الريف المصرى وسلبياته
الريف المصرى وسلبياته
و لحل مشكلة الإسكان و مشكلة زيادة الكثافة السكانية على الأراضى الزراعية دعت الحكومة إلى سياسة إستصلاح الأراضى الصحراوية و التى بدأت بعد قيام ثورة 1952 م حيث مرت بمراحل متعددة و سياسات متنوعة و أهداف متجددة بدأت بتطبيق قانون الإصلاح الزراعى كحل لمشكلة الطبقات الفقيرة من الريف و قد وُجِد فى إعادة توزيع الأرض حل جزئى لمشكلة الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً زراعية مع ضرورة العمل على زيادة الرقعة الزراعية لتحقيق الأمن الغذائى و خلق مجتمعات جديدة و الحد من التكدس فى وادى النيل . ثم دعت الحكومة بعد ذلك فى السبعينات إلى إعادة تطوير القرية المصرية و لتحويلها من مناطق طرد إلى مناطق جذب وهو ما يعرف بالهجرة المضادة من المدينة إلى القرية , و بعد ذلك فى النصف الثانى من السبعينات ظهرت الدعوة إلى تعمير الصحارى و إقامة المدن و المجتمعات العمرانية الجديدة فى الصحراء و كانت البداية من خلال ورقة أكتوبر74 و التى أقرتها الحكومة . و بالرغم من جميع السياسات المتنوعة التى أنتهجتها الحكومة على مر السنين فمازالت مشاكل التنمية الريفية تزداد سوءاً بالرغم من المجهودات التى بذلت فى ذلك المجال و لم تؤتى تلك السياسات ثمارها بل زادت الرقعة العمرانية على حساب الأراضى الزراعية فى الحضر و فى الريف على حدٍ سواء , و مما لا شك فيه أن الكثير من المشكلات التى يعانى منها الريف المصرى فى الوقت الراهن تعد إنعكاسات لتراكمات تاريخية طويلة , فإن التغيرات التى طرأت على القرية المصرية خلال العقدين الماضيين و التى جاءت إنعكاساً لتطورات إقتصادية و إجتماعية محلية و خارجية بالغة السرعة أثرت بشكل سيئ على بيئة القرية و نسيجها العمرانى و على نشاطاتها الإقتصادية و على العلاقات الإجتماعية بين أفرادها .
هذا بالإضافة إلى حدوث تغير نوعى فى العمالة المشتغلة فى الريف حيث أصبحت تضم شرائح عديدة من المهن و الحرف التى لا صلة لها بالزراعة مع وجود إتجاه متزايد نحو الإعتماد على العمالة المأجورة بسبب هجرة العمالة الزراعية سواء بالهجرة الداخلية أو الخارجية دون أن يصاحب ذلك إحلال الألة الزراعية بالقدر الكافى محل العمل اليدوى . ولقد تغيرت نظرة الفلاح للأرض بعد أن أصبح يقارن بين الدخل المتولد عنها و الدخل المتولد عن الأنشطة الأخرى كما تغير الشكل العمرانى للقرية حيث أصبح 25? تقريباً من مساكن القرى تتخذ نمط الشقة السكنية بدلاً من المنزل الريفى التقليدى و ذلك بسبب ضيق المناطق السكنية و قوانين البناء التى تحد من البناء على الأراضى الزراعية الأمر الذى غير من نمط المعيشة للفلاح و من سلوكياته . كما أثرت مشاريع مد المرافق و الخدمات العامة و شبكة الطرق و الإتصالات على القرية المصرية و على نمط المعيشة للفلاح بأثر سلبى لم يكن فى الحسبان عند التخطيط لتوفير و بناء تلك المشاريع .
فقد كان الهدف الأساسى من بناء تلك المشاريع هو الإرتقاء بالبيئة العمرانية للقرية و النهوض بمستوى معيشة الفلاح من خلال نهضة شاملة فى جميع المرافق من توفير المياه النقية و عمل مشاريع للصرف الصحى و مد القرية بالكهرباء ووسائل الإتصال و شبكات الطرق ثم التنمية الإجتماعية للمجتمع الريفى تشارك فيها كل الأجهزة المعنية من ثقافة و إعلام و شئون إجتماعية و محو أمية و غيرها و أخيراً التنمية الإقتصادية بهدف رفع إنتاجية القرية و إسهامها فى التنمية الإقتصادية الشاملة للبلاد .
ففى مجال مد شبكات المياه النقية إلى القرية كان الهدف الأساسى هو توفير الماه العذبة للسكان و للحد من الأمراض الناتجة من تلوث المياه من الترع إلا أن إستهلاك الفلاح من المياه زاد بمعدلات كبيرة حيث فقد الفلاح حرصه على نقطة المياه التى كان فى السابق يحصل عليها من الزير كما ساعد على ذلك سوء حالة مواسير التغذية بالمياه و عدم عمل صيانة لها مما ساعد على زيادة الفاقد من المياه . بالرغم من ذلك فلم يواكب مشاريع مد القرية بالمياه مشاريع مماثلة لحل مشكلة الصرف الصحى بها حيث أدى زيادة كمية المياه المصروفة إلى حد عدم تمكن البيارات و خزانات التحليل من إستيعابها . الأمر الذى أدى إلى تسرب كميات كبيرة من الماء الملوث إلى الترع و التربة الأرضية مما أدى إلى تلوث القرية و أثر ذلك على الزراعة و على صحة الفلاح .
أما فى مجال توصيل شبكات الكهرباء إلى القرية فقد كان الهدف الأساسى هو إنارة القرى و إدخال وسائل الإتصال و الإعلام بها لزيادة وعى الفلاح بمشاكله و حياته إلا أن ذلك إنعكس بشكل سلبى على نمط معيشة الفلاح حيث زاد إستهلاك الفلاح من الطاقة الكهربية أكثر مما هو متوقع و ذلك راجع إلى سوء إستغلاله للكهرباء فى الإنارة و إسرافه فى تشغيل أجهزة الراديو كاسيت و التلفزيون و الثلاجات و المراوح و غيرها من الأجهزة الإستهلاكية , الأمر الذى حد من خروج الفلاح مبكراً إلى أعمال الزراعة و الفلاحة كما أنه مع دخول التلفزيون إلى القرية كان من الواجب أن يواكب ذلك عمل برامج موجهه إلى الفلاح لتوعيته بظروف معيشته و تثقيفه و تعليمه و محو أميته و الإرتقاء ببيئته العمرانية إلا أن برامج التسلية و الترفيه و المسلسلات أصبحت هى هدفه .
أما بالنسبة لبناء مبانى الخدمات فى القرية سواء كانت تعليمية أو إدارية أو صحية أو تجارية أو غير ذلك فهى لم تؤدى الهدف المطلوب منها على الوجه الأكمل لعدة أسباب منها غياب الرقابة الإدارية عليها و ضعف الكوادر العاملة بها و قلة أعمال الصيانة لها الأمر الذى أدى إلى تدهور مستوى الأداء بها . هذا بالإضافة إلى أن كل مشاريع التنمية و توفير الخدمات للقرية كانت تنشأ الأراضى الزراعية , أى أن الأجهزة الحكومية كانت هى القدوة فى تبوير الأرض الزراعية بهدف توفير الخدمات العامة للقرية .
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث عندما بدأ التفكير فى إنشاء الجامعات الإقليمية و منها جامعة الزقازيق فقد كان من المفروض أن تنشأ الجامعة على أرض صحراوية بالقرب من مدينة بلبيس و هى على مقربة من مدينة الزقازيق إلا أن القرار السياسى و التوجه الحكومى أمر بإنشاء الجامعة داخل مدينة الزقازيق و على أراضى زراعية بهدف تنمية المناطق الريفية و توفير فرص التعليم الجامعى لهم . و نتيجة لذلك فقد أنشأت الجامعة بإداراتها المختلفة و كلياتها المتنوعة و الخدمات الملحقة بالجامعة و سكن أعضاء هيئة التدريس و المبانى الخدمية سواء كانت تجارية أو صحية أو تعليمية لمنطقة سكن أعضاء هيئة التدريس و غير ذلك كله أنشئ على أرض زراعية الأمر الذى كان له أثر سلبى على البيئة الزراعية للمنطقة على المدى البعيد .
و مما سبق سبق نجد أن مشاريع تنمية الريف المصرى لم تحقق النتائج المطلوبة منها لعدة أسباب منها غياب النظرة الشاملة و المتكاملة لعمليات التنمية الريفية و عدم وجود خطط و اقعية طويلة المدى و أخرى متوسطة و قصيرة المدى كما لا يوجد تنسيق كامل بين الأجهزة الحكومية المعنية بمشاريع تنمية القرية . هذا بالإضافة إلى غياب دور الأجهزة المحلية و المشاركة الشعبية فى عملية إتخاذ القرارات و التخطيط ثم التنفيذ لخطط التنمية , و الأهم من كل ذلك هو أن مشاريع توفير الخدمات و المرافق للقرية المصرية كانت تنشأ فى داخل القرية و تمتد و تتوسع على الأراضى مخالفة بعد ذلك الإستراتيجية القومية للدولة و التى تهدف إلى الحفاظ على الأرض الزراعية المصدر الوحيد لغذاء الشعب .
أن التنمية الريفية يجب أن تكون تنمية متكاملة و مستمرة أى أن تتكامل خطط و أليات التنمية العمرانية فى الريف مع خطط و أليات التنمية الإجتماعية و الإقتصادية لها . و ذلك من خلال الإستراتيجية القومية للدولة .
إن التخطيط لقيام تلك المشاريع و البرامج للتنمية الريفية هى خطة طموحة للغاية و مطلوبة , و أن جاءت متأخرة قليلاً , كما أن الإستثمارات المطلوبة لها تعتبر إستثمارات كبيرة للغاية و كما هو واضح مما سبق فإن البعد المكانى لكل تلك المشاريع هى القرية المصرية القائمة , أى أن تنفيذ خطط التنمية الريفية سوف تنشأ داخل القرية المصرية و حولها على الأرض الزراعية الأمر الذى سوف يؤدى إلى زيادة التوسع العمرانى على الأرض الزراعية و ذلك لإستيعاب مشاريع التنمية المختلفة حيث أنه من المخطط له إنشاء المدارس بمستوياتها المختلفة و مراكز محو الأمية و المعاهد الثانوية و المتوسطة الزراعية و الصناعية أو التجارية و كذلك الوحدات الصحية و المستوصفات و المستشفيات و مراكز رعاية الطفل و كذلك المشاريع الثقافية من مكتبات عامة و دور عرض سينما و مراكز الشباب و الأندية المحلية و ما تحتاجها من ملاعب و مبانى إدارية مختلفة و غير ذلك من المشروعات الخدمية , أضف إلى ذلك مشاريع البنية الأساسية و ما تحتاجها من محطات تنقية للمياه و خزانات و محطات رفع و معالجة الصرف الصحى و محولات الضغط الكهربى و بذلك ستتضاعف الكتلة العمرانية للقرية و تتناقص الأراضى الزراعية. و كما أن إنشاء شبكات التغذية بالمياه و شبكات الصرف الصحى المواكبة لها داخل الكتلة العمرانية للقرية سوف يواجه بمشكلة عدم وجود تخطيط سابق للقرية و أن النسيج العمرانى العشوائى بها سوف يزيد من تكلفة عمل التوصيلات إلى المنازل و أن عمليات الحفر لتلك الشبكات سوف يواجه بصعوبات فنية كثيرة مثل الحفاظ على المبانى القائمة من الإنهيار لسوء حالتها و تأثير عمليات الحفر على الحركة فى شوارع القرية كما أن سوء حالة المرافق الداخلية للوحدات السكنية الريفية سوف تؤثر على مستوى أداء الشبكات الخارجية الأمر الذى يتطلب تحسين أو تغيير توصيلات المياه و الصرف الصحى الداخلية .
هذا بالإضافة إلى أن مشاريع التنمية الريفية يجب أن يواكبها مشاريع الإرتقاء بالمسكن الريفى سواء من الناحية الإنشائية أو التشطيبات أو مستوى أداء المرافق الداخلية به أو أسلوب إستغلال فراغاته و معالجة مشاكل التخزين للمخلفات الزراعية و غير ذلك و هذا لن يتأتى إلا بالإرتقاء بالمستوى الثقافى و التعليمى للفلاح و عمل برامج للتوعية و تغيير نمط معيشته و أسلوب حياته التقليدى و ما يستلزم ذلك من إعداد خطط قصيرة و بعيدة المدى للإرتقاء بالمواطن الريفى .
و مع تحقيق هذه المخططات و المشاريع للتنمية الريفية سوف تتحول القرية من مراكز طاردة للسكان للمناطق الحضرية الأخرى إلى مراكز جذب للسكان تستوعب الزيادة السكانية الريفية و الحضرية و ستزيد من عمليات الإستيطان و التوسع العمرانى فى القرية المصرية ذات المساحة المحدودة على حساب الأرض الزراعية و لتلتحم الكتل العمرانية للقرى الصغيرة و النجوع لتكون قرى أكبر و مراكز نصف حضرية و نصف ريفية و بذلك تنتقل أمراض المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية من زيادة للكثافة السكانية و ضيق الوحدات السكنية و ما يتبع ذلك من مشاكل النقل و المواصلات و المرور الآلى و المشاه و الدواب مع إمكانية ظهور مناطق للإسكان العشوائى بجوار القرى المنماة للإستفادة من المرافق و الخدمات و الإمكانيات المتوفرة بها , و من ذلك نجد أن مشاريع التنمية الريفية و إن كانت أهداف طموحة و نبيلة ظاهرياً إلا أنها فى الواقع تخالف الإستراتيجية القومية للدولة و التى تهدف إلى جذب الفائض السكانى من الوادى و الدلتا إلى المناطق الصحراوية و ذلك حفاظاً على الأرض الزراعية المصدر الرئيسى للغذاء للشعب المصرى . و هى الأرض الزراعية التى لا يمكن تعويضها مع الوضع فى الإعتبار التكاليف الباهظة لإستصلاح الأراضى الصحراوية المحدودة الإنتاجية .
إن تنمية القرى الجديدة التوأم فى الظهير الصحراوى يتمشى مع الإستراتيجية القومية للدولة و التى تهدف إلى إعادة توزيع و توطين السكان و الخروج بهم خارج الوادى الضيق و الدلتا إلى المناطق الصحراوية . كما أن الإستثمارات التى تحتاجها عمليات تعمير و تنمية القرى الجديدة و إن كانت كبيرة فى البداية , ألا أنها سوف تكون ذات عائد إقتصادى مجزى على المدى البعيد . كما أنها سوف تخلق محاور جديدة للتنمية فى المنطقة . و يمكن أن يكون الأساس الإقتصادى للقرى الجديدة هو الصناعات الخفيفة التى تتكامل مع إحتياجات القرى القائمة أو إستصلاح الأراضى أو مزارع حيوانية أو أى أنشطة تحتاجها القرى القائمة و لكن يتعذر تنفيذها هناك لمحدودية الأرض الصالحة للبناء . كما يمكن أن يكون الأساس الإقتصادى للقرى الجديدة هو التعدين أو السياحة أو أن تكون ذات طبيعة علمية بإعتمادها على وجود جامعة إقليمية أو معاهد متخصصة بها . هذا و يستلزم الأمر توفير سبل الإتصال و الإرتباط الإقتصادى بين القرى القائمة و القرى الجديدة التوأم للمساعدة فى إنجاح القرى الجديدة و إعطائها الدفعة اللازمة فى البداية تمهيداً لإستقلالها فى المستقبل .
إن إيجاد خطة متوازنة و متكاملة تعمل على توفير عوامل الجذب و الإستيطان فى القرى الجديدة مع عوامل التهجير و الإرسال فى القرى القائمة يتطلب تحديد شكل أليات تنفيذ عملية التهجير و عملية الإستيطان و ذلك من خلال إنشاء جهاز إدارى مستقل له حرية إتخاذ القرارات و يعمل على المستوى المحلى للقرية و يعمل بأسلوب الإدارة بالأهداف و يتكون هذا الجهاز الإدارى من إدارتين رئيسيتين هما الإدارة العامة للتهجير و الإرسال و الإدارة العامة للإستيطان و الإستقبال . و تعمل الإدارة العامة الأولى فى نطاق القرية القائمة أما الإدارة الثانية فتعمل فى نطاق القرية الجديدة التوأم .
و تختص إدارة التهجير و الإرسال بعمل المسوحات العمرانية و الإجتماعية و الإقتصادية للقرية القائمة تمهيداً لتحديد المناطق السكنية التى سوف تزال لسوء حالتها و تحديد أفراد المجتمع المستهدف نقلهم و إعادة توطينهم فى القرى الجديدة مع تحديد خصائصهم الإجتماعية و قدراتهم المادية و وظائفهم مع إستبعاد العمالة الزراعية لحاجة القرية القائمة لهم , و بعد ذلك يتم إجراء برامج توعية و تدريب للسكان قبل إعادة توطينهم كما تقوم الإدارة بتيسير سبل إعادة التوطين بما فى ذلك الإجراءات الإدارية و إستخراج تراخيص البناء و تخصيص الأراضى لهم فى القرية الجديدة مع العمل على إيجاد وسائل للربط و المواصلات السهلة بين القريتين كما تختص إدارة التهجير و الإرسال بإيجاد عوامل للتهجير من المنطقة مثل زيادة الرسوم و الضرائب فى حدود ما يسمح به القانون مع عدم إعتماد أى إستثمارات لتنمية المنطقة فى المرحلة الأولى مع زيادة الغرامات على المخالفين بالبناء على الأرض الزراعية . أما فى المراحل الأخيرة من التنمية المتكاملة و بعد الإنتهاء من عمليات تعمير وتنمية القرى التوأم الجديدة فى الظهير الصحراوى فتختص إدارة التهجير والإرسال بالقيام بعمليات الإرتقاء بالبيئة العمرانية و الإجتماعية و الإقتصادية للقرى القائمة بالأسلوب التقليدى .
- مقدمة :
و لحل مشكلة الإسكان و مشكلة زيادة الكثافة السكانية على الأراضى الزراعية دعت الحكومة إلى سياسة إستصلاح الأراضى الصحراوية و التى بدأت بعد قيام ثورة 1952 م حيث مرت بمراحل متعددة و سياسات متنوعة و أهداف متجددة بدأت بتطبيق قانون الإصلاح الزراعى كحل لمشكلة الطبقات الفقيرة من الريف و قد وُجِد فى إعادة توزيع الأرض حل جزئى لمشكلة الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً زراعية مع ضرورة العمل على زيادة الرقعة الزراعية لتحقيق الأمن الغذائى و خلق مجتمعات جديدة و الحد من التكدس فى وادى النيل . ثم دعت الحكومة بعد ذلك فى السبعينات إلى إعادة تطوير القرية المصرية و لتحويلها من مناطق طرد إلى مناطق جذب وهو ما يعرف بالهجرة المضادة من المدينة إلى القرية , و بعد ذلك فى النصف الثانى من السبعينات ظهرت الدعوة إلى تعمير الصحارى و إقامة المدن و المجتمعات العمرانية الجديدة فى الصحراء و كانت البداية من خلال ورقة أكتوبر74 و التى أقرتها الحكومة . و بالرغم من جميع السياسات المتنوعة التى أنتهجتها الحكومة على مر السنين فمازالت مشاكل التنمية الريفية تزداد سوءاً بالرغم من المجهودات التى بذلت فى ذلك المجال و لم تؤتى تلك السياسات ثمارها بل زادت الرقعة العمرانية على حساب الأراضى الزراعية فى الحضر و فى الريف على حدٍ سواء , و مما لا شك فيه أن الكثير من المشكلات التى يعانى منها الريف المصرى فى الوقت الراهن تعد إنعكاسات لتراكمات تاريخية طويلة , فإن التغيرات التى طرأت على القرية المصرية خلال العقدين الماضيين و التى جاءت إنعكاساً لتطورات إقتصادية و إجتماعية محلية و خارجية بالغة السرعة أثرت بشكل سيئ على بيئة القرية و نسيجها العمرانى و على نشاطاتها الإقتصادية و على العلاقات الإجتماعية بين أفرادها .
- مشاكل القرية المصرية :
هذا بالإضافة إلى حدوث تغير نوعى فى العمالة المشتغلة فى الريف حيث أصبحت تضم شرائح عديدة من المهن و الحرف التى لا صلة لها بالزراعة مع وجود إتجاه متزايد نحو الإعتماد على العمالة المأجورة بسبب هجرة العمالة الزراعية سواء بالهجرة الداخلية أو الخارجية دون أن يصاحب ذلك إحلال الألة الزراعية بالقدر الكافى محل العمل اليدوى . ولقد تغيرت نظرة الفلاح للأرض بعد أن أصبح يقارن بين الدخل المتولد عنها و الدخل المتولد عن الأنشطة الأخرى كما تغير الشكل العمرانى للقرية حيث أصبح 25? تقريباً من مساكن القرى تتخذ نمط الشقة السكنية بدلاً من المنزل الريفى التقليدى و ذلك بسبب ضيق المناطق السكنية و قوانين البناء التى تحد من البناء على الأراضى الزراعية الأمر الذى غير من نمط المعيشة للفلاح و من سلوكياته . كما أثرت مشاريع مد المرافق و الخدمات العامة و شبكة الطرق و الإتصالات على القرية المصرية و على نمط المعيشة للفلاح بأثر سلبى لم يكن فى الحسبان عند التخطيط لتوفير و بناء تلك المشاريع .
فقد كان الهدف الأساسى من بناء تلك المشاريع هو الإرتقاء بالبيئة العمرانية للقرية و النهوض بمستوى معيشة الفلاح من خلال نهضة شاملة فى جميع المرافق من توفير المياه النقية و عمل مشاريع للصرف الصحى و مد القرية بالكهرباء ووسائل الإتصال و شبكات الطرق ثم التنمية الإجتماعية للمجتمع الريفى تشارك فيها كل الأجهزة المعنية من ثقافة و إعلام و شئون إجتماعية و محو أمية و غيرها و أخيراً التنمية الإقتصادية بهدف رفع إنتاجية القرية و إسهامها فى التنمية الإقتصادية الشاملة للبلاد .
ففى مجال مد شبكات المياه النقية إلى القرية كان الهدف الأساسى هو توفير الماه العذبة للسكان و للحد من الأمراض الناتجة من تلوث المياه من الترع إلا أن إستهلاك الفلاح من المياه زاد بمعدلات كبيرة حيث فقد الفلاح حرصه على نقطة المياه التى كان فى السابق يحصل عليها من الزير كما ساعد على ذلك سوء حالة مواسير التغذية بالمياه و عدم عمل صيانة لها مما ساعد على زيادة الفاقد من المياه . بالرغم من ذلك فلم يواكب مشاريع مد القرية بالمياه مشاريع مماثلة لحل مشكلة الصرف الصحى بها حيث أدى زيادة كمية المياه المصروفة إلى حد عدم تمكن البيارات و خزانات التحليل من إستيعابها . الأمر الذى أدى إلى تسرب كميات كبيرة من الماء الملوث إلى الترع و التربة الأرضية مما أدى إلى تلوث القرية و أثر ذلك على الزراعة و على صحة الفلاح .
أما فى مجال توصيل شبكات الكهرباء إلى القرية فقد كان الهدف الأساسى هو إنارة القرى و إدخال وسائل الإتصال و الإعلام بها لزيادة وعى الفلاح بمشاكله و حياته إلا أن ذلك إنعكس بشكل سلبى على نمط معيشة الفلاح حيث زاد إستهلاك الفلاح من الطاقة الكهربية أكثر مما هو متوقع و ذلك راجع إلى سوء إستغلاله للكهرباء فى الإنارة و إسرافه فى تشغيل أجهزة الراديو كاسيت و التلفزيون و الثلاجات و المراوح و غيرها من الأجهزة الإستهلاكية , الأمر الذى حد من خروج الفلاح مبكراً إلى أعمال الزراعة و الفلاحة كما أنه مع دخول التلفزيون إلى القرية كان من الواجب أن يواكب ذلك عمل برامج موجهه إلى الفلاح لتوعيته بظروف معيشته و تثقيفه و تعليمه و محو أميته و الإرتقاء ببيئته العمرانية إلا أن برامج التسلية و الترفيه و المسلسلات أصبحت هى هدفه .
أما بالنسبة لبناء مبانى الخدمات فى القرية سواء كانت تعليمية أو إدارية أو صحية أو تجارية أو غير ذلك فهى لم تؤدى الهدف المطلوب منها على الوجه الأكمل لعدة أسباب منها غياب الرقابة الإدارية عليها و ضعف الكوادر العاملة بها و قلة أعمال الصيانة لها الأمر الذى أدى إلى تدهور مستوى الأداء بها . هذا بالإضافة إلى أن كل مشاريع التنمية و توفير الخدمات للقرية كانت تنشأ الأراضى الزراعية , أى أن الأجهزة الحكومية كانت هى القدوة فى تبوير الأرض الزراعية بهدف توفير الخدمات العامة للقرية .
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث عندما بدأ التفكير فى إنشاء الجامعات الإقليمية و منها جامعة الزقازيق فقد كان من المفروض أن تنشأ الجامعة على أرض صحراوية بالقرب من مدينة بلبيس و هى على مقربة من مدينة الزقازيق إلا أن القرار السياسى و التوجه الحكومى أمر بإنشاء الجامعة داخل مدينة الزقازيق و على أراضى زراعية بهدف تنمية المناطق الريفية و توفير فرص التعليم الجامعى لهم . و نتيجة لذلك فقد أنشأت الجامعة بإداراتها المختلفة و كلياتها المتنوعة و الخدمات الملحقة بالجامعة و سكن أعضاء هيئة التدريس و المبانى الخدمية سواء كانت تجارية أو صحية أو تعليمية لمنطقة سكن أعضاء هيئة التدريس و غير ذلك كله أنشئ على أرض زراعية الأمر الذى كان له أثر سلبى على البيئة الزراعية للمنطقة على المدى البعيد .
- تقييم خطط التنمية الريفية :
و مما سبق سبق نجد أن مشاريع تنمية الريف المصرى لم تحقق النتائج المطلوبة منها لعدة أسباب منها غياب النظرة الشاملة و المتكاملة لعمليات التنمية الريفية و عدم وجود خطط و اقعية طويلة المدى و أخرى متوسطة و قصيرة المدى كما لا يوجد تنسيق كامل بين الأجهزة الحكومية المعنية بمشاريع تنمية القرية . هذا بالإضافة إلى غياب دور الأجهزة المحلية و المشاركة الشعبية فى عملية إتخاذ القرارات و التخطيط ثم التنفيذ لخطط التنمية , و الأهم من كل ذلك هو أن مشاريع توفير الخدمات و المرافق للقرية المصرية كانت تنشأ فى داخل القرية و تمتد و تتوسع على الأراضى مخالفة بعد ذلك الإستراتيجية القومية للدولة و التى تهدف إلى الحفاظ على الأرض الزراعية المصدر الوحيد لغذاء الشعب .
أن التنمية الريفية يجب أن تكون تنمية متكاملة و مستمرة أى أن تتكامل خطط و أليات التنمية العمرانية فى الريف مع خطط و أليات التنمية الإجتماعية و الإقتصادية لها . و ذلك من خلال الإستراتيجية القومية للدولة .
- المشروع القومى للتنمية الريفية :
إن التخطيط لقيام تلك المشاريع و البرامج للتنمية الريفية هى خطة طموحة للغاية و مطلوبة , و أن جاءت متأخرة قليلاً , كما أن الإستثمارات المطلوبة لها تعتبر إستثمارات كبيرة للغاية و كما هو واضح مما سبق فإن البعد المكانى لكل تلك المشاريع هى القرية المصرية القائمة , أى أن تنفيذ خطط التنمية الريفية سوف تنشأ داخل القرية المصرية و حولها على الأرض الزراعية الأمر الذى سوف يؤدى إلى زيادة التوسع العمرانى على الأرض الزراعية و ذلك لإستيعاب مشاريع التنمية المختلفة حيث أنه من المخطط له إنشاء المدارس بمستوياتها المختلفة و مراكز محو الأمية و المعاهد الثانوية و المتوسطة الزراعية و الصناعية أو التجارية و كذلك الوحدات الصحية و المستوصفات و المستشفيات و مراكز رعاية الطفل و كذلك المشاريع الثقافية من مكتبات عامة و دور عرض سينما و مراكز الشباب و الأندية المحلية و ما تحتاجها من ملاعب و مبانى إدارية مختلفة و غير ذلك من المشروعات الخدمية , أضف إلى ذلك مشاريع البنية الأساسية و ما تحتاجها من محطات تنقية للمياه و خزانات و محطات رفع و معالجة الصرف الصحى و محولات الضغط الكهربى و بذلك ستتضاعف الكتلة العمرانية للقرية و تتناقص الأراضى الزراعية. و كما أن إنشاء شبكات التغذية بالمياه و شبكات الصرف الصحى المواكبة لها داخل الكتلة العمرانية للقرية سوف يواجه بمشكلة عدم وجود تخطيط سابق للقرية و أن النسيج العمرانى العشوائى بها سوف يزيد من تكلفة عمل التوصيلات إلى المنازل و أن عمليات الحفر لتلك الشبكات سوف يواجه بصعوبات فنية كثيرة مثل الحفاظ على المبانى القائمة من الإنهيار لسوء حالتها و تأثير عمليات الحفر على الحركة فى شوارع القرية كما أن سوء حالة المرافق الداخلية للوحدات السكنية الريفية سوف تؤثر على مستوى أداء الشبكات الخارجية الأمر الذى يتطلب تحسين أو تغيير توصيلات المياه و الصرف الصحى الداخلية .
هذا بالإضافة إلى أن مشاريع التنمية الريفية يجب أن يواكبها مشاريع الإرتقاء بالمسكن الريفى سواء من الناحية الإنشائية أو التشطيبات أو مستوى أداء المرافق الداخلية به أو أسلوب إستغلال فراغاته و معالجة مشاكل التخزين للمخلفات الزراعية و غير ذلك و هذا لن يتأتى إلا بالإرتقاء بالمستوى الثقافى و التعليمى للفلاح و عمل برامج للتوعية و تغيير نمط معيشته و أسلوب حياته التقليدى و ما يستلزم ذلك من إعداد خطط قصيرة و بعيدة المدى للإرتقاء بالمواطن الريفى .
و مع تحقيق هذه المخططات و المشاريع للتنمية الريفية سوف تتحول القرية من مراكز طاردة للسكان للمناطق الحضرية الأخرى إلى مراكز جذب للسكان تستوعب الزيادة السكانية الريفية و الحضرية و ستزيد من عمليات الإستيطان و التوسع العمرانى فى القرية المصرية ذات المساحة المحدودة على حساب الأرض الزراعية و لتلتحم الكتل العمرانية للقرى الصغيرة و النجوع لتكون قرى أكبر و مراكز نصف حضرية و نصف ريفية و بذلك تنتقل أمراض المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية من زيادة للكثافة السكانية و ضيق الوحدات السكنية و ما يتبع ذلك من مشاكل النقل و المواصلات و المرور الآلى و المشاه و الدواب مع إمكانية ظهور مناطق للإسكان العشوائى بجوار القرى المنماة للإستفادة من المرافق و الخدمات و الإمكانيات المتوفرة بها , و من ذلك نجد أن مشاريع التنمية الريفية و إن كانت أهداف طموحة و نبيلة ظاهرياً إلا أنها فى الواقع تخالف الإستراتيجية القومية للدولة و التى تهدف إلى جذب الفائض السكانى من الوادى و الدلتا إلى المناطق الصحراوية و ذلك حفاظاً على الأرض الزراعية المصدر الرئيسى للغذاء للشعب المصرى . و هى الأرض الزراعية التى لا يمكن تعويضها مع الوضع فى الإعتبار التكاليف الباهظة لإستصلاح الأراضى الصحراوية المحدودة الإنتاجية .
- التنمية السلبية للقرية المصرية :
إن تنمية القرى الجديدة التوأم فى الظهير الصحراوى يتمشى مع الإستراتيجية القومية للدولة و التى تهدف إلى إعادة توزيع و توطين السكان و الخروج بهم خارج الوادى الضيق و الدلتا إلى المناطق الصحراوية . كما أن الإستثمارات التى تحتاجها عمليات تعمير و تنمية القرى الجديدة و إن كانت كبيرة فى البداية , ألا أنها سوف تكون ذات عائد إقتصادى مجزى على المدى البعيد . كما أنها سوف تخلق محاور جديدة للتنمية فى المنطقة . و يمكن أن يكون الأساس الإقتصادى للقرى الجديدة هو الصناعات الخفيفة التى تتكامل مع إحتياجات القرى القائمة أو إستصلاح الأراضى أو مزارع حيوانية أو أى أنشطة تحتاجها القرى القائمة و لكن يتعذر تنفيذها هناك لمحدودية الأرض الصالحة للبناء . كما يمكن أن يكون الأساس الإقتصادى للقرى الجديدة هو التعدين أو السياحة أو أن تكون ذات طبيعة علمية بإعتمادها على وجود جامعة إقليمية أو معاهد متخصصة بها . هذا و يستلزم الأمر توفير سبل الإتصال و الإرتباط الإقتصادى بين القرى القائمة و القرى الجديدة التوأم للمساعدة فى إنجاح القرى الجديدة و إعطائها الدفعة اللازمة فى البداية تمهيداً لإستقلالها فى المستقبل .
إن إيجاد خطة متوازنة و متكاملة تعمل على توفير عوامل الجذب و الإستيطان فى القرى الجديدة مع عوامل التهجير و الإرسال فى القرى القائمة يتطلب تحديد شكل أليات تنفيذ عملية التهجير و عملية الإستيطان و ذلك من خلال إنشاء جهاز إدارى مستقل له حرية إتخاذ القرارات و يعمل على المستوى المحلى للقرية و يعمل بأسلوب الإدارة بالأهداف و يتكون هذا الجهاز الإدارى من إدارتين رئيسيتين هما الإدارة العامة للتهجير و الإرسال و الإدارة العامة للإستيطان و الإستقبال . و تعمل الإدارة العامة الأولى فى نطاق القرية القائمة أما الإدارة الثانية فتعمل فى نطاق القرية الجديدة التوأم .
و تختص إدارة التهجير و الإرسال بعمل المسوحات العمرانية و الإجتماعية و الإقتصادية للقرية القائمة تمهيداً لتحديد المناطق السكنية التى سوف تزال لسوء حالتها و تحديد أفراد المجتمع المستهدف نقلهم و إعادة توطينهم فى القرى الجديدة مع تحديد خصائصهم الإجتماعية و قدراتهم المادية و وظائفهم مع إستبعاد العمالة الزراعية لحاجة القرية القائمة لهم , و بعد ذلك يتم إجراء برامج توعية و تدريب للسكان قبل إعادة توطينهم كما تقوم الإدارة بتيسير سبل إعادة التوطين بما فى ذلك الإجراءات الإدارية و إستخراج تراخيص البناء و تخصيص الأراضى لهم فى القرية الجديدة مع العمل على إيجاد وسائل للربط و المواصلات السهلة بين القريتين كما تختص إدارة التهجير و الإرسال بإيجاد عوامل للتهجير من المنطقة مثل زيادة الرسوم و الضرائب فى حدود ما يسمح به القانون مع عدم إعتماد أى إستثمارات لتنمية المنطقة فى المرحلة الأولى مع زيادة الغرامات على المخالفين بالبناء على الأرض الزراعية . أما فى المراحل الأخيرة من التنمية المتكاملة و بعد الإنتهاء من عمليات تعمير وتنمية القرى التوأم الجديدة فى الظهير الصحراوى فتختص إدارة التهجير والإرسال بالقيام بعمليات الإرتقاء بالبيئة العمرانية و الإجتماعية و الإقتصادية للقرى القائمة بالأسلوب التقليدى .