات) و(ريَش) جُدد ممّا سهّل من مهمة المذكورين سلفاً في إعداد نشء جديد ينضمّ لقوافل (الشرومبيلّات) التي صارت معلماً مميّزاً للتظاهرات السلميّة في مصر والّذين ربّما لا يحملون حقّاً من وزر مايرتكبونه في حقّ أمن واستقرار المجتمع الّذي يسعدهم بالتأكيد معاقبته قدر مايحمل المجتمع ذاته.
فالقاعدة تقول: إذا رأيت طفلاً بريئاً عاجزاً يجري تحويله إلى ''شرومبيلّا'' ولم تتدخّل لحمايته فلن تملك حقّ طلب الحماية عندما يمارس هذا الطفل معك مستقبلاً ما قد يفعله أي ''شرومبيلّا'' محترف!
في حي مصر الجديدة أيضاً الذي يبدو وكأنّه قد كتب عليه أن يحمل كلّ أوزار مصر (الجديدة) في ثوبها المهترئ جرت وقائع خبرنا المفجع الثالث لهذه النشرة المفعمة برائحة الكرامة الإنسانية المحترقة، حيث تجرّد طبيب ومدير مستشفى من إنسانيّته المفترضة واشترك مع عصابة شبه امرأة تدعى ''صباح'' وتاجر أعضاء أردني هارب من الملاحقة في بلاده يدعى ''عثمان'' في نزع أعضاء 50 ضحيّة بعد استدراجهم وإغرائهم بالمال وكالعادة جاء أغلبهم من أطفال الشوارع!
لم يتبقّ لأطفال الشوارع بعد التشرّد والضياع والحرمان من الطفولة واحتقار المجتمع وانعدام المستقبل والسخرة لحساب الأسافل والضرب المبرح والاغتصاب المنتظم والاعتقال العشوائي والاستغلال السياسي ونزع الأعضاء إلّا أن نصحو يوماً في بيوتنا الدافئة- لنقرأ عن عصابة لبيع لحوم أطفال الشوارع للمطاعم الشعبية الرخيصة، هل سيكون خبر كهذا غريباً؟!
الاستغلال السياسي عنوان لخبرنا الرابع في نشرتنا التي نرجو ألّا يشاهدها أطفالكم حتى لا تهاجمهم الكوابيس، إذ استمرّت ظاهرة استغلال الأطفال كدروع بشرية من قبل كافّة التيارات السياسيّة في مصر، لم تكن الظاهرة وليدة الأحداث الأخيرة فقط حيث حفلت أحداث العنف طيلة عامين بأسماء العديد من الأطفال ما بين ضحايا ومصابين تحت زعم المشاركة في التظاهرات السلميّة في حين كانت القوى السياسية على اختلاف أطيافها (تحشدهم) بوسائل (الحشد) المختلفة وتؤجّج مشاعرهم الصغيرة غير الناضجة بفعل الطبيعة- ثمّ يشعل مجهولون فتيل العنف فتختفي القوى السياسيّة في انتظار سقوط ضحايا منهم وبدء موسم تحصيل فواتير الدمّ. كان ''إسلام'' 15 عاماً شهيد (الإخوان) و''جيكا'' 17 عاماً شهيد (اللي مش إخوان) من أحدث وأبرز رموز أسماء تلك القافلة من الشهداء دون سنّ 18 عاماً وهو بالمناسبة السنّ الذي حددته الاتفاقية الدولية لحدود الطفل والتي رفض أغلب القوى المدنيّة والائتلافات والجمعيات الحقوقية وكذلك المهتمون بشؤون الأطفال مشروع الدستور بدءاً لإغفاله ذكر هذا السن 18 عاماً كسقف معترف به لسنّ الطفل!
ليس من (حَشَد) الأطفال ليحتمي خلف نزقهم الطبيعي ثم يتاجر بدمائهم من كافة القوى مدنية وإسلامية بأفضل كثيراً ممّن سفك دماءهم الطاهرة!
خامس أخبارنا يأتيكم على يد رجال الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث والذين قاموا مشكورين بشنّ حملة تفتيشية موسّعة لضبط كافة صور (استغلال الأطفال) أسفرت عن (ضبط) 354 حدثاً (معرّضاً للخطر) في شوارع القاهرة، ونحن إذ نشكر لرجال المباحث مجهوداتهم الثمينة في (حماية) أبنائنا من (الخطر) نُهيب بهم إعلان الوسائل التي سيتّخذونها لتحقيق تلك (الحماية) حتى لا يخرج علينا من يؤكّد أنّ تلك (الحماية) سوف تنصبّ على وضع السيخ (المحمي) في صرصور آذانهم!!
نحتاج إلى أن نطمئنّ لتجهيز أماكن احتجاز معزولة وملائمة والاستعانة بمن يجيدون التعامل مع أطفال الشوارع والأحداث حال تعدّيهم على القانون والبدء من أرضيّة الاعتراف بكونهم أطفال لم يكتمل نضجهم العمري بعد وبأنّهم بالتالي يستحقّون (فريضة) إعادة التشكيل ليعودوا بشراً كما خلقهم الله بعد أن تولّى المجتمع عملية تحويلهم لوحوش صغيرة، كلّ هذا حجر أساس أوّل واجب في بناء جهاز أمني يجيد التعامل مع البشر.
كفانا من قضى عليهم المجتمع والتعامل الأمني والفلسفة العقابية الخرقاء ولنحاول إنقاذ من يمكن إنقاذه.. في البدء تكون الطفولة.
وخبرنا السادس في نشرة أخبار أطفال مصر ينقلنا ثانيةً إلى عالم المياه ولكن ليس في (محيط الاتّحادية) هذه المرّة بل في قلب البحر الأبيض المتوسط حيث أعلن الدكتور نصر السيد رئيس المجلس القومي للطفولة والأمومة معلومةً صادمة وهي أنّ 41% من المهاجرين غير الشرعيّين الّذين يسعون للهجرة إلى إيطاليا بمراكب الموت هم من الأطفال القصّر ذلك بخلاف من قُتِل أو غرق! يبدو أنّ من يرسلهم يقوم باستغلال ثغرة وحقيقة أنّ القانون الإيطالي لا يسمح بترحيل القُصّر وهو ما يشير إلى فارق في (الفهلوة) بين المصريين والطلاينة حيث ترسل مصر فلذات أكبادها ليصارعوا الأمواج والقروش والعواصف ثمّ بعد أن يرتمي من نجا منهم على شواطئ الجنّة الأوروبية تُخرج مصر لسانها لإيطاليا وتقوم (بتلعيب) حواجبها في كيدٍ واضح لها وهي تهتف (وضحكت عليكي) ساخرةً من ضعف ورقّة قلب القانون الإيطالي الذي يعجز عن ترحيل (شويّة عيال)!!
نحن نحيا يا سادة في وطنٍ صار يطارد ويطرد أحلام المستقبل ليفسح مجالاً لأساطين وأساطير الماضي.
وإلى الأخبار الخفيفة في نشرتنا حيث أعلن الدكتور ''إيهاب طاهر'' أمين عام نقابة الأطباء عن نقصٍ حادّ في التطعيمات الخاصّة بأطفال المدارس من أمراض الحمى الشوكية والالتهاب السحائي وشلل الأطفال في الوقت الّذي تمّ فيه مؤخّراً اكتشاف سلالة باكستانية من مرض شلل الأطفال الذي انتهى وجوده سابقاً من مصر- في عينات مياه الصرف الصحي في بعض مناطق القليوبية مؤخّراً ربّما تكون قد انتقلت إلى مصر عبر وافدين باكستانيين!
كان هذا ما استطعنا جمعه من أخبار عن أحوال أطفال المحروسة هذا الأسبوع وننتهز الفرصة لننوّه عن عدم تقديم نشرة الأخبار الاعتيادية لهذا اليوم وذلك نظراً لظروف تكرار الأخبار وسوف نعيد على حضراتكم منتصف الليل نشرة أخبار الأمس.
كلمة أخيرة: إذا دمجنا على الترتيب الحروف الوسطى لكلمات مثلّث الفشل لأيّة دولة: الف(ق)ر و الج(هـ)ل والم(ر)ض سنعرف لماذا يشعر كلّ منا في أعماقه بال(ق هـ ر)!