ثورة من دون قيادة" طلال سلمان"
يسود القلق على مصير الثورة ويتزايد الخوف من الغد، فى مختلف أرجاء الوطن العربى، نتيجة الاضطراب الذى عصف «بالميدان» وجماهيره المليونية وهى تشاهد إنجازها التاريخى يضيع عبر المناورات والمناوشات السياسية، والفوضى التى تنتهى بها واليها القوى الثورية فى صراعها مع الأنظمة التى استولدت قيصريا فى لحظة غفلة، والتى تدعى الآن أبوة الثورة.
بل ان موجة من الحزن تتوسع دائرتها الآن نتيجة الخوف على الثورة وأهدافها.. فمعظم الذين يتولون زمام السلطة الآن فى الدول العربية التى اسقطت الانتفاضات الشعبية حكم الاستبداد فيها لم يكونوا هم قادة الثورة. كانوا إلى جانبها ومن حولها بنسبة ما، ومشاركين فيها وفق توقيتهم الخاص، فلا هم داخلها تماما، ولا هم خارجها.
بصيغة أخرى: ليست الانتفاضات التى شهدتها أقطار عربية عدة من تخطيط الإخوان المسلمين أو السلفيين. هى انتفاضات شعبية مجيدة شاركت فيها جموع الشعب فى كل من تونس، بداية، ثم مصر، وبعدها ليبيا، أسقطت أنظمة الطغيان التى كانت قائمة، ولكنها لم تكن تملك التصور الجاهز والإعداد الضرورى لإقامة النظام البديل الذى يعبر عن طموحاتها بل وحقوقها فى دولتها.
•••
ومع أن الأمر فى سوريا مختلف، إذ أن الإسلاميين عموما والسلفيين خصوصا، لم يكونوا فى أساس الانتفاضة، بل هم هرعوا إليها بعد وقت طويل من انفجار الغضب فى درعا، وفشل النظام فى احتواء الأزمة بل التصرف بمزيج من العناد والمكابرة مما عقدها وأعطاها المدى اللازم لاستدراج هؤلاء الأصوليين إلى الداخل.. وها هم، فى هذه اللحظة، باتوا فى موقع القيادة فيها، يصادرون قرارها ويدعون النطق باسمها وينحرفون بها نحو الحرب الأهلية.
أما فى ليبيا التى بالكاد تعّرف شعبها إلى السياسة والاحزاب، خصوصا وقد كان يتوزعه، قبل ثورة الفاتح، ثلاثة مستعمرين (الطليان والفرنسيين والبريطانيين) ثم جاء رابعهم الأمريكى فى الستينيات، فإن الاضطراب الدموى يهدد وحدة دولتها، خصوصا أن القبلية فيها لا تزال هى «التنظيمات» الفاعلة على الأرض. ومن البديهى أن تاريخ الصراع بين القبائل قد عاد يحكم العملية السياسية، خصوصا أن عهد القذافى كثيرا ما استخدم هذا «التاريخ» لإشغال القبائل بعضها بالبعض الآخر وإلزامها بالعودة إليه ــ جميعا ــ ليقضى بينها.
فى تونس، يبدو واضحا أن حزب النهضة» الاخوانى الذى كان أكثر التنظيمات جهوزية للقفز إلى السلطة، مفيدا من ضعف الأحزاب السياسية الأخرى، قد اضطر إلى شبكة من التحالفات فى انتظار أن يتمكن فينفرد.. لكن «مدنية» المجتمع التونسى قد عطلت خطته فى الهيمنة على السلطة، ثم ان المناورات العديدة التى لجأ اليها «النهضة» فى علاقته مع القوى الشريكة فى الثورة، فضلا عن تعاظم نفوذ قطر وبروز تأثيرها على السلطة، كل ذلك قد أضعف رصيده وهدد فرصته بإقامة حكم إسلامى، فى مجتمع عريق بتجربته المدنية، بالضياع.
•••
وبقدر ما تتبدى الجزائر عاصية على اقتحام «الإسلاميين» شارعها، فان تجربة الحكومة ذات الشعار الإسلامى فى المغرب لم تحقق نجاحا ملحوظا ولم تستطع أن تكسب رصيدا شعبيا يؤهلها لان تقدم نفسها كحزب قائد.. فى ظل الخليفة أمير المؤمنين.
