خاطرة القلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان فسوّاه ، وقدّر له أمره وإليه هداه ،
وأمره بالحقّ وإليه دعاه ، وبيّن له الباطل وعنه نهاه ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ربّ لنا سواه ،
وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا وحبيبنا محمّداً عبده ورسوله ومصطفاه ،
فضّله ربّه واجتباه ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه
الذين اهتدوا بهداهوبعد :
إن أفضل أحوال الإنسان وأعظمها وأشرفها هو حال ذكره لله عز وجل وصلته به
وذلك لأنه إذا ذكر الله خالقه صفت نفسه واطمأنّ قلبه وتألّقت روحه وسما فكره
واندفعت عنه وساوس الشّيطان ، وإذا نسي الله ذهل عن نفسه واجتالته الشّياطين
فشوّشت عقله وبثّت في قلبه الوساوس وألقته في متاهات الحيرة والضّلال
قال تعالى :{ نسوا الله فأنساهم أنفسهم }
وإذا أكثر العبد من ذكر الله عز وجلّ انقدح في قلبه نورٌ مضيءٌ ،
فتنجاب عن بصيرته الظّلمات وتنكشف له حقائق الأشياء كما قال تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلا ، هو الذي
يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور وكان بالمؤمنين رحيماً }
والإنسان أحوج ما يكون إلى ذكر الله تعالى والصلة به في هذا العصر
( عصر الطوفان ) الشّهواني والمادّي حيث عصفت الأهواء بالقلوب وأحالت
الشهوات المستعرة حياة البشرية إلى جحيم لا يطاق فأخذ الإنسان يبحث عن ظلّ
يأوي إليه يخفّف فيه عن نفسه وهج الشّهوات وقسوتها وضغطها على أحاسيسه
ولكنّه أخطأ طريق الواحة التي يجد فيها الطمأنينة والرّاحة حين ظنّ أنّ ذلك
يكمن في مزيدٍ من استثارة شهوات الجسد ، وتوهّم أنّ لهذه الشهوات نهايةً
يمكن أن يقف عندها فيسعد ويستريح ، ولم يفطن إلى أنّ الشهوة كالنّار كلما زدتها
وقوداً ازدادت ضرامةً واشتعالاً ، وهكذا ظلّ يلهث وراء ( أخيلة سعادة )
ويجري وراء ( سراب راحة ) وأصمّ سمعه عن نداء الله ينادي به الحائرين
الباحثين عن الطمأنينة يدلّهم على الطريق الموصلة إليها حيث يقول :
{ ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب }فلا حيلة إذاً في هذا الزمن الصّعب الخانق
إلا بالرجوع إلى الله وعقد صلةٍ معه والإكثار من ذكره صباح مساء وفي كل الأحوال
والأوقات ، فهو وحده يهب الحياة ويسكب الطمأنينة وينزل السكينة ويشرح الصدور .
وقد أجمع العلماء على أن خير الأذكار ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأنّه أعلم الخلق بأفضل ما يتعبّد به الله عزّ وجلّ من قول وفعل ، ولذا كان
أقرب الطرق إلى الله طريق رسول الله عليه الصلاة والسلام .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه النفيس ( الأذكار ) :
فعلم بهذا أنّ أفضل حال العبد حال ذكره لله ربّ العالمين واشتغاله بالأذكار
الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ونقل ابن علان في شرحه
لأذكار النووي عن القاضي عياض قوله :
فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه عليه الصلاة والسلام وقد احتال الشّيطان
للناس من هذا المقام فقيّض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها
عن الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام وأشدّ ما في الحال أنهم ينسبونها إلى
الأنبياء والصّالحين فيقولون : دعاء نوح ، دعاء يونس ، دعاء أبي بكر الصديق
فاتقوا الله في أنفسكم ، لا تشتغلوا من الحديث إلا بالصّحيح .
ونقل ابن علان عن الإمام أبي بكر محمد بن الوليد أنه قال في كتابه الأدعية :
ومن العجب العجاب أن تُعرض عن الدعوات التي ذكرها الله في كتابه عن
الأنبياء والأولياء والأصفياء مقرونة بالإجابة ثمّ تنتقي ألفاظ الشّعراء والكتّاب
كأنّك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم ثم استعنت بدعوات من سواهم .
ومن الكتب التي ذكرت فيها الأذكار الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام :
كتاب ( عمل اليوم والليلة ) للنسائي ومثله لابن السّنّي وكتاب ( الترغيب والترهيب )
للحافظ المنذري وكتاب ( الأذكار ) للنووي وكتاب ( إحياء علوم الدين )
للغزالي وتخريج أحاديثه للحافظ العراقي .
نسأل الله أن يجعلنا ممن يكثر ذكره ويحفظ أمره وأن يعمر قلوبنا بمحبته
وجوارحنا بطاعته ، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا وأن يحسن ختامنا ويجعلنا
عنده يوم القيامة في مقعد صدق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
- اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الحق في الرضى والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى ، وأسألك نعيماً لا ينفذ، وأسألك قرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضى بعد القضاء، أسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.
- اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ، ومن شر بصري ومن شر لساني ، ومن شر قلبي .
- اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت ، أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون.
- اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
- اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علم لا ينفع.
- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين