( وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ )
( وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) الرحمن
{ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } أي: ومن دون هاتين الجنتين جنتان أخريان والمعنى ومن دونهما في الدرج. وقال ابن عباس ومن دونهما جنتان وهما اللتان قال الله تعالى:
{ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }
[السجدة: 17] وهي التي لا يعلم الخلائق ما فيها، تأتيهم كل يوم منها تحفة.
وقال ابن زيد معناه: ومن دونهما جنتان هي أدنى من هاتين لأصحاب اليمين. والتقدير في العربية: وله من دونهما جنتان، أي: لمن خاف مقام ربه جنتان دون الاولتين في الفضل. ثم قال { مُدْهَآمَّتَانِ } أي: خضراوان يعني من الري. قاله ابن جبير وابن الزبير، وابن عباس، وأبو صالح، وقتادة. وقال مجاهد: معناه مسودتان. والدهمة عند العرب: السواد. ثم قال { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } أي: في هاتين الجنتين (عينان من ماء فوارتان)، أي: يفور الماء منهما. والنضخ أكثر من النضح، ولم يسمع منه فعل، قال عكرمة وابن زيد ينضحان بالماء. قال ابن عباس نضاختان: فائضتان. وقال الضحاك ممتلئتان لا تنقطعان. وقال ابن جبير نفاختان بالماء والفاكهة.
وقيل تنفخ على أولياء الله بالمسك والعنبر.
ثم قال { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } أي: في هاتين الجنتين / ذلك، وأعيد ذكر النخل والرمان وقد دخلا في جملة الفاكهة لفضلهما، كما قال:
{ مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلا?ئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَ?لَ }
[البقرة: 97]. وكما قال
{ حَافِظُواْ عَلَى ?لصَّلَوَ?تِ و?لصَّلَ?وةِ ?لْوُسْطَى? }
[البقرة: 238]. وكما قال
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ?للَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ?لسَّمَ?وَ?تِ وَمَن فِي ?لأَرْضِ }
[الحج: 18]. ثم قال
{ وَكَثِيرٌ مِّنَ ?لنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ?لْعَذَابُ }
[الحج: 18]. فأعيد هذا البيان. وقيل أنهما ليستا من الفاكهة. ثم قال { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } أي: في الجنتين الأوليين والثانيتين حور خيرات حسان، فأصله التشديد ولكن خفف كميت وهين ولا يستعمل على الأصل لطوله، والمعنى خيرات الأخلاق حسان الوجوه.
وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن جبير نخل الجنة جذوعها من ذهب وعروقها من ذهب وكرانيفها من زمرد، وسعفها كسوة لأهل الجنة، وثمرها كاللؤلؤ أشد بياضا من اللبن (أحلى من العسل وألين من الزبد) ليس له عجم..."
تفسير الهداية إلى بلوغ النهاية / مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ).