المرأة والقبيلة
كثيرة هي الاتهامات التي تم توجيهها إلى الفكر القبلي، في كونه يتجه إلى قمع المرأة، ويعيش ضمن منظومة الموروثات السلبية التي تحتكر صورة المرأة في العيب والعار.. أنا هنا لا أنفي معاناة المرأة مع التهميش بسبب بعض الموروثات، إلا أنني في الوقت ذاته لا أرى في أن هذه الموروثات هي بسبب مجتمع القبيلة، لذا فهناك من يقول بضرورة إلغاء القبيلة والاتجاه إلى المجتمع المدني! في رأيي الشخصي، أن الفكر القبلي هو نتيجة لفكر مجتمعي سائد، لذا يختلف من منطقة لأخرى، وفيه الكثير من الإيجابيات لو نظرنا له بلغة العصر كمجتمع مدني لجماعة تشترك في عناصر مختلفة تحت مسمى قبلي واحد، بهذا نخرج بمؤسسة مدنية رائعة.. وهنا أُفضل أن آخذكم بمثال لواحد من هذه الإيجابيات، فمثلاً في جنوب المملكة نجد من نفس القبيلة طوائف مذهبية مختلفة، في الوقت ذاته، كل هذه الطوائف تنضم تحت لواء قبيلة واحدة، هذا الأمر ألغى معضلة كبيرة هي أساس شق الصفوف ألا وهي “الطائفية”، فأفراد القبيلة بالمنظور القبلي كلهم سواسية.
أعود للمرأة والفكر القبلي بأمثلة حية لأصل وإياكم إلى جوهر الفكرة، وهي من تجربة شخصية عايشتها يوم الجمعة الفائت في قلب جنوب الأردن، محافظة الكرك، إذ تشرفت بدعوة الأستاذة زهرية الصعوب، المرشحة المستقلة في الانتخابات النيابية، لحفل افتتاح مقرها الانتخابي، أول ما لفت نظري هو الحضور المكثف لمشايخ ووجهاء عشيرة الصعوب، وقبائل وعشائر الكرك بشكل عام، والمشاهد الحية التي رأيتها كانت تُؤكد على أن رجال القبيلة هم من يدعم المرأة ويقف إلى جانبها، بل كانوا مليئين بالفخر والاعتزاز بابنتهم، ومنهم من قال هذا تصريحاً “أن زهرية الصعوب هي قبيلة من الرجال”، ومنهم من قالها تلميحاً بحضوره ودعمه لابنة عشيرته، أو ابنة منطقته، وهذا ليس بجديد على رجال العشائر والقبائل الأردنية، فقد كان لي تجارب سابقة منذ ما يزيد عن الخمس سنوات، في متابعة التجربة السياسية للمرأة الأردنية، ووجدت بالفعل أن كثيراً من النساء اللاتي فزن بالترشيح ونجحن في الحصول على مقعد بالبرلمان، هن من النساء المنتميات للقبائل، لذا يجدن الدعم الكامل من القبيلة، سواء بالترشيح أو بقيادة الحملات الانتخابية، وغيرها من أنواع الدعم المادي أو المعنوي.. لأن لديهم وعياً دينياً ووعياً سياسياً، وإيماناً عميقاً بضرورة تمثيل المرأة في السلطة التشريعية، ولو لم يكن هذا هو السياق الفكري لهذه المؤسسة القبلية، لكان بإمكانهم الخروج برجُل من نفس العشيرة كمنافس لها، لكسرها وثنيها عن خوض التجربة السياسية، بل إن احترامهم لها بأن تكون المرشحة الوحيدة للعشيرة، هو أساس الدعم المبني على الثقة بالمرأة، بعد أن أثبتت المرأة الأردنية حضورها ونجاحها في الشأن العام.
إن هذه الرؤية التي وددت إيضاحها من خلال تجربة الأستاذة زهرية الصعوب، هي تأكيد على أن الفكر القبلي لا يتعارض مع المدنية، ولا مع حقوق المرأة التي لا تتعارض مع جوهر الشريعة الإسلامية، بل إن المشكلة الأساسية في المجتمعات التي تُهمِّش المرأة، تتركز في الفكر المجتمعي، وهنا تكون القبيلة جزءاً من هذا المجتمع، وتفكيرها لن يخرج عن سياقه.
نقلا عن الجزيرة
أعود للمرأة والفكر القبلي بأمثلة حية لأصل وإياكم إلى جوهر الفكرة، وهي من تجربة شخصية عايشتها يوم الجمعة الفائت في قلب جنوب الأردن، محافظة الكرك، إذ تشرفت بدعوة الأستاذة زهرية الصعوب، المرشحة المستقلة في الانتخابات النيابية، لحفل افتتاح مقرها الانتخابي، أول ما لفت نظري هو الحضور المكثف لمشايخ ووجهاء عشيرة الصعوب، وقبائل وعشائر الكرك بشكل عام، والمشاهد الحية التي رأيتها كانت تُؤكد على أن رجال القبيلة هم من يدعم المرأة ويقف إلى جانبها، بل كانوا مليئين بالفخر والاعتزاز بابنتهم، ومنهم من قال هذا تصريحاً “أن زهرية الصعوب هي قبيلة من الرجال”، ومنهم من قالها تلميحاً بحضوره ودعمه لابنة عشيرته، أو ابنة منطقته، وهذا ليس بجديد على رجال العشائر والقبائل الأردنية، فقد كان لي تجارب سابقة منذ ما يزيد عن الخمس سنوات، في متابعة التجربة السياسية للمرأة الأردنية، ووجدت بالفعل أن كثيراً من النساء اللاتي فزن بالترشيح ونجحن في الحصول على مقعد بالبرلمان، هن من النساء المنتميات للقبائل، لذا يجدن الدعم الكامل من القبيلة، سواء بالترشيح أو بقيادة الحملات الانتخابية، وغيرها من أنواع الدعم المادي أو المعنوي.. لأن لديهم وعياً دينياً ووعياً سياسياً، وإيماناً عميقاً بضرورة تمثيل المرأة في السلطة التشريعية، ولو لم يكن هذا هو السياق الفكري لهذه المؤسسة القبلية، لكان بإمكانهم الخروج برجُل من نفس العشيرة كمنافس لها، لكسرها وثنيها عن خوض التجربة السياسية، بل إن احترامهم لها بأن تكون المرشحة الوحيدة للعشيرة، هو أساس الدعم المبني على الثقة بالمرأة، بعد أن أثبتت المرأة الأردنية حضورها ونجاحها في الشأن العام.
إن هذه الرؤية التي وددت إيضاحها من خلال تجربة الأستاذة زهرية الصعوب، هي تأكيد على أن الفكر القبلي لا يتعارض مع المدنية، ولا مع حقوق المرأة التي لا تتعارض مع جوهر الشريعة الإسلامية، بل إن المشكلة الأساسية في المجتمعات التي تُهمِّش المرأة، تتركز في الفكر المجتمعي، وهنا تكون القبيلة جزءاً من هذا المجتمع، وتفكيرها لن يخرج عن سياقه.
نقلا عن الجزيرة