هي الدنيا
هي الدنيا
حافظ بن أحمد الحكمي
ما لي وللدُّنيا وليستْ ببُغْيَتي : وَلاَ مُنْتَهى قَصْدي ولستُ أَنا لها
ولستُ بميّالِ إِليها ولا إِلى : رئاساتِها فتناً وقبْحاً لحالها
هي الدارُ دارُ الهمِّ والغمِّ والعَنا : سريعٌ تقضِّيها قريبٌ زوالُها
مياسيرُها عُسْرٌ وحزنٌ سرورُها : وأَرباحُها خسرٌ ونقصٌ كمالُها
إِذا أَضحكتْ أَبكتْ وإِن رامَ وصلَها : غبيٌّ فيا سُرْعَ انقطاعِ وصالِها
فأَسأَلُ ربي أَنْ يحولَ بحوله : وقُوَّتِهِ بيني وبين اغتيالِها
فيا طالبَ الدنيا الدنيئةِ جاهداً : أَلا اطلبْ سواها إِنها
فَكَمْ قَدْ رأَينا من حريصٍ ومشفقٍ : عليها فلمْ يَظْفَرْ بِها أَن ينالَها
لَقَدْ جاء في آيِ الحديدِ ويُونسٍ : وفي الكهفِ إِيضاحٌ بضربِ مثالِها
وَفي آلِ عمرانَ وسورةِ فاطرٍ : وفي غافرٍ قد جاء تِبْيانُ حالِها
وَفي سورةِ الأَحقافِ أَعظمُ واعظٍ : وكمْ من حديثٍ موجبٍ لاعتزالِها
لَقَدْ نظروا قومٌ بعينِ بصيرةٍ : إِليها فلمْ تَغْرُرْهُمُ باختِيالها
أُولئك أَهلُ اللهِ حقّاً وحزبُه : لهم جنةُ الفردوسِ إِرثاً ويا لها
ومالَ إِليها آخرونَ لِجَهْلِهِمْ : فلمَّا اطمأَنُّوا أَرشَقَتْهُمْ نِبالُها
أولئك قومٌ آثروها فأَعقبوا : بها الخِزْيَ في الأُخرى وذاقوا وَبالَها
فَقُلْ للذينَ اسْتَعْذَبوها رُوَيْدَكُم : سَيَنْقَلِبُ السُّمُّ النقيعُ زلالَها
لِيَلْهوا ويغترُّوا بها ما بدا لهُمْ : متى تبلُغِ الحلقومَ تُصْرَمْ حبالُها
ويوم توفَّى كلُّ نفسٍ بكَسْبِها : تَوَدُّ فداءً لو بَنيها ومالها
وتأْخذُ إما باليمينِ كتابَها : إِذا أَحسنتْ أَو ضدَّ ذا بشِمالِها
ويبدو لَدَيْها ما أْسَرَّتْ وأَعلنتْ : وما قدَّمَتْ من قولِها وفعالِها
بأَيدي الكرامِ الكاتبينَ مسطرٌ : فلم يُغْنِ عنها عُذْرُها وجدالُها
هنالك تدري ربحَها وخسارَها : وإِذ ذاك تَلْقى ما إليه مآلُها
فإن تكُ من أَهل السعادةِ والتُّقى : فإِنَّ لها الحسنى بِحُسنِ فِعالِها
تفوزُ بجنَّاتِ النعيمِ وحورِها : وتُحْبَرُ في روضاتِها وظلالِها
وترزقُ ممَّا تَشْتَهي من نعيمِها : وتشربُ من تَسْنيمها وَزُلاَلِها
وَإِنَّ لهم يومَ المزيدِ لموعداً : زيادة زُلْفى غيرُهُم لاَ ينالُها
وجوهٌ إِلى وجهِ الإِلهِ نواظرُ : لقد طالَ ما بالدمعِ كانَ ابتلاؤها
تجلى لها الربُّ الرحيمُ مسلِّماً : فيزدادُ من ذاك التَّجلِّي جمالُها
بمقْعَدِ صدقٍ حبَّذا الجارُ ربُّهم ً : ودارِ خلودٍ لم يخافوا زوالَها
فواكِهُها ممَّا تَلَذُّ عيونهُم : وتَطَّرِدُ الأَنهارُ بين خلالِها
على سُرُرٍ موضونةٍ ثم فرشهم : كما قال فيه ربُّنا واصفاً لها
بطائِنُها إِسْتَبْرَقٌ كيف ظَنُّكُم : ظواهِرُها لا مُنْتَهى لجمالِها
وإِن تكنِ الأُخرى فويلٌ وحسرةٌ : ونارُ جحيمٍ ما أَشدَّ نَكالَها
لهم تحتَهُم منها مهادٌ وفوقَهم : غواشٍ ومِنْ يحمومٍ ساء ظلالُها
طعامُهُمُ الغسلينُ فيها وإِن سُقُوا : حميماً بهِ الأَمعاءُ كان انْحِلالُها
أَمانِيُّهم فيها الهلاكُ وما لَهم : خروجٌ ولا موتٌ كما لا فنا لها
مَحَلَّيْنِ قل للنفسِ ليس سواهما : لِتَكْسَبْ أَو فَلْتَسْكُتْ ما بدا لها
فطوبى لنفسٍ جَوَّزَتْ وتَخَفَّفَتْ : فَتَنْجو كفافاً لا عليها ولا لها