بالمقابل فإن «الإسلاميين» فى اليمن لم يستطيعوا اقتحام عملية التغيير المصفحة بالذهب الخليجى والحماية الامريكية، بل أمكن دمغهم بشعارات «القاعدة»، وتحول «الجهاديون» إلى «عصابات» تطاردهم وتقتلهم الطائرات الامريكية من دون طيار فيدفنون بلا مشيعين.. هذا فى حين تواصل القوى السياسية التى كانت سلطة فى الجنوب اليمنى والمتحدرة من صلب اليسار المتطرف ــ كوريث غير شرعى لحركة القوميين العرب ــ الاستمرار فى رفع شعار الانفصال والعودة إلى جمهوريتها الديمقراطية الاشتراكية طيبة الذكر.
•••
المعركة الأساسية والحاسمة للإسلام السياسى ممثلا بحركة الإخوان المسلمين، تجرى وقائعها فى مصر، خصوصا أن هذه الحركة تتسلم الآن سدة السلطة، فالرئيس محمد مرسى الذى يتحدر من صلبها يحتل موقع رئيس الجمهورية، والحكومة تخضع لهيمنتها وان هى أنكرت «أبوتها» لها، وكذلك مجلس الشورى الذى يكاد يصير بديلا من مجلس النواب الذى يصعب التكهن بموعد ولادته.. القيصرية.
ومؤكد أن هذا الحكم الإخوانى فى مصر يوجه مآزق عدة:
بداية هو ليس بحزب طبيعى. فهو ليس تماما حركة الحرية والعدالة، وان كانت منه، استولدها من صلبه وطعّمها ببعض الشخصيات من خارجها لكسر حدة الاعتراض على هيمنته على السلطة، ثم إن امكاناته وقدراته المالية لا تخضع للتدقيق. وليس خفيا أن أمواله، بكتلتها العظمى، خارج مصر، وتنظيمه يتمدد فى جهات عديدة، من دون أن تكون له سجلات رسمية.. هذا قبل التطرق إلى تنظيمه الدولى وطبيعة العلاقة بينه وبين «الفرع» فى مصر.
هو السلطة لكنه يحاول إنكار هيمنته عليها. القرار قراره فى الحكومة كما فى الدستور، فى إعلان حالة الطوارئ كما فى الدعوة البتراء إلى حوار حول عناوين عامة لا يمكن ان تكون مغرية لمعارضيه، فى جبهة الإنقاذ الوطنى أساسا أم لدى أطراف أساسية أخرى، مثل الأقباط.
على أن مصدر قوة هذه السلطة المطعون فى صحة قراراتها، سواء فيما خص الدستور أو إعلان حالة الطوارئ، وبالتالى فى موضوع الانتخابات المقبلة التى يجرى التسويف فى تحديد موعد إجرائها، يكمن فى «شرعيتها» حتى وإن قالت قوى المعارضة بسقوط هذه الشرعية، لا سيما بعد الأحداث الدامية التى أخذت تتفاقم فى شوارع القاهرة ومدن مصرية عديدة.
•••
وفى حقيقة الأمر فإن قوى المعارضة تتحمل قسطا كبيرا من المسئولية، خصوصا أنها تفتقد إلى الوحدة فى مواقفها. وتشهد البيانات الصادرة عن قياداتها مقارنة بمواقف بعض قيادييها بكثير من الارتباك وافتقاد وحدة الهدف. فبينما يرفع شباب الميدان وعدد من القيادات السياسية المعارضة شعار «إسقاط النظام»، نرى قيادة المعارضة جنبا إلى جنب مع ممثل الحزب الحاكم فى الأزهر الشريف، وفى حين تعلن موافقة إجماعية على البيان الصادر عن ذلك اللقاء تتوالى تصريحات وخطب نارية لبعض أقطاب هذه الجبهة تسقط تلك الموافقة من دون ان تلبى احتياج «الثوار».
هى مرحلة انتقالية، نظريا.. ولكن الإخوان يعملون، فى الداخل والخارج، مع قوى عربية فى طليعتها النفطية منها، ومع الإدارة الامريكية وبعض أوروبا، لتكريس الأمر الواقع، والعمل على مد الهيمنة الحزبية داخل شرايين السلطة وإدارات الدولة بحيث تتحكم مستقبلا بالانتخابات النيابية فتوفر فرصة الفوز بأكثرية البرلمان الجديد.. بينما الشركاء فى جبهة الإنقاذ يفتقرون إلى وحدة الموقف والى خطة جدية لمواجهة «الاحتياج الإخوانى» للسلطة.
وبالتأكيد فإن مرارة شباب الميدان قد بلغت مداها، وهى تشهد المناورات السياسية التى لا تكاد تنتهى والتى تخدم الإخوان أكثر مما تفيد حركة الثورة.. بالمقابل فإن كثيرا من المراقبين يراهنون الآن على أن جبهة الإنقاذ لن تستطيع أن تخوض الانتخابات بالكفاءة المطلوبة مما ينذر باستيلاء الإخوان على المجلس النيابى الجديد بحيث تكتمل هيمنتهم على السلطات جميعا.
•••
بالمقابل فإن المتابعين العرب للبرامج الحوارية على شاشات الفضائيات المصرية يكادون يرون فيها بديلا من الحركة النشطة فى الشارع لتأطير الكادرات وتوحيد جهود التنظيمات الشعبية والهيئات النقابية فى صياغة برنامج جدى لإنقاذ الثورة قبل إنقاذ الجبهة.. ولقد تحول بعض مقدمى هذه البرامج إلى قيادات سياسية معارضة او بالاحرى حزبية، فصار الحوار فضائيا والعمل السياسى معلقا فى الهواء.
على أن ما يجب الالتفات إليه هو الهجوم المضاد الذى يلجأ إليه بعض دوائر الحكم فى الدول النفطية، والذى يتركز على احتواء الثورة ومفاعليها عبر «الاحتضان» التدريجى لرموز السلطة الاخوانية، وضخ الوعود بمساعدات مالية بالمليارات بقصد التأثير على «الميدان» وارباك جماهيره، خصوصا أن شباب الثورة، حتى مع إدراكهم أن هذه المساعدات قد تكون وهمية فإنهم لا يريدون أن يتبدوا فى صورة من يمنع إنعاش الاقتصاد المصرى، الذى يدركون حقيقة وضعه غير السوى.
•••
والاقتصاد مقتل الثورات، لان الشعارات لا تطعم الجياع. والناس قد يصبرون وقد يلبون الدعوة للعمل بجدية لإنقاذ الاقتصاد الوطنى إذا ما أحسوا بجدية العاملين من اجل زيادة الإنتاج وتحسين النوعية.
رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية
بل ان موجة من الحزن تتوسع دائرتها الآن نتيجة الخوف على الثورة وأهدافها.. فمعظم الذين يتولون زمام السلطة الآن فى الدول العربية التى اسقطت الانتفاضات الشعبية حكم الاستبداد فيها لم يكونوا هم قادة الثورة. كانوا إلى جانبها ومن حولها بنسبة ما، ومشاركين فيها وفق توقيتهم الخاص، فلا هم داخلها تماما، ولا هم خارجها.
بصيغة أخرى: ليست الانتفاضات التى شهدتها أقطار عربية عدة من تخطيط الإخوان المسلمين أو السلفيين. هى انتفاضات شعبية مجيدة شاركت فيها جموع الشعب فى كل من تونس، بداية، ثم مصر، وبعدها ليبيا، أسقطت أنظمة الطغيان التى كانت قائمة، ولكنها لم تكن تملك التصور الجاهز والإعداد الضرورى لإقامة النظام البديل الذى يعبر عن طموحاتها بل وحقوقها فى دولتها.
•••
ومع أن الأمر فى سوريا مختلف، إذ أن الإسلاميين عموما والسلفيين خصوصا، لم يكونوا فى أساس الانتفاضة، بل هم هرعوا إليها بعد وقت طويل من انفجار الغضب فى درعا، وفشل النظام فى احتواء الأزمة بل التصرف بمزيج من العناد والمكابرة مما عقدها وأعطاها المدى اللازم لاستدراج هؤلاء الأصوليين إلى الداخل.. وها هم، فى هذه اللحظة، باتوا فى موقع القيادة فيها، يصادرون قرارها ويدعون النطق باسمها وينحرفون بها نحو الحرب الأهلية.
أما فى ليبيا التى بالكاد تعّرف شعبها إلى السياسة والاحزاب، خصوصا وقد كان يتوزعه، قبل ثورة الفاتح، ثلاثة مستعمرين (الطليان والفرنسيين والبريطانيين) ثم جاء رابعهم الأمريكى فى الستينيات، فإن الاضطراب الدموى يهدد وحدة دولتها، خصوصا أن القبلية فيها لا تزال هى «التنظيمات» الفاعلة على الأرض. ومن البديهى أن تاريخ الصراع بين القبائل قد عاد يحكم العملية السياسية، خصوصا أن عهد القذافى كثيرا ما استخدم هذا «التاريخ» لإشغال القبائل بعضها بالبعض الآخر وإلزامها بالعودة إليه ــ جميعا ــ ليقضى بينها.
فى تونس، يبدو واضحا أن حزب النهضة» الاخوانى الذى كان أكثر التنظيمات جهوزية للقفز إلى السلطة، مفيدا من ضعف الأحزاب السياسية الأخرى، قد اضطر إلى شبكة من التحالفات فى انتظار أن يتمكن فينفرد.. لكن «مدنية» المجتمع التونسى قد عطلت خطته فى الهيمنة على السلطة، ثم ان المناورات العديدة التى لجأ اليها «النهضة» فى علاقته مع القوى الشريكة فى الثورة، فضلا عن تعاظم نفوذ قطر وبروز تأثيرها على السلطة، كل ذلك قد أضعف رصيده وهدد فرصته بإقامة حكم إسلامى، فى مجتمع عريق بتجربته المدنية، بالضياع.
•••
وبقدر ما تتبدى الجزائر عاصية على اقتحام «الإسلاميين» شارعها، فان تجربة الحكومة ذات الشعار الإسلامى فى المغرب لم تحقق نجاحا ملحوظا ولم تستطع أن تكسب رصيدا شعبيا يؤهلها لان تقدم نفسها كحزب قائد.. فى ظل الخليفة أمير المؤمنين.
بالمقابل فإن «الإسلاميين» فى اليمن لم يستطيعوا اقتحام عملية التغيير المصفحة بالذهب الخليجى والحماية الامريكية، بل أمكن دمغهم بشعارات «القاعدة»، وتحول «الجهاديون» إلى «عصابات» تطاردهم وتقتلهم الطائرات الامريكية من دون طيار فيدفنون بلا مشيعين.. هذا فى حين تواصل القوى السياسية التى كانت سلطة فى الجنوب اليمنى والمتحدرة من صلب اليسار المتطرف ــ كوريث غير شرعى لحركة القوميين العرب ــ الاستمرار فى رفع شعار الانفصال والعودة إلى جمهوريتها الديمقراطية الاشتراكية طيبة الذكر.
•••
المعركة الأساسية والحاسمة للإسلام السياسى ممثلا بحركة الإخوان المسلمين، تجرى وقائعها فى مصر، خصوصا أن هذه الحركة تتسلم الآن سدة السلطة، فالرئيس محمد مرسى الذى يتحدر من صلبها يحتل موقع رئيس الجمهورية، والحكومة تخضع لهيمنتها وان هى أنكرت «أبوتها» لها، وكذلك مجلس الشورى الذى يكاد يصير بديلا من مجلس النواب الذى يصعب التكهن بموعد ولادته.. القيصرية.
ومؤكد أن هذا الحكم الإخوانى فى مصر يوجه مآزق عدة:
بداية هو ليس بحزب طبيعى. فهو ليس تماما حركة الحرية والعدالة، وان كانت منه، استولدها من صلبه وطعّمها ببعض الشخصيات من خارجها لكسر حدة الاعتراض على هيمنته على السلطة، ثم إن امكاناته وقدراته المالية لا تخضع للتدقيق. وليس خفيا أن أمواله، بكتلتها العظمى، خارج مصر، وتنظيمه يتمدد فى جهات عديدة، من دون أن تكون له سجلات رسمية.. هذا قبل التطرق إلى تنظيمه الدولى وطبيعة العلاقة بينه وبين «الفرع» فى مصر.
هو السلطة لكنه يحاول إنكار هيمنته عليها. القرار قراره فى الحكومة كما فى الدستور، فى إعلان حالة الطوارئ كما فى الدعوة البتراء إلى حوار حول عناوين عامة لا يمكن ان تكون مغرية لمعارضيه، فى جبهة الإنقاذ الوطنى أساسا أم لدى أطراف أساسية أخرى، مثل الأقباط.
على أن مصدر قوة هذه السلطة المطعون فى صحة قراراتها، سواء فيما خص الدستور أو إعلان حالة الطوارئ، وبالتالى فى موضوع الانتخابات المقبلة التى يجرى التسويف فى تحديد موعد إجرائها، يكمن فى «شرعيتها» حتى وإن قالت قوى المعارضة بسقوط هذه الشرعية، لا سيما بعد الأحداث الدامية التى أخذت تتفاقم فى شوارع القاهرة ومدن مصرية عديدة.
•••
وفى حقيقة الأمر فإن قوى المعارضة تتحمل قسطا كبيرا من المسئولية، خصوصا أنها تفتقد إلى الوحدة فى مواقفها. وتشهد البيانات الصادرة عن قياداتها مقارنة بمواقف بعض قيادييها بكثير من الارتباك وافتقاد وحدة الهدف. فبينما يرفع شباب الميدان وعدد من القيادات السياسية المعارضة شعار «إسقاط النظام»، نرى قيادة المعارضة جنبا إلى جنب مع ممثل الحزب الحاكم فى الأزهر الشريف، وفى حين تعلن موافقة إجماعية على البيان الصادر عن ذلك اللقاء تتوالى تصريحات وخطب نارية لبعض أقطاب هذه الجبهة تسقط تلك الموافقة من دون ان تلبى احتياج «الثوار».
هى مرحلة انتقالية، نظريا.. ولكن الإخوان يعملون، فى الداخل والخارج، مع قوى عربية فى طليعتها النفطية منها، ومع الإدارة الامريكية وبعض أوروبا، لتكريس الأمر الواقع، والعمل على مد الهيمنة الحزبية داخل شرايين السلطة وإدارات الدولة بحيث تتحكم مستقبلا بالانتخابات النيابية فتوفر فرصة الفوز بأكثرية البرلمان الجديد.. بينما الشركاء فى جبهة الإنقاذ يفتقرون إلى وحدة الموقف والى خطة جدية لمواجهة «الاحتياج الإخوانى» للسلطة.
وبالتأكيد فإن مرارة شباب الميدان قد بلغت مداها، وهى تشهد المناورات السياسية التى لا تكاد تنتهى والتى تخدم الإخوان أكثر مما تفيد حركة الثورة.. بالمقابل فإن كثيرا من المراقبين يراهنون الآن على أن جبهة الإنقاذ لن تستطيع أن تخوض الانتخابات بالكفاءة المطلوبة مما ينذر باستيلاء الإخوان على المجلس النيابى الجديد بحيث تكتمل هيمنتهم على السلطات جميعا.
•••
بالمقابل فإن المتابعين العرب للبرامج الحوارية على شاشات الفضائيات المصرية يكادون يرون فيها بديلا من الحركة النشطة فى الشارع لتأطير الكادرات وتوحيد جهود التنظيمات الشعبية والهيئات النقابية فى صياغة برنامج جدى لإنقاذ الثورة قبل إنقاذ الجبهة.. ولقد تحول بعض مقدمى هذه البرامج إلى قيادات سياسية معارضة او بالاحرى حزبية، فصار الحوار فضائيا والعمل السياسى معلقا فى الهواء.
على أن ما يجب الالتفات إليه هو الهجوم المضاد الذى يلجأ إليه بعض دوائر الحكم فى الدول النفطية، والذى يتركز على احتواء الثورة ومفاعليها عبر «الاحتضان» التدريجى لرموز السلطة الاخوانية، وضخ الوعود بمساعدات مالية بالمليارات بقصد التأثير على «الميدان» وارباك جماهيره، خصوصا أن شباب الثورة، حتى مع إدراكهم أن هذه المساعدات قد تكون وهمية فإنهم لا يريدون أن يتبدوا فى صورة من يمنع إنعاش الاقتصاد المصرى، الذى يدركون حقيقة وضعه غير السوى.
•••
والاقتصاد مقتل الثورات، لان الشعارات لا تطعم الجياع. والناس قد يصبرون وقد يلبون الدعوة للعمل بجدية لإنقاذ الاقتصاد الوطنى إذا ما أحسوا بجدية العاملين من اجل زيادة الإنتاج وتحسين النوعية.
رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية